نهاد عبد الأمير الناصر
الحوار المتمدن-العدد: 4391 - 2014 / 3 / 12 - 11:48
المحور:
المجتمع المدني
من المناسب القول ومنذ البداية أنني لا أتكلم هنا عن الهوية الوطنية او الهوية العراقية ومشاكلها والتحديات التي تواجهها اليوم وسط التقاطعات السياسية المدمرة للنسيج المجتمعي والذي يُهدد كيان تلك الهوية بشكل مباشر وفي أعلى المستويات.
لا أتكلم عن هذه الهوية هنا ،،،
الذي أود ان اقوله وببساطة ،، هي فكرة أن نكون "كأشخاص" بلا هوية واحدة أو عنوان واحد .... !!
أو بمعنى آخر ،، نكون نحن بهويات متعددة (ومركبة) ومن دون ان تختزلنا هوية ما من جهة ،، أو نختزل نحن هوية ما وبعنصرية وأنانية مفرطة من جهة أخرى .... !!
فاذا كانت الهوية - بالمطلق - هي مجمل السمات التي تُعبر عن شخص الانسان وتميزه عن أقرانه ، فان الهوية الواحدة هي السمة الأكثر تعبيراً (وتمثيلاً) لذلك الانسان وسيرته وحركته في المجتمع وبمن هم حوله ، وهذا الشيئ لا عيب فيه اذا فَهِم ذلك الانسان تلك الهوية الواحدة ضمن سياق الهويات الأخرى التي تكونه وتعبر عنه ، وبشرط أن لا تحتجزه وتعزله عن باقي مكوناته وهوياتها التكوينية سواءا كانت دينية او عرقية او قبلية او ثقافية او أنسانية الى غيرها من الهويات الفرعية ، وبخلافه تكون هنالك قطيعة حقيقية بين الانسان ونفسه كمقدمة طبيعية للقطيعة بين الانسان ومحيطه المتعدد الأبعاد داخل ذلك المجتمع.
الهوية الواحدة ومشاكلها
يقول محمود درويش (لا أَخجل من هويتي ،، فهي ما زالت قيد التأليف) ...
فكرة أن نؤمن ونعتقد بأننا لا نملك هوية ثابتة (ومُنجَزَه) أي مكتملة ومحددة ،، هذا بحد ذاته أمر مهم وأيجابي يُساهم بكل تأكيد في التقليل من العصبيات والأنتماءات الفرعية التي سببت لنا كل هذا الخراب في الانسان داخل الاوطان ،، وفي تلك الاوطان داخل الأنسان نفسه ... !!
فخطر الهوية الواحدة على الأنسان والمجتمع (الوطن بالنتيجة) في أتجاهين في تصوري المتواضع ...
الاتجاه الأول يخص (مرجعية الهوية) التي ننطلق منها في حركتنا داخل المجتمع فمسألة أن تكون مرجعيتنا هي تلك الهوية الواحدة والتي تُلزمنا بشروطها ومحدداتها وظروفها والتي تختزلنا - بالضرورة - في بُعد واحد (ضيق جداً) من أبعاد الانسان المتنوعة والمتعددة .
هذه المسألة وبهذا الفهم ووسط هذا التطور المعرفي والانساني والعلمي السريع والعميق وتغير الأسئلة الحضارية والكونية والتي تستلزم وتستدعي التغيير في الأجوبة ونمطها وعدم الاكتفاء بالاجوبة (الداخلية والخاصة والتقليدية) سوف تكون أمام خيارين أحلاهما مُر :
إما ان تنكفي تلك الهوية وتنعزل وتنغلق على نفسها وعلى جماعتها ،،،
أي القطيعة ....
والتي تُبشر بالمزيد من الجهل والتعصب والعنف بالمحصلة ..!!
أو أن يصيبها التغيير والتطوير وتتماشى معه لتصل الى مرحلة تفقد فيها لونها وعنوانها وشكلها الأصلي (التقليدي) وهنا سوف يكون مصيرها - ومصير جمهورها أيضاً- بيد غيرها ومن الذين يتحركون في الابعاد الأخرى نحو التغيير والتطوير ويفرضون واقع جديد على تلك الهوية وعلى ذالك الجمهور وبشروط لا يمكن لها الا ان تقبل بها وتتماشى معها ،، أو أن تتراجع عنها وتنعزل، أي دفعها بأتجاه معركة أثبات الوجود مرة أخرى ... !!
وهذا نجده بوضوح في الهوية الدينية - كمثال واقعي وخطر - في حياة الناس لأسباب تتعلق بها كهوية قوية وحاضرة في أسس التكوين الشخصي لدى أغلب جمهورها من جهة ، ومن جهة أخرى أن لها ممارسات ومناسبات يومية في حياة أفرادها ، مما يعني الشعور والتماس الدائم بها وبحضورها في وعي أصحاب هذه الهوية التي تختزل أغلبهم في أحيان كثيرة (ليختزلوها هم في مرحلة متاخرة طبعاً) وفي بُعد قاتل ومدمر للشخص نفسه ،، ولمجتمعه على حد سواء ... !!
أما الأتجاه الثاني - والخطر – في الهوية الواحدة فهو في الاتجاه التنموي ،، وهو واضح وله تعبيرات كثيرة ولعلها تبدأ "صعوداً" من قضية عدم القبول بالمفاهيم والرؤى والممارسات التي لا يمكن ضبطها على شروط تلك الهوية والتي يؤمن ويعتقد بها ذاك الجمهور والتي تفرضها نظرتهم للكون وللحياة وللأنسان والآخر (النوعي او الذاتي) والتي تكون في أغلب الأحيان قاتلة لفكرة التغيير او التقدم في مجالات الحياة المختلفة في المجتمع ،، أي انهم من حيث لا يعلمون (أو يعلمون ..؟؟) هم مُعطلون للحياة في مجتمعاتهم في الأتجاه التنموي وبمختلف أفرعه (العلمية والثقافية والسياسية ... الخ) ولجميع أفراده .... !!
لتنتهي "نزولاً" في قضية العزلة والتمييز الذي يمارسه أصحاب تلك الهوية لأفراد مجتمعهم عن طريق ممارسات او أدبيات خاصة تكون هي المقياس (والمسطرة) الذي يتم فيه ضبط المسافة بينهم وبين الآخرين (قرباً أو بعداً) من جهة ، وضبط المسافة أيضاً بين الآخرين وبين تلك الهوية والتي تم أختزالها فيهم فقط (كما هي القرصنة) في مرحلة متاخرة من الشعور المفرط في الانتماء لتلك الهوية .. !!
يتبع ......
#نهاد_عبد_الأمير_الناصر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟