|
العُمْر الافتراضي للحكومة
دينا عسل
(Dina Asal)
الحوار المتمدن-العدد: 4382 - 2014 / 3 / 3 - 19:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المعروف أن العُمْر الافتراضي مقصود به الحدود العليا للبقاء، فكل شئ على هذه الأرض له عُمْر افتراضي سواء كانت كائنات حية أو أشياء مصنعة وحتى الأنظمة والحكومات بات لها عُمْرا افتراضيا، فالعمر الافتراضي لحكومات ما قبل ثورة 25 يناير كان طويل جدا، كانت حكومات مُعمِّرة برغم فشلها في استيعاب البلد. على سبيل المثال، آخر حكومة قبل الثورة والتي كان يرأسها الدكتور أحمد نظيف كانت قد تولت الوزارة في 9 يوليو 2004 إلى أن أُقيلت بعد بعد اندلاع الثورة في 29 يناير عام 2011، فالحكومة التي ظلت ما يقرب من السبع سنوات لم تصمد أمام الاحتجاجات سوى أربعة أيام، مما يدل أنها كانت حكومة هشة كما النظام وقتذاك.
• حكومة تسيير أعمال برئاسة الفريق شفيق عاشت (33 يوماً) منذ تلك اللحظة تدهور العُمْر الافتراضي للحكومة بشكل كبير جداً فأول حكومة بعد اندلاع الثورة كانت حكومة تسيير أعمال تولى رئاستها الفريق أحمد شفيق على اعتبار أن هذا الإجراء قد يقلل من حركة الاحتجاجات إلا أن هذه الحكومة بكل تعديلاتها نالت ما نالت ولم تُكمِل سوى شهر وثلاثة أيام، فقد تم تكليف الحكومة في 29 يناير 2011 وتم قبول استقالتها في 3 مارس 2011. وعلى الرغم من أن حكومة أحمد شفيق كانت تضم عناصر مستقلة وحزبية إلا أنه ظل في نظر البعض أن هذه الحكومة محسوبة على النظام السابق، ومن أبرز العوامل التي أودت بسقوط هذه الحكومة شعبياً أيضا هي أحداث موقعة الجمل التي وقعت يوم 2 فبراير، ذاك الحدث الذي اعتبره الكثير أنه مسئولية الحكومة التي كان يرأسها شفيق حينها لذلك لم يرحب الكثير ببقاءها بعد تنحي الرئيس الأسبق مبارك وهو ما دفع هذه الحكومة لتقديم استقالتها للمجلس العسكري الذي كلفه مبارك بإدارة شئون البلاد.
• حكومة مؤقتة برئاسة الدكتور عصام شرف عاشت (9 أشهر) وبتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد قام بتكليف الدكتور عصام شرف بتشكيل حكومة مؤقتة تعمل خلال فترة الحكم الانتقالي، وعلى الرغم من قبول الدكتور عصام شرف من قبل الكثيرين وخطابه بميدان التحرير وقيام الثوار بحمله على الأعناق وهتافهم تأييدا له إلا أن العُمْر الافتراضي لهذه الحكومة لم يكن سوى لبضعة أشهر حيث أدّت الحكومة اليمين الدستوري في يوم 7مارس 2011 وانتهت رسمياً في 1 ديسمبر 2011. وبرغم أن هذه الحكومة كانت ذات طبيعة تكنوقراطية إلا أن هذه الفترة شهدت احتجاجات واعتصامات أبرز المطالب فيها كان القصاص والتطهير ووصلت إلى حد مطالبة الحكومة بالاستقالة من خلال لافتات كان يتم رفعها تعبيراً عن الرفض وبالفعل كان هناك استجابة لهذا المطلب وقدمت الحكومة استقالتها في 25 نوفمبر 2011.
• حكومة إنقاذ وطني برئاسة كمال الجنزوري عاشت (7 أشهر) كلف المجلس العسكري الدكتور كمال الجنزوري بتشكيل حكومة إنقاذ وطني في 7 ديسمبر 2011 خلفاً لحكومة شرف، وعلى الرغم من أن الجنزوري سبق له وأن تولى الوزارة في عهد الرئيس الأسبق مبارك من 4 يناير 1996 إلى 5 أكتوبر 1999 وهي تعتبر فترة معقولة نسبياً لإحداث تغيير إلا أنه وافق على رئاسة الحكومة للمرة الثانية وهو يعلم أن هذه المرة لفترة مؤقتة لكنه كان يدرك الوضع الاستثنائي الذي تعيشه مصر حتى أنه أبقى على وزراء من حكومة شرف وعمل بقدر الإمكان على تحقيق التوازن بين القوى والتيارات السياسية ومحاولة إشراك الشباب كمساعدين لبعض الوزراء واستحداث وزارات مثل وزارة الشؤون العلاجية وأسر الشهداء إلا أنها هي الأخرى لم تكن على قدر طموحات الشعب المصري وظلت مطالب الثوار قائمة بسرعة المحاكمات العادلة والناجزة للمتورطين في الفساد والقصاص للشهداء حتى أنه تم توجيه الاتهام لها بالتقاعس في التعامل مع الملف الأمني ولكن ظلت هذه الحكومة تعمل حتى أنهت مهمتها في 24 يوليو 2012 بعد انتخاب رئيسا للبلاد.
• حكومة الإخوان برئاسة هشام قنديل عاشت (عام) بعد انتخاب الدكتور مرسي كأول رئيس لمصر بعد الثورة كلف هشام قنديل بتشكيل الحكومة، وقد سبق وأن شغل قنديل منصب وزير الموارد المائية والري بحكومة شرف واستمر في حكومة الجنزوري، وبالفعل قام بتشكيل الحكومة التي قامت بتأدية اليمين في 2 أغسطس 2012 أمام الدكتور مرسي، كان تشكيل الحكومة بمثابة الصدمة وبدت الانتهازية السياسية واضحة منذ الوهلة الأولى بإسناد الحقائب الوزارية إلى المنتمين أو الموالين للجماعة دون النظر إلى مستوى الوزراء أو موقف الشارع منهم ولم يتم النظر إلى رغبات الشعب بل وساروا على نهج ما قبل الثورة الذي سبق وأن أعلن هذا الشعب رفضه له وثار ضده، فإدارة الدولة ومؤسساتها كانت معتمدة على أهل الثقة والموالين وليس أهل الكفاءة لنخرج من سطوة الحزب الوطني وأمانة السياسات لنجد أنفسنا تحت سطوة مكتب الإرشاد وجماعة الإخوان وبدأت رحلة العمل على أخونة مؤسسات الدولة. لم تهدأ مصر خلال تلك المرحلة ولن تخف حدة المظاهرات والاحتجاجات بل وزاد نزيف الدماء سواء لشهداء من الجنود على الحدود أو لأناس عاديين كانت لهم مطالب أو من كانوا ضحايا للإهمال إلا أن هذه الحكومة رفضت تحمل أي مسئولية سياسية ورفض مرسي التنازل على أي فرد فيها فكانت نظريته "إيه يعنى لما نضحى بشوية علشان الباقى يعيش..!!" هذا إلى جانب تهميش دور المرأة والتكفير وتخوين المعارضة حتى حلت عليهم لعنة المصريين وانتهى النظام بأكمله في 3 يوليو 2013.
• حكومة ائتلاف وطني برئاسة حازم الببلاوي عاشت (8 أشهر) بعد مظاهرات 30 يونيو وبعد أن تم عزل الدكتور مرسي وتعيين المستشار عدلي منصور رئيساً مؤقتاً للبلاد تم تكليف حازم الببلاوي 9 يوليو 2013 بتشكيل حكومة ائتلاف وطني، لم تلق هذه الحكومة الترحاب الشعبي خاصة وأنها قد غابت عنها العناصر الشابة ومع مرور الوقت أعلن الشارع رفضه للأداء البطئ لها وعدم قدرتها على تلبية احتياجات المرحلة وشهدت فترة هذه الحكومة أيضا تراجعا على كل المستويات خاصة الاقتصاد والأمن، فمن الناحية الاقتصادية لم تستطع هذه الحكومة تحقيق أي عدالة مما تتسبب في حدوث حالة من الغضب وظهور الاحتجاجات العمالية ومن الناحية الأمنية لم تتمكن الحكومة من استعادة الأمن وصرنا نسمع في بلد الأمن والأمان عن تفجيرات واغتيالات واستهداف لمواقع شرطية وأماكن سياحية، وعلى الرغم من عدم قدرة الحكومة على تحقيق المطالب وافتقارها للشعبية وأيضا على الرغم من أن العُمْر الافتراضي لهذه الحكومة كان قد أوشك على الانتهاء وفقاً لمعدل العُمْر الافتراضي لحكومات ما بعد الثورة إلا أن خبر الاستقالة الذي أعلنه رئيسها حازم الببلاوي في 24 فبراير 2014 كان مفاجئاً للكثيرين في الداخل والخارج ممن توقعوا استمرار الحكومة حتى إجراء الانتخابات الرئاسية. • حكومة محلب (لازال عمرها مجهولا) أخذ خبر الاستقالة وتكليف المهندس إبراهيم محلب بتشكيل الحكومة التي قامت بتأدية اليمين السبت 1 مارس 2014 تأويلات كثيرة أبرزها كان الحديث عن المشير السيسي كمرشح رئاسي في حين أنه ظل وزيرا للدفاع ونائب للرئيس المؤقت في التشكيل الجديد، ففي القترة الأخيرة أيضا كانت ترجمة أي حدث معناه أنه تمهيد لإعلان السيسي ترشحه للرئاسة، ولا أعلم لماذا لا يتم وضع الأمور في نصابها ولكن على أية حال، بقت ثُلث حكومة الببلاوي في التشكيل الوزاري الجديد، ويبقى السؤال:
على مدار كل هذه الحكومات ما الذي تغير غير أن الاستقرار المزعوم لم يتحقق وحصيلة الدم والصراع وصلت إلى أوجها وازداد معدل الإضرابات العمالية والمطالب الفئوية وازدادت معدلات الإرهاب والانفلات الأمني وتراجع السياحة والاقتصاد ومواجهة أزمات جديدة مثل ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي وأزمة الطاقة؟!
آمل في رفع العُمْر الافتراضي للحكومة حتى لا يكون هناك تعلل بأن الإرث ثقيل حيث أن كل حكومة ترث مشكلات وأخطاء الحكومات السابقة وفي النهاية لا يجد جديد غير أن إرث الشعب من تلك الحكومات التي ينتهي عمرها الافتراضي قبل أن تبدأ في العمل يزداد هو الآخر. ففي كل مرة يتم تشكيل حكومة نقول "نعطيهم الفرصة" ولا نعجّل بالإنجازات وإذ فجأة ينتهي العُمْر الافتراضي الذي لا يتجاوز الأشهر وتتقدم الحكومة باستقالتها وتأتي حكومة جديدة بدون خطة عمل واضحة أو حتى أولويات عمل يتم الإعلان عنها، وهلم جرا. ما نريده هو أن نرى تغيير في عقيدة الحكومة تحديدا في منهج التفكير الذي لابد وأن يكون مختلفا عن الحكومات السابقة وأن تدب في هذه الحكومة الجديدة روح جديدة ويتم تحريك الملفات التي تخدم المواطن، ولا أقصد من ذلك أننا نريد أن نرى إنجازات كبيرة بين عشية وضحاها بل أتعشم أن تكون هناك إشارات تؤكد أننا نسير بالاتجاه السليم من خلال خطة قصيرة الأجل تعلنها الحكومة على الشعب عملاً بمبدأ الشفافية الذي لطالما سمعنا عنه ولم نره إلى الآن، فهذا إن تحقق سيكون إنجاز في حد ذاته .. ما نريده هو أداء حكومي جديد من خارج النص.
وحتى لا نلقي كل اللّوم على الحكومات، فعندما ننظر إلى الدول المتقدمة نجد بها أفراد يعملون للوطن فقط فتكون النتيجة نمو متتابع وحدوث نهضة تفرض نفسها وتجعلهم ينالوا احترام العالم ليس كما في وطننا وقتنا ضائع في أمور تجاوزها الزمن وانقسمنا إلى فئتين معكم وعليكم وأعلنّا الحرب على أنفسنا ودعمنا كل طامع سلطة وساعدنا عدونا على النيل منّا والعالم حولنا يبني المصانع والمعارض والمواصلات العصرية ويؤسس لحياة كريمة ويطبق القوانين التي تفرض احترام الفرد كأنسان وليس كمؤيد أو معارض، رجل أو مرأة، مسلم أو مسيحي، سنّي أو شيعي، ناصري أو ساداتي أو مباركي أو فلول، ليبرالي أو علماني أو يساري أو اشتراكي أو إخواني أو سلفي أو غيرها من المسميات التي غزت مجتمعنا وعززت انقسامنا .. نحن هان علينا وطننا وحذفنا من معجمنا كلمة "إنسان".
#دينا_عسل (هاشتاغ)
Dina_Asal#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميثولوجيا السياسة المصرية
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|