|
المفاوضات الخجولة
لميس كاظم
الحوار المتمدن-العدد: 1246 - 2005 / 7 / 2 - 08:11
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
اعلن وزير الدفاع الامريكي بالونه السياسي الجديد، حول المفاوضات السلمية مع المقاومة المسلحة، مؤكدا على عقد اجتماعين في شمال بغداد، في منتصف الشهرالحالي، بين ممثلي من المقاومة المسلحة العراقية وبين القوات الامريكية. وبعد ان تعرض الوزير لانتقادات شديدة عاد وخفف من قيمة تلك المفاوضات مصرحا انها تعقد مع المقاومة المسلحة العراقية و ليس مع الارهابين اتباع الزرقاوي. لكن المواطن العراقي لايزال حائر في امره ولايميز بين السيارات المفخخة التي تحمل اسم او رقم الزرقاوي وبين السيارات المقاومة العراقية الوطنية التي تغتاله سرا. لقد غاب عن تكنلوجية امريكا ان تكتشف متفجرات ذكية تلك التي تميز بين الجسد العراقي وبين جسد المحتل. لقد سلم المواطن امره لكل عشاق القتل والجهاد بعد ان عجز كل الاحزاب الحاكمة حمايته.
بالبداية لقد نوهت سابقا، كما نوه الكثير غيري من الكتاب ، ان الملف الامني هو ملف سياسي اولا، ولايمكن ان يحل، بالقوة العسكرية الهمجية وسياسة تدمير المدن العراقية الواحدة تلوالاخرى. واليوم تعود القوات الامريكية الى من حيث بدئت لتحاور المقاومة العراقية من جديد بعد اكثر من سنتين من قتل الالاف من العراقيين وتدمير البنية التحتية والمدن العراقية.
ان المثير بالموضوع هو ان كل هذه المفاوضات تجري سريا مع ان شروط العلنية متوفرة من اوسع ابوابها. فالحدود العراقية مشرعة ابوابها لكل الوافدين العرب، والسيارات المفخخة تتجول علنا في شوارع بغداد، باحثة عن صيده دسمة تحلل ثمنها، بزهق اكبر عدد اجساد العراقيين.
كما ان القتلة ومجرمي الشعب العراقي يتحدثون علنا في محطات التلفزة والاعلام مطالبين حقهم الذي استلب منهم وهو راس الحكومة ولا يمكن اقل من ذلك. وتجار السلاح وسراق الثروة الوطنية يسوقون بضائعهم علنا. والحكومة العراقية تتفاوض علنا مع كل احزاب الطائفة السنية وتحاول ان تلبي طلبها، كطفل متمرد خارج عن تقاليد العائلة، وقد سلمتهم خمس وزرات كما انتهت من اللمسات الاخيرة لتمثيلهم في لجنة صياغة الدستور.
ان مستلزمات المصالحة الوطنية قد قطعت شوطا كبيرا من المفاوضات الماراثونية بين الحكومة المنتخبة والطائفة السنية التي كان جل هدفها هو وقف الارهاب وقد رضخت الحكومة لاغلب مطاليبهم لكن دوامة الارهاب لم تتوقف ولم يقل وتيرته الا في ايام المفاوضات. كما سمح للطائفة السنية التفاوض المنفرد في حل ازمة الرهائن والمختطفين الاجانب. فهم باتوا يمتلكون القنوات الرئيسة لتحرير الرهائن والمفاوضة مع بلدانهم بعيدا عن سلطة الحكومة العراقية.
اذن فما الداعي لتلك المفاوضات السرية! ان سرية تلمفاوضات يكمن في تخوفها من مصداقيتها وضعف مجابهتها للحقائق المريرة التي يدفع ثمنها الابرياء من العراقيين. تلك السرية التي تبيح لهم كل ماهو محرم وطنيا تحت اسم المقاومة ومزج مفاهيم القتل والتفجير والاختطاف مع الوطنية والتحرير.
ان الحوار العلني شرط اساسي لاي جهة مفاوضة لكسب شرعيتها الجماهيرية وتامين استحقاقها الوطني. ان المواطن العراقي ، باعتبارة القوة التصويتة الاعلى بالبلد، كما تفترضه الديمقراطية الامريكية، هو المعني، قبل غيرة، بمعرفة اسرار هذه المفاوضات ومن هم هؤلاء المفاوضين وماهي مطاليبهم وبرامجهم السياسية.
ان العلنية في المفاوضات ستوفر للمواطن الفرصة في ابداء وجهة نظره والمساهمة في وقف النزف الدموي المتدفق بقوة و لكي يمنح صوته لهم ان كانوا اصحاب حق، كما سيفضح زيف كل المدعين وتجار الوطنية. لكن مايجري حاليا، للاسف الشديد، هو جزء من سيناريوهات سرية، مغيبة، تحمل بين اجنحت ظلام الليل، اجندات مخيفة، تفجر بين الفينة والاخرى، بالونات سياسية مفرقعة ،غير واضحة الرؤية، غرضها زيادة تعقيد الوضع السياسي وادخال العراق في نفق مظلم، لا يقوى احد ان يتنبأ الى اي شاطئ سيقود هذا النفق الذي لاتتضح فيه معالم انفراجه.
ان الوجوه الملثمة بات عليها اليوم ان تكشف اقنعتها وتعلن عن نفسها ان كانت صاحبة حق. فمن غير المعقول ان يخفون وجوههم عن الشعب العراقي وبالوقت نفسه يتفاوضون مع المحتلين عراة، بلا اغطية، بلغة الود والسلام وبحوار متحضر. بالوقت الذي يزهقون ارواح ابناء جلدتهم باحدث الاسلحة الفتاكة كوسيلة للضعظ على القوات الامريكية. تلك هي المفارقة الوطنية لتلك الاحزاب. انا لا اجد المبرر لهذه السرية المعتة في بلد كشفت الديمقراطية الامريكية كل عورات احزابها واصبحت حرية الراي علنية يتحدث بها كل المواطنين.
ان طبيعة هذه المفاوضات السرية تزامنت مع تصريحات الحكومة الامريكية التي اكدت في تقريرها ان المقاومة العراقية يزداد نموها وقوتها اكثر من السابق وان القوات الامريكية تحتاج الى عشر سنوات على الاقل للقضاء على تلك المقاومة. تلك التصريحات التي ترسلها القوات الامريكية ،على جرعات مؤمونة، غرضها قبول المواطن العراقي بواقع الأحتلال الذي نقل الصراع مع الارهاب الى الساحة العراقية. فالامريكان قضوا على نظام الصنم لكن استحدثوا ماهو اسوء منه.
في حين اطلق السيد ابراهيم الجعفري من عقر دار الحكومة الأمريكية، تصريحة الناري، الذي اكد فيه، انه سيقضي على الأرهاب في غضون سنتين. ولا اعرف كيف اختصر السيد رئيس الوزراء خُمس الفترة الزمنية، وهو لحد اليوم لم يستلم زمام الملف الامني العراقي بالكامل. لقد اكتفى السيد رئيس الوزراء بخُمس الوقت الأمريكي للقضاء على الارهاب مستخدما فرائضه الايمانية لتسهيل مهمة الامريكان؟
ان الحكومة العراقية الحالية لاتزال اسيرة القرار الامريكي ومحدودة الصلاحيات في اهم ملفات البلد الاساسية. ولانعرف متى ستستقل حكومتنا الوطنية المنتخبة بقراراها وتنقل الملف الامني بالكامل الى جهتها، وهي التي يفترض، ان تكون الراعية الكاملة لكل المفاوضات والمصالحات التي تجري بين ابناء هذا الوطن. بالوقت الذي يصرح رئيس الحكومة، السيد جلال الطالباني، انهم لم يتفاضوا مع المسلحين لان هذا شان لايخصهم وانما يخص الامريكيين. ولا اعرف ماهي شؤون حكومتنا في البلد وماهي صلاحيتها. فان لم تستطع الحكومة انجاز هذه المهام ،وهي منتخبة، بات لزاما عليها المطالبة بتحديد صلاحيتها علنا ، من القوات الأمريكية، لاعفائها من الاحراج الوطني الذي تتعرض له ويكون المواطن على بينه تماما من ان الانتخابات والديمقراطية والشرعية هي مفاهيم انتقائية محدودة الصلاحية في الديمقراطية الامريكية.
#لميس_كاظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وطنية الدستور الجديد
-
مقابلة مع القاص والناقد الدكتور زهير شليبة
-
انتخبوا ابو ميسرة البعثاوي
-
خصام الأحبة الطائفي
-
بطاقة تعويض عن الحياة
-
خطاب الورود البيضاء للرئيس بوش
-
مسيرة موت صامته
-
بطاقات حب في خطاب دولة رئيس الوزراء.
-
حكومة الخلطة السحرية
-
الأسلام المعتدل في الغزل الامريكي
-
قلم انيس منصور في مقاله المفخخ
-
اندماج ثقافة الجبل والهور في دستور العراق
-
الصمت لايتعب قلم المثقف العربي
-
مهام رئيس البرلمان العراقي
-
المحاصصة الطائفية السياسية تتناقض مع مهام الحكومية المهنية
-
السلم المدني والأرهاب الاجتماعي
-
هجرة العقل المفكر وعودة العقل المدمر
-
عيد نوروز ...عزف السهل ورقص الجبل
-
حماية الحرية الشخصية في الدستور العراقي
-
مجزرة حلبجة شذرة في البرلمان العراقي
المزيد.....
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|