عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4382 - 2014 / 3 / 3 - 18:39
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الفكر العربي بين روميو وجوليت وعنتر وعبله
يدور الحديث دوما عن تخلف العقل العربي خصوصا والعقل الإسلامي عموما ويقصدون به منتج العقل وليس ذات وجوهر العقل , العقل العربي كباقي العقول الإنسانية ينتج ما يقدم له ويعد له من أساسيات وركائز ومعطيات دون أن نحمله أكثر من هذا , التجربة الإنسانية أثبتت عدم عنصرية العقل وعدم تأثره بالبيئة الجنسية بقدر تأثره بالبيئة الفكرية السائدة وطرائق تلقي التمهيد وأساليب التأسيس والتعامل مع طرق الإنتاج الفكري , فكثيرا من العقول العربية أنجزت ما لم تستطع فعله عقليات نشأت في عناصر جنسية أو بيئات متقدمة في التعاطي معه.
هنا يجب علينا التفريق بين الفكر العربي والعقل العربي مع أقرار أن غالبية الفكر العربي وغالبيته العظمى ما زال فكرا يدور في عالم الطفولة طفولة المنتج العقلي وما ترقى منه لازال لم يبلغ الحلم بعد إلا ما ندر وحتى هذا النادر يبقى مقلدا خطوات الآخرين ولم يستقل بوجوده ويؤسس عائلة فكرية عربية خالصة بالنسب وبالسبب وبالتالي فلا إقرار حقيقي بهذه العائلة , يمكن أن يكون المفكر العربي الذي تم تربيته في بيئة أخرى أقدر على التفاهم والتزاوج وعندما ينجب فإنه ينجب وليد ذي خصائص لا تنتمي للسلالة العربية قط.
هذه الإشكالية لم يكن سببها عقم العقل العربي ولكن إهمال المؤسسة الفكرية العربية من تبني نموذج حضاري بخصائص مميزة منطلقة في ذات التوجه العلمي العالمي وتستخدم الإعدادات المتقاربة معه دون أن ينسى أن هناك فسحة تتسع يوما بعد يوم في الحجم والتكوين والتأثير في المحيط , لا بد أن يعمل الفكر العربي باتجاهين للبلوغ أولهما يردم الهوة ويجسر الفراغ وبنفس الوقت عليه أن يتبنى أفكار ورؤى خارج مدار اللحظة الراهنة ’أفكار ورؤى لمرحلة ما بعد التجسير واللحاق بالركب الفكري العالمي.
هذه المهمة ليست بالهينة وكما أنها ليست بالمستحيلة ويمكن تجاوزها من خلال دراسة التجربة الإنسانية وتبني روح المبادرة والتخلص من الصنمية والتقوقع داخل الكيان الفكري العربي القديم الذي بنى لنفسه هالة من القداسة والمعصومية وبنى سلسلة من الحصون والخنادق وأحاطها بالكثير من المحذورات والمحرمات تبناها أفتراضا ومنع العقل من تتبع كل هذا المعصوم المحرم من خلال النقد والتمحيص والتجربة الحرة.
إن تجريد الفكر العربي من التدليل والحماسة الفارغة والعزوف عن رؤية الأفضلية وأعتبار أن الفكر العربي لصيف بالإسلام أو أنه رديف للفكر الإسلامي ومحاولة الترقي بقواعد العمل العقلي ورفض منطق الوجاهة والسيادة يمنحه فرصة حقيقية للذهاب إلى عناوين إنسانية قادرة أن تحمله ويحملها إلى بيئات وأفق أكثر جرأة في مواجهة حالة عدم البلوغ والمراهقة الفكرية.
السؤال الحقيقي هنا ماذا نريد من العقل العربي ؟ أو ما هو المطلوب منه ليرتقي كعامل أنتاج معرفي كي يكون حاضرا في الواقع الإنساني عنصر إيجابي,وهل يجد هذا العقل مكانا حقيقيا في مقابل المطالبة منه وإعلان براءته من الحيز الحيوي له الذي يتهمه البعض الأخر بالمسئولية بالدرجة الأولى وأقصد عنصري اللغة والدين وإن لم يكن خاضعا لهما بشكل أو بأخر,في التجربة المعرفية نجد أن الكثير من العقول العربية التي تفكر بلغة أجنبية أو تتخذ من غير الإسلام دين تفتخر أنها قد منحت نفسها مجالا للقبول كي تبرهن أن عنصري اللغة والدين كانا من أسباب ضعف النتاج الفكري العربي أو هزاله بصورة واضحة.
المشكلة البنيوية التي يعاني منها الفكر العربي لا يمكن أسنادها للدين أو تحميل اللغة مسئولية العجز الإنتاجي وعدم القدرة على البلوغ وإنما تتعدى في تقديري إلى أساسيات الثقافة العربية والإسلامية عامة وخصوصا طرائق التوصيل والتواصل,العربي محاط كغالب الشعوب التي عانت صراعات طويلة بين الشخصية الإنسانية وبين الفكر الإستلابي القائم على مفهوم الردة بصورتها الدينية وبصورتها الفكرية الاجتماعية مع عدم قدرة تكوين لوبي ضاغط نحو قبول مفهوم التنوع والتعدد مما فسح المجال أمام سلطة الصوت الواحد أن تمتد لذات الأنا العربية لتزرع قيها الخوف والتردد من المجازفة.
في التجربة أيضا ممن أعلنوا أغترابهم الفكري والثقافي ولجئوا إلى ثقافات غربية ليظهر فيها شخصيته الفكرية والمعرفية نجد أن جذور هذه المشكلة كامنة في ذاته وفي صلب شخصية الأنا التي فيه ,فهي لا غربية ولا شرقيه يكتب بنفس فكري ليرضي جمهور أخر جمهور لا يهتم بما يكتب لأن من يكتب منه عنه أكثر جدارة وفهم من هذا المتغرب,كما لم ينجح أن يتسلل الى عقل وأساسيات فكر الانسان الشرقي والذي اصلا وعقلا هو محل الخطاب وهدفه لذا نرى أن هذا الأخير يرفضه ويعتبره مرتدا عن ثقافته وبالتالي فهو لم يربح غربيته ولم يستثمر شرقيته في إطارها الطبيعي فعاش على الهامش الفكري دون أن يغير حقيقة من معطيات التغير أو يحركها إلا في حدود الأدنى من الحدود الدنيا قد لا تساوي الضجة التي أحدثها.
البعض يظن أن ارتداء العربي أو المسلم الزى الغربي وأعادة دمج وتأهيل الشخصية منقطعة عن واقعها يمكن أن يؤدي بالتدريج إلى خلق مفكر عربي بشروط غربية ممكن أن ننتظر منه تحول قد يسوق إلى سلسلة من المتغيرات بالفهم الجمعي العربي وقد تكون بعض المحاولات جادة نحو هذا الهدف,قد أجيب بنعم وقد أنكر الموضوع أصلا الإشكالية ليست في كيفية الزاوية التي ينظر منها هذا المتحول أو ما يسميه البعض برواد الحركة التغيرية,المشكلة تكمن في عجز حتى هذا الشخص من الخروج من شاخصتين مختلفتين بكل مظاهرهما العامة الغربية والشرقية,الخروج من هذا الظاهر نحو البحث عن الجوهر المشترك بينهما,المشترك الإنساني الذي عند العثور عليه وفهمه وهضمه لم يعد هناك فارق حقيقي بين الشرقي والغربي ,يكون هناك إنساني ولا إنساني حقيقي ولا حقيقي.
بين الإنساني والوجودي وشائج وروابط ومحددات وشبكة من الخيوط التي تربط ما هو جدير بالأخذ حتى نكون أكثر قبولا وأكثر تسامحيه فيما بيننا,المبدعون حول العالم من غير المفكر الغربي قد أنتجوا هذا الفهم ركزوا على المشترك الإنساني دون الالتفات لتأثير ثقافتهم المحلية ولم تبهرهم الثقافية والفكر الغربي بقدر ما أستفاد هذا الإبداع من روح التسامح والقبول من الأخر لا سيما وأن المتحكم الآن في التقييم والقياس هو أحد أطراف المشكلة,العربي عندما يقيم الغربي ينظر له ليس من باب ما يثير من عوامل الربط بينه وبين الأخر المشترك وإنما ينظر له كمنافس لدود يطبق عليه معطيات التسليم عنده كي يظهره بالأخر خارج حدود المقبول العقلي على أقل تقدير,هذه الإشكالية ذاتها يتبعها الغربي فهو ينظر للكم الثقافي العربي كله كأنه زبالة تأريخية لا بد من رميها في مكب الأزبال لأنه لا يستطيع من خلال أدواته أن يكتشف الجزء المشترك معه لذا يحمل الدين واللغة مسئولية تخلف الخطاب الثقافي العربي.
هناك سوء فهم من جانب الكيفية ومن جانب الكونية تعرقلان الفكر العربي أن يخرج من شرنقته ويساهم في بناء ثقافة إنسانية حقيقية تمتد من اللغة الحاملة له إلى الدين الذي قبل أو رفض أن يستكمل الوجه العربي فيه وجوده,الثقافة الفرنسية المسماة الفرانكفونية وهي أحدى أهم الثقافات المتشخصنة في العالم قامت على عنصري الدين واللغة فهم لغوي للدين وفهم ديني للغة ولكنها ابتعدت عن الجغرافية التي تحبس الدين واللغة معا ,كما لم تتخلى عن التأريخ برغم قتامه لأنها قامت على مسامحة فرنسا من قبل شعوب الفرانكفونية مقابل أن تمنح روحها الفرنسية لهم,سماح وتسامح أعتراف متبادل بالحاجة للعيش المشترك الممتد خارج حدود التأريخ والجغرافية ومن جديد,هذه الروحية ما زالت مفتقده في الفكر العربي والإسلامي ما زال هناك الصراع الدامي يجري في جذور ثقافتنا العربية بين المهاجرين والأنصار,بين الصحابة أنفسهم ,بين الضحايا والجلاد وأنتجت هذه الدائرة العنفيه المزيد من الدماء والمزيد من الفكر المتطرف لأنها لا تقبل أن تسامح ولا تقبل المسامحة لأنها ترفض المشترك,ثقافة الأعراب القائمة على الغزو والخضوع هي السائدة اليوم في أصول فكرنا وأصول معطيات التفكير العربي.
هل هذا يعني أن العقل اعربي الذي يرفض الخروج من دائرة الأزمة هو المسئول الأول عن حالية التخلف وحلولية العجز,الظاهر أن العقل العربي ليس هو المدان بكل شيء,الفكر العربي في الجزء القاتم منه والذي يعد اليوم العمود الفقري للتراث والمعاصرة المزعومة والتعاطي معها كمنهج للسلطة السيادية هو المسئول الأول بما يحمل من فيروسات التخلف التي ما أن حلت بمكان إلا ما حملت معها ارتدادات وردة نحو الماضي,أساسيات ما زالت تتمسك بالماضي وترفض الخروج من خيمة أبي سفيان وهي مبهورة بناطحات السحاب تقضي نهاراتها تلهو وتلعب في ساحات باريس وتلتقط الصور تحت برج ايفل إلا أنها لا تنام إلا في خيمتها وتشم رائحة التراب ,إنه العشق السرمدي لدروب مكة وليالي الغزو والقنيص وحكايات عنترة والزير سالم.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟