أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بوادني - يورغن هابرماس والليبرالية السياسية















المزيد.....

يورغن هابرماس والليبرالية السياسية


محمد بوادني

الحوار المتمدن-العدد: 4378 - 2014 / 2 / 27 - 03:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تماشيا مع المسار التواصلي لنظرية السياسية عند هابرماس التي تمثلها أخلاقيات المناقشة أحسن تمثيل، يدعم هذا الطرح الفكر الليبرالي الذي سيتجسد بروحه عند هابرماس في خلق فضاء ديمقراطي تشاوري وتواصلي. فصاحب نظرية الفعل التواصلي سيأخد بالفردية الليبرالية مثلما يأخد بالنموذج الجمهوري الجماعي، ويذيبهما في قالب تواصلي لبناء الدولة الديمقراطية الليبرالية في بعدها التواصلي والتشاوري والتشاركي، وهذا لا يتأتى إلا من خلال إشراك جميع الأفراد كذوات واعية في العمل السياسي، من أجل تحقيق المساواة وحماية الحقوق والواجبات للأفراد والجماعات.
يرى هابرماس في النموذج الليبرالي أنه يحافظ على البعد التعاقد الذي يعيد بناءه فلسفيا من خلال نظريته التواصلية القائمة على أخلاقيات الحوار والمناقشة. فهابرماس من خلال بناء قواعد الديمقراطية الليبرالية يركز بالأساس على الدور الذي يلعبه الحوار والمناقشة المرتكز على الحجج والبراهين العقلية، وفق مبادئ التفاهم والإتفاق والإعتراف المتبادل بالأخر، أنه يعمل على عقلنة العالم المعيش " يتعزز العقل التواصلي بقوة التماسك الملازمة للوفاق بين الذوات وفي الإعتراف المتبادل؛ ويحدد بذلك عالم الحياة الإجتماعية".1
يضع هابرماس أسس نظرية "الفعل التواصلي" كنشاط تحكمه فعالية حوارية إجتماعية تتخد شكل عقلانية مفتوحة، في حين إعتبر أخلاقية النقاش الأساس المعياري للديمقراطية، هنا يميز هابرماس بين ثلاثة نماذج معيارية للديمقراطية :
أ‌- النموذج الليبرالي: ووظيفته الديمقراطية في هذا النموذج هي برمجة الدولة داخل المصالح الإجتماعية، وتكون بذلك مجرد إدارة تشكل البنيات الاجتماعية من خلال اقتصاد السوق، يكون بين الأفراد والأشخاص العالم الإجتماعي .
ب‌- النموذج الجمهوري: يقوم بتكوين الرأي العام والإرادة عبر المراحل داخل الفضاء العمومي الذي يتوقف على إقتصاد السوق، بل على المناقشة العمومية التي تتم داخل البرلمان وهي بنية مستقلة هدفها التفاهم .
ج- النموذج التداولي: وهذا النموذج يكتسب إمكانية تجريبية تأخد في الحسبان تعدد أشكال التواصل، التي من خلالها تتكون إرادة جماعية ليس فقط على التفاهم الأخلاقي للهوية الجماعية بل أيضا على المعادلة القبلية في المصالح والضغط القائم على الإختيار العقلاني وفق الحدود النهائية للوسائل المملوكة من قبل الإثبات الأخلاقي والتجانس.2
إن هابرماس من خلال إظهاره لهذه النماذج، يسعى لإبراز الدور التشاركي والتفاعلي للمجتمع داخل العالم المعيش. الذي يهدف من خلاله إلى بناء فضاء عمومي حر وديمقراطي تحكمه أخلاقيات النقاش والحوار المستند على اللغة، ويميز هابرماس بين عالمين، العالم المعيش وعالم الأنساق "يراه منشطرا إلى عالمين : الأول يخص العالم المعيش الذي تقوم بنيانه على اللغة التواصل، والثاني يخص عالم الأنساق الذي يخضع بالأساس للعقلنة الحسابية التي تتميز بالوظيفة والأداتية والفعالية"3 من هنا نرى أن العالم المعاصر اليوم إنفصل فيه الإقتصاد والسياسة وإكتسابا صفة الأنساق، نتيجة لتعقدهما مما أدى إلى انفصالهما عن العالم المعيش في مقابل عالم الأنساق، هذا الأخير الذي لديه عملة السلطة والمال في ما عملة العالم المعيش هو الفعل التواصلي، بالتالي أصبحنا أمام مستويين من الإدماج هما الإدماج النسقي والإدماج التواصلي، أي الإدماج في المجتمع عن طريق الفضاء العمومي. فكيف يرى هابرماس الفضاء العمومي ؟
1- الفضاء العمومي
من الدلالات والأراء التي برزت في الفلسفة السياسية عند هابرماس والمتعلقة بالديمقراطية هو "الفضاء العمومي"، هذا الأخير "تولد في البداية من التنظيم العفوي للعائلة البرجوازية ثم إمتد بعد ذلك إلى الواقع الخارجي مجسدا بالتطبيقات الإجتماعية، التي نرى من خلالها بأن الوظيفة السياسية للمجال العمومي تتوخى تأمين سيطرة المجتمع المدني عبر قوة التجربة المخصصة لصميمية الحياة الشخصية. إن هذا الميدان الجديد يشكل جبرية قاسية إزاء السلطة الملكية القائمة "4 من هذا نشهد أن الفضاء العمومي ظهر مع البرجوازية في إطار التنظيم الأسرى الداخلي لها، إلا أنه لم يبقى ملازما لهذا التنظيم، بل خرج من حيزه الضيق أو الخاص إلى المجال العام أو "العالم المعيش" بتعبير هابرماس ليصبح بذلك هذا الأخير "هو ميدان يجتمع فيه مواطنون لتبادل الأراء ومناقشة ونقد الأراء السياسية، فهذا المجال العام لم يكن جزء من المجتمع المدني فقط، بل هو وسيطا بين المجتمع المدني والدولة "5 وداخل هذا الفضاء أو المجال العام يبرز الدور الريادي لأخلاقية المناقشة المستند على الحوار والحجة والبرهان، بحيث تسعى الذوات المشاركة في العملية الحوارية إلى الدفع بالنقاش إلى حدوده القصوى في إطار التفاهم وتبادل الحجج، الإتفاق، والإجماع، بالإضافة إلى الاعتراف المتبادل بالأخر، وهنا تتأسس العملية التشاورية لديمقراطية، بحيث يساهم كل أفراد المجتمع في بلورة رأي عام من خلال المناقشة الحرة والنقد العقلاني للقضايا والشؤون السياسية، وهذا لا يتيسر إلا إذا تحرر الرأي العام والعقل من الهيمنة السياسية لسلطة، والإيديولوجية الأحادية، بالتالي يرى هابرماس أنه يجب "تحرير الفضاء العمومي من كل العوائق الإيدولوجية والأوهام سواء الوضعية أو العلموية أو الماركسية، وذلك عن طريق إنفتاحها على باقي المعارف الأخرى وكفها عن الإدعاء الكلاسيكي بقدرتها على إدراك الحقيقة لوحدها. لأن الحقيقة أصبحت مسألة جماعية تساهم فيها عدة أطراف مشاركة."6. إن الفضاء العمومي هو الذي يعكس حقيقة الممارسة الديمقراطية، ويقدم للمواطنين الشعور بالمشاركة الفعلية في الحياة السياسية.
2- الديمقراطية وعلاقتها بالليبرالية :
" يؤكد نوربرتو بوبيو Nouberto Bobbio(1909-) أن الحاجة إلى ربط مقولة المساواة (الديمقراطية) بمقولة الحرية (الرأسمالية) قد ولدت مبدأين ملازمين لدولة القانون الديمقراطية، يتعلق الأمر بالمساواة أمام القانون والمساوة في الحقوق، وبذلك يضمن الإقتراع العام حسب رأيه - باعتباره تعبيرا عن إرادة الشعب – حماية الحقوق الأساسية التي تعتبر أساسا للدولة الليبرالية، كما أن حماية هذه الحقوق ضرورية للسير الحسن للمسار الديمقراطي. وهي ما يبين درجة التكامل الذي حققته الرأسمالية والديمقراطية داخل أنموذج الدولة اللبرالية "7 إن الديمقراطية وجدت لها أرضية مناسبة للوقوف عليها، فالديمقراطية والليبرالية يشتركان في المساواة والحرية .
إذا كانت الليبرالية الرديكالية إن جاز القول تدعوا إلى الحرية الفردية المطلقة في مختلف المجالات، وهي دعوة إلى تغليب المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة، فهي اليوم في ظل الأزمات التي عاشتها، لا ترى هذه الفلسفة بديلا عن ممارسة الحرية في ظل آلية الديمقراطية، لكي تصبح ليبرالية معتدلة.
أما الديمقراطية فلا يمكن إختزالها فقط في شكل من أشكال الحكم "حكم الشعب نفسه بنفسه" بل هي اليوم يضمنها قدرا من الفلسفة، ويربط هابرماس بين النظام السياسي والديمقراطي، والعدالة الإجتماعية في إطار كوني تحكمه أخلاقيات وقواعد المناقشة "هابرماس هنا يريد أن يتجاوز مشاكل الليبرالية لا عن طريق توافقات الحلول الوسطى، وإنما الحلول الجدرية، فهو في محاولة حل مشكلة العلاقة بين الخاص والعام أو الكوني، أي الحق الفردي والصفة العالمية التي يبتغيها هابرماس في ديمقراطيته عن طريق المناقشة والبرهنة اللتان تسمحان بالعثور في الأخر على ما هو أصيل وما يرتبط بقيمة أخلاقية وقاعدة اجتماعية كونية، هذا المنحى في الاحترام والاستماع إلى الأخر يبدو كأساس لديمقراطية أكثر صلابة من صدام المصالح التي تقود إلى حلول وسط وضمانات قانونية"8 يشيد هابرماس ديمقراطيته على سند قانوني يكون هو الضامن للمصالح العامة علاوة على الدور المهم الذي تلعبه أخلاقيات المناقشة في تحقيق التفاهم المبني على التوافق والإجماع .
كما أن نظرية حقوق الإنسان تعتبر أحد أسس النموذج الديمقراطي لهابرماس، الذي يستند من خلاله إلى قراءة تصحيحية لنموذج الليبرالي، بحيث أن هذه الحقوق يجب حمايتها، لأنها تتضمن حق المشاركة الفعلية في المجال السياسي، وتعبر عن الإستقلالية والحرية في إتخاد القرار، "إن العملية الديمقراطية يجب أن تتحمل الوزن الكامل تفهمنا الحقوق".9
يبنى هابرماس نموذج الدولة على أساس التشاور كمشرع، يعطي للدولة الصيغة القانونية بإضفاء الشرعية عليها وذلك بإشراك كل الذوات القادرة على الفعل والكلام في العملية التشاورية، بالاستناد إلى أخلاقيات المناقشة والحوار. فهابرماس يرى في الدولة الديمقراطية التشاورية هي الحل النهائي "فالمنفذ هو الدولة الديمقراطية التشاورية والتي تقوم على أساس الحق القانوني "10 بالتالي يصبح الحق القانوني هو أساس الديمقراطية التشاورية.
إن هابرماس من خلال بحثه في الديمقراطية والأسس التي تتأسس عليها، يلاحظ أن هذه الأخير تعمل على إخفاء الجانب المظلم من الليبرالية، بحيث تكون بينهما علاقة تكاملية في إطار تواصلي، "فالديمقراطية تقوم بسد الثغرات للدمج الإجتماعي، فيمكن للعملية الديمقراطية نفسها إذا إحتضنتها حضارة سياسي ليبرالية أن تتولى نوعا من كفالة تسري في حال التعطل لتماسك المجتمع."11
يأخذ هابرماس بالحرية الفردية التي تتأسس عليها الليبرالية، باعتبار الفرد له كامل الحق والحرية، في بناء مؤسسات الدولة، التي يدخل عليها البعد التواصلي للعملية الحوارية.
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش
1- يورغن هابرماس. "القول الفلسفي للحداثة". ترجمة د. فاطمة الجيوشي. منشورات وزارة الثقافة. دمشق- السورية. 1995. ص 497
2- أبو النور حمدي أبو النور حسن. "يورجين هابرماس الأخلاق والتواصل". اشراف: د. أحمد عبد الحليم عطيه. التنوير للطباعة والنشر والتوزيع. ص 191
3- أبو النور حمدي أبو النور حسن. "يورجين هابرماس الأخلاق والتواصل". مرجع مذكور. ص 193
4- اودينة سليم. "فلسفة التداوليات الصورية وأخلاقيات النقاش عند يورغن هابرماس". ملخص مذكرة تخرج لنيل درجة الماجستير في الفلسفة. جامعة منتوري كلية العلوم الانسانية والعلوم الاجتماعية قسم الفلسفة. الجزائر. 2008-2009. ص 78
5- أبو النور حمدي أبو النور حسن. "يورجين هابرماس الأخلاق والتواصل". إشراف: د. أحمد عبد الحليم عطيه. التنوير للطباعة والنشر والتوزيع. ص 194
6- محمد الأشهب. "يورغن هابرماس ورهن الفلسفة في الفضاء العمومي". مجلة رهانات. العدد 3. ربيع 2007. ص 13
7- عبد العزيز ركح. "ما بعد الدولة – الأمة". منشورات الاختلاف. الطبعة الأولى. الجزائر. 1432هـ - 2011م. ص 63
8- علي عبود المحمداوي. "الإشكالية السياسية للحداثة من فلسفة الذات إلى فلسفة التواصل هابرماس أنموذجا". منشورات الإختلاف. دار الأمان. الرباط. ص312
9- Jurgen Habermas." Droit et Dèmocratie délibérative". Bjarne Melkevik. Les presses de l’université laval. Canda. 2010. P 71
10- علي عبود المحمداوي. "الإشكالية السياسية للحداثة من فلسفة الذات إلى فلسفة التواصل هابرماس أنموذجا". منشورات الإختلاف. دار الامان. الرباط. ص310
11- أبو النور حمدي أبو النور حسن. "يورجين هابرماس الأخلاق والتواصل". إشراف: د. أحمد عبد الحليم عطيه. التنوير للطباعة والنشر والتوزيع. ص203



#محمد_بوادني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص ...
- السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
- النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا ...
- لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت ...
- فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
- -حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م ...
- -الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في ...
- -حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد ...
- اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا ...
- روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بوادني - يورغن هابرماس والليبرالية السياسية