|
الإسلام ؛ عقلاني أم معقول ؟!
إبراهيم خالد الفيومي
الحوار المتمدن-العدد: 4380 - 2014 / 3 / 1 - 13:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الفرق بين قولنا أن الإسلام عقلاني أو أن الإسلام معقول ، كون العبارة الأولى تعني أن العقل هو منشئ للأحكام وعليه فلا ضرورة للاعتماد على النقل ولا الاتكاء أو الرجوع إليه مطلقاً ، وأما الثانية فتعني أن الأحكام الإسلامية تعرض على العقل فيحكم عليها بالإمكان ، أي أنه لا يجد فيها مخالفات منطقية تدعو لأن يحكم على الأمر بالاستحالة .
وبعد تفريقنا هذا ننتقل إلى بحث مكانة العقل في الإسلام ، وحتى لا نطيل الكلام فإن العقل في الإسلام هو أول الأدلة ، وهذه العبارة لم يختص بها المعتزلة كما هو شائع بل هي من المقررات عند عموم المذاهب الإسلامية – ما خلا الحشوية - فإن مبحث الإلهيات أو التوحيد هو أول مباحث علم الكلام في جميع المذاهب ، وأول الأبواب هو إثبات وجود الخالق واجب الوجود ، والدليل المعتمد في هذا المبحث هو العقل إذ أنه عمدة البراهين الدالة على وجود الله . وبذلك يظهر أن الإسلام لم يلغي العقل بل اعتمده في أول المباحث وأهمها وهو مبحث إثبات وجود الخالق ، ويمتد العقل ليثبت صفات الخالق ولكن هنا يتكئ العقل على أمر آخر وهو النص ، ويكون دور العقل رد المحال في حق الخالق ، فعلى سبيل المثال ، قد توهم بعض النصوص أن الخالق يشابه خلقه ، أو أنه في مكان أو زمان ، فيتدخل العقل حتى يحكم باستحالة مثل هذه الادعاءات .ويقوم بتأويلها بما يناسب المقام .
مما سبق يتضح بشكل لا يدع مكاناً للشك أن الإسلام معتمد بشكل كبير على العقل ، وكما قيل "العقل رسولُ كلِّ إنسان" إذ أنه لولاه لما أمكن الوصول إلى وجوب وجود الإله الخالق الموجد ، وإذا ما نظرنا في كتاب الله وجدنا عشرات الآيات تحض على استخدام العقل وتحكيمه ، وتعاتب الكفار أنهم غفلوا عن الأسئلة التي تطرحها عليهم عقولهم ، وفي ذلك قال الله {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} ، فعن مجاهد في تفسيرها أنه قال : (الصم البكم الذين لا يعقلون"، قال: الذين لا يتّبعون الحق) ، وعن الطبري أنه قال : (إنّ شر ما دبَّ على الأرض من خلق الله عند الله، الذين يصمون عن الحق لئلا يستمعوه، فيعتبروا به ويتعظوا به، وينكُصون عنه إن نطقوا به) .
الآن نأتي لنناقش أصحابنا المطالبين بإلغاء النصوص إلغاء تاماً والاعتماد على العقل وحده ، وأول سؤال يعرض عليهم ، أن العقل إذا كان كافياً وحده ليكون رسولاً فما الضرورة من إرسال الرسالات والرسل ، علماً أنها (أي إرسال الرسل) في مقام الواجب على الله تعالى ، وهو يدخل ضمن باب العدل الذي يعده المعتزلة ضمن الأصول الخمسة عندهم ، وكون خطابي هذا موجه في المقام الأول للمسلمين ، فإن ذلك يلزم من ادعى ذلك منهم كون الرسالات عبثية وهذا محال في حق الله ، أو أن يكون الأنبياء كذبة وهذا كفر بما جاءوا به ، وإذا ما رجعنا لآيات الكتاب وجدنا أن السمع والعقل هما أدوات التكليف ، فلا يجب الإيمان على المجنون الذي فقد عقله والقاعدة الأصولية المعروفة تقول : (إذا سلب ما أوهب ، أسقط ما أوجب ) ، وفي نفس المقام فلا يجب الإيمان على من لم يصله نبي أو رسول ، وفي ذلك يقول الله { وَ مَا كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتى نَبْعَث رَسولاً } وحتى لا يشاغب علينا أحدهم فيقول أن الرسول هو العقل ، نورد الآية التي جمعت الشرطين وهي قول الله تعالى { لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } وقد قال الزمخشري شيخ المعتزلة في ذلك السياق (قَالُواْ بلى : اعتراف منهم بعدل الله ، وإقرار بأن الله عز وعلا أزاح عللهم ببعثه الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه ... وقيل : إنما جمع بين السمع والعقل؛ لأنّ مدار التكليف على أدلة السمع والعقل . ) فلا أدري من أين جاء من ينسبون أنفسهم إلى المعتزلة ببدعة الاكتفاء بالعقل فقط ! وهو ما اشتهر قديماً على لسان فرق بادت وانقرضت ! ولا أظن المعتزلة منهم !
نرجع الآن لننظر هل يوقف العقل أحكاماً فالإجابة على ذلك في القاعدة الأصولية :(الضرورات تبيح المحظورات ) والقاعدة الأخرى القائلة :(لا ضرر ولا ضرار ) وغيرها من القواعد التي تضع مصلحة الإنسان في المكان الأول ، وبذلك نرى ان القاعدة التي وضعناها في بداية المقال في تعريف كون الإسلام معقولاً ، وهي أن الأحكام تعرض على العقل ، نجد أن تطبيق بعض الأحكام قد يعرض الإنسان للوقوع بالضرر وعليه فالحكم عليها التحريم من منطلق عقلي-شرعي .
وننظر الآن هل ينشئ العقل أحكاماً ، والإجابة على ذلك جاءت في حديث النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد . إذن العقل يقف مفتقراً للنص في مجال إنشاء الأحكام الشرعية ، ويمتد ذلك في مجال تعليل الأحكام الشرعية ، فكثير من الأحكام نعرف عللها كتحريم الزنا والخمر والسرقة وإلى ما هنالك ، لكن نقف عاجزين أمام قضايا أخرى كعدد الصلوات وعدد ركعاتها ووقت الصيام وما يشابه هذه القضايا .
إذن العقل لا يمكنه بحال أن يحكم بوجوب شيء دون نص منفرداً ، خصوصاً في القضايا التعبدية ، أما في القضايا العامة فإن ذلك يكون مندرجاً تحت قواعد كلية كحفظ النفس والعرض والمال وغيرها ، ويقف عاجزاً أمام التعليل التام لكافة التكليفات ، وقبل ذلك كله وأهم منه ، فهو يقف عاجزاً كل العجز عن معرفة عين الإله الخالق الموجد الذي يجب على المخلوق أن يتوجه له بالعبادة ، ولا أعرف هل يمكن لأصحابنا أن يعبدوا خالقاً مجهولاً دلته عليه عقولهم ، وهو يخالفون أمره باتباع ما أرسل لهم من البينات والهدى ؟!
وأزيد على ذلك أن القاضي عبد الجبار في أوائل صفحات كتابه شرح الأصول الخمسة ،حين تكلم عن الواجب وأقسامه ضرب الأمثلة تارة من الواجب العقلي وتارة من الواجب الشرعي ، ومن المعروف بالبداهة أن العقل لا يستقل بالحكم على أمر ما بالوجوب الشرعي !فكيف يمكن لهؤلاء أن يوفقوا بين كون هذه الأمور واجبة ، وفي ذات الوقت غير مذكورة بالنص ؟!
ختاماً ولا أريد أن أطيل أكثر ، ولا أجد أن هذا الموضوع يستحق كثيراً من البحث ، إلا أن آفة التقليد والتطبيل للمقابل وإتباع الأفكار والآراء الشاذة في محاولة صياغة الإسلام بقالب حضاري دون بحث أو تمحيص تفعل مثل ذلك بل وأكثر منه ، والله تعالى المستعان ، وأسأله التوفيق والسداد والرشاد .
#إبراهيم_خالد_الفيومي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحداثة والعقلانية في الموازين العلمية
-
مخيم اليرموك ؛ ملاحظات يجب ان تكون في الحسبان
-
حرية الاعتقاد بين دولة النبي ( المدنية ) وبين دول الخلفاء (
...
-
الدولة في عهد النبي علمانية (مدنية ) | 1 ( أنواع العلمانية )
-
حول إسقاط نظام الإخوان في مصر
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|