صلاح الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 1246 - 2005 / 7 / 2 - 08:17
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
فيما يبدو انه فشل ذريع وصفعات متتالية أحبطت مخططات الرباط في ضمها الصحراء الغربية، وحالت دون احتواء شعبها، من خلال الأباطيل المتهالكة لتحريف مسار القضية العادلة، التي برهنت على فشل الدعاية المغربية منذ نشوب النزاع، في القفز على حق الشعب العربي الصحراوي في الحرية وتقرير المصير.
أشعلت بعض الدوائر المغربية المتطرفة فتيل حرب جديد بين الجارتين المغرب والجزائر في سابقة هي الاولى من نوعها منذ 30 سنة على المناوشات المغربية للشعب الجزائري المكافع، فبعد جهود من المحاولات العابثة التي استمرت لمدة العقود الثلاثة الاخيرة من القرن الماضي، أيقنت الدولة المغربية بحتمية فشلها ان عاجلا او آجلا، في تدبير ملف الصحراء الغربية، واستقلالها ركوب الجزائر كمطية لإطالة أمد النزاع.
وكانت الورطة المحرجة والمأزق الذي أرق جفون الساسة والدبلوماسيين المغاربة هذه الأيام بخصوص النزاع، لم يدع أوساطا راديكالية متشددة ان تتورع في دحرجت المنطقة نحو شفا برميل ينذر بالانفجار، وذلك بإقدام هذه الجهات المتطرفة ومن يقف خلفها بعمليات تصعيدية تستهدف الجزائر في الخارج، في مناورة استغل فيها رعايا مغاربة منحرفين لإهانة واستهداف الجزائر، وتم فيها تأليب العواصم الغربية أولا، وتعبئة وتجنيد الجالية المغتربة ثانيا. ومحاولة الوقيعة بين الجزائر وموريتانيا ثالثاً.
ولولا التعقل والبصيرة الراجحة وبعد النظر الذي تعاطت به السلطات الجزائرية وتعاملت به مع أمر من الخطورة بمثل هذا المستوى، والتزامها الرزانة والهدوء حتى الآن، لكان المغرب دفع ثمنا غاليا لصنيعه الذي لا تحمد عواقبه مطلقاً.
فمن الأكيد ان المبادئ والمواقف التي اتخذتها عديد الجهات الرسمية والبرلمانية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، بحق تأييد الصحراويين في تقرير المصير، يعد انتصارا جديدا يضاف إلى الإنجازات والمكاسب التي حققتها القضية الصحراوية في الآونة الأخيرة على الصعيد الإقليمي والدولي، وهي طبعا مواقف ومبادئ جاءت من أطراف غير جزائرية، بل حذرت هذه الأخيرة من مغبة التمادي المغربي في حربه الانقضاضية غير المقبولة ضدها، كما أبدت هذه الأخيرة مخاوفها بشأن المهاترات والتهور المغربي، الذي لا يأخذ في الحسبان إنزال الإهانة بمشاعر الجزائريين، وكيل التهم والادعاءات لهم دون تعليل أو مبررات تذكر، الأمر الذي يراه العالم تعارضا صارخا مع الدعوات المغربية لتحسين علاقات الأخوة والجوار.
ولعل مدعات الدهشة والسخرية التي أضحت تميز المشهد المغربي مؤخراً في الخارج، جاءت اثر تعريته من قناع مقيت انتحله لردوح من الزمن، تم فيها تجميل الواجهة ورفع شعارات الديمقراطية، والإيهام بمغرب التفاعل الديمقراطي المزعوم، ومغرب يدعي التحول، وفتح مجال الحريات وحقوق الإنسان.
التحول والانحراف الخطير الذي جعل بعض الدول والمنظمات الفاعلة تعجل بإتخاذ مواقفها من قضية الصحراء الغربية، وتعلن تأييدها المطلق لهذا الشعب العربي الأعزل، حدث بمجرد ان بدأت تفوح رائحة الكذب والشوفينية العفنة من قلب الخطابات الملكية والحزبية، خصوصا وأننا رأينا الى أي حد ذهبت بعض الصحف والمجلات المتطرفة بعد يأسها الشديد، في تطوير أساليبها النكراء في صرف الأنظار عن حقيقة اعتراف جمهورية كينيا بالجمهورية الصحراوية وإقامتهما علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء، كما رأينا كمتابعين ومهتمين بالنزاع، كيف تواصل هذه الأطراف الراديكالية المتطرفة الإصرار على مغالطة الرأي العام الداخلي والخارجي حتى قضت في مستنقع اكاذيبها، بدل ان تعلن الثبور وتكبدها عظائم الأمور التي يفترض ان تجنح تحت وقعها إلى فلك السلام العالمي.
ويبقى السؤال المحير والذي من السخرية بمكان يبقيه البعض معلقا حتى اللحظة، لماذا يحاول المغرب توريط الجرائر في أتون حرب لا تعنيها لا من قريب او بعيد؟ فهل لأنها فقط شاهداً عايش اجتياح القوات المغربية واحتلالها الصحراء الغربية بعد الانسحاب الأسباني منها عام 1975، واذا كان المغرب يدعي حق السيادة على الصحراء الغربية كيف يدعو الجزائر للتفاوض حول ثرواتها، أليس هذا الإصرار يبعث على الاعتقاد بما مفاده ان المغرب بلد محتل وكما تقاسم الصحراء الغربية مع موريتانيا بالأمس يود إحراج الجزائر اليوم أمام العالم دون حيا.
من المؤكد ان هذا هو الهذيان بعينه، وهو ما لن يقع مطلقا، فالجزائر موقفها ثابت، راسخ وساطع كالشمس في واضحة النهار، كما نعلم أيضا ان أسبانيا أعلنت هي الأخرى على لسان رئيس دبلوماسيتها الذي قال أمام نواب بلاده، ان أسبانيا لم تسلم يوما الإقليم محل النزاع الى السلطات المغربية كما يسوق لذلك المغرب، وبالتالي لا سيادة له على الصحراء الغربية ما لم يتم تهيئة الظروف وإجراء استفتاء تقرير المصير، يختار فيه الصحراويين مستقبلهم غير القابل للتصرف.
ويأتي كل هذا غداة ما أعتبر انه تغيير أربك الرباط في الموقف الأخير الذي أبدته فرنسا في تعاطيها مع الملف، بعد ان كانت العقل الصلب والمدبر للتعنت المغربي والظهر الذي يتكئ عليه المخزن، فهل كان المغرب ضحية لمخططاته؟ وهل سيغير مستقبلاً من استراتيجيته السياسية في المنطقة؟
#صلاح_الخطيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟