|
صراع الآلهة، و دول الحريق العربي
شريف خوري لطيف
الحوار المتمدن-العدد: 4378 - 2014 / 2 / 27 - 22:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كان ربيعاً خصباً لممارسة طقوسهم الهمجية وتكبيراتهم الشيطانية كلما أصابهم هوس وشراهة إسالة الدماء وهي تقطر من بين أصابعهم، ربيع خصب لأن يجتر فكرهم كل ما تقيأته فيه مخلفات فكر الجاهلية بكل دمامته. ربيعاً كان سخياً بالقبح فتمخض وتولد عنه كل رثٍ كريه، ربيع عربي أغتالت يده خُضرة الحياة، و نضجت على أغصانه تجارة الدين والدماء.
مشهد ربيعي لم يهُبْ فجأة علينا، بل كانت له خلفياته الثقافية والدينية العميقة التي وصلت لذروة غليانها و التي عرف أمريكا ودول الغرب كيف يخططوا ويوظفوا العقل العربي بكل ما يحمله من موروث ثقافي وديني ليقطفوا أطماعهم السياسية والإقتصادية، حيث ظهرت بصمات الغرب واضحة وآياديهم حاملة حقائب أطماعهم إلى بلدان ثورات الحريق العربي! ثورات تمزقت فيه الدول وشعوبها على مذبح الدم لتتحول لدويلات متناحرة و أقاليم فيدرالية، كما حدث أخيراً باليمن التعيس.
وبدعوى تنفيذ خارطة الطريق للسلام في الشرق الأوسط كما رأها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش وألقى خطابه في يونيو 2002، حين رسمت ملامح هذه الخارطة اللجنة الرباعية أو ما تسمى رباعية مدريد التي تضمنت الأقطاب الأربعة الكبرى المتكتلة و المتصارعة حاليا على الساحة لتطبق أيديهم وتسيطرعلى المنطقة،وهم أمريكا والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي و روسيا، يحركونها بحرفنة وفقاً لما تقتضيه لعبة الشطرنج السياسية الدائرة الآن! وكان السبب الظاهر هو التوصل لتسوية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، لإقامة دولة فلسطينية عام 2005، وكان ممثلاً عن هذه الأقطاب، كاثرين آشتون عن الإتحاد الأوروبي، وبان كي مون عن الأمم المتحدة وسيرجي لافروف عن روسيا، وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية التي صرحت مؤخراً بتصريحات واضحة تظهر ما نحن عليه الآن، حين قالت بأن بلادها هي من صنعت مجاهدي تنظيم القاعدة لإستغلالهم في الحروب، وهذا إعتراف بأن أمريكا الآن هي من تقود الإرهاب الدولي وتتفنن في صناعتهم بنظرتها الفاحصة للعقلية العربية ومعتقداتها وما تؤمن به من فكر جهادي متطرف سواء لتنظيم القاعدة أو للفكر الوهابي كما وصفته بالحرف قائلة:{ إن الذين نقاتلهم اليوم، نحن أوجدناهم منذ عشرين عاماً، وفعلنا ذلك لأننا كنا محصورين في الصراع ضد الإتحاد السوفيتي الذين غزوا أفغانستان، ونحن لانريد أن نراهم يسيطرون على أسيا الوسطى ،، لذلك كان علينا العمل لتجنيد هؤلاء المسميين بالمجاهدين، ونجلب المزيد منهم من السعودية وأماكن أخرى، ونستورد هذه الحركة الوهابية المنحرفة من الإسلاميين، لنتمكن من هزيمة الإتحاد السوفييتي ... بعدها تركنا باكستان، حسناً.. تعاملي مع العقول والمعتقدات في دولتك...! }
فلسنا في دهشة إذاً حين نتسائل لماذا عام 2005 هو نفسه العام الذي مُنحت فيه جائزة نوبل للسلام للدكتور محمد البرادعي، لترسله أمريكا بعدها بسنوات على أول طائرة يوم إندلعت ثورة 25 يناير لتولي الرئاسة. ولماذا رشح البرلمان الأوروبي الناشطة أسماء محفوظ من حركة 6 إبريل لنيل جائزته، جائزة ساخروف لحرية الفكر عام 2011 ؟! وهو نفسه الإتحاد الأوروبي الذي يبعث وفده الآن لحضور جلسات محاكمة أعضاء حركة 6 إبريل وهم صناعة وتمويل أمريكي، ولماذا مُنحت جائزة جون كينيدي الأمريكية للشجاعة عام 2011 لوائل غنيم وهو عضو بنفس الحركة؟! و اليمنية توكل كرمان تلك النبتة المتسلقة التي لا أساس لها ولا دور إنساني تستحق عليه أن تنال نوبل للسلام، إلا أنها كانت جائزة مكافأة لها عن مساعيها الدؤوبة التي ساعدتهم كثيراً لتفتيت وطنها التعيس لستة أقاليم ؟!
لتوضح هذه الجوائز العالمية المسيَّسة أن المسيطر عليها وتوجِّهها هي التنظيمات العالمية التي تقود الإرهاب في العالم، والتي يحركها من وضعوا خارطة الطريق لتغيير وجه المنطقة العربية إلى وجه مفتت يرتدي لحية و نقاب. ومنذ تلك الخارطة والحرب أُعلنت على مصر كأكبر دولة بالمنطقة، فإن سقطت ستسقط بعدها كل الدول كما يعتقد الغرب، هكذا خططوا، وهذا بدأت مصر منذ ذلك التاريخ تستعد لمواجهة تلك الحرب غير المعلنة. أتذكر الفيديو الذي تم تسريبه لحديث دار بين العقيد القذافي وبين رئيس المخابرات المصرية الأسبق عمر سليمان حين سأله القذافي أنتم أصدقاء لأمريكا، فرد عليه اللواء سليمان { عُمرنا ما كنا ولا حنكون أصدقاء لأمريكا إنما إحنا بنتجنب الكلاش... مش عايزينهم يعملوا معانا زى مابيعملوا مع سوريا ... حييجوا فى يوم يعملوا , حييجوا فى يوم يعملوا برضه، واللى بيحصل فى دارفور هدفه مصر واللى بيحصل فى سوريا ولبنان هدفه مصر وهكذا هما عينهم على مصر بس إحنا بنأخر المواجهة آدى كل الموضوع ..}
نعم مصر مازالت تؤخِّر المواجهة والصدام قدر المستطاع لحرب خططوا لها بجدارة، وهم يعلمون أن منطقة الشرق الأوسط كمهد للأديان هي منطقة تتقلب فوق صفيح ساخن، فهي منطقة صراع دائم على أسس عِرقية وحضارية و ثقافية ودينية ومذهبية، فأطلقت الخطة لتفتيت المنطقة كلٌ دولة بحسب ما تعتقده أو كما قالت هيلاري كلينتون « تعاملي مع العقول والمعتقدات في دولتك»، بحروب وصراعات تكفيرية مقدسة ومتناحرة في ذات الوقت بين المذاهب الواحدة فيما بينها لإحداث عملية تناحر سريعة، وتآكل مذهبي من الداخل للتسريع بتصفية بعضهم البعض !. أطلق الغرب مخططاته معتمداً على إختلافات الأديان، وأن الديانة اليهودية لا تُقِرِّ بالمسيحية ولا بالإسلام، والمسيحية إمتداد من لَدِنّ اليهودية ولا تُقرّ إلا بما قبلها، كذلك الإسلام لا يعترف إلا بما قبله ولكنه في نفس الوقت يجُبّ الأديان السابقة له كما يتمسك بهذه النقطة الإسلاميين معتمدين في جهادهم عليها، ليقوموا بالجهاد التكفيري لأصحاب الديانات السماوية الأخرى، فهم كفرة إما هدايتهم للإسلام أو تهجيرهم وحرق بيوتهم وكنائسهم أو قتلهم لتصفيتهم بحسب ما يؤمن به هؤلاء التكفيريين.!
والفائز دائماً في تلك الحروب المقدسة التناحرية هم اليهود الصهاينة أو بمعنى أصح الصهيوأمريكية، بمن وضعوا أيديهما في يدهم من دول العرب البترولية كقطر و السعودية فدورهم تمويلي لتلك الحروب كما يحدث الآن و يمولون الإرهاب السوري للجيش الحر، والخاسرين دائما هم مَن يدفعون ثمناً باهظاً من دمائهم وأرواحهم و هم مسيحيو المنطقة كما حدث من ممارسات لقتل وتصفية مسيحي العراق،، والآن يتم تصفيتهم بسوريا،، وكما حدث ويحدث لأقباط مصر من قتل وممارسات منظمة للقتلهم بالداخل والخارج وحرق كنائسهم وتهجيرهم القسري من بيوتهم، للتخلص في النهاية من كل ماهو مسيحي بالمنطقة لإقامة حلم الخلافة كما عشَّمهم الغرب! رغم أن المخطط لتلك الحرب التكفيرية والصراعات الدينية هم الغرب المسيحي، ولأن السياسة لا تعرف دين، فسياسة دول الغرب لا تعترف بأديان و لا تأخذ من الدين إلا ما ستستخدمه وتوظفه لخدمتها ولا تضع يدها إلا بيد الطرف الأقوى حتى لو كانت يد الشيطان ذاته، وهو ما حدث في دعمهم لحكم الإخوان المسلمين لتنفيذ المشروع الإسلامي السياسي المشترك.
على صعيد أخر نجد أنفسنا أمام منظومة لحُكّام الأنظمة العربية، يعترفون بالأديان الثلاث وبآلهتها، فما يعتقده اليهودي يختلف عما يعتقده المسلم يختلف عما يعتقده المسيحي، بما في ذلك إعترافها بالآلهة الصغرى المذهبية والطائفية التي إنشقت من الداخل للتيارات التي سيَّست الدين، حتى أصبح كل إسلامي يحاول فرض معتقده على الأخر بالقوة سواء كان هذا الأخر هو إسلامي أقل في تشدده أو مسلم أو مسيحي، فما بين فكر إسلامي معتدل وأخر متشدد وثالث متطرف و رابع إرهابي إنشقت وتفرقت إلمعتقدات و الطوائف و المذاهب الفقهية. فما تعتنقه السلفية الجهاية يختلف عما يعتنقها السلفية الوهابية، عما يعتنقه الفكر الإخواني يختلف عما يعتنقه الشيعي، عما يؤمن به الصوفي وهكذا كل إسلامي أصبح إله نفسه، فهو القاضي والجلاد على الأخرين! ، وهذه الآلهة المذهبية الصغيرة أو الآلهة القزمية هي من تستخدمهم أمريكا والغرب الآن و تعيد تسليحهم و ترعاهم في حضنها بحجة تحقيق حلم الخلافة الذي عشمتهم به فخرَّم الإسلاميين له آذانهم ! وإن كانت الأنظمة العربية تعترف بالأديان جميعاً إلا أنها أنظمة لا تسمح بالحريات الدينية والعقيدية، وهذه النقطة يضعها الغرب بعين الإعتبار ويلعبون عليها، خصوصاً بمصر التي إحتضن الفكر المتطرف سنين طويلة وتشبعت به كالإسفنجة، ولأنه مصر يقطنها الكتلة الكبرى من مسيحي المنطقة لهذا تكره إسرائيل الأقباط لأنهم يذكرونها دائماً أنهم لن يستطع تقسيم مصر على أساس ديني و لا طائفي ولا مذهبي كما خططوا مع أمريكا، فلمصر طبيعة خاصة تختلف عن باقي دول المنطقة وهو أن الأقباط منتشرين بربوع مصر ولا يتجمعون في منطقة جيتو، كما أن المعالم القبطية والكنائس والأديرة تنتشر بطول مصر وعرضها.
وهذه نقطة الصراع الساخنة التي ستبدأ منها دائماً إنطلاق مرحلة التوتر والصراع القادمة ما بين فكر اللحية المتأسلمة وما بين حقوق وحريات يكفلها حق المواطنة والحقوق الدولية للإنسان. لنصبح في النهاية في مواجهة مرحلة أشد قسوة ودموية مما سبقها من مراحل وفي تصاعد مستمر أكثر من الوضع الحالي، لأنها ستكون مرحلة المواجهة وسقوط الضحايا، وسوريا الآن هي صورة مصغرة لهذا الوضع ولما سيحدث بالمنطقة كلها في مرحلة متأخرة من هذا الصراع. إن لم تكن أولى خطوات الإيمان قناعة فكرية وقلبية و حرية كاملة للأديان التي كفلتها للإنسان أبسط مبادئ حقوقه الإنسانية ستكون الأديان مجرد حشد لأعداد وأرقام وتكتلات يأكل فيها القوي الضعيف بحمامات من دماء لا تتوقف، حيث سيُنصِّب كل إنسان نفسه إله لإدانة الأخرين بسيفه لا بيد خالقه كما يحدث الآن بسوريا، لتصبح منطقة الشرق الأوسط حلبة لمصارعة الآلهة بين الأديان والمذاهب والطوائف والعرقيات و الإثنيات، لمزيد من الإنقسامات وسقوط الضحايا في معصرة الدماء بين سندان الآلهة القزمية المتصارعة من الطغاة والإرهابيين وتجار الدين وبين مطرقة سياسات و أطماع دول الغرب، لتبقى الأديان في النهاية مجرد هيكلاً خارجياً مفرغاً من أي إيمان حقيقي يتاجر الإسلاميين بإسمه ويقتلون ويذبحون بإسمه، أما الغرب يحركونه بجدارة لمزيد من تفتيت شعوب المنطقة وجرها لويلات حروب مقدسة متناحرة لصالح أطماع هؤلاء الممولون الحقيقيون لمشروع الإسلام السياسي الذين أتقنوا تلك اللعبة وعرفوا كيف يوظفوا الدين في ثورات الحريق العربي، كلٌ بحسب ما يعتقده لمزيد من توغلهم وتغولهم للسيطرة على المنطقة بأسرها ، لنعاني في النهاية صراع ثقافات وأديان تلك الآلهة المذهبية والقزمية التي تنبأ عنها المؤرخ الأمريكي Samuel Huntington صموئيل هنتنغتون في كتابه « صراع الحضارات » وما هو إلا صراع لآلهة دينية و مذهبية.
#شريف_خوري_لطيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما تُغتال آدمية الإنسان مرتين !
-
أنَصَافُنا تَتَآكل
-
الفراعنة، و قصة حب خالدة
-
نون النسوة لا تُريده ذكر وسيم !
-
الترهيب الفيسبوكي
-
أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ ال
...
-
كنيسة العذراء الأثرية بدير المِحرَّق أول كنيسة تُدشن بمصر وا
...
-
لقد وقعنا في الفخ الدستوري!
-
القبطي كائن ساقط قيد دائماً !
-
يقولون أن المرأة نجسة !
-
باسم يوسف، انتقد ولا تبتذل
-
هل أنزل الله ديانات سماوية بشرائع متفرِّقة ؟
-
مِحنة الإسلاميين مع الهوية المصرية ‘‘ أولاً: معضلة القومية ا
...
-
لماذا تدعم أمريكا والغرب الإسلام السياسي ؟
-
سد النهضة، و سياسة تجويع المصريين
-
هل أعلن السيد المسيح عن عقيدة لاهوته ؟
-
هل كانت ثورات بريئة.. وماذا بعد السقوط ؟!
-
الإسلام وعلاقته بالنُصرانية والمسيحية {1}
-
حمادة يقلع .. حكاية تعرية وإغتصاب شعب
-
الحاكم بأمره، وشعب البلاك بلوك
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|