|
كيف افهم الحداثة الآن وهنا
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4384 - 2014 / 3 / 5 - 04:17
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
كيف أفهم الحداثة هنا والآن * ********************* الحداثة فعل حاضر ، والفعل هنا بصيغته الجمعية وليس الفردية . والحداثة بهذا المعنى هي مجمل الممارسات والنشاطات التي تستهدف ابراز الانسان في حالته الزمنية الراهنة ، وانتشال ذهنيته من ممارسات تقليدانية راسخة في أي مجتمع . ولا يمكن للحداثة أن تغرس بذورها وتنبت بتلاتها دون فعل التحديث الذي يطال جميع مناحي الحياة ، بما في ذلك المجال الديني الذي يعتبر في العالم العربي الكوة التي ينتصر من خلالها المحافظون والتقليدانيون ، الذين تحولوا مع الزمن الى أصداف فارغة فقدت جواهرها وامتلأت بالرمل والحصى . وحينما نتأمل الحديث الشريف " ان الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " ، نجد أن فعل التجديد هو مركز الحديث وبؤرته ، وهو المحور الذي يربط بين الجملتين اللتين تفصلانه . لكن ماهية التجديد لم يتم التعمق فيها ، والوقوف على جميع أبعادها ودلالاتها ، خاصة ونحن أمام مفهوم تجديد الدين ، وهو مفهوم ظل رغم وضوح العبارة والقصد مغيب ومقصي . وان كان هناك حديث شريف آخر يرتبط بمعنى التجديد بلاغيا ورمزيا وهو الحديث الذي ينبه الناس الى قدرتهم على تدبير شؤون حياتهم " انتم أعلم بأمر دنياكم " . وتدبير أمر الدنيا كما لا يغيب عن أي ذي عقل او ذكاء لا يمكن أن يكون على وتيرة واحدة ، كما انه يفترض الابداع والتجديد والاكتشاف والتنويع والتعدد . اذ لا يمكن أن نتصور حياتنا وهي تطابق في يومياتها ولحظاتها ما انجزناه أمسا ، أو ما صنعه الاخرون . والا فان الملل قد يصيبنا ويدفعنا الى البحث عن المغايرة والاختلاف ، وهما الخصيصتان اللتان تميزان وظيفة الانسان وطبيعته عن بقية المخلوقات . فالحيوانات مثلا كائن غرائزي بامتياز ، تطبع ماهيته نمطية يعجز عن التخلص منها . وهي من أهم السباب التي تجعله يخضع للانسان ، الذي ابتكر عبر التاريخ طرقا جديدة لاخضاعه وتدجينه وترويضه . وهذان الحديثان النبويان يجمعان بين ضرورة تجديد الدين والدنيا ، واذا كان تجديد الدنيا يدخل ضمن مفاهيم متعددة من آليات التغيير والابداع ، كالحداثة والعصرنة مثلا . فان تيمة التجديد الديني بقيت مهمشة يحتكرها سدنة التقليد والاتباع . بحيث يندر ان يعثر الباحث في الاسلاميات عن عالم يتحدث عن تجديد الدين كما صنع الدكتور محمد الغزالي في كثير من اعماله . رغم ما يتميز به الحقل الفكري والنظري الاسلامي من اواليات الاستدلال والاستباط والاستقراء . لكن الآليات ظلت دائما جامدة وثابتة ، بحث انفجر نوع من الاسلام الراديكالي المتشدد الذي ضرب بجميع أنواع المدارس الفقهية القديمة ، واتخذ له مسارا مغايرا ، لاهو ينتمي من خلال الأنساق المعرفية المتداولة للمدرسة النصية التي تعتمد على ظاهر النص ، ولا هو انتمى الى المدرسة العقلية التي تنتهي الى العقل كآلية انسانية يستطيع من خلالها الانسان قراءة النصوص المقدسة ، ولا هو احتمى بالتأويل كمنهجة علمية في قراءة النصوص من خلال تظافر مجموعة من السياقات الذاتية والذوقية التي تحتمي بأنوار القلب والروح . ووجدنا أنفسنا في خضم تفكير يتكئ على اجتهادات لا تتأسس على ما توارثه الباحثون والعلماء من أصول معرفية ، بل تتوسل بمفاهيم هي أبعد من جوهر النص القرآني والنص النبوي . مقحمة اياهما في خندق لايعبر البتة عن النصوص التي تحيل اليها ، بقدر ما تعبر عن رغبات باطنية مدفونة في اهداف شخصية او طائفية او فئوية . وبالعودة الى سؤال اللحظة والتراكمات المعرفية ، نجدنا امام سؤال الحداثة كفعل حاضر ، يكثف اللحظة الراهنة داخل مجمل تنويعات النشاط الانساني . من هنا حين نتحدث عن الحداثة فاننا نتحدث عن ماهية ما انفك الانسان عبر تاريخه يبدعها بطرق مختلفة . وعلى هذا الأساس نستطيع فهم عمليات التطور والتجاوز التي شهدتها مختلف مراحل الانسانية من أقدم العصور الى يومنا ، وهي سلسلة لا انتهاء لها ممدودة على حبل التاريخ المستقبلي ، ان جاز التعبير ، ما دام أن المستقبل أصبح اليوم يكتب ويخطط له ومحاولات الامساك بخيوطه صارت لعبة يتنافس عليها جميع الأمم ذات الحس الحضاري . من هنا أيضا يمكن فهم محاربة الحداثة كفعل حاضر في العالم العربي ، الذي يتميز بهيمنة السياسي على جميع المجالات الأخرى . هذه الهيمنة التي تتوسل ديمومتها عبر غرس وتثبيت كل مكونات التقليد والمحافظة ، من دين وعادات وأفكار قديمة ، وأنماط حكم ورموز ميتة . فالحاضر تتم محاربته في العالم العربي ، الذي لم يعش للآن حاضره . مادامت نفس شروط انتاج العلاقات العمودية والأفقية التي ورثناها منذ قرون ، لاتزال متحكمة في جميع مناحي حيواتنا . وحين عودتنا الى النص القرآني والحديثين اللذين استشهدت بهما ، نقف امام حقيقة أن الانسان لا يمكن أن يتقدم خطوة دون تجديد ، والتجديد هو الابداع ، سواء بالاكتشاف والابتكار ، أو بالاضافة والتجاوز . فحين ندعو الى التجديد فان الدعوة تقوم على أساس البحث عن سؤال اللحظة ، وسؤال المرحلة ، وسؤال المجال . كما ان الدراية هي الفهم الأعمق لمناحي الحياة اليومية العملية ، والتي عبرها يشد الانسان روابط علاقاته بمجاله وبالأفراد المتحركون في هذا المجال . مع ملاحظة أنه مع التطور الهائل للتقنية والتكنولوجيا وجميع اصناف المعرفة ، اصبح المجال أكثر انفتاحا ، والافتراض اكثر واقعا . ويمثل سؤال اللحظة قمة الحداثة ، في نظري ، لأنه سؤال معقد ومتعب ، خاصة في عالمنا العربي الذي تعود على اقصاء تيمة قيمة السؤال ، ما دامت كل الأجوبة تتكفل بها الأنظمة السلطوية بتواطؤ مع صنائعها الدينية . كما أنه -سؤال اللحظة - يمثل أرقى حالات الذهن الذي لا يركن الى الاجترار ولا يطمئن للبدهيات والمسلمات . فما هو مسلم عندي مشكوك فيه عند الآخر . الحداثة اذن كما سوقها الكثيرون ، ليست حداثة تقنية او سلعية ، كما أنها ليست حداثة فنية وأدبية ، بل هي حداثة ذهنية بالأساس ، معرفية في الجوهر . والدين لا يعاكسها أو يرفضها بقدر ما يحث عليها ويرغب فيها . وأي ربط بين الدين ورفض الحداثة انما هو تعسف في القراءة وفي التأويل ، وخروج عن الزمن وعن المجال .
هو مجرد فتح شهية للتفكير بطريقة أخرى
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كل ثقافة وأنتم مثقفون
-
حركة 20 فبراير بالمغرب ، الثابت والمتغير
-
عيد الشعب
-
لا تقلق اني راحل
-
القضاء المغربي وحفاظات وزير العدل
-
دروب الاستعارة طريق الحرية
-
أن نحترق خير من أن نتعفن
-
من يشتري حلمي غيري
-
تناقضات الدستور المغربي بخصوص الجهوية
-
نحو جنيف 3
-
كل السراب مملكتي
-
أوزيريس بصيغة مغربية
-
كل عام وأنتم......كما تشاؤون
-
لابد من اسم مستعار .......
-
شد الحبل بصيغة أخرى
-
لنتذكر ثوراتنا وانتفاضاتنا
-
القصيدة .....هي القصيدة
-
بين ارادة الاصلاح واصلاح الارادة ، أو فضيحة العدالة والتنمية
...
-
مساومة
-
حوار مطول مع المفكر العالمي نعوم تشومسكي -مترجم-
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|