حسين الشويلي
الحوار المتمدن-العدد: 4382 - 2014 / 3 / 3 - 21:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حينما تجتمع الخصوم لتداول قضية ,, ما . فيكون البحث عن نصر,, لفريق وليس لأجل الحلول .
البرلمان بمفهومه العام , نتاج أنساني جيد يعزز من الديمقراطية ويشتت الخوف من الديكتاتورية - لاسيما في بلد كالعراق حيث تناسلت ديكتاتوريات على أرضه , حتى فقدنا الرجاء ببلوغ سن العُقم لهذا المجتمع عن أنجاب ديكتاتور آخر .
والديكتاتور بالمفهوم العام ليس شرطاً أن يكون فرداً , أو حزاباً . النازية لم تكن مختزلةٌ بشخص أردلوف هتلر , وذالك بعد موت الأخير أستمرت النازية كحركة عنصرية , وأن كان وجودها مشترط بوجود مخرجها من القوة الى الفعل أي من وجود ذهني الى ممارسة فعلية تتحرك على أرض الواقع . لأنتهت وأندثرت فور موت مؤسسها .
والعراق عاش المرحلة البعثية التي لاتقل عن النازية دموية وتحقيراً للأنسان وحقه في العيش والعمل بكرامة . وأيضاً بعد شنق مثال وتمثال البعث لم ينته الأمر . بل توارى الأسم والرسم وبقت الأفعال والممارسات تتخذ أوصافاً وأشكالاً - فحيناً نراها بزي المتديّن كما في شخص ما يسمى بمفتي الديار العراقية - كالرفاعي - وحيناً نشاهدها تتحرك وتنطق بأسم العلمانية التي يدّعيها أياد علاوي وصالح المطلك . وحيناً تتموضع عشائرياً كما في بعض شيوخ الأنبار كعلي حاتم السلمان وغيرهم .
أن مشكلة العراق هي مشكلة أجتماعية وليست سياسية . بدليل أن كانت سياسية لأنتهت في فترة من عمر العراق , وذالك تغيّرت المناهج السياسية من دينية الى وجودية ثمّ علمانية لكنّ النمط كان واحد والنتيجة واحدة رغم أختلاف المنطلقات الفكرية والعقيدية .و كلما أطلنا البحث في تأريخ العراق لم نجد الاّ مظاهر للقتل والدماء والحروب وأنقلابات - حتى من يظن أن العصر العباسي كان الأكثر تحضراً فقد حصل المأمون على الحكم بأنقلاب على أخيه و تم قتله . !
والمشاكل الأجتماعية لاتعالج بحلول سياسية , ولاتحل بقوانين قهرية .
فالأخلاق لا تفرض على الأفراد وفق القانون . بل هي أنبثاق تلقائي وأستعداد نفسي لحب الخير وأستقذار الشر بكل أنواعه وصفاته .
فالبحث عن حلول سياسية في هذا الزمن المتخم بالاأخلاقية يكون هدراً للوقت وأستزافاً للمال العام . والحل الأوصل لمنتهى هذا الطريق المحفوف بأنواع الديكتاتوريات والجرائم الأقتصادية , هو البحث عن المشتركات الوطنية فقط . وترك المجاملات وأحاديث الوحدة الدينية واللُحمة الأجتماعية . فالواقع سيكذب من يطلق تلك الشعارات مهما أجاد في وصفها . لأنه ليس ثمّة وجود لتقبلها لتراكم الأخطاء الأجتماعية منذ عهود ماقبل الدولة العراقية . فأحدثت تلك الأخطاء المتراكمة قشرة سميكة من النظرة التآمرية حيال الآخر وعدم ثقة وتخوين والى كل النعوت السلبية التي يمكن أن تتواجد في العقل والشعور الجمعي للمجتمع .
نحن بحاجة,, الى الواقعية والمكاشفة _ أكثر من أي وقت,, مضى . لأن التحديات الأقليمية كبيرة وخطيرة , والعراق ليس مكاناً أستثنائياً من تلك التحديات فهو جزءٌ منها , أن لم يكن بدأ يقترب ليكون مركز للأستقطاب الطائفي والخطاب العدائي وتصارع الأجندات وتصفية حسابات دول على أرض العراق , لأنه البلد الأكثر هشاشة في البناء الأجتماعي .
ليس الغرض هنا هو تقديم حزمة من النصائح ولا أريد التنظير أو أكون سلبياً في التعاطي مع الواقع العراقي - بل توصيفاً لحالة أجتماعية أخطئنا كثيراً حين ظننا أنها مشاكل سياسية . وزاد الوضع تعقيداً كلما تناولت الأحزاب العراقية التي تمثل المجتمع العراقي معالجتها , ولهذا نسير من رديْ الى أسوء . لأنه مرة أخرى المشكلة أجتماعية فلابد أن تعالج بطريقة أجتماعية لأنها العمود الذي يقف عليه النظام السياسي .
وهنا لدينا موضوعاً وحكم .. والحكم لايخلق موضوعه . لدينا برلماناً وأستحقاقات جماهيرية وقوانين تنتظر البرلمانيين لتقنينها . ومن أهما مسئلة ميزانية العام الحالي .
والمشهد البرلماني اليوم لايبعث على الأسترخاء أو التفاؤل . بل ينذر على أنبثاق صراع سياسي قد يكون فيه - التمزق الأخير .
والخلاصة الكارثية التي توصل اليها البرلمان حتى الآن - تكمن في - رفض مستميت من قبل نواب التحالف الكردستاني لأقرار الموازنة . أنسحاب نواب دولة القانون أعتراضاً على عدم تقديم الموازنة للتصويت عليها . رئيس البرلمان يريد من الحكومة أن تتصالح مع حكومة كردستان كي يصلوا الى أتفاق حول مبيعات وواردات نفط الشمال . هذا من جانب . أما الآخر فمازال البرلمان غير متفق على أيجاد وصفاً لما يحدث في الفلوجة ! هل لداعش من وجود ؟ أم لا . منهم من ينتقد الأرهاب ويرفض دعم الجيش لمحاربته ويمنع تسليح الجيش . وبعضهم ذهب الى أن كل ما يحدث هو , دعاية أنتخابية مبكرة ! وفي خضم هذه المتناقظات البرلمانية - ينتظر الفرد العراقي أطلاق أمواله كي يستمر في الحياة ! ويريد أنهاء الأرهاب والعنف في الفلوجة وعودة النازحيين الذين هربوا خوفاً من - داعش الى ديارهم ومدينتهم .
أنها نكبة المقاييس في رئاسة البرلمان . فكان عليه أن يمارس دوره كرئيس للبرلمان وليس رئيساً لكتلة سياسية . ويخرج القوانين وفق الأهمية لا لحسابات أخرى . وعليه بدل أن يطلب من الحكومة المصالحة وتصفية الخلافات مع رئاسة الأقليم , أن يطلب من الأقليم توضيحاً معلناً عن أعداد براميل النفط التي تمّ بيعها بعيداً عن الحكومة الأتحادية , ومعرفة أين ذهبت تلك الأموال ؟ ولماذا حكومة الأقليم لم تسلم الأموال الى وزارة المالية الأتحادية ولم تستطع أن تدفع رواتب شهراً واحداً لموظفي الأقليم ؟
وعليه أيضاً أن يستمع لقيادات الجيش والأجهزة الأمنية من مختلف المذاهب والطوائف لمعرفة مايدور من أحداث في الفلوجة . كي يبت في الأمر ولا يترك الكتل السياسية في البرلمان تعبث بالرأي العام والحقائق .
كما هو واضح أن الواقع البرلماني المشتت أنعكس تماماً على كافة الأبعاد وزاد في سوء الوضع , وتأسيساً على هذا الرأي . فالبرلمان هو المسؤول بصفته التشريعية على سوء الواقع الأمني لأن بعض أعضائه ناضل من أجل عدم تسليح الجيش , ومنهم من أعطى العصابات المسلحة ترخيصاً قانونياً . وهو المسؤول عن تردي الواقع المعيشي بسبب أهمال متعمد ومستمر للمشاريع الكبيرة والمهمة وأنشغاله في أمور,, عرضية لاصلة لها بواقع الفرد العراقي . عمّق في الخلافات الأجتماعية . من جرّاء أن البرلمان ولد من رحم الشعب فكل تخاصم في البرلمان هو تخاصم في الشارع العام .
ومن خلال هذا الوضع المأساوي لرئاسة البرلمان ولبعض الكتل البرلمانية , يكون مخطأ من يظن أن الأمر سيكون أفضل حالاً بعد الأنتخابات ! الذي سيحصل بعد الأنتخابات هو الأبقاء على نفس الكيانات السياسية والوجوه البرلمانية ماخلا - سامي العسكري وحيدر الملا وعالية نصيف وعدد قليل آخر . لكن الأمراض الأجتماعية باقية والأحزاب المشاغبة باقية , والشخصيات الحزبية باقية . فكل حديث عن نشوء برلمان مهني وسياسة وطنية هو حديث خرافة .
وعودة الى مستهل الحديث لأن المشكلة أجتماعية وليست سياسية أو برلمانية . ومن أخطر تلك العاهات الأجتماعية هو عدم تجريم حزب البعث الأجرامي بعد . فما زالت الديكتاتورية البعثية تتحرك في المجتمع والمؤسسات والأعلام . وهذا من واجب البرلمان العراقي وتحديداً رئاسة البرلمان . فحين يبقي على ظاهرة ديكتاتورية هو يمارسها بالسكوت عليها فيمكن أن يوصم هو الآخر بالديكتاتور .
رغم علمنا أن زمن المعجزات قد أنتهى لكن علّنا نحضى بواحدة لتحسين تفكيرنا وشعورنا الجمعي .
#حسين_الشويلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟