أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بوادني - مشكلة السياسة داخل المدينة الفاضلة عند أفلاطون















المزيد.....

مشكلة السياسة داخل المدينة الفاضلة عند أفلاطون


محمد بوادني

الحوار المتمدن-العدد: 4395 - 2014 / 3 / 16 - 08:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




لا بد لنا قبل أن نشرع في بحث أفكار أفلاطون السياسية كما تكشف عنها محاورة الجمهورية، أن ننزع من أذهاننا تلك الصورة الشائعة لأفلاطون، التي يتمثل فيها مفكرا نظريا بحثا يزدري الأمور العلمية ويترفع عنها، ويحلق بفكره في عالم لا يعد عالمنا الواقعي هذا إلا ظلا أو إنعكاسا باهتا له، ومن المؤكد أن أفلاطون ذاته قد أسهم بدور كبير في رسم هذه الصورة، أو في نسج هذه الأسطورة. إذ أنه كان على ما يبدو يفضل أم يتمثل للناس على هذا النحو، ومع ذلك فقد كان في حياته يسلك مسلكا مختلفا كل الإختلاف.1
و يعتير أفلاطون أول من وضع نظاما سياسيا فلسفيا صاغه في الجمهورية وفي النواميس لاحقا، إذ حسب تصوره أن المشكلة الفلسفية الحقيقية، إنما هي مشكلة سياسية تقع في صميم المجتمع وحياته المدنية التي تحتاج إلى إعادة بناء جدري بغية قيام نظام مثالي، وقد كان لهذا التصور الفكري صلة بحياته وخبرته سياسيا وإجتماعيا وفنيا وأدبيا وعسكريا أيضا. بحيث أنه سليل أسرة عريقة بالمجد والشرف السياسي والإجتماعي من جهة ، وقد مارس من جهة آخرى نظم الشعر وتأليف المسرحيات و نبغ في الرياضيات و البلاغة و الموسيقى، كما شارك في الحروب البلوبونيزن، يضاف إلى ذلك سفراته و رحلاته لطلب العلم و المعرفة ومنها ذهابه إلى مصر، علاوة على المرارة النفسية التي ذاقها منذ إعدام أستاذه سقراط بدوافع سياسية وليست فكرية ، بالإضافة إلى بيعه في سوق صقلية كالعبيد لسبب سياسي لا أكثر.
كل هذه الأحداث والقضايا والأسباب خلقت عند أفلاطون رؤية فلسفية مميزة، قدم من خلالها الحل الأمثل لمشكلة السياسة داخل المدينة ( الدولة ) الفاضلة .
وبما أن الحياة السياسية عبر كل العصور فيها شرور وبطش وفساد ، لذا شيد أفلاطون جمهوريته النظرية القائمة على أسس العلم والمعرفة من ناحية، والمحكومة بقيادة العقل والفلسفة من ناحية أخرى. لهذا شكلت السياسة داخل المدينة الفاضلة الدافع الأول لإنشائها إلا أن أفلاطون إعتبر أن السياسة تتجلى في العدالة داخل المدينة، وذلك من خلال الفضيلة التي إعتبرها هي العدالة في الفرد. ولكي يبني أفلاطون العدالة على أساس متين وجب عليه دراسة المجتمع، باعتباره ظاهرة طبيعية نشأت عن تعدد حاجات الفرد وعجزه عن قضائها وحده.
فالناس إجتمعوا على خير حاجياتهم الضرورية ولم تكن لهم مطامع، وكونوا بذلك ما يسمى بمدينة الفطرة التي كانت شبيهة بالبراء السعيدة ، ومع وصولهم إلى جمال الشرف والفن، إزدادت حاجياتهم وإستحدثوا الصناعات لإرضائها وضاقت الأرض بمن عليها، ونشبت الحروب و تألفت الجيوش ونشأت المدينة العسكرية. ولكي نصل إلى مدينة تسودها العدالة وجب أن تكون لها ثلاث و ظائف حسب أفلاطون هي الإدارة و الدفاع و الإنتاج مثلها مثل النفس التي تتكون من القوة الناطقة و الغاضبة والشهوانية . وهذه التراتبية في الحكام والجند والشعب ، فالطبقة الأولى والثانية هم حراس المدينة.2 ولكي نحصل على حراس أقوياء وجب رعايتهم مند طفولتهم وذلك بالتغدية الصحية والرياضة البدنية، وأن يغدوا أنفسهم بالآداب والفنون. وتكون سهلة لذيذة لأن الإكراه لا يكون الرجال الأحرار، وتكون فاضلة تبدأ بسرد القصص الجدية البريئة والشعر العفيف ، الذي يحاكي الخير.
أما الفن الذي ينشر الكسل والخمول والشر والفساد داخل المدينة، فيجب تجاوزه ومنعه من الإنتشار داخل أوساط الشعر، إذ ليست الغاية من الفن توفير اللذة بل التهديب والتطهير.3
وإستكمالا لمنهج التربية وبعد بلوغ الثامنة عشر ينقطع الحراس عن الدراس ويزاولون الرياضات البدنية والتمرينات العسكرية، وهم على هذه الحال حتى بلوغ العشرين فيتم عزل الأجدر وتدريسهم الحساب و الهندسة و الفلك والموسيقى، لأنها علوم تنبه الروح الفلسفي. ويتم توفير أهم المؤن و يبتعدوا عن كل ما يحرك في أنفسهم حب الإستغلال والتملك والتسلط، لأنهم حراس لأجل المدينة و ليست المدينة لأجل الحراس ويحمد هؤلاء الشعب إطعامهم إياهم ويحمد الشعب لهم حراستهم إياه، و بذلك ينتهي الحسد والنزاع.
والحراس لهم الإدارة و الدفاع، أما الإنتاج فهو مشروك لشعب من زراع وصناع وتجار، فالحراس يتكونون من ذكور وإناث على السواء يسري عليهم جميعا نفس النظام، والغاية من إشتراك النساء توفير الدولة نساء ممتازات إلى جانب رجال ممتازون ينجب منهم نسل ممتاز، ولا يتم الإكتفاء بنزع شهوات الحياة المادية وشواغلها من الحراس فقط، بل حتى عواطف الأسرة وشواغلها فيجدر عليهم أن تكون لهم أسر ويكونوا جميعا للجميع، ويكونون أسرة واحدة. يعتبر بعضهم البعض قريبا ويعامل بعضهم بعضا على هذا الإعتبار فيتسع مجال التعاطف والتحاب.
وحين بلوغ الحراس الثلاثين يميز من بينهم أهل الكفاية الفلسفة رجالا ونساء، الذين يتوفر فيهم محبة الحق وشرف النفس وضعف الشهوة و سهولة الحفظ، وإجتماع هذه الصفات نادر وتأليفها بالقدر ألزم عسير.
فالحرس الفلاسفة أقلية يقضون خمس سنين في دراسة الفلسفة والتمرن على المناهج العلمية، ثم يتم الزج بهم في الحياة العامة، ليشغلوا مناصب حربية و إدارية إلى سن الخمسين. ومن يتفوق في العمل كما في النظر يصبح من الحكام، فيعيش حياة الفلاسفة المتوفرين على تأمل المعقولات الصرفة والخير المطلق وصولا إلى الكمال . 4 فالحكام يجب أن يكونوا فلاسفة يعلمون الخير ويريدونه إرادة صادقة، والفيلسوف هو الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يتصور القوانين العادلة تصورا علميا، وأن يلقنها للآخرين بأصولها وبراهينها.
أما تصور السياسيين العمليين إن أصاب فهو ضني لاينتقل للغير، فالفلسفة هي الطريق نحو سياسة محكمة مستديمة، لتظل المدينة بذلك واحدة متحدة حكيمة من حيث إن أولي الأمر فيها إلى الحكماء، وشجاعة من حيث أن التربية الفاضلة قد طبعت العدالة في قلوب الحراس فعرفوا ما يطلب وما يجتنب، وعفيفة تكبح شهواتها وتنظم ملذاتها وتحارب الثرف والفقر على االسواء.5
وبعد أن انتهى أفلاطون من وصف دولته المثالية العادلة ومواطنها الحكيم العادل، بقي عليه أن يبحث في الدول الفاسدة، وغايته في النهاية أن يبين الفرق الشاسع بين سعادة المدينة الفاضلة وشقاء المدينة الظالمة .6 حيث إذا فسدت هذه المدينة تدهورت من حكومة إلى أخرى ، حتى تبلغ أسوأ حكومة وكأنها مدفوعة بقوة قاهرة وقانون ضروري، إذ يمكن أن تأخد الحكومة الفاسدة عدة أشكال. فهي إما أن تكون تيمقراطية أي لها حاكم مولع بالمجد و السلطان وهو الشجاعة خرجت عن العقل ، وإما أن تكون أوليغارشية و يكون لها حاكم شره بالمال يخلوا من كل عاطفة شريفة، أو أن تكون ديمقراطية لها حاكم متقلب مع الأهواء ليس لحياته قاعدة، وليس فيها إكراه يتوهم خيره في الحرية المسرفة فيقتله هذا الإسراف ، وهناك أيضا الحكومة الطاغية يكون حاكمها متهتك جلاد سارق مجرم خائف أبدا لا يعاشر غير الأشرار و يعاشرونه ليفيدو منه.
ولاستكمال هذه المدينة التي نظرلها أفلاطون كان لابد من وضع قوانين ودستور ينظم عملها، و هذا ما سيطرحه هذا الأخير من خلال كتاب > الذي وضعه في مرحلة الكهولة، محاولا تجاوز كل النواقص التي طالت الكتاب الأخرى >، بحيث نجد في هذا الكتاب المراحلة الختامية في تطور الفكر السياسي لأفلاطون .
إذ لم يعد أفلاطون مرتبط بعالم المثل العليا والخيال، بل أصبح أكثر قربا من العالم الواقعي ، لهذا جاء كتاب القوانين وهو آخر كتبه ، وقد حشد فيه خبرة السبعين عاما التي عاشها مفكرا وممارسا للحياة بوجهيها الأبيض والأسود.7 ليضع من خلاله مجموعة من القوانين تحدد الجماعة و يمكنها أن تؤدي إلى أفضل النتائج التي يحصل عليها في نظام سياسي عملي واقعي . حيث يتألف هذا الكتاب من إثني عشر كتاب، تشكل الثلاثة الأولى منه مقدمة عامة واسعة مهيأة لفتح الذهن على القضايا التي يطرحها تأسيس المدينة، ومعنى الدساتير والتشريعات ( إن الكتاب الثالث ، بالخصوص ، هو عبارة عن درس تاريخ لمدح القياس . والإعتدال ، ونوع من خطاب حول التاريخ العالمي). فيما بعد يأتي تفصيل النصوص التشريعية، بالمعنى الواسع ، و المتضمنة للحقوق الدستورية والإرادية و المدنية و الجنائية ، وهذا دون نسيان التنظيم القضائي و الإجراءات، وذلك حتى الصفحات الأخيرة من الكتاب الثاني عشر حيث يأتي المجلس الليلي ليشد بقوة إنتباه القارئ.8


الهوامش

1- جمهورية أفلاطون. دراسة و ترجمة فؤاد زكريا. مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب و إبداع 1973. ص 77
يوسف كرم. تاريخ الفلسفة اليونانية. طبعة جديدة. ص 100 2-
3- تاريخ الفلسفة اليونانية. مرجع مذكور سابقا. ص 102
4- تاريخ الفلسفة اليونانية. مرجع مذكور سابقا. ص 104/105
5- - مصدر الجمهورية م4 و5 و6. مرجع. يوسف كرم. تاريخ الفلسفة اليونانية. طبعة جديدة. ص 106
6- ذ. أمير حلمي مطر. جمهورية أفلاطون. مهرجان القراءة للجميع. مصر. 1994. ص 36
7- القوانين لأفلاطون. ترجمة من اليونانية إلى الإنجليزية ذ. تيلور. نقله إلى العربية محمد حسن ظاظا. مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986. ص 10
8- مصدر أفلاطون. الأعمال الكاملة. الجلد الحادي عشر. الجزء الأول. القوانين. مقدمة دياس و غرنيه. عن مرجع. جان جاك شوفالييه. تاريخ الفكر السياسي. من المدينة الدولة إلى الدولة القومية. ترجمة. ذ. محمد عرب صاصيلا. المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع. الطبعة الأولى. بيروت 1985. ص 54



#محمد_بوادني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يورغن هابرماس والليبرالية السياسية


المزيد.....




- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...
- إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق ...
- مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو ...
- وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
- شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
- فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بوادني - مشكلة السياسة داخل المدينة الفاضلة عند أفلاطون