|
لمحات من تاريخنا الإسلامي، أو هكذا تخلفنا و تقدم الآخرون
مصطفى بولهريس
الحوار المتمدن-العدد: 4395 - 2014 / 3 / 16 - 08:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في العصر الوسيط، كانت القارة الأروبية غارقة في بحر من الجهل و التخلف العميق، وكان الإنسان فيها بلا إرادة و لا قيمة، تتقاذَفُــه أمواج الظلمات و فتاوى رجال الدين في الكنيسة الذين صاروا حينها أشباه آلهة، لا يأتيهم الخطأ من بين أيديهم ومن خلفهم في نظر البسطاء، بل وصل الأمر إلى حد قيام الناس في البلدان الأروبية بشراء " صكوك الغفران"، ومعناها أن تقدم مبلغا ماليا إلى الكنيسة مقابل شراء المغفرة و ضمان مقعدك في الجنة !!! و يزداد المقعد جمالا كلما دفعتَ ثمنا أكبر، في واحدة من طرائف التاريخ الأسود لأروبا. وفي نفس العصر، ونفس الفترة بالضبط، كان المسلمون في قمة ازدهارهم، حيث انتشرت المعرفة و اتسعت العلوم بمختلف اتجاهاتها الفلسفية و الفيزيائية و الأدبية و الفكرية و غيرها. و تزامن هذا الازدهار مع الحكم العباسي و مع وصول فرقة المعتزلة إلى قصور السلاطين، فتم استخدام العقل الإسلامي عوض تجميده مثلما يفعل الفكر التقليدي المتجمد الذي مايزال طاغيا على جزء مهم من المسلمين، حيث يعمل علماء المعتزلة بقاعدة تقول : " كل ما قبحه العقل فهو قبيح و كل ما حسَّنه فهو حسن"، وفي هذا العصر ظهرت بعض الكتب التي ستغير التاريخ البشري فيما بعد، أهمها أعمال المفكر العظيم ابن رشد، الذي قاوم الفكر التقليدي المتصلب المتمثل تحديدا في الإمام الغزالي رغم كل فضله على العلوم الشرعية، ثم ظهر ابن سينا و الرازي و الفارابي والكندي و القائمة عريضة، وكلهم علماء كبار غيروا وجه العالم لأنهم تخلوا عن الفكر التقليدي الذي يرفض التجديد و الأقلمة و العقلانية، ويحب التسطيح و التدجين و يخاف أشد الخوف من اكتشاف الناس لنعمة العقل، و لم تنهض أروبا إلا عندما لجأت إلى الانتفاضة في وجه رجال الكنيسة فكانت أعمال مارثن لوثر و جون لوك ذات أثر بالغ، حيث انتقدوا بشدة رجال الدين و الأنظمة الإقطاعية الحاكمة تحت دريعة "الحق الإلهي" و هي عبارة تشبه ما يسميه شيوخ السلاطين عندنا ب"أولي الأمر"، كما لو أن الحاكم يستمد سلطته من الله !! و منذ ذلك الحين ترجم الغرب كتب العرب التي هي بدورها ترجمة لكتب اليونان، فبدأت الأنوار تتسرب قليلا إلى الظلام الدامس والصمت الرهيب الطاغي على أروبا في العصر الوسيط و بدأ الإنسان يتحرر شيئا فشيئا من أوزار الجهل وأوحال التخلف، فظهر عصر النهضة الأوروبية ثم الأنوار لتدخل أروبا رسميا في العصر الحديث بكامل قواها العقلية السليمة ومن هناك تفوقوا علينا أحسن تفوق. أما نحن، فقد اختار الفكر التقليدي عدم الاستسلام، فقام بتصفية فكر المعتزلة و تم إحراق كتب ابن رشد و قطعت آلاف الرؤوس الرافضة للجهل، فعاد التخلف من جديد ليحكم الأمة و تراجعت العلوم حتى اختفت وانصهر الازدهار الاسلامي حتى اختفى بالكامل، ثم عادت الأساطير و الخرافات، لتدخل الأمة الاسلامية عصر الانحطاط و الرسوب بكل ضعفها و هوانها، والسبب ليس ترك الدين كما يقول المؤرخون السلفيون، لأن الدين ما زال مستمرا، إنما هو إلغاء للاجتهاد والعقل ونشر ثقافة التدجين والخوف و التسلط والركوع و الخنوع للسلاطين، واستمر هذا التخلف إلى يومنا هذا، وكلما ظهر من يقول الحقيقة يكون له المتخلفون له بالمرصاد فيصفونه بتهم جاهزة كالزنديق و الكافر و غير ذلك من المصطلحات التي تجاوزها الزمن، وهذا ما حدث مع محاولات النهضة العربية منذ القرن التاسع عشر بقيادة بعض شيوخ الدين الأجلاء أمثال رفعة الطهطاوي و محمد عبده و آخرين... حيث تم وأد هذه المحاولات، و قتلها في مهدها . فاستمرت أروبا على النهج العقلاني وأسقطت الديكتاتوريات و الاستبداد وحررت الإنسان وأعادت إليه كرامته وحريته وبنوا حضارة ديموقراطية رغم كل ما يشوبها من اختلالات إلا أنها غاية في الرقي والحق يقال، ثم بقي العرب عبيدا لبعضهم البعض، عبيدا للمال والسلطة والغرائز المكبوتة، لا عدالة في أوطانهم ولاحق، لاعلوم و لا تقدم و لا كرامة و لا قيمة للبشر بسبب ثقافة التخلف الموروثة من العصور الغابرة والتي ازدادت وعادت بفضل وسائل الإعلام و المدرسة التي تعيد إنتاج التخلف ... رغم كل البشائر التي تظهر هنا وهناك والتي تثلج الصدر و تمنح الأمل في غذ أفضل، وهو الغذ الذي لن يأتي إلا بنزع طابع القداسة عن كل ماورثناه من ثقافة و أفكار قديمة، و أخذ ما يلائم عصرنا من القرآن الكريم باعتباره الكتاب الوحيد الذي لا شك في صحته، و نشر ثقافة القراءة و حب العلم و القيم النبيلة التي جاء بها القرآن مثل الإخاء والمحبة والأخلاق السامية و الصدق و العدل و الحث على التفكير السليم واستخدام العقل و رمي الخرافات في المزابل و تغيير المنكر بالتي هي أحسن عوض تزكيته كما يفعل شيوخنا الآن الذين يصبغون يوميا جدران قصور الحكام عبر الشاشات. ثم الاستفادة مما توصلت إليه البشرية من أنظمة حكم رشيدة و طرق راقية في تسيير شؤون الناس و أساليب التدريس المتقدمة، دون السقوط طبعا في فخ التبعية الذي سقطنا فيه بشكل غير مناسب. هذه هي معركة الشعوب في الدول الإسلامية اليوم، و الأمل كبير في نجاحها رغم كل الشعبية التي يتمتع بها الفكر التقليدي المتجمد بسبب انتشار الأمية و الجهل و التسلط و استغلال الاعلام و التكنولوجيا لترويج الأوهام والتدجين (...)
#مصطفى_بولهريس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|