|
طرائف من سيرة الفلاسفة
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1247 - 2005 / 7 / 3 - 12:35
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يكرس الفيلسوف معظم حياته للعلم والمعرفة بغرض إنتاج معارف جديدة تسهم في رفد الحضارة الإنسانية، وتعمل على ابتكار سُبل جديدة لتقدم وتطور المجتمعات البشرية. لكنه بذات الوقت له حياته الخاصة التي لاتختلف في إطارها العام عن بقية أفراد المجتمع، فهو بالمحصلة إنسان يتصرف بغريزته التي تصيب وتخطأ وتسامح وتعتدي وتمارس الموبقات ( في بعض الأحيان) وتعاشر النساء وتقامر وتحتسي الخمر بحدود معينة لاتطال مكانة الفيلسوف في المجتمع. ويمكن تأشير تلك السلوكيات أكثر في مجالس الفلاسفة والعلماء مع السلاطين، حيث تدور النقاشات الفلسفية والعلمية والدينية إلى جانب سهرات اللهو والغناء والخمر حسب توجهات كل سلطان. عموماً أن ازدهار العلوم والفلسفة في عصر ما، لايعود إلى العالم والفيلسوف لوحده وإنما إلى ما يتوفر له من مناخ سياسي سليم فتتطور مناهج العلوم والمعرفة. إن ما يبذله السلطان من عطايا وهبات مالية للعلماء والفلاسفة، أدى إلى تهافت العديد منهم من اقصاع الأرض إلى بغداد ( في عصر المأمون) لينالوا من الحضوة الجاه والمال لغرض تفرغهم للاشتغال في مجال العلوم والمعرفة. توافدوا طلبة العلم على بغداد وغادروها إلى اقصاع الأرض بغرض طلب العلم والمعرفة. وكانوا يتحملون من عناء السفر ويقضون أشهراً في الطريق للوصول إلى مبتغاهم وليحضروا حلقات التدريس لعالم أو فيلسوف مقتدر بغرض الاستفادة من علمه ومعرفته لتطوير أنفسهم. وتعرض العديد منهم خلال ترحاله إلى جملة من المشاكل والصعوبات كعمليات السلب والاعتداء في الطرق الجبلية والبراري. "يحكى أنه في إحدى رحلات ((الغزالي)) لطلب العلم باغته جماعة من اللصوص فجرده من ماله وحاجاته وانتزعوا مخلاته الحاوية على كتبه وأوراقه ومذكراته. وتركوه يذهب لكنه ظل يمشي وراءهم فنهره رئيس العصابة طالباً منه الذهاب في طريقه مهدداً إياه بالقتل، لكنه أستمر في متابعة العصابة ولعدة ساعات، فسأله رئيس العصابة عن سبب متابعته لهم وعدم انصياعه لتهديده بالقتل وهو الأعزل من السلاح. فقال له: لا أريد شيئاً سوى المخلاة لأنها تحوي كتبي وأوراقي، فقال له: إلهذا تتابعنا؟ فأجاب نعم!. فرماها إليه بإزداء وقال له: ما نفع المعرفة إذا كانت مدونة في دفاتر حتى إذا ضاع الدفتر ضاعت المعرفة". كان لكل فيلسوف طلبة ومريدين، ينضمون إلى حلقاته الدراسية لينهلوا من علومه ومعرفته. وغالباً ما يتعلق التلميذ بأستاذه ويتبع منهجه في العلوم والمعرفة ويرجع إليه في الاستشارة والرأي، والبعض منهم تتفتق عنده النبوغة فيبتكر له منهجاً خاصاً ويعمل على مناقشة علوم أستاذه مؤيداً قسماً منها وناكراً للبعض الأخر وتستعر تلك المناقشات بين الطلبة والأساتذة لتسفر عن إنتاج علوم ومعارف جديدة. إما الغالبية منهم فيستمر على منهج أستاذه ويتعصب له في حلقات التدريس الأخرى ويعمد إلى الدفاع عن منهج أستاذه في العلوم باعتباره المنهج الأكثر صحة من غيرها. ويدين معظم الطلبة إلى أساتذتهم الأوائل ويقرون لهم بالفضل وغالباً ما تأخذ تلك العلاقة شكل من الولاء للتعبير عن حالة الاحترام والتقدير لفضل أستاذه عليه. ويبذل التلميذ ما بوسعه خلال دراسته من خدمة لأستاذه وتأمين سُبل الراحة له لأجل أن ينال منه الحضوة والمكانة، معبراً بذات الوقت عن عرفانه بالجميل. " يحكى أنه في فجر يوم بارد في همذان طلب ((أبن سينا)) من تلميذه أن يأتيه بماء بارد ليشرب، فأمتنع التلميذ عن تلبية رغبة أستاذه لأن الماء البارد في يوم كهذا وفي مثل تلك الساعة المبكرة من الصباح مضر بالعروق والأعصاب. فعنفه ((أبن سينا)) على امتناعه وذكره بقوله عنه: إنه أعظم طبيب في عصره ويجب أن يعلن نبؤته! وعلق على كلام تلميذه قائلاً: بعد وفاة النبي محمد (ص) بأربع مئة سنة، لا نزال نطيع أوامره، بينما أقرب الناس إلي أنت تعصي أمري ولم تلبِ طلبي في شربة ماء. فكيف تطلب مني أن أكون نبياً؟". بالرغم من أن الفيلسوف والعالم، يكرس معظم وقته للعلم والمعرفة من أجل رفد الحضارة الإنسانية والمساهمة في البحث عن سُبل جديدة ينتهجها الإنسان في مسيرة حياته لأجل التقدم والتطور. يبقى إنساناً عادياً تتنازع في ذاته الغرائز الفطرية مع ما يمتلك من معرفة وعلوم وينصاع (بعض الحيان) إلى غرائزه ويكبحها في مرات أخرى. وما حياة الفلاسفة إلا حياة عادية، مكرسة معظمها إلى العلم والمعرفة والباقي منها هي ممارسة لسلوك إنسان عادي ينتابه الخوف والخشية والحسد والغيرة والغضب والجد والهزل ويحتسي قسماً منهم الخمر ويمارس الموبقات والقسم الآخر يكرس ذاته للصلاة والتقوى وينصرف عن شؤون الدنيا ويتخذ من الصوفية منهجاً في تسير شؤون حياته الخاصة.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصراع حول المكانة والصدارة بين الفلاسفة
-
ماهية الفكر
-
النظرة الدونية للمرأة عند الشاعر أبي العلاء المعري
-
العشق عند العرب
-
العشق في الفلسفة
-
التشريعات القانونية والمبادئ الدستورية
-
الطاغية والسلطة
-
ممارسات الطاغية
-
شريعة الطاغية
-
حاشية الطاغية
-
الطاغية والاستبداد
-
الطاغية ووعاظ السلاطين
-
الطاغية والدين
-
الفلسفة وعلم المنطق
-
مفهوم الخير والشر في الفلسفة
-
الفرق بين العالم والجاهل
-
مفهوم الحب عند جلال الدين الرومي
-
*الصراع بين السياسي والمثقف: قيم أم مصالح؟
-
دولة القبيلة بين القيم والمصالح
-
أسلوب المقاومة السلمية ضد الأنظمة المستبدة
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|