أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - لاتي حاج أحمد - مارتن هيدجر مؤثرا















المزيد.....

مارتن هيدجر مؤثرا


لاتي حاج أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4380 - 2014 / 3 / 1 - 13:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أبحث في فكري وكلماتي وحدسي وجسدي وحياتي عن شيء لا أعرف عنه شيئًا. أبحث عن حقيقة لا أعلم كيف هي ولا ما هي. أبحث وأبحث عن شيء لا أعرفه. ومع ذلك، لا يسعني إلا أن أبحث إذا كنت أريد التخلص من إرادة الموت. أبحث، لعل الحقيقة تظهر لي. سوف أقفز من إمكانيات إلى أخرى وأخطو خطوات سأرى بعدها إلى أين ستقودني. أحاول أن أكون ذلك الذي يقفز متنقلاً بين الصخور، في تمثُّل نيتشه لـ

مسافرين وسط سيل همجي يحمل معه حجارة: فالأول يقفز بخفة مستعملاً الحجارة ومتنقلاً من واحد إلى آخر بالرغم من أن الحجارة تتفتت فجأة خلفه، بينما يبقى المسافر الآخر على الضفة، ساعيًا بدون جدوى وراء مساعدة، عليه أولاً أن يبني دعائم تتحمل خطاه الثقيلة والحذرة. وهذا غير ممكن أحيانًا. ولن يجد إلاها يساعده في اجتياز السيل[1].

لن تحدني حدود أو قيود أو قوانين أو سلطة. أو لنقل، هذا ما سأكافح لأجله أو أدعيه، لأن العرقلة الأولى التي تواجهني هي "أناي"، حيث أناي نفسه مجهول ومركب ومقولب ومراقب وغير مدرك. فما نحن عليه فعلاً

لن يقيض لنا أبدًا أن نعرفه، بل أقصى ما نستطيعه هو أن نتخيله، أي أن نريده. وأن نعرف الأشياء، فهذا معناه بالضرورة أن نعرفها مغايرة لما هي كائنة عليه. والإنسان لا خيار له إلا في أن يتصور نفسه مغايرًا لما هو كائن عليه. وكل تأويل الكون، سواء أكان أخلاقيًا أم ميتافيزيقيًا أم دينيًا أم حتى علميًا، منوط بذلك الوهم...[2]

المشكل الأولي المطروح – والعقبة الأساسية – هو في الذي يسأل ويبحث عن الحقيقة. الموجود الذي يسأل: الأنا، أو"الآنية" كما يسميها هيدجر. و

الآنية – بأسلوبها الذي تتخذه في الوجود وتبعًا لذلك أيضًا بفهمها الخاص للوجود – قد نشأت في أحضان تفسير موروث للآنية. إنها تفهم نفسها دائمًا من خلال هذا التفسير وفي ظلِّ محيط معين. هذا الفهم هو الذي يقض إمكانية وجودها وينظمها. إن ماضيها الخاص – وهذا يعني دائمًا ماضي جيلها – لا يسير وراءها ولا يتبعها، وإنما يسبقها في كل حين[3]،

كذلك فإن الحياة العامة، حياة الناس

تلغي كل الفروق وتقضي على كل أصالة وتنزع عن الآنية كل قدرة على تحمل المسؤولية والاستقلال بالرأي واتخاذ القرار، أي تحرمها من أن تكون هي ذاتها، وتملي عليها أسلوب وجودها. الناس يحملون عنا عبء وجودها، ويحسمون القرارات نيابة عنا. وهنا يتم نوع عجيب من "التغطية" أو "التنكير". فالسيطرة التي يفرضها الناس تجيد التخفي. كل إنسان يعمل ما يعمله وكأنه هو ذاته، وما من أحد هو ذاته. الناس هم كل الناس ولا أحد. لا بد إذًا أن تكون هناك أصالة تواجه عدم الأصالة هذه. ولا بد أن تحاول الآنية أن تختار نفسها على أساس إمكانياتها الذاتية. الأمر لا يخلو أبدًا من مواقف وحالات يتعذر فيها اتخاذ القرارات الحاسمة واختيار الذات نتيجة الظروف الخارجية التي تتحكم فينا كل لحظة[4].

لا يقف الأمر بـ"الناس" عند هذا الحد. إن سيطرتهم تمتد وتتسع فتحدد كذلك فهم العالم والذات. لقد ضاع "الناس" في عالمهم – عالم كل الآحاد، ولا أحد! –، وليس عجيبًا بعد هذا أن يفهموا أنفسهم على مثال الموجودات غير الآنية، أي الموجودات الحاضرة وحسب. أي أنهم يحددون أنفسهم تحديدًا "مقولاتيًا" لا "وجوديًا"، على نحو ما فعلت الأنطولوجيا القديمة التي نظرت إلى الإنسان نظرتها إلى موجود حاضر بين الموجودات، ولم تستطع أن تقترب من آنيته المتواجدة ووجوده المهموم بإشكال الوجود[5].

2

عندما تاهت الحقيقية جنَّ العالم واختلطت الأمور بعضها مع بعض، وتوسم المفكرون والفلاسفة والعلماء طريقها والاقتراب منها، فلم يتمكنوا من ذلك، فاتخذت "الحقيقة" وجهات مختلفة ومتعددة، وكان أخطر وأكثر من أبعدها، وزاد من جريمة الآلام والمآسي والمتاعب، نوع من "جبن" هؤلاء وارتكانهم إلى سعادة ضئيلة جدًا، إلى نظام وأجوبة متعسف عليها. لم يعترفوا بعجزهم في تلمُّس السبيل إلى الحقيقة. شيدوا "حقيقة" من مخيلتهم. أرادوا الحفاظ على بعض السكينة. السكينة التي تخفي في الأعماق الغليان والتناقض والتيه والجهل والحيرة والألم وعدم الارتباط وعدم المعرفة. فما كان عليهم إلا أن يمارسوا لعبة الوهم والكذب، فيصدقوا كذبتهم ويصدقها الناس، ذلك أن الحقيقة كانت شديدة عليهم وقاسية، وإنها بالفعل لكذلك!

إن ألم السؤال وحرقته وعلاقات السلطة والمعرفة لم يتركا خيارًا – أمام العجز الذي تحدثنا عنه – إلا لممارسة التمويه والربط التعسفي للألفاظ والأحداث والوقائع والمواقف والأشياء... إلخ لتطمئن القلوب وتكتمل الصورة التي في المخيلة، وتصبح بالتالي ادعاءات المفكرين والعلماء حقيقية، تمتلك السلطة والمعرفة والعلمية والعقلانية. يقول نيتشه:

كل ممارسة حديثة للفلسفة محصنة داخل سعة اطلاع وهمية، وذلك بطريقة سياسية وبوليسية مرتبطة بالحكومات، بالكنائس، بالجامعات، بالأخلاق، بالأزياء الشائعة وبالجبن البشري[6].

فأصبحت بذلك آرائهم وادعاءاتهم أخلاقًا ومبادئ لا يجب على أي أحد أن يحيد عنها، وأصبح لهم، باسم "الأخلاق"، سلطة الحكم على "نقائص الإنسان" وحتى حق عقابهم وجزائهم!

لقد أضعنا جهدًا كبيرًا ووقتًا طويلاً. تهنا في أمور واكتشافات، فكرية، علمية، تقنية، كنا نظنها هي الأهم وهي مفتاح الفرج-الجنة-الحقيقة، لتتحول هذه الاكتشافات والصناعات والتقنية – التي حولت العالم إلى مختبر كبير تحت قبضة صدفة العلم – والمذاهب والأفكار و"الحقائق" إلى نقمة على الكائنات. تعقدت الحياة وأفرغت من معناها، وتاهت معها الحقيقة، وأصبحت المعرفة يشوبها التوجيه والمراقبة والضبط والإقصاء والقوة، وغدت الحقيقة بعيدة المنال.

كان هيدجر نافذًا في تأمله عندما اعتبر أن الخطر على الفكر يكمن في الفكر ذاته وفي الإنتاج الفلسفي، وهو ما يدعو الفكر إلى التفكير ضدَّ نفسه.

إن السؤال الحقيقي، الذي هو سؤال الوجود-الأصل-الحقيقة، بقي منسيًا وتاه التفكير الإنساني في تقاليد وكلمات وأشياء ومظاهر فرعية أبعدته عن السؤال الحقيقي الأصلي. التفكير في أشياء موجودة بالفعل ولكنها أحيلت إلى ذوات مستقلة على المستوى الفكري والذهني والعملي. حقيقة مفصولة عن أبعادها وملابساتها الوجودية وعن تربتها المغذية.

تركز التفكير الميتافيزيقي، عبر التاريخ، على مساءلة الموجود-الحاضر، واستنفد فيه طاقته، وتخلف عن مساءلة الوجود والموجود كوجود.

لذلك كان على هيدجر أن يعيد صياغة السؤال حول الميتافيزيقا والوجود، وذلك من خلال البحث والتفكير في أرضية هذا النسيان الذي فرضته، وبالتالي مجاوزة الميتافيزيقا، ليس عن طريق إزاحة الميتافيزيقا أو إلغاءها أو تعويضها أو التفكير ضدها أو اجتثاث جذر الفلسفة ضمن الشجرة التي رسمها لها ديكارت، ولكن انطلاقًا منها ومن خلال البحث والتفكير فيها، من خلال البحث في عمق غرسها وفلح أساسها...[7]

لا يتعلق الأمر

بإلغاء التراث أو نبذه أو القفز عليه، بل بالخطو إلى الوراء، الذي لا يشكِّل عودة تاريخية بالمفهوم التقليدي للتاريخ. إن الخطوة إلى الوراء تنطلق مما آلت إليه الميتافيزيقا وقد اكتملت، أي من عصر العلم والتقنية والموضعة الحاسبة للكائن، لتعود إلى البداية، ليس كشيء انقضى ويوجد وراءنا، بل كشيء ما انفك يأتي إلينا ويهيمن علينا، إنها تمكُّن الفكر من الإحاطة بتاريخه في مجموعه ومن الالتفات إلى ذاك الذي يربط بين كل ما فكر فيه المفكرون، ذاك الذي يشكل أصل ومنبع قولهم وكلامهم وخصامهم ويظل بالرغم من ذلك بمنأى عن كل تساؤل أصيل. فاللامفكر فيه L’impensé ليس ما لم يفكر فيه المفكرون Le non-pensé، بل ما ظلَّ يحرضهم على القول ويتكتم في ما يقولونه: الوجود كاختلاف[8].

التفكير في الوجود حاضر في كل العصور، ولكن لم يتم التمييز بينه وبين الموجود، الحاضر، الزمني. الموجود يؤخذ على أساس أنه الوجود أو هو متضمن فيه فحسب. إن المشكلة هي في كون الميتافيزيقا نسيان للوجود بما هو نسيان للاختلاف بين الوجود والموجود.

ففي علاقة هيدجر مع الفكر الإغريقي، الذي ساد وأثر على الوعي والحياة، أكد على أن الإغريق ليس، في استعمالاتنا اللغوية، خاصية عرقية، ولا موطنًا ولا ثقافة أو حضارة: الإغريقي فجر قدر انكشف على ضوئه الوجود كموجود. التراث الفلسفي ليس شيئًا مضى أو هو مجرد موضوع من موضوعات التاريخ، إنه "يجيء صوبنا، لأننا معرضون إليه ولأنه قدرنا"، والأهم من ذلك أن التاريخ عند هيدجر "ليس حركة تقدمية تنتقل من الخواء نحو الامتلاء"، كما يقول بذلك هيجل الذي تتحدد حركة التاريخ عنده في الانتقال "من اللاتعيين نحو التعيين، ومن الخواء نحو الامتلاء ومن النسيان نحو التذكر"، بل على العكس من ذلك إنه حركة تدع الأصل يفلت من يدها. والأصل هنا ليس لحظة زمنية معينة من لحظات التاريخ، "ليس هو البداية الزمنية الكرونولوجية"، الأصل عنده لا ينفك عن الابتداء

إنه يظهر حيث يسبق كل ما يحدث، وهو لذلك يأتي بالرغم من تستره ليقترب من الإنسان كموجود تاريخي. إن الأصل لا يمضي أبدًا. إنه ليس شيئًا يمضي ويزول. لذلك فنحن لا نجد الأصل أبدًا إذا ما أولينا نظرنا نحو الماضي الزماني التأريخي، بل نجده في الفكر المتذكر الذي يعمل فكره في الوقت ذاته في الوجود الماضي وفي حقيقة الوجود. هو إذن أصل جنيالوجي لا يسأل أين صدرت الأشياء؟ بل أيضًا كيف تكونت؟[9]

لذلك فإن

حقيقة الكون، التي ما زالت خفية، ممتنعة عن بشرية الميتافيزيقا. إن الحيوان العامل مستسلم لنشوة صنائعه حتى يمزق ذاته ويدمرها في العدم السلبي[10].



#لاتي_حاج_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مارتن هيدجر مؤثرا


المزيد.....




- لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور ...
- -لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا ...
- -بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا ...
- متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
- العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
- مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
- وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما ...
- لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
- ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
- كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - لاتي حاج أحمد - مارتن هيدجر مؤثرا