عمار علي
الحوار المتمدن-العدد: 1245 - 2005 / 7 / 1 - 14:04
المحور:
المجتمع المدني
ترزح البلاد ألآن تحت أحتلاليين أحدهما أعنف من ألآخر ,الاول عسكري دخل منذ سنتين بقوة مدججة بالسلاح, احال البلاد الى فوضى و خراب وموت ومفخخات . والثاني مقيم وراسخ منذ ان تأسس العراق الحديث, اعنف وأشد خطورة من الاول, وهو احتلال العقل. هذا الاحتلال النفسي المستند على ثوابت دينية ومثيولوجية وممنوعات اخرى لاتمس, وهو طويل الامد لاينتهي, الا بثورة فكرية مدنية تهز الثوابت والمتخشب والراكد والمقدس والممنوع .وتقيم واحة التعدد والحرية في الاختيار.
والعقل العراقي البسيط وهوالسائد الان, و الخارج من الاسوار والجدران الحديدية لحقبة البعث ودكتاتوره المهزوم, التي احدثت تغيرات عميقة في بنيته وأدوات تحليله وانتاجه المعرفي والتي صنعته وفق مواصفات تخدم السلطة وخطابها التغييبي الاستعلائي الذي لايقبل المشاركة الحرة بالتفكير والمساهمة في صياغة السياسة وألشأن العام في البلاد, وعقل تكون من تركبية قسرية أنتجت ثقافة وفكر الخرافة والخوف والاقصاء والتهميش وألأنانية والامبالاة, وانتجت فكر وممارسة الشرطي والرقيب والخائف. يتعرض ألان في ظل الحقبة الراهنة لأ أعادة صياغته من جديد بنفس آليات البعث وبتحكم في آلية عمله وأولوياته ,ويتعرض ايضا لأبشع عملية تخريب فكري بوسائل نفسية وقهرية منظمة, ماضوية تنتمي الى عصور بائدة , من خلال تغلغل و سيادة روح الطائفة والمذهب والقومية في النسيج الفكري والنفسي للفرد , التي كرستها القوى القادمة بالعربات الخلفية للاحتلال الامريكي للبلاد .حتى صارت هذه الثقافة سمة في التفكير والخطاب السياسي والاعلامي المتداول , وغدت معيارا تقاس عليه مصداقية القوى الاخرى وبرامجها التي لاتنسجم وهذه الثقافة الريفية ألمشبعة بأقصاء الاخر المختلف.
لقد عاش الفرد العراقي في مرحلة الاستبداد البعثي حالة من الانكفاء على عصبيات فردية وعائلية وقبلية ومذهبية وقومية مغروسة عميقا في وجدانه وفكره وثقافته السياسية المشوهه, وصارت ملاذاته في اللحظات العصبية من حياته , وتكونت في هذه المرحلة المنغلقة والعنيفة ثقافة جديدة في الفكروالممارسة السياسية العراقية , مضمونها الانسحاب من ممارسة العمل السياسي اليومي الفردي والابتعاد عن المشاركة بشوؤن البلاد وعدم التفكير الجمعي في حاضرها ومستقبلها وتركها تواجه الموت والاحتضار.
وصارالانضواء والالتحاق بمشروع هذه العصبيات ,تعويضا عن الشعور بالخوف والغبن والحيرة, واحيانا الشعور بالقوة تحت جناحها الذي يضمن له الحماية بعيدا عن تدخل القانون, بل والاعتماد على قانون هذه العصبيات التي نشأت في ظل طغيان روح الريف وتمزق او تراجع قيم المدينة وأنسحاقها تحت حوافرالاجهزة القمعية والفقهاء والطوائف ومنظريها , وخراب مؤسسات الدولة ونشاطها المحصور بتفيذ مراسيم الدكتاتور .
أن هذه ألآليات التي ولدت مع غياب الدولة والتراجع عن الروح المدنية. تحمل في رحمها وسائل تتفككها ان نشئ مناخ سياسي جديد يؤسس ويرسي ثقافة مختلفة عن تلك المرحلة السوداء, ثقافة العقل بكونه المنتج لنظام معرفي يتغير ويتجدد ضمن السياقات الاجتماعية و التأريخية ,ويحث على التفكير الفردي الحر والمستقل . وينتج شروط وجوده الحرالمفكر القابل على اعادة صياغة الحياة بروح المعرفة النقدية التي لاتخضع لمقدس أو الممنوع.
او نجاح هذه ألآليات في ظل نشوء مناخ يتلائم معها ويحضنها والذي سوف يؤدي الى حدوث كارثة تسحق الجميع في حالة سيطرة هذه العصبية بكل اشكالها وتلاوينها.
ان الطبقة السياسية الجديدة كرست هذا الاتجاه وسبغت عليه عصبيات اكثر تطرفا وتوترا وعنفا من خلال اشاعة خطاب سياسي يستند على تعميق الشعور بالارتباط بهذه العصبيات, و باعتبارها هي المنفذ الذي سوف تصعد الى السلطة من خلاله, وهو بالطبع اسهل السبل في ظل عقل محتل يستجيب لخطاب موشح بروح دينية وقومية ترتكز على المقدس والحق.عقل سيرفعها الى كرسي الحكم, حتى لو أدى ذلك الى خراب هذا العقل وتعطله, ونشوء مناخ سياسي يقف على تخوم الانفجار والتشظي وتهديد كيان البلاد برمتها.
وفي هذا المناخ السياسي الهش تكونت ثقافة المحاصصة والغنيمة والاقصاء ,وتولد شعور لدى الكتل الفائزة المتنازعة على الغنيمة ,بأن تستند على معطيات عشائرية ومعيار لاسياسية والى فرضيات خرافية وغنائمية مثل (القهر والسجون والشهداء والمنافي واللاسلحة الكيماوية والتهجيروغير ذلك).هذه الفرضيات تكون اساس لتوزيع الغنائم في العلمية السياسية القادمة . من اجل الحصول على مزيدا من المكاسب في قيادة البلاد الى هاوية الحرب والتفكك
انها عقلية الحرب وهي بدورها محتلة ومخربة
لقد احتلت الكتل الفائزة بالانتخابات العقل العراقي وهشمت ما تبقى من خلفية وطنية يستند عليها الشعور بأن الوطن بيت ووعاء يحضن الجميع, بل انها قادته الى دهاليز العصبيات المظلمة ,التي هي رافعة للفكر والخطاب الانعزالي التقسيمي المتطرف ,الذي يهدد بانفجار الكامن المتراكم من تهميش وخوف واحقاد وثارات, في تلك العصبيات المنفلتة ,المتفجرة في المشهد السياسي العراقي الراهن و المدمرة لثقافة وفكر المدينة العلماني المتحضر والانساني. واستبدت هذه الكتل في تعميق روح تلك العصبيات والتمادي بها الى حدود قصوى في الفكر والممارسة اليومية من خلال استثمار كل الطاقات المتاحة وبدعم من مؤسسات أقليمية لها مصلحة بتدهور الوضع السياسي العراقي,والمراهنة على فشل تجربة الشعب العراقي في ممارسة الفعل الديمقراطي السلمي .وموت طموحه بالتحررمن احتلال العقل والارض والانسان ,
وتعيش البلاد في هذه اللحظات حالة مخاض دستوري تتصارع فيه المشاريع السياسية و الايديولجية والقوالب المسبقة المعدة في فكر وممارسة الطبقة السياسية العراقية التي تخوض حرب النصوص الضارية في صياغة المرحلة القادمة من الحياة السياسية بالعراق.ونتيجة هذه الحرب ربما سيولد دستور (منغولي) بليد. وعاجز عن تلبية طموحات المواطن الذي لايعرف ما يجري في كواليس لجنة صياغة ,في ظل حالة تراجع قيمة الوطن واستبداله بتلك العصبيات.التي تريد احتلاله وتحويله الى وثقية يفرض بها مشروعها السياسي القادم المنذر بعذاب الئيم.لانها تفكر بعقل الغالب المستبد لا بعقل المشارك المتساوي مع الاخر الحر.
ان الدستور هو وثيقة قانونية وطنية تحدد شكل وهوية الدولة وآليات العلاقة بين الفرد والمجتمع. والدولة ومؤسستها, وهو لايخضع لفكر المحاصصة والغنيمة واحتلال العقول.و لايخضع لدين او مذهب او قومية.بل هو للجميع. طوائف ومذاهب وقوميات واحزاب ومنظمات وافراد وليس لكتلة فائزة تتحكم بصياغة الدستور ومستقبل البلاد.
و في هذه الحالة المركبة والمرتبكة والحرجة في تاريخ العراق السياسي يقع على مسوؤلية القوى الديمقراطية الحداثية , مهمات كبرى في نشر روح المواطنة والمدنية والحوار ونبذ تلك العصبيات المهددة لكيان العراق والتصدي لجيوش احتلال العقل ,وعليها البحث عن القواسم المشتركة لتحرير العقل العراقي الواقع تحت نير العصبيات البدوية التي لاتنسجم وروح الحداثة الكونية النابذة لقوى التخلف واحتلال العقول,والقوى المعرقلة لماكنة المستقبل.
لقد احتل العقل العراقي منذ تأسيس البلاد ولم يتحررالى ألآن وهو لازال أسير ثقافة المحاصصة والغنيمة والتدجين والتهميش والعصبيات المهددة لدعائم وحدة البلاد ومستقبلها.
عمار علي
#عمار_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟