أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - غازي الصوراني - التحديات والمخاطر السياسية والاقتصادية -لخطة شارون- وسبل المواجهة















المزيد.....



التحديات والمخاطر السياسية والاقتصادية -لخطة شارون- وسبل المواجهة


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 1246 - 2005 / 7 / 2 - 11:14
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


ورقة مقدمة إلى ندوة مركز الدراسات الجماهيرية-المعقودة في جمعية الهلال الاحمر-غزة-30/6/2005
تمهيد :
الحديث عن "خطة شارون" والمخاطر السياسية والمجتمعية الناجمة عنها، إنما هو حديث عن هذا الواقع العربي المهزوم، فمنذ بداية الربع الأخير من القرن العشرين إلى يومنا هذا، توالت على شعوبنا صوراً وأشكالاً عديدة من التراجع والخضوع، وتحول هذا الوطن العربي بدوله العديدة وسكانه إلى رقم كبير مجرد، لا يحسب له حساب في المعادلات الدولية، وتحولت أنظمته وحكوماته إلى أدوات لنظام العولمة الإمبريالي، كما فقدت القوى والأحزاب الوطنية والقومية واليسارية قدرتها على الحركة والنمو، وتجلت سيطرة العدو الصهيوني باسم السلام، بصورة غير مسبوقة لم يستطع تحقيقها في كل حروبه السابقة مع العرب، وتزايدت روح الهزيمة والخضوع في أنظمتنا الحاكمة مع تزايد الثروات والمصالح الأنانية للطغم الحاكمة وأجهزتها، الأمر الذي أدى إلى فقدان وطننا العربي- بكل دوله- لأي دور سوى تأمين النفط والمواد الخام والقواعد العسكرية العدوانية... والاستسلام لشروطها حفاظاً على مصالح في الثروة أو في الحكم دونما أي اعتبار لوعي أو وجود وطني أو قومي ودونما أي اعتبار لكرامة وطنية بعد أن أصبح كل شئ مباحاً بلا حدود.
  لقد دخلنا إلى هذا القرن، الحادي والعشرين، مجردين من أسلحتنا الاستراتيجية، بعد أن أصبحت أنظمتنا في المشهد السياسي الدولي الراهن مجرد أدوات في خدمة مصالح العدو الإمبريالي وركيزته إسرائيل في بلادنا، وفي ظل هذا الخضوع لم تعد أنظمة الوطن العربي تعرف لنفسها خطراً معيناً سوى شعوبها التي باتت تدرك أن العدو الرابض في أوضاعها الداخلية اشد خطراً من العدو الخارجي.
  في هذا المشهد الرسمي العربي المهزوم والمأزوم، نتطلع مع كل أبناء شعبنا في فلسطين، إلى هذا الحراك الشعبي العربي المقاوم في العراق وغيره، بآمال كبيرة واعدة صوب نهوض واستمرار المقاومة للغزو الإمبريالي الصهيوني من ناحية وصوب النهوض السياسي والتغيير الديمقراطي والعدالة الاجتماعية من ناحية ثانية، فالمقاومة والتغيير الديمقراطي يجسدان معاً طريق الخروج من هذا المأزق، لمواجهة كافة الاحتمالات التي ينطوي عليها المخطط الإمبريالي الصهيوني الهادف إلى الاستيلاء على نفط العرب ومواردهم وإمكانياتهم وكفاءاتهم، واستخدامها ضد مصلحة العرب أنفسهم، وكل ذلك بسبب حالة الخضوع والارتهان وتراكماتها منذ ثلاثة عقود مضت، هذا هو واقعنا اليوم، واقع الهزيمة وتراكم الأزمات، واختلاط عوامل التغيير مع عوامل اليأس أو الاستسلام، وإذا كان الأمر كذلك، فإننا نطرح السؤال التقليدي... ما العمل؟ والجواب السريع والسهل للعمل المطلوب هو الدعوة إلى توفير الإرادة الوطنية والقومية، لكن الجواب الحقيقي هو الذي يشير إلى الضرورات الرئيسية للنهوض الوطني والقومي:
1- الضرورة الأولى: أن تنزع امتنا نفسها من فكرة الهزيمة، وأن نقر بكل وعي أن امتنا العربية لم تنهزم إرادتها، وتلك هي العبرة الأساسية في صراعنا مع كل الأعداء.
2- الضرورة الثانية: إن مستقبل امتنا قادر على الوفاء بوعده، عبر العمل الطليعي المنظم مع الجماهير الشعبية، وليس عبر الأوهام من التاريخ والأمجاد.
3- الضرورة الثالثة: العمل بكل الوسائل على أن لا تنطفئ شعلة العمل القومي بما تمثله من أساس وحيد للمستقبل، إذ أن الصراع مع العدو الصهيوني هو صراع عربي/ إسرائيلي بالأساس.
4- الضرورة الرابعة: أن خضوع الوطن العربي للهيمنة الأمريكية في هذه المرحلة، فإن ذلك يعني أن الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي هم الخصم الاستراتيجي للأمة العربية ولا بد من مجابهته و قهره وإزالة آثار عدوانه.
     لذلك فإن التحدي الكبير الذي يواجهنا اليوم يجب أن يبدأ بعملية تغيير سياسي جذري ديمقراطي في كل قطر عربي، جنباً إلى جنب، مع ضرورات مقاومة الاحتلال والهيمنة الإمبريالية على مقدرات شعوبنا، وذلك انطلاقاً من وعينا بأن الواقع العربي الرسمي المهزوم شكل الأساس الرئيسي في تزايد واتساع همجية العدو الإسرائيلي وإصراره على رفض الالتزام بكل قرارات الشرعية الدولية، بل وانتقاله إلى طور جديد في التعاطي مع المسألة الفلسطينية، يقوم على رؤيته الأحادية لحل وفق مصالحه السياسية والأمنية والاقتصادية، دونما أي اعتبار لأي طرف آخر على الصعيد الدولي أو العربي، وكل ذلك بالاستناد إلى دعم صريح ومباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا المناخ تم الإعلان عن " خطة شارون " التي يحاول العدو الإسرائيلي فرضها على شعبنا في ظل أوضاع سياسية ومجتمعية فلسطينية تعيش أزمة شمولية تطال النظام السياسي الفلسطيني بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقيمية، بمعنى أن هذه الأزمة متشعبة الاوجه ومتعددة المظاهر، فهي تتخطى البعد السياسي بحيث تمتد لتصبح – في المشهد الفلسطيني الراهن- أزمة مجتمعية، فكرية واقتصادية وسياسية، بل أنها تقترب لكي تطال بآثارها الهوية الوطنية الفلسطينية ذاتها، وكل ذلك بالدرجة الأساسية ارتبط وما زال بأداء السلطة الفلسطينية وممارساتها التي أسست وراكمت للعديد من مظاهر التراجع والخلل والفساد والفوضى من ناحية، وبفعل تصاعد الدور المركزي للمقرر الخارجي الأمريكي/الإسرائيلي بالذات، الذي بات يفرض علينا سياساته وشروطه وديمقراطيته بعد أن باتت موازين القوى مختلّة لصالح العدو الامبريالي/الصهيوني بصورة غير مسبوقة في كوكبنا بصورة عامة وفي وطننا العربي وعلى مستوى قضيتنا الوطنية وحقوقنا المشروعة بصورة خاصة، فهي إذن أزمة شعب بأكمله، ونقصد هنا الأغلبية الساحقة من جمهورنا الفلسطيني الذي يتطلع إلى بناء وحدته الوطنية، المجتمعية والسياسية والاقتصادية على كل أرضه المحتلة، بشغف ومصداقية وآمال تنبع من استعداده العالي للتضحية والنضال من اجل تحقيق أهدافه الوطنية في التحرر السياسي والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وسيادة القانون.
أولاً: التحديات السياسيـة:
      إنّ إدراكنا للمخاطر السياسية الناجمة عن تطبيق "خطة شارون" يعزز لدينا المخاطر الاقتصادية والمتغيرات الاجتماعية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالمحددات السياسية ونتائجها، ونقصد بذلك مجمل التحولات المتدرجة والسريعة في بنية الشرائح الاجتماعية العليا خاصة الكومبرادورية منها، إلى جانب بعض الفئات البيروقراطية المتنفذة التي يمكن أن تتعاطى مع شروط ومعطيات "خطة شارون"، بمزيد من التوافق أو الرضوخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي لمضامينها، بذريعة الأمر الواقع وما "سيفرضه" من تفاهم وتشابك واختلاط سياسي واقتصادي باسم الاتفاقات المعقودة مع "إسرائيل" من ناحية ووفق مقتضيات وشروط الولايات المتحدة والدول المانحة ودول النظام العربي التي تعيش اليوم حالة غير مسبوقة من الخضوع للسياسة الأمريكية وشروطها المذلة من ناحية ثانية.
   وفي هذا السياق، نورد هنا عدداً من أبرز المؤشرات الدالة- في تقديرنا- على حجم المخاطر السياسية والمجتمعية الناجمة عن تطبيق هذه الخطة:
أولاً: إن الإقرار بمشروعية خطة شارون سيشكل مدخلاً أو مسوغاً قانونياً للعدو الإسرائيلي لتعطيل وإزاحة كافة قرارات الشرعية الدولية التي تؤكد على عدم شرعية الاحتلال الصهيوني لبلادنا سواء في القدس أو في باقي مناطق الضفة والقطاع، بما في ذلك حق شعبنا في تقرير المصير حسب ما أكدت عليه نصوص تلك القرارات، خاصة قرار 194 وحق العودة، الى جانب قرار التقسيم رقم 181 الذي بموجبه ترى كافة المراجع القانونية الدولية، أن الوضع القانوني الإسرائيلي بالنسبة لجميع الأراضي التي احتلتها قبل 5 حزيران 67، والمقصود بذلك الأراضي التي استولى عليها العدو الإسرائيلي خارج المساحة الجغرافية للدولة اليهودية كما حددها قرار التقسيم، تعتبر أراضي محتلة، ينطبق عليها قانونياً ما ينطبق على الأراضي التي احتلتها بعد 5 حزيران 67، إنه وضع المحتل المحارب، حيث لا تستطيع إسرائيل ولا تملك الحق في كل الأحوال بالسيادة على الأراضي التي احتلتها، لأن صاحب السيادة الشرعي يحتفظ بالسيادة القانونية، علاوة على التاريخية، التي لا يمكن أن تلغيها أية اتفاقات تعقد باسمه من أي جهة كانت، وفي حال وجود مثل هذه الاتفاقات( من أوسلو الى خارطة الطريق الى خطة شارون ) فإنها تعطي العدو مؤقتاً سيادة في الواقع، سيادة بالمعنى السياسي المرتبط بالقوة والإكراه، وليس سيادة بالمعنى القانوني بأي شكل من الأشكال، خاصة وأن شعبنا لم يوافق باختياره على تحويل حق سيادته على بلاده الى الغير، فهل ستكون " خطة شارون " بداية لهذا الانحدار؟
ثانياً: تفكيك مشروع الدولة الفلسطينية الى ثلاث دوائر:
      أ?-   دائرة قطاع غزة عبر حكم ذاتي دون سيادة فعلية على الارض والحدود والمعابر والميناء والمطار والبحر والسماء (ناهيكم عن الهويات وشهادة المواليد وجوازات السفر والزوار والمستثمرين ..الخ) .
     ب?-   دائرة تضم حوالي 50% من الضفة تحت مظلة الاحتلال في إطار الحكم الذاتي الفلسطيني أو مناطق A,B ويبقى مستقبلها غامضاً طوال السنوات القادمة مع احتمالات التقاسم الوظيفي الإسرائيلي- الأردني- الفلسطيني بما قد يمهد لكونفدرالية أوفيدرالية بعيدة عن المطالب الوحدوية للشعبين في الإطار القومي العام.
ج?-   دائرة تضم حوالي 50% من الأراضي المحتلة في الضفة وتشمل الأراضي الفلسطينية خلف الجدار الفاصل والأراضي الواقعة على طول نهر الأردن ( في وادي الأردن ) الى جانب مدينة القدس الكبرى بما في ذلك المستوطنات الصهيونية الكبرى حول مدينة القدس.
ثالثاً: الاعتراف المتبادل المحتمل ، بين دولة العدو الاسرائيلي من ناحية والدولة "القابلة للحياة" في قطاع غزة وجزء من شمال الضفة، سيشكل فرصة للعدو الصهيوني وبدعم الولايات المتحدة للبدء بالخطوات العملية في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإلغاء قراري 181و 194 بذريعة هذا الاعتراف المتبادل بين " دولة غزة " ودولة العدو الإسرائيلي.
رابعاً: علاوة على ما تقدم، فإنه في حال تطبيق " خطة شارون " بصورة أحادية بعيدة عن الالتزام الصريح بقرارات الشرعية الدولية وما سيؤدي إليه هذا التطبيق من إلغاء التواصل الجغرافي والمجتمعي بين الضفة والقطاع، فإن النظام السياسي الفلسطيني في شكله الراهن، أو الناتج عن الانتخابات التشريعية القادمة، سيكون عاجزاً عن تطبيق استحقاقاته السياسية والقانونية والمجتمعية والاقتصادية والإدارية على كل أو جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، طالما ظل مبدأ السيادة الفلسطينية الكاملة غائباً أو معطلاً، ناهيك عن تعطيل أو إزاحة حق العودة وإقامة الدولة كاملة السيادة بذرائع متعددة إسرائيلية وأمريكية بدواعي التفرغ لدولة غزة أو التحضير للمفاوضات النهائية، بما سيفرض على هذا النظام السياسي، أوضاعاً مستجدة لن تتوقف عند محاولة العدو لتكريس مجتمعين فلسطينيين متباعدين في كل من الضفة والقطاع من جهة الى جانب غموض مستقبل الضفة الفلسطينية لسنوات طويلة قادمة قد تنتهي- كما أسلفنا- الى تقاسم وظيفي أردني /إسرائيلي/ فلسطيني، الأمر الذي يحتم على كافة القوى السياسية الفلسطينية التداعي لتنشيط وتفعيل وحدة الترابط السياسي والمجتمعي بين جناحي أرضنا المحتلة.
خامساً: وفي ظل هذه الاحتمالات، التي ندرك رفض شعبنا وقواه الوطنية لكل مقدماتها ومخرجاتها، يبرز السؤال : ما هو دور م.ت.ف في هذه العملية؟ بل ما هو مستقبلها؟ والجواب: أن م.ت.ف إذا ما بقيت ضمن بنيتها الراهنة، فإنها قد تتعرض إلى إسدال الستار عليها إذا ما تم تطبيق هذه التوجهات.
سادساً: إن تطبيق " خطة شارون " والفصل بين الضفة والقطاع، سيكرس حالة من التراجع في الوحدة السياسية لمجتمعنا الفلسطيني، وما ينجم عن ذلك من توفير المناخ الكريه عبر عناصر أو مجموعات وشرائح معينة من أصحاب المصالح صوب تراجع مفهوم المجتمع السياسي الفلسطيني الموحد، الذي شكل سمة أساسية وناظماً رئيساً لوحدة شعبنا طوال تاريخه الحديث والمعاصر.
  إن عملية الفصل الجغرافي والمجتمعي بين جناحي أرضنا المحتلة، لا تتناقض مع قرارات الشرعية الدولية فحسب، بل تتناقض أيضاً مع " أتفاق أوسلو" سئ الصيت، الذي نص على الولاية والوحدة الجغرافية للضفة والقطاع عبر "الممر الآمن" بينهما، والمفارقة إن النظام السياسي للسلطة الفلسطينية قد تعاطى مع هذا الواقع أو الفصل الجغرافي بصورة عملية، وإكراهية بالطبع، عبر انصياعه للشروط الإسرائيلية التي تقضي بضرورة التنسيق المسبق عند التنقل من منطقة لأخرى بذريعة "الأمر الواقع" !!
   وها نحن اليوم في مواجهة " خطة شارون " أو إعادة الانتشار، أمام مفترق سياسي حاسم، إما أن تتصدى القوى الوطنية ومعها الأغلبية الساحقة من أبناء شعبنا لمواجهة هذه الخطة، التي لا تضمن إطلاقاً إزالة الاحتلال وتأكيد السيادة الفلسطينية على الأرض، وإنما هي تكريس للاحتلال بأشكال أخرى، ما يجعل من رفضها قضية مبدئية وعملية واجبة التنفيذ، على قاعدة التمسك بثوابتنا وحقوقنا المشروعة على أرضنا في العودة وتقرير المصير والحرية والاستقلال، وبدون هذه المواجهة الشعبية ضمن استراتيجية الإجماع الوطني كما جسدتها قرارات مجالسنا الوطنية في م.ت.ف، ومواثيق الحوار الوطني الفلسطيني، فإن باب الانحدار السياسي سيكون مشرعاً لمجموعات أو عناصر متنفذة من بيروقراطية السلطة وحلفائها من الكومبرادور وكبار الرأسماليين والطفيليين وغيرهم، بدواعي المصالح الشخصية الأنانية، وبذريعة الواقعية أو القبول بالأمر الواقع، بما يعني التكيف مع " خطة شارون " أو " دولة غزة " لتبرير تخاذلها وعجزها من جهة ولضمان مصالحها من جهة ثانية، الأمر الذي سيدفع هذه الفئات الى إعادة ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني تحت غطاء الديمقراطية والإصلاح- وفق توجيهات المقرر الخارجي الأمريكي- الإسرائيلي.
    وفي هذا السياق، نؤكد على أنه بالرغم من وعينا للأبعاد والمنطلقات الأمريكية لما يسمى بالإصلاح والديمقراطية في بلادنا فلسطين، كما في العراق الشقيق، وغيره من البلدان العربية المدرجة على الجدول الأمريكي، إلا أن تعاطينا مع هذه العملية، يجب أن ينطلق من التزامنا بثوابتنا الوطنية وبرنامجنا الوطني الديمقراطي البديل والنقيض، لكل مشاريع وخطط العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عبر تجدد التمسك الفعال بحقوق شعبنا في الحرية والعودة وتقرير المصر وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة من جهة ومن منطلق الحرص على مجتمعنا وبيتنا الفلسطيني الداخلي المهدد بمزيد من الفلتان والقلق والصراعات التي قد تتحول في لحظة معينة الى صراعات دموية داخلية لن تستفيد منها سوى طغمة فاسدة أعمتها مصالحها الأنانية عن مصالح وأهداف شعبنا من جهة ثانية، الأمر الذي يعزز اندفاع كافة القوى السياسية الفلسطينية بمختلف أطيافها، للمشاركة في الانتخابات الديمقراطية الداخلية كإطار وحيد للخروج من هذه الأحوال البالغة التردي في مجتمعنا الفلسطيني في هذه المرحلة الحرجة، من أجل استمرار النضال الوطني والتحرر الكامل، ومن أجل بلورة النظام السياسي الديمقراطي الفلسطيني القادر على إخراج شعبنا من كل أشكال الانفلات والفوضى عبر تطبيق مبادئ سيادة القانون جنباً الى جنب مع مبادئ المساءلة والمحاسبة والعقاب لكل رموز الفساد بما يضمن توفير عناصر الاستقرار والتوحد الداخلي، وإعادة اللحمة الى مفهوم المجتمع السياسي الفلسطيني الموحد تحت شعار التحرر والاستقلال والتنمية المستقلة والبناء الديمقراطي التعددي.
 
 وعلى ضوء ما تقدم فإن مخاطر التحديات السياسية الناجمة عن "خطة شارون" تجسد بصورة اولية ورئيسية طبيعة واهداف هذه الخطة الصهيونية ، اذ ان كافة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها على الصعيد المحلي ، الى جانب علاقات السلطة الفلسطينية على الصعيد العربي او الإقليمي والدولي ، سترتبط بالضرورة بالمسار السياسي الذي سيحدد بدوره كافة المسارات الأخرى التي لن تتخطى كونها تفريعا بهذه الدرجة او تلك من تفريعاته ، اذ ان نجاح العدو الصهيوني في تطبيق الهدف السياسي لهذه الخطة ، عبر الدعم الأمريكي-الأوروبي والعربي الصريح ، وعبر امكانية قبول السلطة الفلسطينية –بذرائع ومسميات مختلفة- لمعطياتها وشروطها ، لن يعني سوى تحويل المشروع الوطني الفلسطيني او مشروع الدولة المستقلة على كل أرضنا المحتلة ، الى مشروع سياسي ممسوخ عبر صيغة امنية قد تمتد لسنوات قادمة من التسويف والتأجيل والمراوغة التي خبرها شعبنا في صراعه الطويل مع العدو الصهيوني دون طائل او خطوة واحدة الى الأمام ، مما سيؤدي الى بقاء استمرار قطاع غزة لسنوات قادمة هو الشكل الباهت "لدولة فلسطينية" مؤقتة او "لوطن فلسطيني" ممسوخ في المشهد الغزاوي ، بدعم أمريكي اوروبي ، يسعى الى تمكين المولود الجديد او "دولة غزة" من الظهور على مسرح الأحداث ، خاصة وان قيادة السلطة الفلسطينية الحالية ستتعاطى مع هذا الكيان عبر العديد من المبررات السياسية -بإسم الواقعية- الى جانب العديد من القضايا المحلية ، الاقتصادية والمجتمعية ذات العلاقة بقطاع غزة بصورة رئيسة الى جانب تنفيذ التزاماتها الامنية من ناحية وترك القضايا النهائية في حق العودة وازالة الاحتلال عن ارضنا الفلسطينية في الضفة الغربية لمستقبل غامض من ناحية ثانية ، وكل ذلك يؤشر الى تزايد حدة التعقيدات والمخاطر السياسية الناجمة عن احتمال قبول قيادة السلطة الفلسطينية لمضامين وشروط "خطة شارون" السياسية دون توفر الالتزامات الدولية التي تؤكد على ضمان الانسحاب الاسرائيلي من الضفة الغربية واعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس خلال فترة زمنية محددة ، ودون وضوح الجوانب القانونية لقطاع غزة من حيث السيادة الفلسطينية الكاملة عليه من ناحية ، وغياب اقرار الامم المتحدة ومجلس الامن باعتبار الانسحاب من القطاع خطوة مرحلية محددة بفترة لا تتجاوز المدة الزمنية المطلوبة لانسحاب العدو الاسرائيلي من كل اراضي الضفة الفلسطينية يعقبها مباشرة اعتراف الامم المتحدة بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس كوحدة سياسية وجغرافية واحدة، وفق قرارات الشرعية الدولية من ناحية ثانية ، ذلك ان استمرار قيادة السلطة الفلسطينية القبول باجراءات الفصل الاحادي او الانسحاب من قطاع غزة وفق رؤية وشروط العدو الاسرائيلي ، سيعني استمرار وضع القطاع تحت السيطرة الاسرائيلية المباشرة وغير المباشرة ، في كل ما يتعلق باتصاله بالعالم الخارجي برا وبحرا وجوا ، ما يعني تحجيم وتحديد صلاحيات السيادة الفلسطينية على القطاع في اطار القضايا الداخلية فقط ، دون اي سيادة حقيقية كاملة على الحدود المصرية-الفلسطينية في رفح او تشغيل المطار الدولي ، وكذلك الامر بالنسبة لميناء غزة ، مع بقاء منافذ الاتصال والتواصل مع ارضنا في الضفة محكومة ايضا لاجراءات جيش الاحتلال الاسرائيلي ، لذلك فان نضال كافة القوى والفصائل والفعاليات السياسية الفلسطينية يجب ان يتمحور عند المطالبة بتحقيق الوضوح الكامل بالنسبة للوضع القانوني لقطاع غزة كجزء لا يتجزأ من الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 من جهة وانهاء كل اشكال السيادة او السيطرة القانونية والامنية الاسرائيلية عليه من ناحية ثانية ، بما يحقق السيادة الكاملة لشعبنا الفلسطيني على حدوده وارضه ومياهه وسمائه في اطار الولاية الجغرافية مع كل اراضي الضفة الغربية كمقدمة مرحلية صوب الاستقلال والسيادة الكاملة للدولة الفلسطينية على كل ارضنا المحتلة .
-       في ظل هذا الوضع الذي قد نواجه ونلمس نتائجه العملية الخطيرة خلال شهور قليلة ، اذا ما تم تطبيق خطة الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة حتى نهاية هذا العام أو بداية العام القادم 2006 ، وعلى ضوء المعطيات الجديدة المترتبة على ذلك ، فان درء اخطار نهج السلطة وشرائحها البيروقراطية العسكرية والمدنية المتبرجزة في اطار تحالفها الكومبرادوري/الطفيلي الداخلي في مجتمعنا ، المستند الى مراكز القوى والاجهزة العسكرية والامنية التي سيعاد تنظيمها واعادة تركيبها وتأسيسها بما يخدم التوجهات السياسية الاقتصادية الاجتماعية المستجده في واقعنا الفلسطيني انسجاما مع التوجهات والشروط الاسرائيلية والامريكية والاوروبية والعربية الرسمية من ناحية، ومع توافق السلطة الفلسطينية و م.ت.ف على تلك التوجهات من ناحية ثانية، فإن البرنامج السياسي الديمقراطي المطلوب لمواجهة هذا الهبوط ، يجب أن ينطلق ، عبر العمل السياسي والجماهيري الضاغط ، لاحباط كل اشكال التعاطي مع خطة شارون التصفوية ، واستمرار النضال الوطني لطرد الاحتلال من ارضنا في الضفة والقدس وقطاع غزة ، واقامة دولتنا المستقلة عليها كوحدة سياسية وجغرافية ومجتمعية واحدة ، الامر الذي يفرض علينا تأطير وتنظيم عملية النضال الوطني الى جانب إعلاء صوت النقد الشعبي والمواجهة الجماهيرية السياسية المتصله بكل اشكالها ، لمواقف السلطة والانظمة العربية عموما ، عبر السبل والممارسات السياسية الديمقراطية ذات الطابع الحزبي والجماهيري العام ، بما يحقق اوسع اصطفاف لاطر الجماهير الشعبية المختلفة ضمن استراتيجية وطنية ديمقراطية تهدف إلى اشراك الجمهور بكل قطاعاته في كل ما يتعلق بقضايا شعبنا الوطنية والمجتمعية الداخلية بصورة فعالة وصادقة تؤدي الى بناء أوسع اصطفاف للقوى والشخصيات والفعاليات الوطنية السياسية والمجتمعية بما يمكننا من تأمين القاعدة الجماهيرية الواسعة التي سنستمد منها قوة الدفع في ممارسة الضغط المطلوب على السلطة الفلسطينية ووقف كل أشكال تعاطيها السياسي مع خطة شارون من ناحية، ووقف ومحاسبة رموز الفساد والاستبداد من ناحية ثانية تمهيدا لتفعيل واتساع حركة الجماهير ودورها في خوض المعارك السياسية الداخلية والمشاركة الفعالة في المعارك الانتخابية المسنودة فعلا بحضورها القوي الملموس والفعال في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية على قاعدة البرنامج الوطني الديمقراطي الذي يمثل البديل الوطني التحرري لكل المشاريع العدوانية الهادفة الى تصفية قضيتنا الوطنية العادلة ، كما يمثل ايضا البديل الشعبي الديمقراطي لكل مظاهر الفساد والانحطاط السياسي الاجتماعي الاقتصادي المرتبطة بممارسات التحالف البيروقراطي الكمبرادوري المهيمن في السلطة الفلسطينية ، لاسيما وأن الرغبة في الانعتاق تتفاعل بقوة في صدور الأغلبية الساحقة من ابناء شعبنا ما يؤكد على أن أفق المستقبل مفتوح صوب ترسيخ العلاقات الديمقراطية وبناء المؤسسات الوطنية كشرط أساسي في موازاة شروط التحرر الوطني والاستقلال والدولة .
  إن ظروفنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة التي نعيشها اليوم تحدد لنا وتعرفنا على المشكلة المباشرة أو العقبة المباشرة، إنها المشكلة والحل في آن واحد- وهي تتمثل في تغيير هذا النظام السياسي الذي نعيشه عندنا بصورة ديمقراطية ضاغطة، لأن "الحرية والتطور والتقدم السياسي تحتاج الى وسط لكي تنمو في إطاره"  ...، ولن يتهيأ هذا الوسط إلا عبر نظام سياسي ديمقراطي يعبر عن مصالح الأغلبية الساحقة "من خلال مؤسسات تتيح للحرية وللعقل أن يفعلا فعلهما" ... هذا النظام يجب ان يصبح الهدف الاستراتيجي الأساسي والفكرة المركزية التوحيدية لجماهيرنا وقواها السياسية الديمقراطية في بلادنا وذلك بالارتكاز الى العناصر الأساسية التالية :
-      الثوابت الوطنية الفلسطينية في تقرير المصير وحق العودة والحرية والاستقلال وإقامة دولتنا المستقلة على أرضنا المحتلة في حزيران 1967 .
-      تعزيز خيار مقاومة الاحتلال .
-      إقامة المؤسسة الديمقراطية تطبيقا لمبدأ سيادة القانون العادل .
-      تحقيق وتعزيز الوحدة السياسية العامة في صفوف الشعب في إطار التعددية والديمقراطية لجميع القوى والفصائل والأحزاب الفلسطينية .
-      الانتخابات الديمقراطية وفق مبدأ التمثيل النسبي ، وبصورة دورية ، بما يحقق مبدأ المشاركة الشعبية بصورة واسعة .
إنّ مخاطر الظرف الراهن وتعقيداته ، تفرض على كل من قيادة م.ت.ف وقيادة السلطة وحركة فتح أن تتوقف فورا عن الاستمرار في ممارسة تفردها المطلق في إدارة القضايا الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لشعبنا وفق منظورها السياسي الأحادي ، وبالتالي فإن البدء بتشكيل القيادة الجماعية المؤقتة من كل أطراف الحركة الوطنية والاسلامية الفلسطينية لصياغة الرؤية والاستراتيجية السياسية والمجتمعية الفلسطينية التي تتضمن الربط المتزامن والمتداخل لكل قضايانا الوطنية المرتبطة بانسحاب العدو الاسرائيلي وازالة مستوطناته وجداره الفاصل من كل ارضنا الفلسطينية المحتلة عام 1967 من ناحية ولكل قضايانا الديمقراطية المطلبية الداخلية بدءا من تطبيق الانتخابات للمجلس الوطني ، والتشريعي ، والهيئات المحلية وغير ذلك من المؤسسات وفق نظام التمثيل النسبي ، وتطبيق عملية التغيير الداخلي ومأسسة كافة الوزارات والهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية في القطاعين العام والخاص وفق قواعد الادارة الحديثة وبالالتزام الكامل بتطبيق سيادة القانون العادل على قاعدة الفصل بين السلطات وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص حسب الكفاءة والخبرة على الجميع بديلا لمبدأ أهل الثقة والمحاسيب الذي استندت اليه السلطة في معظم ممارساتها طوال العشر سنوات الماضية .
    أما فيما يتعلق بدور م.ت.ف ومستقبلها فان المطلوب- كما يرى بحق د. عبد الاله بلقزيز- من كافة القوى والفصائل الوطنية والاسلامية ، منها الضغط من اجل إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديدة تقوم -من حيث المبدأ- على احترام حقيقتين سياسيتين ووطنيتين غير قابلتين لاي شكل من اشكال المساومة عليها :
الأولى : وجوب التمسك بالثوابت الوطنية والقومية في الصراع مع العدو الصهيوني ورفض التنازل عنها تحت اي ظرف ، وتحديد وثيقة الاستقلال كمرجعية سياسية وقاسما مشتركا بين جميع القوى مع تأكيد الارتباط بين الانتخابات التشريعية للسلطة وعملية هيكلة المنظمة واعادة تشكيل المجلس الوطني .
الثانية : التمسك بمرجعية م.ت.ف في مواجهة سائر محاولات الاستبدال والمصادرة أيا كان مصدرها ، وتكريس المنظمة مجددا ممثلا شرعيا وحيدا لكل شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات .
على ان هذه الثوابت ، برغم اهميتها وضرورة الالتزام بها ، لا تكفي لكي نعيد بناء هيكل المنظمة الذي دمرته "اوسلو" وما تلاها خلال السنوات العشر العجاف الماضية ، بل تحتاج الى تطبيق مطلبين رئيسيين لا يمكن ان تتحقق عملية اعادة البناء من دونهما كما يضيف د. بلقزيز:
الاول : قيام منظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة وحدة وطنية حقيقية تجسر الفجوة بين قوى الحركة الوطنية والاسلامية في المشهد السياسي الفلسطيني المعاصر وذلك من منطلق اعتبار المنظمة اطارا سياسيا للجميع وليست حكرا للقوى التي عملت فيها او ادارت مؤسساتها في المراحل السابقة .
الثاني : التداعي لاجراء الاصلاح الديمقراطي الحقيقي لمؤسسات م.ت.ف ، بما يضع حدا لمظاهر احتكار القرار وتهميش المؤسسات وادارة العمل الوطني بعقلية بيروقراطية أوامرية وفردية ، وتشكيل الاجهزة حسب نظام الحصص (الكوتا) ، ومعنى ذلك ان على م.ت.ف ان تقوم على قواعد سياسية جديدة قوامها اعادة الاعتبار للقانون وللقواعد الديمقراطية المؤسسية في الحياة السياسية والتنظيمية الداخلية ، وتفعيل ادوات وقيم الرقابة والمحاسبة والشفافية في ادارة مؤسساتها.
أخيرا إن مجتمعنا الفلسطيني، يتعرض اليوم لعوامل انقسام لا يتوقف عند الانقسام الجغرافي بين قطاع غزة وجناحه الرئيسي الضفة الفلسطينية، بل نتخطاه صوب مزيد من الانقسامات أو العزلة والتفكك عبر مخططات العدو الإسرائيلي الذي استطاع أن يكرس هذه العزلة بينهما طوال العشرة سنوات الماضية ارتباطاً بمخططاته المرسومة الهادفة الى تكريس الانقسام الاقتصادي والانقسام المجتمعي وغير ذلك من عوامل العزلة والتفكك في البنية السياسية والمجتمعية الفلسطينية وصولاً الى تفكيك الهوية الوطنية أو تعريضها للمخاطر الجدية التي ستؤدي بمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة الى مزيد من التراجع أو حصره في مساحة جغرافية في إطار " المشهد الغزاوي " الذي لا يعدو كونه شكلاً ممسوخاً من أشكال الحكم الذاتي المحدود بما يجعل الدولة الفلسطينية القابلة للحياة أمراً مستحيلاً، وهو ما تدركه الولايات المتحدة ويدركه العدو الإسرائيلي والاتحاد الأوروبي والنظام العربي معاً، على أن الخطر الذي يواجهه شعبنا اليوم، يكمن في العوامل الداخلية التي تسهم بدورها في تدمير مشروعنا الوطني في الاستقلال والدولة وبناء المجتمع الديمقراطي الموحد، وأقصد بذلك كافة الأجهزة والشخوص الذين يتحملون المسؤولية الأولى في هذا الانحدار المريع لأوضاعنا الداخلية، والذين يعيثون فساداً، وتدميراً وتقتيلاً وفوضى أفقدت مجتمعنا الفلسطيني لوحدته السياسية والكثير من القيم الايجابية المكونة للعقد الاجتماعي وأعرافه التراثية والمعاصرة، بحيث أصبح اليوم في حالة أقرب الى تحكم المصالح الشخصية الأنانية الضارة، على حساب المصالح والرؤية الوطنية والمجتمعية العامة التي بدأت في الانحسار في ظل استشراء الفوضى والفلتان والقلق والخوف وانتشار هذه المظاهر على حساب الشرعية الدستورية والسياسية والقانونية والعرفية والأخلاقية واستبدالها بشرعية قوة الفساد والمفسدين وقوة الانحطاط والمنحطين استناداً الى قوة التخلف ورموزه من ناحية والى القوة المانعة للقانون والشرعية أو قوة العصابة من ناحية ثانية، الأمر الذي أدى الى إعاقة التطور السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي إعاقة كل شرعية دستورية أو قانونية تقوم- في إطار الحوار- على توازن المصالح وتوافق الأهداف. وفي مثل هذه الأحوال، تتراجع الثوابت الوطنية لحساب المتغيرات الطارئة المحكومة بمنطق الفساد والمفسدين، بحيث تتراجع الرؤية الاستراتيجية الوطنية وتغيب المصالح الحيوية لشعبنا، وفي مثل هذا الخلط تصبح عناصر الخراب الداخلي- مهما كان مصدرها- القوة المحركة الهادفة الى إزاحة ثوابتنا الوطنية لحساب المصالح الأنانية لهؤلاء صوب مزيد من الهبوط السياسي الذي يتقاطع أو يتطابق مع معطيات وشروط خطة شارون، الأمر الذي يفرض على كافة القوى السياسية، والعمل على إعادة إحياء آليات ونواظم المجتمع السياسي من ناحية وتثبيت المعالم والآليات القانونية والدستورية التي تم إقرارها من ناحية ثانية ومن ثم الضغط الفعال المنظم والمتسارع من أجل عقد الانتخابات الديمقراطية للمجلس التشريعي  كبوابة وحيدة للخروج من هذه الأحوال الداخلية المتردية التي بدأت تلوح عبرها مؤشرات الصراع الدموي أو الاقتتال الداخلي الذي لن يخدم سوى العدو الإسرائيلي وحده.
 
ثانياً: التحديـات الاقتصاديـة :    
يتسم الاقتصاد الفلسطيني بخصوصية، تميزه عن باقي اقتصاديات البلدان العربية، فمنذ نكبة عام 1948، وفقدانه لقاعدته الإنتاجية، تعرض ما بقي من مكوناته، لأوضاع سياسية جديدة في الضفة الغربية عبر إلحاقها للنظام الأردني، وفي قطاع غزة عبر الوصاية المصرية عليها، فرضت على اقتصاد كل من الضفة والقطاع، التكيف مع الأوضاع الجديدة.
وعلى اثر الاحتلال الصهيوني، للضفة والقطاع، في حزيران 1967، تعرض الاقتصاد الفلسطيني فيهما لأوضاع قسرية جديدة أفقدته القدرة على النمو والتطور، علاوة على اخضاعه لشروط الاحتلال وتحكمه في كافة الموارد الاقتصادية والقطاعات الإنتاجية وغير الإنتاجية.
ومع توقيع إعلان المبادئ في أوسلو، تم خلق أسس ومعطيات لبداية مرحلة جديدة من مراحل التطور في حياة شعبنا الفلسطيني عموماً، و في الضفة والقطاع خصوصاً ، من أبرزها عدم جدية السلطة الفلسطينية في السعي نحو صياغة السياسات الوطنية الاقتصادية التنموية ، والتصدي للمشكلات الحياتية الأساسية بما يخدم تطلعات ومصالح جماهيرنا الفلسطينية .
فمنذ بداية العام الثاني على قيام السلطة – اصطدمت آمال وتطلعات شعبنا ، بممارسات سياسية واقتصادية واجتماعية داخلية ، شكلت نقيضا لكل ما توقعته أو عولت عليه جماهيرنا .
وارتباطاً بهذا الواقع ، كان من الطبيعي أن تتوالد بصورة متزايدة ، مظاهر الفوضى والاحتكار وتراكم الثروات الخاصة والطارئة بصورة غير مشروعة ، وتراجع النمو الاقتصادي المرتبط بالبعد التنموي المجتمعي – دون إغفال دور سياسات وممارسات العدو الإسرائيلي - ، وعدم توظيف أو استغلال الإمكانات والتوجهات ذات البعد الإيجابي للقطاعين العام والخاص لرأس المال الفلسطيني في الداخل والشتات ، وتقديم الاعتبار الفئوي السياسي فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية – الاجتماعية، واستمرار التفرد المطلق في القيادة على صعيد السياسة والاقتصاد والإدارة ،  كل هذه العوامل وما تنتجه من آثار سلبية ، عززت هذا المسار الهابط في الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية خلال العشر سنوات العجاف الماضية .
يتضح من كل ما سبق أن الاقتصاد الفلسطيني قد تعرض خلال العشر سنوات الماضية الى مزيد من التشوهات بسبب استمرار ارتباطه بالاقتصاد الاسرائيلي ، بحيث اصبح اقتصادنا في الضفة والقطاع ، سوقا مفتوحا دون اية قيود للمنتجات الاسرائيلية ،  ويجدر بنا ان نشير هنا الى العوامل والممارسات الداخلية الفلسطينية التي كانت –وما زالت- سببا هاما من اسباب التراجع الاقتصادي والتنموي الفلسطيني ، ومن اهم هذه العوامل غياب البرنامج الاستراتيجي والخطة  التنموية الوطنية ، والانفتاح الاقتصادي الكامل دون رقابة او متابعة او تخطيط للاولويات سواء بالنسبة للواردات او بالنسبة للمشاريع الصناعية والاستثمارية . وفي هذا المناخ اعلنت "اسرائيل" "خطة شارون" او الانسحاب الاحادي من قطاع غزة للخروج من ازمتها اولا ولتوليد المزيد من الازمات السياسية الفلسطينية علاوة على الازمات الاقتصادية ثانيا .
ان هذه الصورة القاتمة للاوضاع الاقتصادية الفلسطينية بكل مكوناتها وانشطتها وقطاعاتها الانتاجية وغير الانتاجية ، ارتباطا بصورة الاوضاع السياسية المثيرة للقلق والمخاوف من تزايد وتائر التراجع في هذا الجانب ، تتطلب تداعي واستنهاض كافة الفعاليات والقوى السياسية والكفاءات الاقتصادية في القطاعين العام والخاص لصياغة خطط الطوارئ والسياسات والآليات المطلوبه للخروج من هذه الازمة المستحكمة عبر رؤية اقتصادية تنموية وطنية فلسطينية ارتباطاً بالمحيط العربي من حولها، تستهدف الغاء التبعية للاقتصاد الاسرائيلي في موازاة التخطيط الشامل للتحولات الاقتصادية الفلسطينية عموما ولقطاعي الصناعة والزراعة خصوصا ، في اطار التحولات التطويرية الشاملة لتحديث مجتمعنا الفلسطيني في الضفة والقطاع كوحدة سياسية مجتمعية اقتصادية واحدة ، لكن هذا الهدف الوطني الذي تتطلع اليه جماهيرنا، سيصطدم في الظروف الراهنة استنادا لمعطيات هذه المرحلة ، باستعداد قيادة السلطة وقبولها التعامل الايجابي مع مشروع "خطة شارون" ليس وفق شروطه او مضامينه الاقتصادية فحسب بل وفق شروطه السياسية ايضا ، هذا ما تؤكده مؤشرات واقع السلطة في هذه المرحلة .
وفي هذا السياق يبرز سؤالا مركزيا يطرح نفسه بقوة على كافة الافراد والمؤسسات المعنية بدراسة الاثار الاقتصادية الناجمة عن الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، وهو سؤال يتضمن في طياته مجموعة من الاسئلة والاشكاليات، نقدمه عبر هذه الورقة الاولية كما يلي :
    هل سيؤدي الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة إلى إنعاش الاقتصاد الفلسطيني في القطاع مع جناحه الرئيسي في الضفة ، وتفعيله من اجل رفع معدل النمو ومستوى الدخل عبر تفعيل دور القطاع الخاص في الضفة والقطاع ؟ وبالتالي هل سيؤدي هذا الانسحاب الى خلق فرص عمل بما يسهم في توفير أحد الجوانب الرئيسية المطلوبة لتعزيز الاستقلال والسيادة على كل الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة والقطاع ؟ خاصةً وأن الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية على درجة عالية من الصعوبة والمعاناة – بسبب الاحتلال وعدوانه الهمجي المتواصل من ناحية ، والفساد والتسيب والمحسوبيات من ناحية ثانية– فالإيرادات العامة لا تغطي النفقات العادية المتزايده ، الى جانب ضعف وتراجع قدرة السلطة على إقامة المشاريع التطويرية دون الاعتماد على المساعدات الخارجية ، وهذا يدفعنا الى القول بأن الجوانب أو "النتائج الإيجابية" المتوقعة بعد الانسحاب قد لا تكون كافية تماماً لحل المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها اقتصادنا في الضفة والقطاع عموماً ، وفي غزة خصوصاً ، والمتمثلة في ضعف انتاجية قطاعي الانتاج الرئيسيين الزراعة والصناعة وتخلفهما ، وتزايد معدلات البطالة والفقر ، وبطء وتراجع النمو الاقتصادي ، وتزايد نسبة الاستيراد المباشر من السوق الاسرائيلي ، وضعف وتراجع تحصيل الضرائب بسبب عدم التزام القطاع الخاص بدوره في هذا الجانب وكذلك ضعف تحصيل الرسوم الجمركية ونظام الجمارك ، وكل ذلك في اطار غياب النظام الممأسس وما يرافقه من التخطيط السليم والرقابة والمتابعة والتقييم والمحاسبة ، الامر الذي يتوجب على القوى السياسية عموما متابعة وتحليل هذه الاوضاع بما يعود بالفائدة المؤكدة على الايرادات ومن ثم على الاقتصاد الفلسطيني بما يخفف الى حد كبير هذه التبعية للدول المانحة وغيرها عبر متابعة ودراسة العناوين الاقتصادية الرئيسية التي تشكل مدخلا هاما للرؤية الاقتصادية الوطنية المنشودة :
-        التخطيط لمستقبل الأراضي التي سينسحب المحتل الإسرائيلي بما يعود بالفائدة المباشرة على الاقتصاد الفلسطيني ، علما بأن هذه الاراضي تتوزع على أكثر من عنوان أو قسم :
أ?-       الأراضي المقام عليها المستوطنات ( والتي تزيد مساحتها عن 55 الف دونم ) ودراستها من حيث الموقع والمساحة والنوعية … الخ .
ب - الأراضي التي تعرضت للتجريف .
  ج - المناطق العمرانية سواء المساكن أو المنشآت الزراعية والمصانع التي دمرها الاحتلال ( الى جانب الأضرار التي أصابت الأفراد والعائلات).
 د- الأراضي والمناطق المتاخمة للمستوطنات ( حيث تم كما هو معروف منع المواطنين من استغلال هذه المناطق ) وكيفية استغلالها بعد الانسحاب .
-        التعرف على اثر الانسحاب على قطاعي الإنتاج الرئيسيين الصناعة والزراعة والقطاعات الخدمية الأخرى (التجارة والسياحة والنقل والمواصلات والاتصالات ……الخ) ارتباطاً بالقطاعات الموازية في الضفة الفلسطينية بما يعزز التجارة الداخلية ، والتطوير المشترك لفروع القطاع الخاص الفلسطيني في الضفة والقطاع ، وتوسيع الأسواق الداخلية والخارجية من خلال تفعيل دور التجارة الخارجية الفلسطينية ودراسة كيفية إلغاء أو تجاوز معوقاتها الإسرائيلية ، خاصة برتوكول باريس .
-        المناطق الصناعية (كيفية تطوير بقية المناطق الصناعية) وتوجيه نشاطها في خدمة الرؤية التنموية الوطنية الفلسطينية بعيدا عن أي مشاركة او تدخل اسرائيلي .
-        المياه : سواء بالنسبة لحوض المياه في منطقة المواصي (قطيف) أو بالنسبة إلى كيفية وقف استغلال العدو الاسرائيلي لمياهنا ، ودراسة إمكانات الخزان الجوفي الكبير نسبياً في منطقة المواصي ( قطيف ) كمورد اقتصادي مائي هام ، وكيفية استرجاع السيطرة الفلسطينية على مياهنا ، ووقف تدفقها إلى ما بعد الخط الأخضر ، وبالطبع وقف دور "شركة مكورورث" الإسرائيلية في بيع مياهنا إلى بعض مخيمات قطاع غزة الوسطى ، وفي هذا السياق فإننا ندعو إلى زيادة مشاريع محطات تكرير ومعالجة وتنقية المياه العادمة ، والعمل على إقامة محطة أو أكثر لتحلية مياه البحر كمشروع استراتيجي لابد من البدء به خلال السنوات القليلة القادمة .
-        السياحة والاستثمارات المحتملة في منطقة المواصي (قطيف) من حيث إقامة المنشآت السياحية والفنادق في سياق تمكين رأس المال الفلسطيني من السيطرة الكاملة على هذه المشاريع في اطار الخطة الوطنية التنموية .
-        إصلاح المطار والبدء بتشغيله باعتباره رمزاً من رموز السيادة، على النقيض مما يطرحه البنك الدولي من مقترحات حول الميناء والمطار بما يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية التي تشطب حق السيادة الكاملة للفلسطينيين.
-        استكمال إنشاء و إقامة ميناء غزة كرمز سيادي فلسطيني علاوة على أهميته للتجارة الخارجية الفلسطينية .
-        توفير الإمكانيات اللازمة لتامين الاحتياجات الفلسطينية من الطاقة الكهربائية والوقود بمعزل عن السيطرة الإسرائيلية ، وما يستدعيه هذا الأمر من تشغيل محطة الكهرباء الفلسطينية في قطاع غزة بكامل طاقتها الإنتاجية لتغطية احتياجات المحافظات الجنوبية .
-        المطالبة بتطبيق حقوقنا الكاملة على مياهنا الاقليمية في البحر المتوسط ، وسيادتنا عليها ، بما يتيح العديد من الامكانات او الموارد من الثروة السمكية او في باطن الارض تحت مياه البحر ، وبمساحات تتجاوز ضعف مساحة القطاع .
-        العمل على إقرار قانون التعرفة والرسوم الجمركية الفلسطيني إلى جانب قوانين الضرائب الأخرى.
إن إيرادنا للعناوين السابقة ينبع من تقديرنا بأن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة يحمل في طياته مجموعة من الفرضيات التي يمكن تحققها إذا ما توفرت الخطة والإرادة الملتزمتين بالرؤية التنموية الوطنية ، وهذه الفرضيات يمكن ايراد بعضها كما يلي :
-        زيادة حصة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي لقطاع غزة
-        التطوير النوعي للصناعة الفلسطينية عموما والصناعات التكنولوجية والدقيقة المتقدمة خصوصا، وتطوير وتوسيع الصناعات المرتبطة بالمنتجات الزراعية للضفة والقطاع معا.
-        زيادة حجم رؤوس الأموال المحلية والوافدة من الخارج سواء عبر الاستثمار أو التمويل من قبل الدول المانحة (العربية والأجنبية).
-        إعادة تفعيل واستكمال المشاريع الإستراتيجية (الميناء-المطار-المناطق الصناعية).
-        زيادة معدلات التشغيل وفرص العمل ومن ثم تخفيض معدلات البطالة والفقر.
-        تنشيط وزيادة حجم التبادل التجاري مع مصر خصوصاً، إلى جانب العديد من الدول العربية في السعودية والخليج العربي والدول الأجنبية،مع الأخذ بعين الاعتبار ما ينتج عن ذلك من إنعاش لشركات النقل والتخليص والخدمات التجارية بأنواعها .
إن هذه المرحلة الحرجة ، تحمل في طياتها جملة من المخاطر الجدية غير المسبوقة على قضيتنا الوطنية وثوابتنا في حق العودة والاستقلال والدولة ، إلى جانب مخاطرها التدميرية على اقتصادنا الفلسطيني باستمرار إلحاقه وتبعيته للاقتصاد الاسرائيلي ، علاوة على تفكيكه وتقسيمه إلى اقتصادين منفصلين في الضفة والقطاع ، يملي علينا مزيدا من الصعوبات والتحديات الاقتصادية –علاوة على التحديات السياسية التي أشرنا إليها- وأهمها ، تحدي التنمية الوطنية الشاملة لكل من الضفة والقطاع كوحدة سياسية اقتصادية واحدة عبر تطبيق استراتيجية وطنية تنموية فلسطينية، وهو شعار أو مطلب شعبي فلسطيني أصبح أقرب الى الابتدال والسخرية نتيجة عجز الحركة السياسية الفلسطينية عن بلورته أو تطبيقه ولو في الحدود الدنيا، بحيث بات تناول موضوع الاستراتيجية التنموية في أرضنا الفلسطينية المحتلة لا تعترضه ضبابية المستقبل  وتعقيدات الحاضر ، ليس بالنسبة للاقتصاد فحسب ، بل تعترضه أيضا إشكالية عدم اليقين بالنسبة للمستقبل السياسي أيضا ارتباطا بالموقف العدواني الإسرائيلي المسنود بدعم أمريكي صريح ومباشر، ذلك انه في حال تكريس العدو الفصل الاقتصادي بين الضفة والقطاع فإن اقتصاد الضفة الفلسطينية سيتوجه نحو مزيد من العلاقة مع الاقتصاد الإسرائيلي من ناحية والاقتصاد الأردني من ناحية ثانية وما سينتج من هذا التحول من متغيرات وتراكمات سلبيه في العلاقات الاجتماعية والسياسية التي قد تصيب مجتمعنا الفلسطيني كانعكاسات للواقع السياسي الاقتصادي الجغرافي والاجتماعي " الجديد "، وهو أمر قابل للتحقق، في ظل التفكك المجتمعي والاقتصادي الراهن بين الضفة والقطاع، وغياب وحدة العلاقات الاجتماعية ووحدة السوق الفلسطيني بينهما بسبب الإجراءات العدوانية الإسرائيلية الى جانب تعقيدات وقيود بروتوكول باريس الاقتصادي من ناحية وتراخي السلطة الفلسطينية في تطبيق عملية توحيد القوانين عموماً والقوانين الاقتصادية ( الشركات وغيرها ) خصوصاً من ناحية ثانية، الأمر الذي أصبح معه الاقتصاد الفلسطيني قابلاً للتراجع والانقسام الى اقتصاد مشوه في الضفة، وآخر أكثر تشوهاً وضغطاً وهشاشة في قطاع غزة ، ومخاطر هذا الانقسام او التشتت الذي سيؤدي –اذا ما قدر له الاستمرار- إلى انقسام المجتمع الفلسطيني إلى "مجتمع" في الضفة وآخر في قطاع غزة .
-                          لذلك فإننا لا نبالغ في القول إن اقتصادنا الفلسطيني – خاصة في ظروف الحصار والتدمير الإسرائيلي طوال الاربع سنوات الماضية – بات أكثر ضعفا وانكماشا مما كان عليه من قبل ، الأمر الذي أدى إلى تغييب الوضوح أو التأكيد بالنسبة للمستقبل على الصعيد الاقتصادي والسياسي معا ، نتيجة للدور الإسرائيلي – الأمريكي على وجه التحديد من ناحية ونتيجة لعجز وتراخي أطراف الحركة السياسية، في اطار المعارضة الديمقراطية واليسارية خصوصاً ، عن ممارسة الضغط الجماهيري الديمقراطي لتطبيق برامجها وشعاراتها من ناحية ثانية.
-                          ولكننا على ثقة من أن إعادة بناء العلاقات الداخلية الفلسطينية ، وفق ثوابتنا الوطنية والمجتمعية ، وبإرادة وطنية تقوم على المشاركة والتعددية أمر ممكن قابل للتحقق رغم مرارة الظروف الراهنة ، إذ اننا سنملك بالتأكيد القدرة على تحديد معالم مستقبلنا الاقتصادي والتنموي بوضوح ، على قاعدة التمسك بثوابتنا واهدافنا السياسية في التحرر والاستقلال .
وفي هذا السياق أقدم فيما يلي اقتراحا لمجموعة من الأسس المكونة للرؤية او الخطوط العامة للاستراتيجية الاقتصادية التنموية المطلوبة :-
أولاً : حصر كافة البيانات والمعلومات الخاصة بالموارد الطبيعية والبشرية الفلسطينية عبر فريق وطني اقتصادي متخصص ، تمهيدا للسيطرة المباشرة عليها وادارتها ،  كهدف وطني يستحيل بدون تحققه تطبيق أي خطة تنموية فلسطينية
ثانياً : خلق مقومات اقتصاد المقاومة و الصمود انسجاماً مع متطلبات هذه المرحلة ، وما يعنيه ذلك من العمل الجاد على تطبيق سياسة اقتصاد التقشف أو المخيمات أو المناطق الفقيرة، بكل ما يعنيه من إجراءات تلغي –بعد المحاسبة القانونية- امتلاك أي مواطن أو مسؤول لأي شكل من أشكال الثروة الطفيلية غير المشروعة و إلغاء كافة مظاهر الإنفاق الباذخ بكل أشكاله و أنواعه و أساليبه عموما وفي مؤسسات السلطة خصوصا .
ثالثاً : فك الارتباط و التبعية و التكيف مع الاقتصاد الإسرائيلي ووقف هذا التضخم في حجم الواردات ، وفرض الرسوم الجمركية العالية على الكماليات المستوردة مقابل تخفيف الرسوم على الواردات الأساسية ،  ووقف عمليات الاستيراد المباشر وغير المباشر من السوق الإسرائيلي ، الامر الذي يعني إلغاء بروتوكول باريس .
رابعاً : التخطيط التأشيري والمركزي لتفعيل العملية الإنتاجية في الصناعة و الزراعة، والعمل على تفعيل العلاقة بين هذين القطاعين بما يخدم تطوير المنتجات الصناعية المعتمدة على الإنتاج الزراعي، وإقرار مشروع القانون الزراعي بهدف تحديد و إرساء استراتيجية زراعية فلسطينية تتناسب مع أهمية القطاع الزراعي.
خامسا: وضع سياسة تنموية زراعية آنية و مستقبلية تقوم على التخطيط و تفعيل دور مؤسسات الإقراض الزراعي و البنوك لتقديم الدعم للمزارعين الفقراء، وتطوير وتوسيع الأراضي الزراعية وأراضي المراعي والثروة الحيوانية.
سادسا : مراعاة الحفاظ على ثبات الأسعار للسلع الأساسية الضرورية للفقراء و رفع أجور الفئات والشرائح الاجتماعية من ذوي الدخل المحدود.
سابعا : تطوير دور القطاع العام و التعاوني و المختلط بعيداً عن أشكال الاحتكار، بما يدفع الى توسيع القاعدة الإنتاجية الفلسطينية، والسوق الفلسطيني، على نحو يؤدي الى إيجاد المزيد من فرص التشغيل المتواضعة، لليد العاملة، في الإنتاج والسوق المحليين من ناحية، ويسهم في ضمان معدلات عالية –نسبيا- من النمو لقطاعي الإنتاج الرئيسيين –الزراعة والصناعة- من ناحية ثانية. وفي هذا السياق فإن من الواجب والضروري، الأخذ بمقترحات البرنامج العام للتنمية الذي أشرف عليه المفكر الاقتصادي الفلسطيني د.يوسف صايغ ، إذ أن هذه المرحلة وضروراتها الاقتصادية-السياسية معا تقتضي من كافة المسؤولين في السلطة الأخذ بتلك المقترحات بعد إهمال طويل وغير مبرر لها.
ثامنا : إنشاء و تفعيل المؤسسات الاقتصادية الكبرى في قطاع الصناعة على نمط الشركات الصناعية المساهمة العامة والشركات القابضة والمختلطة بين القطاعين العام والخاص ، لمواجهة هذا الضعف في البنية الصناعية ونقلها من طابعها الحرفي-الفردي- العائلي الى طابعها الإنتاجي العام الكفيل وحده بتطوير القطاعات الإنتاجية في بلادنا.
تاسعا: العمل بكل جديه ، وعبر كافة السبل والضغوط السياسية الممكنة ، من اجل تفعيل وتوسيع مجال التبادل التجاري الفلسطيني العربي ، ووقف احتكار السوق الإسرائيلي لهذه العملية. وكذلك التركيز على فتح سوق العمالة العربي ، في مختلف البلدان ، أمام العماله الفلسطينية ، الماهرة وغير الماهرة ، وفقا لقوانين وأنظمة التشغيل في تلك البلدان ، دون ان يؤثر ذلك اطلاقا في هوية الفلسطيني او يتخذ أي بعد سياسي يتناقض مع حقه في العودة او الإقامة الدائمة في وطنه ، علما بأن السوق العربي في دول الخليج والسعودية يستوعب أكثر من خمسة ملايين عامل أجنبي سنويا ، في حين ان أعلى معدل للبطالة عندنا في فلسطين لا يتجاوز 5% من مجموع العماله الوافده الى تلك الدول ، من الهند وسيريلانكا وباكستان وايران !!؟.
عاشرا: متابعة تنفيذ البرامج والدراسات والتوصيات المتعددة الخاصة بتفعيل دور رأس المال الفلسطيني في الشتات ، رغم وعينا بارتباطه برأس المال العالمي المعولم .
ان تطبيق هذه الخطة الاستراتيجية سيمكننا من الحديث بثقة عن تحقيق أهم ركيزتين من ركائز صمودنا على الصعيد الداخلي همـا :-
1- محاسبة رموز الفساد والاستبداد، ووقف استخدام السلطة، من قبل الكثير من رموزها، كجسر لجمع وتراكم الثروات الطفيليه غير المشروعة على حساب قوت وحياة الجماهير الشعبية، حيث أدى هذا الاستخدام الأناني البشع، الى فقدان مساحات واسعة من جماهيرنا لدورها وحريتها، إن على صعيد ممارستها لحقها في نقد ومواجهة مظاهر الخلل الداخلي أو على صعيد حقها في الحياة الكريمة والاستقرار بعيدا عن دواعي القلق والخوف الراهن من المستقبل .
2-تقوية وتعزيز الوحدة السياسية لمجتمعنا وتوفير قدراته على الصمود والمقاومة حتى طرد الاحتلال وتفكيك وإزالة مستوطناته على طريق الحرية والدولة المستقلة والتنمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية .
 



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة حول/ المشروعات الصغيرة في فلسطين: واقع ورؤية نقدية
- الإصـــــلاح الاقتصـــــادي ضرورة تنموية وطنية
- حوار مع أ.غازي الصورانـي حــول : قضايا الثقافة الفلسطينية وا ...
- ورقة/ تعقيب على مداخلتين حول: أثر التطورات المحلية والعالمية ...
- أي تنميـــة لفلســطيــن ؟ الواقـــع والآفـــاق
- القصور والعجز الذاتي في أحزاب وفصائل اليسار العربي ... دعوة ...
- الآثار الاقتصادية الناجمة عن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة
- حول مفهوم الثقافة ... وأزمة الثقافة في فلسطين
- المأزق الفلسطيني الراهن
- الدستور الفلسطيني ومفهوم التنمية
- كلمة غازي الصورانـي في : المهرجان الجماهيري التضامني مع بيت ...
- الاقتصاد الفلسطيني ... تحليل ورؤية نقدية
- التحولات الاجتماعية ودور اليسـار في المجتمع الفلسطيني
- الطبقة العاملـة والعمل النقابي في فلسطين ودور اليسار في المر ...
- مجتمع المعرفة في الوطن العربي في ظل العولمة - على هامش اصدار ...
- ورقة أولية حـول : الإشكاليات التاريخية والمعاصرة لهيئات الحك ...
- الاصدقاء الاعزاء في منتدى الحوار المتمدن
- التشكيلة الرأسمالية وظهور الفلسفة الماركسية
- حول فلسفة هيجل وفيورباخ
- الفلسفة الأوروبية الحديثة(1) عصر النهضة وتطور الفلسفة الأورو ...


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - غازي الصوراني - التحديات والمخاطر السياسية والاقتصادية -لخطة شارون- وسبل المواجهة