|
طفل البسكويت و طفل العامود
زين اليوسف
مُدوِّنة عربية
(Zeina Al-omar)
الحوار المتمدن-العدد: 4377 - 2014 / 2 / 26 - 09:12
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
عالمان منفصلان..ذات المدينة ذات "شبه" الوطن ذات الفترة الزمنية تقريباً و لكن ردات الفعل لا تحمل ذات الملامح..فقد كان هناك اختلاف كبير في طبيعة مواقف البشر تجاه حادثتين لشخصين من ذات المدينة..أحدهما ما زال حيٌ يُرزق و الآخر قُتل أو انتحر..المهم أنه لم يعد بيننا إلا كصورةٍ لا تُغني و لا تُسمن من جوع إلا لدى والدته فقط لا غير.
في شهر واحد تعرض شخصان من عالمين مختلفين للاختطاف و لكن اختلفت نوعية الاختطاف و أسبابه بينهما..الأول محمد منير أحد شباب أسرة هائل سعيد أنعم و الذي تم اختطافه من قبل جماعة مسلحة..فكانت -تلك الحادثة- البداية لعملية تسابقٍ محموم لتقبيل مؤخرة عائلة هائل سعيد..سباقٌ لم يتوقف إلا منذ أسبوعين مضيَّا..و الحجة لذلك التقبيل ادعاء امتلاك مواثيق شرفٍ قبلي لم يعد يملكها أحد في اليمن إلا ليتاجر بها.
فمقابل تحريره قام أحد شيوخ القبائل بتحرير سندٍ مالي بقيمة 2 مليون ريال سعودي..و هي مُفارقة ساخرة فالعملة اليمنية بلا قيمة حتى في التفاوض..بينما قام شيخٌ آخر بتقديم 11 سيارة لعائلة هائل سعيد كنوعٍ من التعويض للخدوش النفسية التي أصابت طفلهم المُدلل..و لكن ليس هنا ضربت المهزلة أعمدة حدودها و حطت رحالها..فمن المثير للبكاء و للسخرية معاً أن الخاطفين تم التعهد لهم بأن يتم تعيينهم في الشرطة العسكرية!!..أي أن الشرطة العسكرية بالإضافة إلى المرتزقة الذين تملكهم سلفاً ستضم بين كفيها الغير كريمتين اللصوص و المختطفين و جميعهم سيتعاونون شاكرين و جاهدين على حمايتنا!!.
الشيخ الكريم لم يتعهد بأنه سينفذ لهم ذلك و حسب و لكن و لتأكيد صدق تعهده سلمهم ابنه كرهينة..متناسياً أنه لا يتحدث عن بيته الشخصي ليقرر من يدخله و من يخرج منه بل يتحدث عن مؤسسة عسكرية يُفترض أنها تُخضع الراغبين للانتساب إليها إلى شروطٍ قاسية و إلى معايير أخلاقية مرتفعة..و لكن يبدو أنهم أبدلوا قوائم شروط الالتحاق بأخرى لا نعلمها.
القبائل تعاونت كثيراً من أجل تحرير منير و مديرية أمن مدينة تعز تركت كل القضايا الأمنية التي تعاني منها المدينة المنهارة أمنياً لتجند عتادها و أشباه رجالها لهدف واحد و هو تحرير منير الذي وصف مدير أمن تعز عملية تحريره إنها موقف صارم لحماية تجاه عامود من عواميد اقتصادنا "المهترىء" دوماً.
لو كان هناك عدوان خارجي على اليمن لا أتوقع أننا سنرى من جميع تلك الأطراف ذلك الحماس!!..فالكهرباء -كمثال بسيط و ليس وحيد- تُقطع أسبوعياً و من يقطعها يتصرف بكل أريحية و دون أدنى إحساسٍ لديه بالتهديد أو بالمُلاحقة..بل لعل الإحساس بالفحولة هو الإحساس الطاغي لديه..فدولةٌ بأكاملها تركع عند قدميه متوسلةً منه الرحمة..لم نرى هذا التحرك الجماعي المسلح لتحريرنا من قبضة مزاجية صعاليك القبائل..ففُرض حصارٌ خانق على الخاطفين من أجل منير و دماء خاطفيه دون خاطفينا هُدرت و بالإجماع.
حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجدنا أفراداً يمنيون كُثر أفردوا صفحاتهم لمنير و البعض الآخر أنشأ صفحات تقول عبارتنا الأثيرة أن "كلنا منير" و هو الحلم الذي يتمناه أغلب اليمنيين و هو أن يرتدوا قميصاً نظيفاً و يلتقطوا صورةً أو اثنتين في مركزٍ تجاري ما بخلفيةٍ تضم محالاً لماركاتٍ عالمية من بديهيات حياتك إقتناؤها مع القدرة على "الابتسام" و هي المهمة الأصعب في اليمن.
عشرات الصفحات و اللافتات الإعلانية رُصدت من أجل التذكير بمأساة منير..البعض يذكر مدة اختطافه بالأيام و البعض الآخر غالى في تقبيل مؤخرة عائلة هائل سعيد فذكر مدة الاختطاف بالساعات في عدة لوحات إعلانية عُلقت في أرجاء مدينة تعز!!..البعض يُشيد بدينه و هو الأمر الذي لا أعلم كيف سُيشكل لدينا أي فارقٍ من زاوية تعاطفنا الإنساني معه و البعض الآخر تحدث عن صموده النفسي طوال فترة الاختطاف و كأنه مُعتقلٌ فلسطيني في سجنٍ إسرائيلي!!.
منير عندما حُرر كان يرتدي معطفاً تسابق الذين من حوله لمنحه إياه ليقيه برد شتائنا الشديد هذا العام..منير هرول الجميع لاستقباله حتى أن وزير الخدمة المدنية نبيل شمسان ترك التفكير في معدل بطالتنا المرتفع -و الذي يبلغ 40% حسب منظمة أوكسفام- ليذهب مهنئاً بذلك التحرير الذي يبدو أنه ستتغنى به العذراوات لسنواتٍ طوال..منير هُلل له و كُبر و لم يبقى غير أن يُسجد له فرحاً بعودته لتكتمل قصة فتى عائلة البسكويت السعيدة.
حسناً فلنترك منير و عملية تحريره البطولية و لننتقل بكاميرتنا إلى زُقاق ضيقٍ بارد في أحد الأحياء الفقيرة في تعز..هناك حيث الثاني و هو فتى اسمه سفيان يبلغ من العمر 12 عاماً كان يتم تعليقه بطريقةٍ ما بعد الانتهاء منه..سفيان في الصورة الوحيدة المعروفة لنا له يختلف كثيراً في مظهره عن منير..فسفيان لم يكن يرتدي قميصاً وردي اللون بخلفية زاهيةٍ مُبهجة بأسماء الماركات العالمية..بل كان يرتدي قميصاً أبيض خفيف جداً تحت زيه المدرسي الأكثر خفة.
سفيان لم يكن مبتسماً وقت التقاط الصورة..و لسانه كان متدلياً من فمه غير مُداعباً لنا كما سيعتقد البعض..و لكنه كان كذلك بسبب تعرضه للشنق..سفيان كان تحت عينه اليمنى أثر كدمه لا نعلم هل هي من شجار سابق مع رفاقه أم بسبب مقاومته لمن أنزلوا به رعباً يفوق رعب الموت قبل أن يقتلوه..رعب "أنه يحدث لي أنا و ليس للآخرين".
سفيان تم اغتصابه -أو هذا ما قيل- و من ثم تم شنقه لعلم من فعلها أن في اليمن لا توجد عقوبة و إن وجدت فلن تجد من يقبض عليك لينفذها..و إن قبض عليك سيتم كما قال مدير أمن تعز الوصول لحلٍ وسط يرضي جميع الأطراف و لا يتضمن الإعدام بالطبع..مدير أمن تعز لم يكتف بذلك المقدار من الاستهتار في تصريحاته بل أنه أردف قائلاً بسخرية:"لو كان ذلك ما حدث حقاً لسفيان -يقصد الاغتصاب ثم الشنق- فلن تكون المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك الأمر في تعز"..قالها ساخراً و بلا إكتراث و كان هذا الأمر من مُسلمات الحياة و ليس أمرٌ يجب أن تُعلَّق المشانق من أجله ليكون رأسه هو أول من يتدلى منها لإهماله الوظيفي.
سفيان لم تُنشأ الصفحات له و لم يتجرأ أن يُعلن أحدهم أنه "كلنا سفيان" و لم يهتم ناشطون كُثر بأمره..و حتى الجمعة التي سُخرَّت له و لقضيته حضرها عددٌ لا يفوق ربع ما جُند من أجل منير..سفيان لم تُحشد القبائل مطالبةً بدمه و لم تدفع تلك القبائل الأموال لأسرته المعدمة متصدقة و مواسيةً لها..فأموالهم للأغنياء فقط فهي كفتاة الغيشا تدور بين صفوة القوم و لا مجال لكسر تلك الدائرة "الشريفة".
سفيان أحد قواصم هذا المجتمع التي لن تتوقف..لم يكن سفيان من مُدد على ظهره لينتهكه أحدهم بل هكذا فعل هذا المجتمع الذي يعشق أن يُفعل به من خلاف..و هذا المجتمع لا يبالي بذلك أبداً طالما سيُقال عنه في العلن صفاتٌ قبلية اندثرت لدينا كما لديه..المقارنة مؤلمة مُخزية فاضحة بين طريقة تعامل المجتمع و الإعلام و حتى المؤسسة الأمنية مع فتى أسرة البسكويت و كيف تجاهلت الأغلبية فتى العامود..و لكن لو كان في هذا بعض العزاء فأغلبنا كسفيان حقيقةً و بعضنا الآخر هو و لكن إلى حين..و لو كان فيه بعض الواقع المُذِل فأغلبنا سيُقبل مؤخرة فتى البسكويت بكل حرارة حتى يظهر لنا فتىً آخر أكثر منه مالاً و أعزُ نفرا.
#زين_اليوسف (هاشتاغ)
Zeina_Al-omar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إغتصاب هدى
-
صور
-
مَدِّد يا هادي و لا تُبالي
-
شجرة بمنزلة نبيَّ
-
رداد يمتهن النساء*
-
الجمهور عايز كده
-
و جُعلتَ لي مسجداً
-
النوم على صدر الحُسين
-
فتاة لليلة واحدة
-
لهو رباني -قصة-
-
الشهر الذي اُنزل فيه النفاق
-
شيخ الخصيان – 5
-
شيخ الخصيان - 4
-
شيخ الخصيان – 3
-
شيخ الخصيان – 2
-
شيخ الخصيان - 1
-
بنت الشيخ
-
باسندوة ماشفش حاجة
-
لماذا زين جوزيف؟؟
-
غير طبيعية؟؟..طبيعية جداً؟؟
المزيد.....
-
بعد مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت.. سيناتور جمهوري يوجه تحذي
...
-
قادة من العالم يؤيدون قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الا
...
-
معظم الدول تؤيد قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الاحتلال
...
-
اتحاد جاليات فلسطين بأوروبا يرحب بمذكرتي اعتقال نتنياهو وغال
...
-
الأمم المتحدة: نتائج التعداد بيانات عامة دون المساس بالخصوصي
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي ينهي الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
من هم القادة الذين صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من المحكمة الجنا
...
-
ماذا يحدث إذا رفضت دولة اعتقال نتانياهو بموجب مذكرة -الجنائي
...
-
الحرب بيومها الـ413: قتلى وجرحى في غزة وتل أبيب تبحث خطةً لت
...
-
الجامعة العربية ترحب بمذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت
المزيد.....
-
نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة
/ اسراء حميد عبد الشهيد
-
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب
...
/ قائد محمد طربوش ردمان
-
أطفال الشوارع في اليمن
/ محمد النعماني
-
الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة
/ شمخي جبر
-
أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية
/ دنيا الأمل إسماعيل
-
دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال
/ محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
-
ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا
...
/ غازي مسعود
-
بحث في بعض إشكاليات الشباب
/ معتز حيسو
المزيد.....
|