|
سوريا، أوكرانيا ومصير الأسد
يعقوب بن افرات
الحوار المتمدن-العدد: 4378 - 2014 / 2 / 27 - 14:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعدّ الإطاحة بالرئيس الأكراني، فيكتور يانوكوفيتش، ضربة في الصميم بالنسبة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. ولا غرابة أن يبعث هذا الحدث بعض السرور والتفاؤل في نفوس المتتبعين بألم للمجازر الشنيعة التي يقترفها بشار الأسد، بدعم من بوتين، بحق الشعب السوري. فصحيح أن سورية مهمة للروس الساعين لاسترجاع نفوذ الإمبراطورية الروسية ولو كلّفهم ذلك استنكار العالم بسبب دعمهم وتسليحهم لأحد أكثر الأنظمة دمويةً في العالم؛ ولكن تبقى أوكرانيا ذات أهمية استراتيجية أكبر بما لا يقاس. فأوكرانيا هي جزء من التاريخ الروسي وأول عاصمة للمملكة الروسية الأولى، وكانت عبر كل تاريخها الحليف الاستراتيجي لروسيا والاتحاد السوفييتي فيما بعد. ولكن تبين من أحداث كييف الأخيرة أن بوتين قادر على حفظ نظام بشار، بينما عاجز عن حماية حليفه يانوكوفيتش في محميته أوكرانيا. كيف نجح بوتين في دمشق وفشل في كييف؟ نقاط الاختلاف بين سورية وأوكرانيا عديدة، فالأسد الذي ورث الحكم عن ابيه ليس يانوكوفيتش المنتخب ديمقراطيا، والأمن الأوكراني ليس الأمن السوري، والمعارضة الأوكرانية لا تشبه المعارضة السورية العاجزة عن التوحد ضد النظام. ولعل القاسم المشترك البارز بين ما يحدث في كلا البلدين هو بوتين نفسه الذي يدعم الأنظمة الفاسدة والطاغية. ولا غرابة في ذلك، فبوتين نفسه يترأس نظاما لا يقل فسادا وقمعا للحريات الديمقراطية. الواقع أن التباين بين سورية وأوكرانيا يمس بطبيعة الأحداث التي تمر بكلا البلدين. فسورية تمر بثورة حقيقية وهي جزء من الربيع العربي الذي تفجر ضد الأنظمة العربية بعد عقود من الاستبداد. أما أوكرانيا قد استقلت عن الاتحاد السوفييتي دون وقوع أحداث دموية، ودخلت فترة تاريخية جديدة تتصارع فيها منطقتان، الشرقية التي تميل لروسيا والغربية التي تميل لبولندا وألمانيا. النزاع بين يانوكوفيتش وخصومه مستمر منذ 13 عاما، مرت خلالها البلاد بما عرف ب"الثورة البرتقالية" التي أطاحت بيانوكوفيتش ذاته عام 2004. ولكن سرعان ما تبين أن من خلفه في الحكم ليس بأفضل منه، مما مهّد الطريق لعودة الرئيس المعزول للحكم عام 2010، بانتخابات حرة ديمقراطية. رغم التصارع بين الكتلتين غير أن جميع الأطراف السياسية في أوكرانيا تدرك أن الانفصال الكلي عن روسيا غير وارد في الحسبان. أحد الأسباب المركزية لذلك هو أن كل ما يريده الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هو إضعاف روسيا، وليس تحمل أعباء الاقتصاد الأوكراني، لذا هدفهما هو الوصول لتفاهم مع بوتين حول مستقبل البلاد. فالأوروبيون الذين رفضوا إنقاذ اليونان وإسبانيا غير مستعدين لضخ 34 مليار دولار لإنقاذ أوكرانيا من الإفلاس، ولا ينوون ضم البلد للاتحاد الأوروبي كما يتوهم المنقلبون على يانوكوفيتش. ولعل المشكلة الأكبر التي يواجهها المنقلبون هي انعدام البدائل السياسية الأفضل. فرمز المعارضة، يوليا تيموشنكو، كانت في السابق رئيسة للوزراء في السابق وتنتمي لشريحة الأغنياء الجدد الذين استفادوا من الفساد. المشهد السوري مختلف جوهريا، فالأسد كما ذكرنا لم ينتخب ديمقراطيا بل ورث الحكم؛ وبينما يلاحَق يانوكوفيتش لتسببه بقتل 80 مواطنا، فالأسد مسؤول عن قتل نفس العدد من المواطنين يوميا على مدار ثلاث سنوات ولا يتوانى عن قصف المدن السورية بالبراميل المتفجرة. ليس هناك لاجئون اوكرانيون بينما تعدى عدد اللاجئين السوريين الأربعة ملايين؛ لم تُدمّر أوكرانيا بالكامل بينما حرق الأسد البلد لحماية حكمه، ولا يمكن بأي حال مقارنة جرائم يانوكوفيتش بجرائم بشار الأسد. وعليه، فالواقع السوري استثنائي بكل المقاييس، وما كان هذا الكابوس ليصبح حقيقة لولا الدعم الكلي من قبل بوتين للنظام والفيتو الروسي في مجلس الامن الذي يمنع حتى المساعدات الإنسانية لضحايا هذه المجازر. نعم، المشهدان مختلفان، ولكن ما يحدث في أوكرانيا يؤثر بشكل مباشر على ما يحدث في سورية. فأول درس تعلمه بوتين هو حدود القوة. التردد الذي أبدته الولايات المتحدة وأوروبا في مسألة التدخل المباشر في سورية أخلت الساحة للتحرك الروسي، لدرجة أن بوتين أفرط في تقييم قوته فراح يتعنت في المسألة السورية ويستهتر بقوة الغرب. ولكن هذا الغرب سرعان ما سدد له الضربة في كييف، فلا يمكن تصور هذه الهبة الجماهيرية في العاصمة الأوكرانية دون دعم الغرب، علما أن الشرارة التي أشعلت المظاهرات كانت تراجع يانوكوفيتش عن اتفاق وحدة الجمارك مع الاتحاد الأوروبي والمساعدات المالية المرافقة له. ما اتضح اليوم هو أن القاعدة السياسية التي يستند إليها بوتين هشة للغاية، ولا تصمد في وجه الضغط من الغرب. التحالف مع إيران والنظام السوري وحزب الله ليس من المتانة ما يكفل للروس الغلبة، نظرا لوجود معارضة ديمقراطية قوية في كل من إيران وسورية تهدد النظامين الاستبداديين فيهما. الموقف العدائي الذي يتخذه الروس ضد كل ظاهرة ديمقراطية، وتحديدا مشاركتهم في المجازر بحق الشعب السوري، هو ما أدى لتصلب موقف الغرب تجاه بوتين. ويعرف بوتين تماما أن ما يحدث في كييف يمكن أن ينتقل لقلب موسكو إذا استمرت موجة القمع والملاحقة ضد المعارضة الروسية. بوتين يدفع ثمن فشل مؤتمر جنيف 2، بسبب عدم إبدائه مرونة في الشأن السوري وإصراره على دعم الأسد في اختياره للحل الأمني بدل التسوية السياسية. فقد فاجأ الروس كل القائمين على مؤتمر جنيف 2 عندما نقضوا وعدهم بأن يدفعوا النظام السوري للحل السياسي من خلال تشكيل نظام انتقالي، وواصلوا بدل ذلك تسليح النظام الذي قتل نحو 3000 مواطن سوري خلال المفاوضات نفسها. بعد أن خرج الأمريكيون صفر اليدين من محادثات جنيف، وجّهوا جام غضبهم على بوتين، ودعموا علانية المعارضة الأوكرانية للتعويض على هزيمتهم في جنيف. منذ فشل محادثات جنيف طرأت تغييرات استراتيجية. فقد قرر الأمريكان بالاتفاق مع دول الخليج وتركيا اللجوء للتصعيد العسكري من خلال مد المعارضة بالأسلحة المتطورة. تزامن هذا القرار مع الاطاحة بيانوكوفيتش، وجّه رسالة واضحة للروس بأن مصالحهم الاستراتيجية مهددة. لعل اول تعبير عن استيعاب الروس للرسالة هو موافقتهم، لأول مرة منذ اندلاع الثورة السورية، على قرار مجلس الأمن مد الشعب السوري بالمساعدات الإنسانية. هكذا انقلبت الآية، وتحول بوتين من موقع الهجوم والشعور المفرط بالثقة والتمادي في إرباك الرئيس الامريكي براك اوباما، إلى موقع من يواجه مشكلة صعبة وعليه إعادة حساباته بالنسبة لسياسته تجاه سورية. ويبقى السؤال - هل يبشر سقوط يانوكوفيتش في أوكرانيا بسقوط بشار الأسد؟ لا شك أن الضربة الموجعة التي تلقاها الروس في كييف، ستجبرهم على التعاون والمساومة مع الغرب حول مستقبل أوكرانيا، فقد تبين أن الروس وحدهم وكذلك الأوروبيين وحدهم غير قادرين على إنقاذ هذه الدولة الفقيرة. كذلك الأمر بالنسبة لسورية، فلا الغرب قادر على حسم المعركة وحده ولا الروس الذين فهموا أن الثمن سيكون زعزعة موقعهم في أوكرانيا - وهذا ما يربط بين القضيتين. ثم هناك عبر التاريخ التي تؤكد مرة تلو الأخرى أن سقوط دكتاتور في بلد ما يبشر بسقوط جلاد في بلد آخر، لأن مصير كل الطغاة كان ولا يزال مزبلة التاريخ.
#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيري يتلاعب بمصير سورية وفلسطين
-
يهودية الدولة والسلام عليكم
-
نعم للثورة - لا للدستور
-
امريكا تتراجع وإسرائيل تنعزل
-
الانتخابات المحلية تكشف عمق الكارثة في المجتمع العربي
-
أوباما تائه والأسد ضائع
-
على الأسد الرحيل!
-
عباس يقود الفلسطينيين الى الجحيم
-
انقلاب بغطاء ليبرالي
-
مصر أضاعت طريقها
-
يسقط يسقط حكم العسكر!
-
المستوطنات هي -شظيّة في المؤخّرة الإسرائيليّة-
-
انتصار الأسد في القصير يعجّل في تفكّك سورية
-
الربيع التركي يخلط كل المفاهيم
-
وزير الماليّة الاسرائيلي لپيد ضدّ العمّال
-
أوباما يعلن توبته لنتنياهو
-
سنتان للثورة السوريّة: “إمّا الأسد أو الخراب”، شعار يحقّق ذا
...
-
مصر لا تحتمل المقاطعة
-
انتفاضة مع وقف التنفيذ
-
الولايات المتّحدة تمهّد لاتّفاقيّة مثيلة لأوسلو في سورية
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن صاروخ -أوريشنيك- الذي استخدمته روسيا لأول مرة ف
...
-
زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|