سعادة عودة أبو عراق
الحوار المتمدن-العدد: 4378 - 2014 / 2 / 27 - 11:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العرب والعلمانية -2
قلنا إن العلمانية ليست عقيدة أو فلسفة أو نظرية أو مشروع طبقي أو حزبي أو مؤامرة يراد بها شرا لنا ، العلمانية ضرورة بمعنى أنها لازمة في وضع يكون فيه النهوض الاجتماعي والسياسي قضية ملحة ، ولقد اضطلع العرب على هذا الموضوع من خلال دراسات المتنورين والمثقفين المبتعثين إلى أوروبا ، لكن لم يكن تقبلنا لها بالتفهم اللازم ، ذالك أن قبول فكرة العلمانية أو رفضها يجب أن يكون من قبل عقل وفكر منفتحين، قادران على التمييز بين الصواب والخطأ، وبما أن الفكر النقدي المنفتح كان وما زل مفقودا عند غالبيتنا أو غير مفعّل، فإن قبول العلمانية أو رفضها سيكون بشكل سطحي، هو وعدمه سواء.
وكأول رصد لبعض مفاهيم العلمانية في عالمنا العربي, كانت الرسالة التي وجهها إبراهيم باشا ابن محمد علي إلى متسلم اللاذقية ( محافظ) في 24 ربيع ثاني 1248 هـ وفيها يقول (المسلمون والنصارى جميعهم رعايانا وأمر المذهب لا دخل له بحكم السياسة، فيلزم أن يكون كل بحاله ،المؤمن يجري بحاله والعيسوي ( المسيحي ) كذلك , ولا أحد يتسلط على أحد), هنا وضع إبراهيم باشا مفهوم المواطنة ، التي لا تقوم على أساس ديني إنما هو إداري وسياسي , وربما أنه لم يكن يدرك مفاهيم العلمانية جيدا ، فهذا يؤكد ما نذهب إليه إلى أن العلمانية ضرورة ، وليس هدفا في ذاته.
ولعل محمد على القادم من البوسنة أو البشناق، كان على علم بما يجري في أوروبا بعد الثورة الفرنسية ، فابتعث من الأزهريين جماعات إلى فرنسا لينهلوا من الحضارة الأوروبية ، وربما لم يكن هؤلاء البسطاء من التأهيل لينقلوا الحضارة الأوروبية بوعي ومن ضمنها العلمانية، إلا أنه يبقى الجيل الذي افتتح ميدان التحضر, وكان بقدراته المتواضعة اللبنة الأولى في بناء المرحلة الأولى في حضارتنا الحديثة ،
لم يكن رفض العلمانية كوسيلة للتحضر نابعا عن وعي بماهية العلمانية إنما كانت هناك أسباب حالت دون تقبل العالم العربي للعلمانية يمكن فهمها من خلال السياقات التالية:
1- كانت الشعوب العربية في سبات منذ انتهاء الحروب الصليبية , إذ لا ثقافة سياسية أو مشاركة سياسية ، لم يكن من السهل أن تنهض فجأة ، فلا بد لها من فترة تململ وتكاسل ، ورغبة في استمرار النوم ، واعتبار الدعوة إلى النهوض ضربا من الإزعاج المرفوض.
2- أما الفترة الثانية فهي التي رافقت الاحتلال البريطاني لمصر ، وما تلاها من سيطرة الفرنسيين والبريطانيين على معظم الدول العربية ،حيث بدأت تبني دولا على نظم سياسية وإدارية وقوانين مدنية حديثة ، فاشتبكت مع كثير من الموروث الثقافي والديني والعادات والتقاليد ، مما جعل الأمور تختلط بحيث لم نعد نعرف الصالح من الطالح، فماذا يريد الاستعمار من هذه النظم الحديثة؟
3- وربما كان الاشتباك شديدا في مسألة تحرر المرأة من القيود التي لم ترها قيودا بل أساور رائعة لا يجدر بها أن تتخلى عنها ، لذلك رُفِضَتْ العلمانية حينما رفض المجتمع خلع الخمار، وتعليم الفتيات في المدارس وخروجها للعمل واعتبارها مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، لأن هذا لا يتناسب مع مفهوم الرجل الشرقي في القوامة على النساء ،وغدت مساواة المرأة بالرجل إهانة كما لو تقول له أنت كالمرأة.
4- أما مسألة الحكم المدني، فالمجتمع العربي لم يكن لديه أية ثقافة سياسية تحت الحكم العثماني ،فهو يعلم يقينا أن هناك سلطانا في اسطنبول لا يمكن أن تصل إليه الأنظار ، أو أنه مقدس فوق الشبهات وسلطته مطلقة، ولا أحد يلمس أثرا للحكومة إلا حينما يأتي جابي الضرائب أو التحصيل دار، ومن هنا وجدوا أن الحكم المدني الذي أتى به المستعمر، ليس في إطار تصورهم للحكم العثماني ، الذي يمثله خليفة لرسول الله في استانبول ، وأن هذا النظام هو نظام استعماري كافر، في سياق رفض الاستعمار يصبح رفض نظام الحكم المدني هذا مرفوضا ، والسعي إلى استرداد حكم الخلافة الإسلامي واجبا، وبالتالي تم رفض الحكم المدني ، وتم رفض العلمانية.
5- أما مبدأ المساواة العلماني بين الناس ، فلم يكن في العالم العربي مصطلح المواطنة، حتى يبحث في حقوق المواطن ، فبلاد المسلمين مشاع لكل المسلمين ، ولا يوجد تقسيم ديني، ذالك أن تسعين في المائة من المجتمع كان إسلاميا ، ولم يشكل المسيحيون واليهود أو الطوائف الأخرى خطرا على المسلمين ، لذلك كان التعايش بين الأديان جيدا ، في القرى والمدن،
6- لكن الوطن العربي كان ذا تشكيلة عشائرية, وكانت كل عشيرة تجعل من نفسها ندا للعشائر الأخرى ، وأن الصراع مع العشائر الأخرى هو صراع بقاء، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى كان هناك انقسام طبقي بين بدو وفلاحين وحضر ، وكل طبقة ترى في الطبقتين موضوعا للصراع ، ومن هنا نجد أن الطرح العلماني للمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات طرحا مرفوضا أيضا بناء على هذه المفاهيم الطبقية الموروثة.
7- ومن هنا نجد أن رفض مبادئ العلمانية كان رفضا له مبرراته الموضوعية ، ولكن حينما يطرح الإسلاميون رفض العلمانية ، لا يتكئون على مثل هذه الأرضية التاريخية ، إنما من مبدأ أن العلمانية هي منافية للدين، وبما أنهم بصدد إقامة دولة إسلامية ،فإنهم يؤكدون أن العلمانية هي ضد الإسلام ، فمتى كان الإسلام ضد الحكم المدني؟ والرفاء والتقدم المجتمعي؟ وضد العقلانية في معالجة القضايا ؟ ومتى كان الإسلام ضد احترام المرأة ومساواتها بالرجال وإعطائها الحقوق ؟ ومتى كان الإسلام ضد المساواة بين الأجناس والأديان ( كلكم لآدم وآدم من تراب)، ومن قال أن في تشريعنا وفقهنا وثقافتنا صالح لمعالجة مانعة لقضايانا الشائكة ، كتنظيم المدن وإدارة الشركات، والعلاقات الدولية ، وقانون الاستثمار، وقوانين المرور وتشغيل الناس وتقدير الرواتب لهم ونظام الزيادات والتقاعد وغيرها وغيرها .....، فهل لشيخ معتكف في صومعة أن يفتينا بحلول لها، من عنده أم من كتب الفقه والتشريع ؟كي نبقي على إسلامية الدولة مظهرا وجوهرا؟
ومن ناحية أخرى من قال أن العلمانية تقود للتحلل الخلقي والاجتماعي؟ ومن قال أن العلمانية ضد الأديان ومع الإلحاد ؟ ومن قال أن العلمانية مؤامرة على الإسلام والمسلمين؟
#سعادة_عودة_أبو_عراق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟