|
المملكة المغربية، فرنسا و دول الساحل و الصحراء
بودريس درهمان
الحوار المتمدن-العدد: 4391 - 2014 / 3 / 12 - 16:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ الفترة التي تم فيها الكشف عن الموروث الخرائطي الفرنسي الى حدود زيارة الرئيس الفرنسي لمدينة تلمسان المغاربية يمكن التأكيد بأنه اصبحت هناك قراءة خطية Linéaire واضحة لتطور المعطيات التي تخص شمال افريقيا ودول الساحل و الصحراء و هذه القراءة الخطية يصعب على أي محلل دبلوماسي التزحزح عنها لأنها عبارة على احداث تاريخية ثابتة و هذه القراءة الخطية هي كالتالي: سنة 2010 تم الكشف من طرف وزارة الدفاع الفرنسية عن حجم مهم من الحقائق الجغرافية و التاريخية لمنطقة شمال افريقيا و دول الساحل و الصحراء، و شهر ماي 2012 وصل الرئيس فرانسوا هولاند الى سدة الرئاسة و مع شهر يونيو 2013 دخل حيز التنفيذ اتفاق واكادوكو حول الحرب الاهلية في دولة مالي. حدد هذا الاتفاق شهر يوليوز كتاريخ لإجراء الانتخابات في كل المناطق المالية كما اعطى مهلة شهرين بعد هذا التاريخ لإجراء المفاوضات بين الاطراف المالية حول وضع المؤسسات بمالي و حول كيفية تنظيم الجهات بهذه الدولة. هكذا مع نهاية شهر يوليوز 2013 تكون كل الالتزامات المنصوص عليها في اتفاق واكادوكو حول الوضعية في مالي قد بلغت الى نهايتها مما عمل على تحرير تحركات المملكة المغربية التي عمل اتفاق واكادوكو تحت ضغط الدبلوماسية الجزائرية الحد من هذه التحركات. بسبب الضغوطات الجزائرية نص اتفاق واكادوغو على تدخل اطراف بعينها بما فيها الجمهورية الجزائرية و المنظمة المسيحية سانت اخيديو للمساعدات الدولية في حين المملكة المغربية كقوة عسكرية و دبلوماسية في شمال افريقيا تم استبعادها استبعادا كليا. و مع نهاية الاجال المحددة في اتفاق واكادوكو وجدت المملكة المغربية نفسها متحررة من الالتزام الذي فرضه عليها هذا الاتفاق و الذي حرمها من اي مساهمة. بين المملكة المغربية ودول الساحل و الصحراء تشكلت عبر التاريخ اعمدة سياسية دينية و اقتصادية قوية عملت على خلق توازنات و على خلق حالة استقرار دائم عبر التاريخ، لكن بمجرد ما تمت عملية استبعاد المملكة المغربية عن المنطقة سواء بواسطة قرارات الدول العظمى بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية فرنسا و بريطانيا العظمى او بواسطة بنود اتفاق واكادوكو، بمجرد ما تمت هذه العملية التي انطلقت مع عهد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ذي القرارات الأطليسية الحادة بدأت المنطقة تعرف حالة مزمنة من عدم الاستقرار و تعرف كذلك حالة دائمة من التهديد من طرف الارهاب الدولي الذي يتزعمه تنظيم القاعدة و التنظيمات التي تدور في فلكه. من بين الاعمدة السياسية و الاقتصادية القوية التي تشكلت في المنطقة الممتدة من المملكة المغربية الى دول الساحل و الصحراء هناك عمادين قويين و هما عماد أكادير داكار و عماد تامبوكتو فاس. العماد الاول هو عماد اقتصادي تصديري و العماد الثاني هو عماد اقتصادي استيرادي وعادة ما ساهم الاسبان و الالمان عبر التاريخ في التكفل بما هو لوجيستيكي لتسهيل صفقات العماد الاول الذي هو عماد اكادير دكار، لكن انطلاقا من تسعينات القرن الماضي عملت الجمهورية الفرنسية على تحويل هذا العماد الى فرجة سياحية بالسيارات و الدراجات النارية. من خلال الاتفاقات التي انجزتها المملكة المغربية مع الاربع دول التي زارها ملك المملكة المغربية و الوفد المرافق له يتضح ان العمود الاقتصادي السياسي المساهم في هذه الصفقات هو عمود أكادير داكار التصديري مما يفسر الانكماش و التراجع الذي بدأ يعرفه السياسيون الذين يتحركون بداخل العماد الاستيرادي المتمثل في عماد فاس تامبوكتو. سنة 2010 تم الكشف عن الحقائق الجغرافية التاريخية لمنطقة شمال افريقيا و دول الساحل و الصحراء من طرف قسم من وزارة الدفاع الوطني الفرنسي، و يتكون هذا الكشف من 5640 صفحة الكترونية عمل على التقديم لها الجنرال الفرنسي جيل روبير Gilles Robert رئيس القسم التاريخي للدفاع الوطني الفرنسي. و هذا الكشف على ما يبدو هو هدية مسمومة من الجمهورية الفرنسية الى مستعمرتها السابقة التي هي الجمهورية الجزائرية. لان هذا الارشيف الوثائقي الجغرافي أرخ للتراب المغاربي منذ سنة 1770 لما التحق مجموعة من المهندسين الجغرافيين بما يسمى في الحوليات التاريخية الفرنسية ب"المخزون الحربي" Dépôt militaireو الذي يعتبره الفرنسيون الأب الروحي لـ"القسم التاريخي للدفاع الوطني الفرنسي". هذا القسم التاريخي للدفاع الوطني الفرنسي انفصل سنة 1885 عن القسم الجغرافي؛ و سنة 1940 تحول القسم الجغرافي إلى "المعهد الجغرافي الوطني"... نصيب التراب الجزائري من هذا الموروث الجغرافي هو بالضبط 1819 خريطة جغرافية مضاف إليها حوالي 600 ورقة خرائطية... هذا الموروث الخرائطي العلمي وضح حدود و طبيعة التراب الجزائري. الهدية المسمومة التي من خلالها تم فضح تحول حجم التراب الجزائري خلال اكثر من ثلاثة قرون تتجلى في عنوان هذه الهدية المسمومة التي ستمهد لا محالة لما سيأتي من التحولات الضرورية في المنطقة. عنوان هذه الهدية المسمومة و التي هي في نفس الوقت عمل علمي تاريخي يستحيل لأي كان ان يشكك في حقائقه و معطياته العلمية، عنوان هذا العمل هو: « A la découverte d’un territoire » و الترجمة العربية للعنوان هي "استكشاف تراب". في التقديم لهذا الانجاز العلمي الهائل كتبت محافظة الموروث الخرائطي الفرنسي السيدة Marie-Anne de villèle و معها السيدة المساعدة Claude de Ponnou المكلفة بالدراسات الوثائقية في نفس القسم الخاص بالدراسات التاريخية للدفاع الوطني الفرنسي بأن العلاقات القوية التي تربط الجمهورية الفرنسية بالجزائر تفسر بدون اي عناء هذه العينات الخرائطية التي تم الكشف عنها و منذ سنة 1830 الى سنة 1950، مما يعني أن هناك عينات خرائطية اخرى بحكم الصداقة الفرنسية الجزائرية لم يتم الفصح عنها. المعطيات الجغرافية و الخرائطية التي تم الكشف عنها هي معطيات علمية تاريخية صادرة عن مؤسسة فرنسية لديها مصداقيتها الدولية و تعتبر وثائقها مرجعية قانونية لن تستطيع أي جهة دولية التشكيك فيها او نعتها بعدم المصداقية، و حينما تم الكشف عن هذا الموروث الخرائطي العلمي كنت اعتقد شخصيا بأن وزارة الدفاع الفرنسية و معها الدولة الفرنسية ستدفعان في اتجاه بلورة سياسات و ديناميات جهوية تواكب و تتصالح مع المعطيات التاريخية الواقعية التي كشف عنها ذلك الموروث الجغرافي ، لكن أي شيء من هذا التوقع لم يحصل حيث السياسة التي اتبعتها الجمهورية الفرنسية افصحت عن العكس، و تم تغيير مجرى المعطيات من مجرى تاريخي واقعي الى مجرى سياسوي ايديولوجي ضيق حيث انطلاقا من شهر ماي 2012 و هو الشهر الذي عرف وصول فرانسوا هولاند الى سدة الرئاسة الفرنسية تم مزج المعطيات التاريخية التي كشف عنها الموروث الخرائطي الفرنسي بالسياسات المترجمة للقناعات الايديولوجية للفريق الذي يعتمد عليه الرئيس من اجل صياغة سياسات الدولة الفرنسية التي تخص الشؤون الخارجية و التي من خلالها تم العمل على تعميق عملية استبعاد المملكة المغربية عن عمقها الساحلي الصحراوي الذي عبره كانت تمارس التجارة و التواصل الحضاري مع مكونات المنطقة. المؤرخ الفرنسي برنار لوكان المختص في الدراسات الافريقية و المحاضر في المدرسة الحربية لباريس اصيب بخيبة امل جراء هذا التوجه الايديولوجي الضيق للرئاسة الفرنسية مما دفعه الى القاء محاضرة في الامم المتحدة قام خلالها توضيح المعطيات السوسيولوجية و التاريخية للمكونات السياسية لدول المنطقة كما قام خلال هذه الندوة بتوضيح التحولات التي عرفها تراب دول المنطقة و ذهب الى حد نعت النظام الجزائري بالنظام الايديولوجي الطارئ على المنطقة. و لما تعمقت خيبة امل هذا المؤرخ المتفرد في طروحاته ذهب حد التنسيق مع جمعية حقيقة و مصالحة التي تمزج بين مبادئ اليسار المتطرف و قيم اليمين المتطرف و التي يتزعمها المفكر اليميني الان سورال.
#بودريس_درهمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجمهورية الفرنسية هي أنثى
-
فشل العسكر الجزائري في منطقة الساحل و الصحراء
-
العسكر الجزائري خارج منطقة شمال افريقيا
-
الاخوان سرقوا الثورة و مرسي حصان خاسر
-
هل حكومة عبد الاله الثانية حكومة دستورية؟
-
أولويات الجلسة الثامنة و الستون للجمعية العامة للأمم المتحدة
-
الاسلام الجهادي هو عنصر تفكيك للدول
-
العوامل الاربعة للانفراج المقبل
-
متى كان للإخوان تصور للدولة؟
-
موسم الفرار من السجون
-
لماذا يصلح رئيس الحكومة ؟
-
حكومة بنكيران هي حكومة دستورانية فقط
-
هذا ما جناه دستور الاخوان
-
مطلب الانفصال عن الوطن الام غير متضمن في تشريعات الدول الديم
...
-
نظام سياسي مندمج أفضل من نظام سياسي لا هو بالفدرالية، ولا هو
...
-
أزواض الثانية النائمة في الصحراء من اجل صياغة وثيقة اطار لحم
...
-
النصوص التشريعية الغير ممعيرة دوليا و دخول العقل المعرفي للم
...
-
الحكم الذاتي خيار اوروبي بالقانون مرة أخرى
-
الرهانات الحقيقية هي الرهانات العلمية
-
المملكة المغربية و مسلسلات الاستنبات السياسي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|