|
قادة النهضة يستعينون بأمريكا
امال قرامي
الحوار المتمدن-العدد: 4390 - 2014 / 3 / 11 - 08:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
شدّ راشد الغنوشى الرحال اتّجاه بلد مُموّل الإخوان، ومُهندس «الإسلام والديمقراطية» وداعم «الإسلام السياسى». ولم تكن الرحلة رحلة «طواف الوداع» بل كانت بغاية تجديد الودّ، وتعزيز الشراكة بين الصديقين. فأمريكا صارت بقدرة قادر، نِعم الحليف فى زمن الشدّة، بعد أن كانت عدّوة الإسلام (خطبة الغنوشى فى الخرطوم 30 أغسطس 1990) ورمز الامبريالية، والشيطان المتغلغل فى الأمة، وصاحبة الأجندات الاستعمارية.. وسبحان مغيّر الأحوال.
بالأمس.. كلُّ من التقطت له صورة مع شخصيات من الكونجرس أو البيت الأبيض ثبتت عليه تهمة التواصل مع الأمريكان، وعدّ فى نظر المتأسلمين خائنا وعميلا للغرب، وحثالة الأنجلوسكسونية، فـ«أفرد أفراد البعير الأجرب» واليوم تتدوال صفحات فيسبوك صورة قيادى النهضة صحبة رئيس الحركة مع «جون ماكاين» والبسمة على الشفاه وعلامات السرور والانتشاء بادية على الوجوه.. وسبحان مقلّب القلوب.
أحكمت حركة النهضة والحقّ يقال، وضع إستراتيجياتها التواصلية استعدادا للانتخابات. فالجماعة صارت تتحدّث عن مآثرها وتُعدّد فضائلها من محفل إلى آخر وتقدّم المسوّغات والمبررات. فالخروج من الحكم كان إيمانا بمبدأ التداول السلمى على الحكم، ومراعاة لمصلحة البلاد، وتطبيقا لخارطة الطريق التى وضعها الرباعى الراعى للحوار. أمّا الدستور فقد كان إنجازا عظيما وعلامة على التوافق الوطنى، ومدى اتّسام حزب النهضة بالمرونة الفكرية، وتقديمه للتنازلات حبّا فى الوطن، بل إنّ الأخوات اللواتى ارتفعت أصواتهن مندّدات بالمساواة التامة، والتناصف، واتفاقية مناهضة التمييز ضدّ المرأة، ومُدافعات عن التكامل بتن بين يوم وليلة، يَروين نضالهن من أجل الحفاظ على المكاسب، ومدى استماتتهن من أجل تطوير مجلّة الأحوال الشخصية، ومناصرتهن للحركة النسائية وانتفاعهن من نضال جيل من التونسيات، بل إنّهن استعضن الحديث عن عذاباتهن زمن الإستبداد بحديث عن نضالهن داخل الحزب، من أجل فرض وجودهن فى مجلس الشورى.. ولا خاب من مدح نفسه.
كانت الوجوه فيما مضى من الأيام متجهّمة مستعدة للبطش بالمعارضين أصحاب الصفر فاصل وحثالة الفرانكفونية، مستعرضة المهارات اللغوية والقدرة على المراوغة وتحويل دلالات المصطلحات، وتغيير المواقف وفق مقتضيات السياق. فما يقال وراء الكواليس يتعارض مع ما يقال فى الاجتماعات الرسميّة، وما يقال بين القياديين لا يقال لأتباع التنظيم ولا غيرهم.. ها هى الجماعة تغير هيئتها، تزيح عنها ربطة العنق، وتحترف الابتسامة وإظهار الانبساط، وتعتمد الملحة والنكتة والمزاح، وتمزج العاميّة بالكلمات الفرنسية توشّى بها الخطاب، وتلك هى أبجديات بناء الصورة.
ولكن فى الوقت الذى تستفيد فيه النهضة من الأخطاء المرتكبة على مستوى التواصل مع الجماهير، وتصغى هذه المرّة وبانتباه شديد، إلى المستشارين والخبراء والمدرّبين وتجنّد الطاقات، وتدفع الأموال الجمّة علّها تستعيد أصوات الناخبين، وتضيف إلى رصيدها عددا من المعجبين و«تطهّر» صورة التنظيم ممّا لحقها من أضرار وأدران فى فترة اعتلاء سدّة الحكم.. ها هى تواجه تحديات جديدة تعكّر عليها الصفو، وتشوّش الصورة.
ها هى حكومة مهدى جمعة تكشف، وإن باحتشام، عن بعض المستور. فتتواتر مع كلّ يوم أخبار الفساد فى عهد الترويكا، وهى حسب الخبراء، متنوّعة وخاضعة لسلّم تراتبى: فساد فى الإدارة وفساد مالى، وفساد فى إدارة ثروات البلاد (الفوسفات، البترول..) وتعيينات حسب منطق حزبى يميّز بين التونسيين على أساس الأيديولوجيا، ويعيد إلى الأذهان تجربة ما فعله نظام الحزب الواحد بالبلاد، ويثقل ميزانية الدولة، ويجعلها مرتهنة لصندوق النقد الدولى إلى أبد الآبدين، واستثمارات تقسّم، وامتيازات تُجنى حسب بنى القرابة، وبيزنس إخوانيّ مُنتعش وتمويلات للجهاد باسم جمعيات خيرية، وهبات تدفّقت على تونس لمساعدتها على حلّ أزمتها تبخرت، وتحويل وجهة مشاريع للسكن، وأراضى فلاحية غير صالحة للبناء صارت بحوزة الخلان.. والمحصّلة عجز فى ميزانية الدولة، وفى المؤسسات العمومية وانسداد الأفق، وستأتينا الأيام بتفاصيل نجهلها عن حكومات حدثتنا عن نظافة اليد، وعن التقشّف، والورع والتقى فضلا على محاسن الحوكمة الرشيدة والشفافية، وأنّها جاءت لتقطع مع منظومة فساد بن على.
وبين صورة ناصعة ترسمها النهضة لنفسها وتسوق لها هنا وهناك، وصورة عاكسة لما ألحقته بالبلاد من دمار، يبقى المجتمع المدنى خير رقيب. بالأمس الخبراء فى القانون تجنّدوا لمعركة الدستور واليوم جاء دور خبراء الاقتصاد لينزلوا إلى المعترك.
هذه التركة الثقيلة التى خلّفتها حكومة الجبالى وحكومة العريض وما على الشعب إلا أن يتحمّل سوء التصرّف، والجشع والطمع وغلبة منطق الغنيمة.
وظلم ذوى القربى أشد مضاضة: على النفس من وقع الحسام المهندى.
#امال_قرامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزيرة سياحة «مستفزة»
-
المرزوقى والرقص على الحبلين
-
هل أتتك أخبار حكومة مهدى جمعة؟
-
التشويش على الذكرى الأولى لاغتيال الشهيد شكرى بلعيد
-
هل دقّت ساعة تقييم الأداء السياسى للترويكا؟
-
لله درّه من دستور .. أطلق عنان الذوات
-
فى الظروف الحافّة بالتصويت على مواد الدستور
-
السياسة..واضطراب المشاعر
-
تداخل الفصول
-
الإحراج والعار
-
الشدّ إلى الوراء.. الشدّ إلى الأمام
-
كان لنا حلم.. وضاع
-
ليس بالإمكان أبدع مما كان
-
سوق السياسة كسوق الرياضة
-
النهضة.. وعلاج الوخز بالإبر
-
انقلابيون
-
هذا ما جنته براقش على نفسها
-
لم أكن لأخلع سربالا
-
فات المعاد
-
أعطنى حرّيتى .. أطلق يديّا
المزيد.....
-
إطلالة مدهشة لـ -ملكة الهالوين- وتفاعل مع رسالة حنان ترك لجي
...
-
10 أسباب قد ترجح كفة ترامب أو هاريس للفوز بالرئاسة
-
برشلونة تعاني من أمطار تعيق حركة المواطنين.. وفالنسيا لم تصح
...
-
DW تتحقق - إيلون ماسك يستغل منصة إكس لنشر أخبار كاذبة حول ال
...
-
روسيا تحتفل بعيد الوحدة الوطنية
-
مصر تدين تطورا إسرائيليا -خطيرا- يستهدف تصفية القضية الفلسطي
...
-
-ABC News-: مسؤولو الانتخابات الأمريكية يتعرضون للتهديدات
-
ما مصير نتنياهو بعد تسريب -وثائق غزة-؟
-
إعلام عبري: الغارة على دمشق استهدفت قياديا بارزا في -حزب الل
...
-
الأردن.. لا تفاؤل بالرئاسيات
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|