|
إشكاليات صياغة خطاب النهضة العربية الثانية
بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 4377 - 2014 / 2 / 26 - 00:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(الحديثة) الإشكالية الأولى:السؤال عن الهوية في عصر النهضة الثانية؟ ثنائية الهوية (الحداثة.التراث) الإشكالية الثانية:العولمة:خطاب تحديثي أم أداة للهيمنة؟ الإشكالية الثالثة (أزمة المرجعيات والمفاهيم) تفسير الصحوة الإسلامية على أساس أصل معرفي غربي،أو على أساس نخبوية دينية؟ الإشكالية الرابعة:الحوار مع الآخر (المأزق والحلول) خاتمة:الحداثة السياسية كمدخل للمشروع النهضوي
التعريف بعصر النهضة الأولى:(مدخل) كانت الفترة التاريخية الممتدة من مطلع القرن التاسع عشر وحتى أواسط القرن العشرين هي التي احتضنت ولادة وتطور النهضة العربية الأولي، وهي وحدها التي تساعد على فهم الأسئلة الكبرى التي صاغها النهضويون العرب الأوائل وعبروا عنها بأشكال مختلفة. فمنذ أن أطلق التاريخ حكمه على السلطة العثمانية وتصدع بناها الاجتماعية وتآكلها وبعد تعرض الوطن العربي للصدمة الاستعمارية الأوروبية، استطاع الفكر العربي تجاوز مفعوليته وإنتاج فكر تنويري نضالي، حيث ظهر على الساحة الفكرية العربية فئة من المثقفين العرب، حاولوا التعبير بأدوات وأساليب مختلفة عن إحساسهم العميق بالتأخر التاريخي وعن الفارق الحضاري الذي يعيشه الوطن العربي قياسا بالغرب الأوروبي، فولج الفكر العربي إشكالية التنوير من البداية من جانبها السياسي الإصلاحي، وهيمن على مثقفي التنظيمات وكتّابه هاجس (التمدن) أي الإصلاح السياسي القائم على المدنية الحديثة، كما هو الحال عند الأوروبيين، خاصة عندما احتك هؤلاء المثقفون بالغرب خصوصا مع النهضة المصرية، وحملة نابليون ومراحل الصراع العثماني الأوروبي، وما أعقب ذلك من احتلال للبلدان العربية وانفتاحها على الثقافة الغربية الوافدة. ولقد تجلى التنوير لعصر النهضة بمضمون رئيس، تمثل بتكييف التراث مع روح العصر، وتجلى هذا بانتقال محتواه المعرفي من حضارة الإلهيات إلى حضارة الإنسانيات(وكان وظيفته الأيديولوجية تتأطر في إضفاء المشروعية على الحداثة والتحديث من خلال إبراز عدم تعارضه مع التراث، فكان على التراث أن ينزل من مجاله المقدس ليدخل نسيج الحياة الثقافية الوطنية، ويغدو أحد موضوعاتها المتفرعة عن الإشكالية الكبرى وهي إشكالية التأخر/التقدم الذي يتناسل من صلبها حزمة مشكلات كمشكلة التعليم، وحرية المرأة، والمشكلة الاستعمارية الغربية والعثمانية، والمشكلة الديمقراطية، والحريات السياسية والدستورية، ومشكلة الاستبداد). لقد كانت ملامح الوعي الإصلاحي، مع نهاية القرن التاسع عشر، تتخذ صورة مشاريع في التقدم والترقي واليقظة ومواكبة للدينامكية التاريخية الجديدة التي بعثها المد الإمبريالي في الجغرافيا العربية وخاصة مصر والشام.، حيث تبلورت بشكل واضح الأفكار السياسية الإصلاحية الكبرى في التاريخ العربي المعاصر وعبرت عن حركة فكرية ذات نزوع نهضوي شامل حيث برزت محاولات مستنيرة لتفسير الإسلام تجاوزت كل ما هو مألوف في التأويل والاجتهاد، وأصبح الحديث عن الإسلام يعني الحديث عن الحاضر والمستقبل، وبات((العقل موازيا للإيمان في أهميته إن لم يكن أكثر أهمية منه)). ومن الممكن أن أسباب النهضة-باختصار-كانت كما يلي: 1. نشأة المدارس الأجنبية المختصة بالإرساليات وغيرها من الوطنية والعصرية المبنية مناهجها نوعا على الطراز التهذيبي الحديث. 2. انتشار فن الطباعة الراقي في الشرق الأدنى. 3. اهتمام أبناء البلاد بالصحافة والتأليف. 4. تأسيس الجمعيات الخيرية والأدبية والعلمية والأندية الرياضية ونهوض الأحزاب السياسية.. 5. بناء المكتبات العامة والخاصة 6. اشتغال المستشرقون بالآداب العربية وعلومها. 7. نهضة التمثيل في الشرق العربي. 8. هجرة الشبيبة إلى الديار الغربية. 9. وهو الأهم-احتكاك العالم الغربي العملي المادي بالعالم الشرقي الروحي والتغلب على الحواجز الطبيعية الفاصلة بينهما.وكان ذلك عن طريق الحملة الفرنسية التي أمت مصر وبعض سوريا حوالي1799-1802 والبعثات العلمية التي أرسلها محمد علي رأس العائلة المالكة الآن في مصر إلى أوروبا 10. البعثات التبشيرية الدينية.
ومن هنا، ووفقا لهذه الظروف-التعقيب للباحث-ظهر مصطلح النهضة لأول مرة كمصطلح يدعو للإصلاح والنهوض من كل النواحي وليس الناحية السياسية فقط، فقد كان لمصطلح النهضة أبعادا ثقافية وأخرى اجتماعية تمثلت في ظهور مفكرين قادوا حركة الإصلاح والتحديث على مختلف الصعد ولازال أثرهم واضحا حتى هذه الفترة ومن أمثال هؤلاء:أحمد فارس الشدياق، والمازني، وأحمد شوقي، وبطرس البستاني على الصعيد الأدبي، أما على الصعيد السياسي والأيديولوجي فليس من أكبر من محمد عبده وعبد الرحمن ألكواكبي كخير مثال على مثل هؤلاء المفكرين. هذا العصر-لازال التعقيب للباحث-نستطيع أن نطلق عليه بعصر النهضة الأولى الذي بدأت بوادره تنشأ بعد دخول نابليون إلى مصر. ونستطيع القول إنه ومن هذه الفترة بالذات نشأ ما يدعى بالخطاب التحديثي(الحداثة بمفهومها الحالي) وحدث انفصام واضح بين ما يدعى بالخطاب التحديثي والخطاب التراثي. الخطاب التراثي في عصر النهضة العربية الأولى: وجد هذا الخطاب في الإسلام وفي جزء كبير من الموروث الثقافي الفكري أداة لصياغة وعي مجتمعي مستقل عن المرجعية الفكرية الغربية،فهو لم يسلم بهزيمة الإسلام والعرب أمام أوروبا ولم يصادق على النتائج التي أحدثتها حملتها سياسيا وفكريا،بل أكد على التواصل بين هذه الذات وماضيها الإسلامي كعنصر لحمة من الضرورة العودة إليه في مرحلة تفكك للتصدي للمسألة المركزية المتجسدة في التسلط الأجنبي خاصة على المستوى الثقافي,وقد مثل هذا الخطاب كل من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. الخطاب التحديثي في عصر النهضة العربية الأولى:
وهو الخطاب الذي وجد في أوروبا وفي موروثها الثقافي والفكري مادته لبناء وعي مجتمعي مستقل عن المنظومة المعرفية الإسلامية، ذلك أن هذا الخطاب أخذ يتبلور في سياق الضغط والتسلط الاستعماري وبتأثير منه، تحدد ضمن الإشكالية التي ساهم الغرب في صياغتها، هزيمة العرب وانتصار أوروبا الحديثة، ولهذا فإنه كان صدى إعادة إنتاج-من موقع المغلوب الذي يعترف للغالب بهزيمته-للرؤية التي صاغها الغرب لتاريخنا بصفته(الغالب الذي يملك حق تسمية المغلوب)أي تعيينه وتعيين إشكاليته التي يصدر عنها خطابه،فظهر التعلق بالمقولات الغربية والنزعات العلمية والقومية والاشتراكية،وما يغري على التمسك بها. ومن هذه النقطة برزت الإشكالية الكبرى في عصر النهضة الكبرى،يقول الدكتور أنور الزعبي: ......أن نعي الظروف التي كانت سائدة في العالم العربي والإسلامي آنذاك،وما قبله،فمن جهة كانت الحركات الإصلاحية التي شهدتها نهاية الفترة العثمانية بجملتها كالوهابية والسنوسية والمهدية تنحو منحا سلفيا في تناول المسائل،ومن جهة ثانية،فإن الفكر العربي وأنماطه الوافدة عبر الاحتكاك بالغرب والاستعمار،أصبحت تبهر بعض المفكرين من رواد النهضة،وما نتج عن هذا أن ظهرت اتجاهات نهضوية ثلاثة تبلورت فيما بعد بالتياران السلفي الأصولي الساعي إلى استعادة الماضي وإحلاله في الحاضر،والتيار التغريبي الساعي إلى استعادة الماضي وإحلاله في ،الحاضر والتيار التغريبي الساعي إلى استعارة النماذج الغربية(ليبرالية أم اشتراكية) وأحلامها في الحاضر....والتيار الجامع بين هذا وذاك،على تفاوت الجميع في الفهم والتمثل والاستيعاب والاستفادة...مما ترك تضاربا بين كثير من هذه التوجهات... ويتابع الدكتور أنور الزعبي في نفس الموقع: ولئن تلمسنا الإشكالية التي تكمن في كل تيار لوجدنا أن إشكالية التيار الأول السلفي تتمثل برفض الفكر الغربي بشكل شبه كلي...أما إشكالية التيار الثاني التغريبي فتتمثل بالتماهي مع الفكر الغربي جملة وتفصيلا وهذا فيه ما فيه من تبعية, وهذان التياران على الرغم من حضورهما القوي واستلاهما السلطة في بعض البلدان الإسلامية، وتحقيقيهما لبعض المنجزات المقبولة،إلا أنهما اخفقا في إحداث النهضة على المستوى المنشود،بسبب من دوغمائيتهما وتنازعهما الحدي....أما إشكالية التيار الثالث الذي ينحو نحو المستفاد من هذا وذاك،فتتمثل بعدم قدرته على صياغة نموذج مستفاد حقيقة على أساس من الابتكار والإبداع،لا التوفيق أو التلفيق أحيانا...
وبهذا نكون ألقينا نظرة سريعة ومتفحصة باختصار لأبرز معالم عصر النهضة الأولى،والتي اعتبرتها كمدخل تاريخي فقط لموضوع هذا البحث الرئيسي والذي سيكون موضوعه(النهضة العربية الثانية).
كيف نعرف النهضة العربية الثانية: إن التفكير في النهضة العربية الثانية،ليس تفكيرا تنبؤيا،ولا تفكيرا مبنيا على حساب الاحتمالات،ولا تفكيرا أيديولوجيا مرتكزا على مبادئ أيديولوجية معينة من الأيديولوجيات المتصارعة في العالم العربي. إنه تفكير فلسفي،يرتكز على مفهوم معين لطبيعة الإنسان ووجوده التاريخي،وعلى توظيف للواقعية الجدلية يرمي إلى الكشف عن شروط حصول نهضة عربية في القرن الآتي على جهة الإمكان التاريخي. ويقول الدكتور ناصيف نصار في مكان آخر: من المتفق عليه بين المؤرخين،أن تاريخ الشعوب العربية في القرنين الأخيرين،كانا سلسلة من المحاولات للخروج من حالة انحطاط شامل والدخول في حركة تحرر وتحديث شامل،في مواجهة ومحاكاة ما حصل في القارة الأوروبية منذ القرنين السادس عشر والسابع عشر. وهذا يعني أن التاريخ الحديث والمعاصر للشعوب العربية هو تاريخ مشروع تحديثي شامل، نصطلح على أن تحقيبه،في خططه العريضة، يشتمل على ثلاثة مراحل رئيسية هي:مرحلة النهضة،ومرحلة الثورة،والمرحلة الحالية التي توصف على العموم بأنها مرحلة الأزمة. ففي إطار هذه الرؤية،يمكننا أن نحدد أزمة الشعوب العربية الحالية بأنها أزمة المشروع التحديثي العربي بعد تحول النهضة إلى ثورة، وبعد سقوط الثورة،أو على الأقل بعد فشلها في تحقيق أهدافها الكبرى. أنها بحسب جميع الدلائل،أزمة حضارية عامة،أي غير منحصرة في بعض جوانب الحياة التاريخية لتلك الشعوب. ولكنها ليست تكرارا لمرحلة الانحطاط السابقة لمرحلة النهضة،لأنها تشكل انقطاعا جذريا عن مشروع التحديث العربي،بل تشكل تراجعا واختلالا في داخل حركته. الأمر الذي يعني مبدئيا أن تجاوزها ليس سوى مواصلة لمشروع التحديث العربي في صورة نهضة ثانية،تنقل هذا المشروع إلى مرحلة أقوى وأمتن وأنضج من مرحلة النهضة الأولى وما تلاها. إن النهضة الثانية مشروع عملي واقعي ينبغي أن يخرج من داخل تجليات الدولة العربية الحديثة،وهذا يعني أن الاستنهاض ينبغي أن ينبثق من داخل الدولة عبر رؤية إصلاحية تغييرية معتدلة. النهضة الثانية مشروع يستمد أهميته وشرعيته من اشتراك الناس-ولا يستمد أهميته من كونه مشروع صالونات أو مشروع نخبة،كما أن النهضة الثانية تتطلب إعادة النظر في صيغة العلاقة مع الدول العربية الحديثة على اعتبار أنها تمثل الحد الأدنى من المشروع وليس النقيض للمشروع وبعكس ذلك فما على مثقفي ومناضلي الفنادق العرب إلا أن يتابعوا اصطفافهم أمام أبواب السفارات الأجنبية كي تمنحهم جنسياتها أو أن يتابعوا إغراق مكاتب المؤسسات الأجنبية بفاكساتهم كي تمنحهم صكوكا بأنهم شهداء للرأي العام،فكثير من المثقفين العرب يعدون الحوار مع دولهم فضيحة-الرأي خاص بالأستاذ الدكتور غسان عبد الخالق- أما العيش على نفقة السفارات والمؤسسات الأجنبية فهو إكليل غار!!! باختصار...لقد أجهض المشروع الأول لأنه قام على هامش الدولة وبعيدا عن الشارع وهما المقومان الأساسيان(الدولة...الناس) ليكتب أي مشروع شهادة ميلاد حقيقية. إن-والتعقيب للباحث-النهضة في هذا العصر تختلف عن ما سبقها في بداية هذا القرن تقريبا،حيث أن النهضة تعاني من إشكاليات تحد من وجودها-ربما- وهذه الإشكاليات تخضع لفهم مختلف من كل ناحية فمثلا العولمة هناك من يؤيدها وهناك من يعارضها،وهناك من يدعوها بالأمركة وهناك من يلبسها الرداء الاقتصادي.... إن أهم ما يمر به العالم العربي كمقدمات أساسية لأي خطاب نهضة هو إشكالية الهوية،وهو قاسم مشترك بين النهضة العربية الأولى والثانية،وإن كان الطرح يختلف في ذلك العصر عن هذا العصر،حيث أن الخطاب التحديثي-لازال التعقيب للباحث- في تلك الفترة كان لازال في بدايات نشأته،أما اليوم فيتداخل سؤال الخصوصية مع ما يدعى بالعولمة،كما أن هناك آلية الحوار مع الآخر الذي يفرض الهيمنة والذي يقوم خطاب النهضة من أجل التحرر منه يشكل نقطة هامة في بداية أي حوار،لنتعرف على هذه الإشكاليات مرتبة.(انتهى التعقيب) الإشكالية الأولى:السؤال عن الهوية في عصر النهضة الثانية؟ ثنائية الهوية (. الحداثة . التراث) الهوية:هي ما يحدد الذات ويميزها إن الحداثة هي من ناحية بنيوية مجموعة العناصر والعلاقات التي يتألف منها الكيان الحضاري المدعو حديثا.أما الحداثة من حيث هي وعي فتشكل نموذجا ونمطا فكريا تجد فيها أوروبا الحديثة هويتها وذلك بالتمييز بينها وبين ما هو غير أوروبي أي غير حديث.أما النزعة الحداثية من حيث هي وعي الحداثة فتمثل رؤية خاصة تنطوي على تغيير للذات والعالم. لقد مثلت المواجهة مع الغرب في العصر الحديث،الرد على التحدي الخارجي الأكبر،فمع الأخذ من الثقافة الغربية طوعا،ومع فرضها أحيانا،كانت هناك عادة خوف على الهوية. كان الغرب يرى أنة ثقافته وحضارته تمثل نهاية التطور وأن الحضارة البشرية انتهت إليها،وما عداها ركود وتخلف. إننا الآن أمام ظاهرة العولمة وتفرد دولة بالهيمنة السياسية،والعولمة تعني هيمنة اقتصادية وسياسية واتجاها للهيمنة الثقافية،وتمثل مرحلة أبعد من النظرة الأوروبية السابقة التي ترى أن التاريخ ينتهي عند التاريخ الأوروبي وأن الحضارة الأوروبية هي قمة تطور البشرية،فهي الآن تقترن بالقطب الواحد. وقد بات من الصعب التمييز بين الحد الذي ينتهي عنده النفوذ الأمريكي والحد الذي تبدأ منه العولمة،سواء كانت العولمة مجرد شكل من أشكال الأمركة العالمية أم ظاهرة مستقلة فعلا،بل الرأي يتجه إلى أنها الهيمنة الأمريكية. لقد توقف الخطاب العربي أمام سؤال الهوية بصفته سؤالا رئيسيا يفرضه التساؤل عن الذات وبعثها كجزء من بعث الأمة،وهو سؤال يتمثل فيه حضور الآخر الغربي بما يترتب على هذا الحضور من مساس قوي بالهوية العربية حيث أن هذا المفهوم في فكر ما بعد الحداثة مهدد بالزوال،ذلك أن الحداثة اعتمدت في تعريفها للهوية على مفهوم التاريخ كأساس معرفي،بوصفه يكرس العناصر الثابتة المتراكمة عبر العصور والتي تشكل درعا للحقيقة،حقيقة الأنا والآخر في عبورهما التاريخي للمتغير،وحيث يقتسم الأنا والآخر قدرا متساويا من مشاعر الخوف من بعضهما البعض بعد أن تمتع الآخر الغربي طوال حقبة المد الاستعماري بامتياز تقويض الآخر بدائيا كان أم شرقيا أم جنوبيا. لقد تعرض مفهوم الهوية ذاته إلى تشكيكات معرفية وفلسفية، جعلته مفهوما يمكن استبعاده بوصفه ليس بالمبدأ الفطري،ولأنه ينبثق من نزوع طبيعي في العقل إلى أن يكتسب ثباتا واستمرارية يعني توحيدا أدمج به ما هو متعدد وسمي بمبدأ الهوية أو مبدأ الذاتية،فالذاتية أو الهوية هي ثبات الشيء على حال واحدة،خلال تغير مفروض في لحظات الزمن،وهي في الفكر العربي مشكلة تتصل بهوية المعنى. لنتحدث عن المشكلة بشكل أوضح،ما هو الحاجز بين العصرنة والاصالة؟ (العصرنة والأصالة)هذه الصيغة التي ترددها بلا انقطاع الخطابات العربية يمكن أن تكون فخا قادرا على إحباط كل سؤال جاد حول رهانات الثقافة المعاصرة. وهي صيغة ظهرت مع بروز النهضة العربية وكانت ظروف الالتقاء (وليس اكتشاف) مع العصرنة الأوروبية الغربية هي التي وضعت(العصرنة الأصالة) الآن وربما مستقبلا أيضا في قلب الحوارات الجارية. ففي الثقافة العربية المعاصرة كثيرا ما يتم تداول مصطلحين اثنين لا يخلوان من دلالات عميقة:الحداثة و الأصالة.فاللفظ الأول ينطوي في مدلوله الجوهري على جديد أو حديث.أما اللفظ الثاني وهو الأكثر دلالة فهو يعني بحكم جذره(أصل) الشيء الذي يحمل علاقة مع الأصل وبهذا المعنى مع ما هو(حقيقي) وبالتالي فأن التعارض ما بين العصرنة وما بين الأصالة كثيرا ما يطرح ليس فقط بمصطلحات مختلفة ولكن في الحقيقة بمعان محرفة وكأن الأصالة (بمعنى الحقيقي الواقعي الأصيل) تمتزج امتزاجا وثيقا بالأصول وكأن العصرنة تنطوي بالضرورة على معنى القطيعة مع هذه الصلة(اللاواقعية). في هذا السياق اللغوي يمكننا الانتقال بسهولة مما هو (معاصر) إلى ما هو غريب عن الثقافة العربية الإسلامية،إنه الانزلاق الذي تترجمه متشابهات متعارضات أخرى كثيرا ما تستعمل في الحوار حول الثقافة والفكر المعاصرين مثل الفرق ما بين هو (موروث) وبين ما هو (حادث) وإذا قرأنا ما بين السطور فسنلاحظ بسهولة الخوف من أن تختفي (الخصوصية){المعارضة في هذا السياق للشمولية أو العالمية} في هذه الثقافة وفي هذه الحضارة بفعل تدخل قيم وتصورات جديدة. ونجد في الإسلام السياسي الذي أستحوذ على هذا الخوف لكي يفرض في أيامنا هذه شعار(الغزو الثقافي) في الخطاب السياسي الموجه للرأي العام خير نموذج لأقوى أشكال هذا التخوف. بالإضافة إلى مختلف المحاولات الرامية إلى تجاوز التناقض الذي تطرحه مثل هذه المصطلحات فإن هناك بعض المفاهيم ليست غامضة وحسب بل أنها (مؤرخانية)(أي أنها تتطور مع تطور التاريخ) بمعنى أن التصورات بوضعها تحت هذه الكلمات فأنها لا تتطور وحسب بل أنها تصبح معدومة أي بلا معنى لأن الأصالة ليست أكثر دلالة من الحداثة ولا أكثر دلالة من المفاهيم المتضادة في هذه المتشابهات المتعارضة والتي لا هي مفاهيم ثقافية أو فكرية بحصر المعنى بل مفاهيم سياسية وأخلاقية أيضا. بمعنى أن الأمر يتعلق أيضا برؤى عن العالم تضع مثلا الأصالة والإسلام في خانة واحدة وتضع الحداثة والغوربة في خانة أخرى مختلفة بحيث تعبر عن هذه المفاهيم من خلال عدم تكيفها عن مخاوف حقيقية وعن تساؤل حقيقي عن الهوية.
محاولات توفيقية: هناك محاولات عديدة سعت إلى حل إشكالية هذا التناقض (الكبير) الذي خلفته هذه المصطلحات التي استعملت لطرح هذا التناقض خصوصا باقتراح قراءات توفيقية لما كان مطروحا في البداية كورطة ومأزق...... ومن بين المشاريع التي تفضل القطب التقليدي نجد في المقدمة الفكر الذي يدعى بالفكر السلفي الذي يقبل باستعمال قدر من المنطق العقلي والإصلاح لكن ضمن رؤية دينية مطابقة للنظام الموروث. أما الموقف المعاكس لهذا الفكر فهو الموقف الذي يلح على ضرورة الحداثة التي تحترم الموروث وللشخصية العربية و/أو للشخصية الإسلامية وفقا لصيغ متنوعة ومنتشرة على السواء. ولاشك أن معضلة الأصالة والحداثة تمثل إشكالية أساسية في فهم الثقافة السياسية العربية المعاصرة،ويتجسد هذا الزوج التصوري المؤسس بداية في تعارض قائم ما بين محافظين وتقدميين وهو التعارض الذي يتضاعف بتعارض آخر ما بين أنصار التمثيل السياسي الديني(الإسلام السياسي) وما بين العلمانيين والقوميين،ومن البديهي أن اللعبة السياسية أنتجت أشكالا عديدة من الجمعيات التي أفرغت مفاهيم غامضة في الأصل من كل محتوياتها. حينما نتحدث عن عراقة الثقافة،يجب أن نميز بين مفهوم العراقة الذي يشير إلى التقدم والغنى في تلك المراحل القديمة،وبين سحب مفهوم العراقة ليحل محل مفهوم الحداثة،نريد أن نقول أن لدينا ثقافة عربية عريقة،كما لدى الصينيين،كما لدى الهنود،كما لدى اليابانيين،ولكن العبرة ليست في هذه الصفة التي تعطي لهذه الثقافة،فهي صفة لحالة(ماضوية) نتشارك فيها مع آخرين،لكن عراقة الثقافة من منظور حياتي وحضاري معاصر،لا تكتسب أهمية تذكر إلا إذا كانت الحالة الراهنة تمثل صعودا في خط منحنى العراقة،لتؤدي إلى التميز والسبق بين الأمم،بمعنى أن عراقة الشيء إن لم تساعد أو أن تكون عاملا محركا ودافعا قويا للتميز المعاصر،فلا تصبح لتلك العراقة أهمية إلا بحدود الدراسات التاريخية،والتحقيق التاريخي كما نتحدث عن الحضارة الإغريقية والفرعونية،أما موضوع الاستبداد السياسي،فهو أحد القضايا المتأصلة في التاريخ العربي،والتي شارك في تأصيلها وفي(ثيقفتها) العديد من المفكرين والمثقفين الذين كانت تقربهم السلطة وتغدق عليهم من أعطياتها،واستخدموا مهاراتهم الكلامية لتبرير ذلك الاستبداد،وصرف نظر الناس عن دور الاستبداد في تقدم الأمم. والخلاصة،كان من أثر الاحتكاك والمواجهة مع الغرب،الازدواجية الثقافية التي تعود ابتداء إلى حركة التحديث في الدولة العثمانية وفي مصر في القرن التاسع عشر وإدخال التعليم الحديث والاعتناء به،وترك التعليم الموروث لحاله،فتكون خطان من التعليم لا اتصال بينهما ،وهي ازدواجية لا نزال نواجهها،بين من ينحاز إلى التراث وبين من ينحاز إلى التحديث والأخذ من الغرب.وبين الفئتين من يرى الجمع بين التراث والحداثة دون تبين سبيل واضح لذلك،وقد بدت محاور محدودة لتبين هذا السبيل،ولكننا لا نزال بحاجة إلى تبين واضح. وللأسف-التعقيب للباحث-أن نجد أيضا من يقول بفشل الموقف التوفيقي بين الخطابين،على أن هذا الموقف لا يشكل أكثر من منعطف طريق وليس كما يراه البعض(موقفا وسطا)....يقول فادي إسماعيل: أما الموقف التوفيقي فكان موقفا مرحليا انتقائيا وانتقاليا على طريق التغرب والتبعية الشاملة وبذلك تنتفي أصالته كنموذج مستقل للتقدم،بل ما هو إلا تناول أو مساومة على أصل،ومرحلة انتقالية أو طعم منصوب أو وهم وسراب على منعطف الطريق بين النموذجين لا يسمن ولا يغني من جوع. كان التوفيق تكيفا وتصالحا مع الغلبة وهو كان موقعا متقدما للأنموذج الحضاري الآخر(سواء كان التوفيقيون واعين لهذا أم لا) لذلك كان التوفيق حركة شكلية وقالبا فارغا،أما المضمون أو القلب فكان يملؤه القادرون على التحكم بحركة الواقع. وأعتقد-إذا سلمنا بصحة ما تقدم-أن الحل يكون بمحاولة التوفيق مرة أخرى،لنجد موقفا يتوسط بين الإثنان إذا لم نستطع أن نتخذ موقفا موحدا.
الإشكالية الثانية-العولمة:خطاب تحديثي أم أداة للهيمنة؟ أننا الآن أمام ظاهرة(العولمة) وتفرد دولة بالهيمنة السياسية،والعولمة تعني هيمنة اقتصادية وسياسية واتجاها للهيمنة الثقافية،وتمثل مرحلة أبعد من النظرة الأوروبية التي ترى أن التاريخ ينتهي عند التاريخ الأوروبي وأن الحضارة الأوروبية هي قمة تطور البشرية،فهي الآن تقترن بالقطب الواحد. والسؤال الآن،ما الذي تحمله العولمة؟ تحمل بالدرجة الأولى القدرة التكنولوجية الهائلة،التي تتمتع بها الدول المتقدمة،وكذلك قوة العلم منجزاته من أنظمة اتصالات ونقل المعلومات،والإنتاج عالي الكفاءة،والاقتصاد الهائل،إضافة إلى الثقافات والمعارف. غير أن الإشكال السياسي يتجلى في أن الدول المتقدمة تكنولوجيا هي التي كانت ضمن المعسكر الغربي، وكانت بحكم طموحاتها تستهدف وتستعدي الكثير من الدول النامية، و طامحة إلى استمرار تلك الدول النامية لن تكون أسواقا لها في السلع والخدمات والتكنولوجيا، وحينما تكون دولة أو إقليم سوقا لأخرى في العلم والتكنولوجيا والمال،تصبح سوقا لها في السياسة والنفوذ،الإشكال التاريخي أن الدول النامية ومنها الدول العربية كانت تتجاهل ذلك التراكم العلمي والاقتصادي الذي يحدث في أقطار كثيرة،وتستعيض عن ذلك بإسقاطات ثقافية وأيديولوجية تبرر سيادة الحل كما هو،وتلقي بالنعوت والصفات السيئة على الأطراف الأخرى. هذا التجاهل-ولازال الحديث على لسان الدكتور بدران-كان يتدثر بدثار الاستقطاب الدولي،والأيديولجي،وحين سقطت الأيديولوجيا انكشف الغطاء فانكشفت الدول النامية،وهي تواجه الآن ما كانت تتجاهله بالأمس،ومطالبة الآن بالخضوع لقوة التفوق الذي كانت تلتف حوله وتتحايل عليه في الماضي،ومن هنا أصبحت العولمة بالنسبة لها كارثة،ليس لأنها كلها كارثية،ولكنها تواجه تيار العولمة في حال من الضعف والهزال الذي لا يقوى على العواصف الباردة والساخنة التي تحملها العولمة،بالمقابل إذا نظرنا إلى دول أخرى كانت في الخمسينات والستينات في مستوى الدول العربية(كوريا، ماليزيا، سنغافورة) فإن هذه الدول وخلال أربعة عقود حققت النهوض الاقتصادي والتكنولوجي،من خلال فصوله الرئيسية،فارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي إلى عشرة أضعاف ما كان عليه،وخمسة أضعاف عن ما هو في الأقطار العربية،إن مثل هذه الدول لا ترى في العولمة ما نراه نحن. ويصل الدكتور بدران إلى نتيجة تقليدية عند كل من يبحث في موضوع العولمة من قريب أو من بعيد: والمستفيد الأول من العولمة هو الأقوى،وهذا كان على مدى التاريخ،خذ مثلا الإمبراطورية الرومانية،الدولة الإسلامية،لم يكن هناك تقسيم للثروات بمفهوم طوباوي أو أخلاقي لسبب واضح:أن الثروات تصنعها الأمم،ولا تهبها إليها الظروف من السماء،وقوانين الطبيعة تشير إلى أن من كان هو الأقوى،فإن الأمور تتحرك لصالحه،وبالتالي ليس المطلوب هو التبشير بالنهوض بمستوى القوة والإبداع والإنتاج والقانون والمؤسسية،لكي تكون قادرا على التعامل مع التيارات الحديثة.
هذا يقودنا إلى تساؤل طرحه ماجد السامرائي: إذا كان هذا هو المثال أو(النموذج) فعلى أي نحو تتحدد(القواعد)(والقيم والمعايير) التي يرتكز إليها وينهض بها/ومن خلالها/وعليها نظام العولمة؟ إن نظرية (ما بعد الحداثة) هي في أساسيات هذا المفهوم الجديد بكل ما تحمل من رؤية عن العالم، ورؤية إلى العالم،فهذا(ال ما بعد...)يمثل رؤية مغايرة للعالم تختلف عن كل ما سبقها،وقطيعة مع النمط،أو النموذج الحداثي،بوصفه حالة متجاوزة،بكل ما شكل في نطاق اطروحاته القائمة على: العلمانية في الفكر والتفكير والتوجهات،والاعتماد المطلق على العقل في التأسيس لكل أطروحة جديدة،ودفع العقل الإنساني باتجاه النمو الخطي للتقدم.(فمصطلح ما بعد الحداثة) يتعين،مفهوما,في:الابتعاد عن الاتساق الفكرية الكلية،وفي رفض فكرة التقدم الموضوع ضمن أنساق محددة يسيطر عليه وتوجهه، إذ ترفض(ما بعد الحداثة) نظريا ومصطلحا، مثل هذا الاتساق. وهي،في هذا، إنما ترفض الماضي،وبالدرجة عينها ترفض كل فكرة تحاول أن تبلور رؤية مستقلة عن المستقبل. فهي تتضمن الشك في كل ما تعتبره(معتقدات تقليدية) كما ترفض رؤية العالم باعتباره(كلية عامة) وإن (خطاب ما بعد الحداثة) خطاب لا يدعوا إلى تثبيت(سلطة العقل)، ولا إلى البحث عن(القيم الخالدة)....بل هو خطاب أساسه ومحتواه:(التهكم،والتوجه الفردي). ويتابع ماجد السامرائي في مكان آخر: فإذا ما قلنا ها هنا:أن العولمة تمثل أو ترمز إلى عصر من عصور التطور،فهو عصر التطور الأفقي(أو الإنتشاري) الذي يمضي مسارا،مستنفذا جميع امكاناته،فمهما تكن قوة استمراريته لن يستطيع إحداث تطورات عميقة في الوعي الإنساني،ولن يمتلك القدرة على تغذية تصوراتنا عن أنفسنا،فالعولمة،فيما تتخذ من صور تريد التحقق بها/أو من خلالها،تلغي حركة الروح في الوجود الإنساني، مستبدلة إياها بما يعد،بصيغة من الصيغ(تاريخية جديدة).تقول العولمة بتمثيلها-وهي تاريخية تعتمد توحيد العالم مفهوميا،أولا،بالأخذ بفكرة(نهاية التاريخ) فكرة ومآلا... إن العولمة بهذه الأبعاد التي تتشكل فيها مفهوما،تطرح أسئلة مهمة....علينا نحن،وليس جيل من الأجيال القادمة تقع مسؤولية الإجابة عنه،وإن تكن أسئلة معنية بالمستقبل وما هو في حكمه: فمن نحن:ثقافة، وتاريخا،وحضارة،وتراثا ننزله منزلة (الذات) وجودا وتكوينا؟ وما هي هويتنا التي ينبغي أن نحدد مكوناتها,ونجسد ملامحها،لكي لا تكون في الحاضر شيئا،وفي المستقبل شيئا آخر مغايرا؟ وما طبيعة مجتمعنا،حياة،وتكوينا،ومسارات وتوجهات؟وعلى أي نحو ينبغي أن نجدده بناء لنضمن فعاليته في المستقبل؟ الكثيرون في العالم-غيرنا نحن العرب-ينظرون إلى العولمة كونها قوة غاشمة عمياء...ولذلك فهم يعادونها،ويعدونها شرا لا يأتيهم بغير الوبال...وإنها لا تحمل للإنسانية,فيما تحمله،سوى ثمار ثقافية فاسدة...لذلك يقول هؤلاء.نحن غير مضطرين،ويجب أن لا نرضخ،لقبول مثل هذه (الثمار)..فهي-أي العولمة-تحمل روح عبادة القوة،وتعمل على إضفاء مسحة رومانسية على عمليات القتل الجماعي التي تقوم بها الإمبريالية للشعوب،وهي تخدر الضمير الإنساني عن طريق حقنه بالأوهام،منتهية به إلى التفكير بما تصوره له على أنه تخليص له من قيوده،وهو ما يؤول به إلى العدمية،الوطنية والقومية والإنسانية...ومن بعدها إلى العدم. ولكن ينبغي القول هنا:أن (العولمة) قوة مفكرة.بمعنى من معاني التفكير،وهي ،بقوتها هذه،تعمل على إيجاد زمانها الذي تحقق فيه فعلها وتأثيرها،لذلك فهي تحاول إلغاء الأزمنة الأخرى من ذاكرة البشرية..وأول هذه الأزمنة ما يمثله التاريخ والتراث القومي الخاص بكل أمة،والذي هو عماد هويتها،بما لهذه الهوية من خصائص تفردها:فكرا وحضارة وتاريخا. فإذا كنا لا نستطيع(ولا ينبغي) أن ننعزل عن هذه الفكرة الكونية الجديدة،التي ندعوها بالعولمة-لا اقتصاديا ولا ثقافيا،فإن ما ينبغي أن يكون لنا من (دور فاعل) في هذا المجال هو المهم،فإذا كان الانعزال يعني القطيعة مع/والانقطاع عن ما يجري في العالم من حولنا،فأننا في حالة الانضمام ينبغي أن نتجاوز شروط التبعية التي اعتدنا أن نجد الآخر-الغربي-يفرضها على بقية العالم...وذلك بالتحرر من التبعية-وإلغاء شروطها،وليس بالقفز عليها...وأول ما ينبغي القيام به،في هذا المجال،هو:ربط الفكرة المشروع في كونيته هذه بالشروط التاريخية لمجتمعنا العربي،وبذلك تقرب عناصر الإيجاب فيه من بعضها ،ونسهم في إبعاد(عوامل السلب) عن الحقول التي يمكن أن تؤثر فيها.وفي مثل هذا الطرح ينبغي الابتعاد عن الصيغ النظرية الساكنة فهي غالبا ما تشكل نقطة ضعف أساسية في أي مشروع:فكري وثقافي فضلا عن كونها موطن الاختراق الأول له. وإذا كان لزاما في مثل هذا الطرح تحديد(المرجع)وتعيين مستواه...فإن المرجع المركزي هنا هو:كل التراث الإنساني المناهض للتخلف،والتبعية،والإمبريالية:في جميع ما يتخذ من سياقات الفكر والتعبير...ومن وجهة نظر قومية...إنسانية الطابع والمحتوى والتوجه،قائمة على ما لثقافة الأمة من أساس تاريخي ينبغي أن يظل في مستوى الحياة واقعا وتطورا...ناهضا بحيوية الاستجابة. فنحن لا نريد الانكفاء على ما لنا من تراث،فنحول هذا التراث إلى (رواسب متحجرة)لماض امتصت ماضويته منه كل دافع حيوي فيه....ولا نريد أيضا أن نغدو دمى مقلدة للحضارة الغربية.التي يريدون لنا الاندماج بها من خلال أخطر منافذها:العولمة. إن مفهوم العالمية كمحرك ودافع نحو العالم باتجاه العالم حين تضع الذات في مستوى العالم،وتضطرها إلى أن تحدد نفسها قياسا بالآخر،وعبره، لا على الصعيد اليومي العملي وحده،وإنما كذلك على صعيد الإبداعية والمخيلة فلا ترهب العالمية إلا الذات التي نفذت طاقاتها الخلاقة،فلا يمكن أن يكون هناك اكتفاء للذات بذاتها،وانكفاء عليها ومنها،اجترارا واعتدادا بأنها كافية نفسها ولا تحتاج إلى ما هو خارجها.
الإشكالية الثالثة:(أزمة المرجعيات والمفاهيم) تفسير الصحوة الإسلامية على أساس أصل معرفي غربي،أو على أساس نخبوية دينية؟ سجل الإسلام حضورا متجددا في ميدان العلاقات الاجتماعية والسياسية في البلاد العربية المعاصرة كفاعل كبير في صوغ مشهدها العام وفي توليد ديناميات جديدة فيها،ولم تعد السياسة تملك أن تعبر عن نفسها في العقود الثلاثة الأخيرة بمعزل عن الدين؛تماهيا كليا أو توظيفا جزئيا.ليس فقط بالنسبة إلى الذين أتقنوا دائما الصلة بينهما كالإسلاميين ،بل حتى بالنسبة إلى الذين جربوا باستمرار فك تلك الصلة دفاعا منهم عن دهريتهم السياسية. لقد كرست تجربة الدول العربية الحديثة في فترة الاحتلال ثم الاستقلال عملية إزاحة صريحة للدين من المجال السياسي،وكرست أيضا حكم نخبة حديثة غريبة الولاء الثقافي، وأحرزت الحداثة الاجتماعية والسياسية والثقافية نجاحات هائلة في المجتمع العربي المعاصر،وهي نجاحات مست نظام القيم،ومنظومة الأفكار،وترشح تيار كوني جارف يعظم المادة على حساب الروح،وفجأة انهزمت الحداثة أمام التقليد في الدولة والمجتمع. ولكن موجة الحداثة والعلمانية لم تستطع-وإن طغت حجب وقائع وحقائق راسخة في التكوين الثقافي للمجتمع العربي تحتل الفكرة الدينية فيه موقعا مميزا في منظومة لم تغيرها موجة التحديث. المفارقة تكمن هنا،أن الغربيين هم الذين ابتدعوا مفهوم العالم الإسلامي أيام الاستعمار،أي أساسا في النصف الأول من القرن العشرين،فيما أن هذا المجال الواسع كان ممزقا بين أيدي المستعمرين الأوروبيين من إنجليز وفرنسيين وهولنديين وروس،وهذا المفهوم يمتد من اندونيسيا إلى المغرب،ومن أوزباكستان إلى أفريقيا،لماذا برزت مثل هذه التسمية؟ لأن المسلمين مازالوا يقدمون خطابيا عبارة(الأمة الإسلامية) ولأن الدين الإسلامي كان يهيمن بقوة على هذه المجتمعات فيمثل هويتها العميقة الثابتة-لكن الأوروبيين ورثوا مفهوم(المسلمين) عن القرون الوسطى بعد صرا عات طويلة وهم لم يشاءوا أن يعوا الفوارق الثقافية والعرقية والقومية لدى هذه الشعوب المتعددة،وكأن الأمور تجري على نفس المثال في اندونيسيا والهند وإيران والعراق ومصر والمغرب والسنغال....وهكذا وفي هذا النعت وجاهة من الناحية النظرية في تلك الفترة،سوى أن الأوروبيين هم الذين قاموا بتدمير الدول المحلية وبإضعاف العلاقات التجارية الإنسانية بتحويل الدول والمجال الإسلامي والأمة الإسلامية كمفهوم روحي بالتالي إلى عالم جغرافي مفكك. إن التوقف عند دراسة ظاهرة(الصحوة الإسلامية) يستدعي التملي فيها عبر مكنونات تطلع المسلمين للنهل من الحداثة كوسيلة للتقدم،إزاء الرفض لمعالم التشويه الثقافي الذي تفرضه معالم التغريب،وهكذا يكون الإسلام مصدرا حضاريا،يكون من خلاله تأسيس الوعي بالحيوية وقوة الحضور.وإذا ما كانت تمظهرات(الصحوة الإسلامية) قد تجلت في بعض الحركات الأصولية والمتطرفة، فإن الواقع يشير إلى أن هذه الظواهر،لا تعبر عن الحالة بأجمعها.بل أن الأمر يتخذ طابعه المعرفي والفكري حين يكون التطلع نحو تقديم صورة الإسلام الأصيل في مكوناته القدسية والثقافية والاجتماعية والسياسية. ويتابع الدكتور نوري في مكان آخر من نفس المقال: لا يتوقف الإسلام عن كونه مجرد دين قوامه الفرائض والشعائر،وتركيز الملامح القدسية،بل أنه إضافة إلى كل هذا يمثل ثقافة وحضارة فاعلة حيوية شديدة الإشعاع والتفاعل.وبقدر ما تماثلت مفاصل القوة والنمو في هذا الدين الجديد،الذي مثل تحديا لمكنونات الإمبراطورية الرومانية في قعر دارها،فإن أحداثا تاريخية بعينها،أرست ملامح أخرى من ملامح التفكير في الإسلام.فعلى الرغم من قوة المواجهة العسكرية التي تجسدت في الحروب الصليبية،إلا أن ملامح الفعل التواصلي شكل حضورا في تنامي المعنى بين الدارين(درا الإسلام ودار الحرب) وباعتبار التركيز في مضامين القوة الحربية والمعرفية والثقافية التي يحملها الإسلام،كانت البواكير في التطلع نحو قراءة مختلفة له،عبر تفاعلات التوجهات العقلية التي طبعت رجال الفكر والفلسفة الغربيين،وتطلعات المجامع الكنسية،التي انشغلت بوضع استراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع الإسلام بوصفه أفقا حضاريا وثقافيا شديد الدلالة والحضور. أما النقطة المهمة-التعقيب للباحث-وهي التي أردت الوصول إليها،هي كما يقول الدكتور نوري الربيعي: الغراس المعرفي الغربي،لم يتوقف عند حالة التفوق التقاني الذي جاءت به دبلوماسية الذي جاءت به دبلوماسية الأساطيل المسلمة،بل أن الأساطيل كانت كانت في خطاب المقاومة العربية الإسلامية فبدلا من أن تكون المرجعيات الفكرية مستمدة من العقيدة الإسلامية،صار التطلع الأكثر حسما متوجها للنهل من مكونات الخطاب الغربي. وهكذا احتشد الخطاب النهضوي العربي الإسلامي بمفاهيم،القومية، التقدم، العلمانية،التحديث. فيما اختفى مفهوم الجهاد وانزوى بعيدا عن دائرة المواجهة. في أعقاب الحرب العالمية الثانية،شهد الوطن العربي نموا متصاعدا لظهور العديد من الحركات الفكرية والأيديولوجية ذات الأصول المعرفية الغربية،والتي وجدت صداها النخبة المثقفة والمتعلمة. ولعل حالات الانتشار والتمدد لها في المجال العربي,أتاح لها فرص توجيه الاتهامات وتسفيه الرؤى لدى أصحاب الاتجاهات الفكرية الأخرى على الرغم من تداول مقولات من أمثال:(الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية)،والواقع أن الإفصاح عن هذا التطلع لم يتوقف عند حدود التسفيه والتشهير،بل بلغ مداه وتصاعده في الصدام المباشر، ولاسيما في موجة الانقلابات العسكرية التي ظهرت في الوطن العربي، وراح كل طرف يؤسس لتوطين أيديولوجيته، حتى غدت الاشتراكية حكرا على الشيوعية،والقومية مرتعا لحركة القوميين العرب. وهكذا راحت كل حركة وحزب يستلّ لنفسه مفصلا محددا يبشر به ويدعو له. هذا من ناحية،أما ناحية أخرى فإن فهما حصريا للمشروع المواجه للاستعمار من خلال تصور وحداني للسلطة والحقيقة،وطبيعة المواجهة وأبعادها،توصل إلى ممارسة أنماط من العنف لا تقرها مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام ولا مبادئ الفطرة الإنسانية.وعلى الرغم من أن مراجع إسلامية نبهت إلى محاذير هذه الممارسات، وبعضها حرم اللجوء إليها،فإن أصواتا تلجأ إلى تبريرها إسلاميا،وتستسيغ التعبير الذي رفعه الإعلام الإمبريالي بصيغة (الإرهاب الأصولي) وتحاول أن تجد لهذا الإرهاب (مرتكزات شرعية) إسلامية من خلال القول أن هذا الإرهاب(اختار لموضوعه إنسانا دوليا وبالتحديد إنسانا ينتمي إلى بيئة إستكبارية). أما فيما يتعلق بمسائل الثقافة والعلوم والمؤسسات،فإن التجربة والخطاب الإسلاميين المرتبطين بزمن(الصحوة الإسلامية) الجديدة،لا يحملان-إذا استثنينا بعض كتابات ما قبل الصحوة أو الكتابات الممهدة لها-جديدا في مواجهة التحديات الحضارية المعاصرة التي يواجهها العمل الإسلامي فكرا وممارسة. فثمة تبسيطية في رفض الحضارة الغربية نلاحظها في الخطاب التعبوي الإسلامي المباشر(المقالة والخطاب التحريضي)ونلاحظ نتائج هذه التبسيطية في تعبئة الأجيال الجديدة في شيوع حالة من حالات التجهيل والرفض العدمي،التي تخلط ما بين الموقف المعياري من فلسفة ما أو ثقافة ما، وبين طرائق منهجية وأصول ومدارس ونظريات لا غنى للفكر الإسلامي،إن أراد أن يتنفس،عن دراستها واستيعابها(لاسيما في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية) وبعد ذلك نقدها وتجاوزها. كما نلاحظ استسهالا عند بعض الكتاب الإسلاميين الجدد في نقد بعض المدارس الفكرية الغربية،حيث تستعار إنجازات النقد الغربي لابستيمولوجية المعرفة في المدارس الفكرية الغربية وتنسب إلى الفكر الإسلامي والعلم الإسلامي والمنهج الإسلامي،فنقرأ مثلا مقولات متسرعة،كمقولة:علم نفس إسلامي،وعلم اقتصاد إسلامي،وعلم اجتماع إسلامي،فضلا عن الادعاءات التي تنسب لنفسها دورا في هز أركان الفكر الغربي. ويتابع وجيه كوثراني في مكان آخر: إذا كانت المواجهة الحضارية تشكو في هذا المجال النظري من نقص وتقصير، بسبب وجهة التعبئة ذات الطابع التحريضي الذي تلجأ إليه القيادات من أجل استثمار الطاقات الشابة وتوجيهها في العمليات الجهادية والنضالية(الأمر الذي قد ينعكس سلبا على مستوى التعبئة الحضارية والاستراتيجية والعلمية والإنمائية)، فإن ظاهرة يلاحظها المهتمون بتوجهات الحركة الإسلامية قد تبدو أخطر وأدهى،هي ظاهرة استثمار بعض المشروعات الاقتصادية(الإسلامية) للرصيد الديني والوطني العام،بطرق وأساليب لا تحقق النفع العام للجماعة الوطنية، ولا تلتزم شرعية الموقف الحلال الذي كان سببا في استجلاب ودائع المؤمنين. يتساءل طارق البشري في مقالته-الحديث للأستاذ وجيه- التي لاحظت بصدق هذه الظاهرة، ومن موقع الحرص والمحبة،فيكتب(إن التعامل بغير الربا واجب،ولكن ذلك هو أول الحلال.فلا يتم حلال التوظيف إلا بالنظر إلى وجوه استثمار الودائع المجمعة،وهل توظف فيما تخدم الجماعة السياسية الوطنية أم لا.وهل توظف فيما يحقق نهوض الجماعة واستقلالها أم لا. وهل يمكن أن يكتمل لتوظيف المال حله إن قام بتجارة مشبوهة،أو أفضى إلى احتكار سلعة،مما يحتاج الناس،أو جعل همه المضاربة على أسعار السلع الضرورية أو أسعار أراضي البناء وهل يمكن أن يكتمل حله،إن دعم التعبئة الاقتصادية أو ارتبط بما نعرف أو لا عرف من مؤسسات القمع الدولي). ويصل وجيه إلى نتيجة حاسمة: لقد وقع مشروع الليبرالية الإصلاحية-الإسلامية في ديوان الرجعية الاجتماعية،وسقط مشروع العدالة الاجتماعية(الاشتراكية-القومية) في سجن البيروقراطية الاستبدادية، وأنزلق مشروع الاستقلال الثقافي والثورة إلى طبقية النخبوية الدينية التي ورثت أحادية الفقه السلطاني من بعض وجوه التاريخ الإسلامي واستعيدت دعوة(الحق الإلهي) في السلطة من تاريخ ما قبل الإسلام أو من تاريخ أوروبا القروسطية.
الإشكالية الرابعة:الحوار مع الآخر(المأزق والحلول) إن إمكانية التجدد الحضاري في الفكر وفي الواقع العربي،تتطلب اعترافا بالقيمة التاريخية الكبرى للإنجازات التي بنتها الحضارة الغربية في مختلف مجالات الحياة. وهذا الاعتراف يعد الخطوة الأساسية في باب التفكير النقدي في تجاوز هذا المشروع ودون ذلك يحصل الانكفاء وتنتعش اللغات المعادية للتاريخ،كما تنشأ المواقف المستندة إلى دوغمائيات مغلقة،وهي حال التصورات الرافضة اليوم للحضارة الغربية ولمشروعها التاريخي في المعرفة والتقنية،وفي تصورها للإنسان والمجتمع والقيم،سواء في بعض توجهات المشروع الأيديولوجي القومي،أم في مقدمات مشاريع تيارات الفكر السلفي المحافظ. لا مفر،إذا، من الإشارة إلى لزوم التمييز بين الموقف من المكاسب الحضارية الغربية،وبين المواقف السياسية التي ترتبط بالأوجه الأخرى لهذه الحضارة،خاصة وجهها الاستعماري بمختلف الصور التي اتخذ خلال التاريخ المعاصر.إن النزع الإمبريالي ونزعات الهيمنة والقهر الموجهة إلى إرادة القوة الأوروبية في إطار تطور المجتمع الصناعي،وتطور حاجاته وآليات عمله ابتداء من القرن التاسع عشر،قد ساهم في صياغة الأوجه المتعددة والمتناقضة للغرب، ولم يعد بإمكان المهتمين بتاريخ الفكر والسياسة والأخلاق في الغرب،أن يجدوا أي صعوبة في تبين ملامح وسمات التركيب المتناقض للمشروع الحضاري الغربي.صحيح أن أوروبا صنعت لنفسها من الأقنعة ما مكنها من ممارسة الأدوار المتناقضة،إلا أن مكر التاريخ كشف بكثير من القسوة مختلف أشكال العنف الظاهرة والخفية التي مارس بها الغرب ومازال يمارس أصناف طغيانه في كل القارات،ووسط كثير من شعوب المعمورة. ولا يعني استيعاب وتمثل الفكر العربي لمكاسب النماذج المعرفية الغربية وهي المظهر الأبرز المؤطر للحضارة المعاصرة إنا نقبل التبعية الثقافية،إنه يعني وقبل كل شيء وعي لزوم التواصل ثم الانخراط في عمليات المثاقفة،دون نسيان مطلب المواجهة والنقد،وذلك رغم صعوبات إنجاز المطلبين معا في الوقت نفسه. إن المثاقفة النقدية,وهي أمر حصل في كثير من مشاريع الفكر النهضوي العربي،كشفت محدودية النموذج الحضاري الغربي،ومنحته في الوقت نفسه فرصة بلوغ عتبة الكونية التي يبحث عنها،حيث أصبح انخراط الفكر العربي في إعادة تأسيس عناصر هذا المشروع مناسبة للمساهمة في بلورة مجموعة من النتائج التي أكدت جدارته ورجحانه التاريخيين. ولابد من الإشارة هنا أيضا إلى أن المثاقفة تعني أيضا نقد التمركز الثقافي الغربي، وهو من المنتجات السلبية للمشروع الحضاري الغربي،وقد حصل هذا النقد في الفكر الغربي نفسه،كما حصل في ثقافات محلية أخرى. لكن لا ينبغي أن يولد التمركز الثقافي الغربي انكفاء ذاتيا، أو مركزية حضارية معكوسة،فمواجهة التحديات لا تكون بالهروب إلى الوراء،أن إعلان حرب الهويات والحضارات والثقافات...صحيح أن التشبث بالحصون الذاتية،التي نفترض بصورة تاريخية أنها تشكل ثابتا من ثوابتنا المتغيرة في الزمان، يعد دعامة من دعامات المواجهة والمقاومة والنهوض إلا أن نقد المشروع الحضاري الغربي يكون أقوى وأعمق بقدر ما يكون نقدا داخليا،نقدا مستوعبا للآليات المعرفية والتاريخية الموضوعية التي ساهمت في تبلور هذا المشروع،ثم محاولة كشف منطقه،ومحدودية نتائج معارفه،ونسبية قوانينه،حيث تصبح الفرص مواتية لصوغ وإنشاء البدائل القادرة على تحويل الكونية الحضارية للمشروع والأفق،إلى فعل تاريخي يهم الغرب بقدر ما يهم غير الغربيين،وفي كل مكان. إن هذه الصورة القاتمة للعلاقة المقبلة بين الطرفين ليست عجيبة ومدهشة ,ومن هنا تبرز المسؤولية العالمية المشتركة،تلك الملقاة على جميع الأطراف في العالم في الشرق والغرب معا،لكن المسؤولية ربما تقع أكثر على العرب والمسلمين في تصحيح المسار ليس لأنهم الغاية والهدف بل لأنهم الطرف الأكثر قدرة على التكيف الثقافي والحضاري في ضوء ما تسمح به مرجعياتهم القيمية والدينية والثقافية بالمبادرة من جديد للحوار والمشاركة في صناعتهما وبلورة المواقف والمناسبات لهذا الشيء، على أن تصحيح المسار قد يتطلب تكيفا فكريا واجتهادا في تفكيك الرؤى والمواقف بشأن العلاقة مع الآخر ومع المختلف. وإذا كان عداء الغرب للإسلام يعود في جزء منه إلى اللبس الغربي القابع في بنية الذهنية الغربية ذاتها بشأن الإسلام والمسلمين،فإن هذا اللبس ذاته هو الذي يهيمن على الذهنية العربية بشأن الآخر الذي بتنا نتعامل معه عن كثب،وهو ذاته الذي أنتج النزوع نحو العنف والتزمت والتأويل الصارخ لفكرة التصادم مع الغرب،ولكن يبقى الأمر رهنا بمنطق السياسة العربية المهيمنة على أداء الوجود العربي والإسلامي المعاصر،مما يعني أن تصحيح المسار في العلاقة مع الغرب لا سبيل له إلا بعد تصحيح مسار العلاقة بين منطق السياسة العربية ومنطق الأصولية المتعولمة من جهة أخرى,أي اللجوء إلى الاستدراج المتبادل والمصالحة الجذرية بين الطرفين، وهو ما يعد مدخلا نسبيا في مفاعيله نحو استدراج العلاقة مع الغرب إلى حال من التقارب والتواؤم النسبي الذي بات يمثل الحد الأدنى من كل مشاريع حوار الثقافات أو الحضارات أو حتى الأديان عل العالم المعاصر يتجاوز الصدمة السلبية التي مني بها مطلع الألفية الجديدة. إن الحوار مع الآخر كما تقول ليلى شرف يرتكز ويبدأ من معرفة الذات: ليس الحوار مع الذات أمرا جديدا في تاريخنا،بل إنه يعود نحو الجذور البعيدة..... وفي العصر الحديث،ومع بزوغ فجر القرن الماضي عندما أخذنا نستفيق من عصور الانحطاط ونتلمس خطى مسيرة الوطن ومستقبله،ونشخص الأمراض التي تعيق هذه المسيرة،تجددت الدعوة إلى معالجة الذات،ومع تقلب الأحداث التي مررنا بها كان هنالك دائما نوع من الحوار مع الذات حول ما نريده لأمتنا،وكيف نتعامل مع تحديات التنمية والتقدم وكيف نلتحق بركب من سبقونا. هذا الحوار باعتقادي اتخذ في معظمه طابعا سياسيا أو لعله تنموي أيضا أكثر منه في العمق الحضاري والثقافي،بالرغم من الدعوات التي رافقت بدايات عصر النهضة لمعالجة الرواسب الحضارية والاقتباس من الغرب. وتتابع الأستاذة ليلى في مكان آخر من نفس الموضع: والحوار مع الذات ليس فقط من أجل الحوار مع الآخر-بالرغم من أن هذا الحوار يفرض نفسه علينا اليوم بإلحاح-إنما من أجل النهضة التي ما نزال نسعى إليها منذ بدايات القرن الماضي بين مد وجزر، نجاح بسيط يتبعه إخفاق عظيم،فالدول التي سبقتنا في مجال التقدم الثقافي والحضاري مارست هذا الحوار مع ذاتها وراجعت تاريخها واستفادت من تجاربها. وهنا يأتي دور المفكرين والمثقفين،فانطلاقات عصر التنوير في الغرب وعصر ما بعد الثورة الفرنسية لم تأت من فراغ بل استندت إلى مفكرين تجرؤوا على فحص الذات ودراسة الهياكل القائمة ومراجعة البنيان العام للمجتمع ومناقشة المسلمات وخلخلة الممارسات المألوفة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية وشكلوا إرثا عظيما استندت إليه عمليات التغيير التي نقلت أوروبا من عصور الظلام إلى عصر النهضة. وإذا كان عذرنا دائما أن انقطاع التواصل بين المفكرين والباحثين والمثقفين من صناع قرار التنمية الشاملة هو واحد من أسباب إحباط المثقفين وتعثر التنمية فإن عبء التغلب على هذه العقبة يقع علينا أيضا.وإذا كان غياب المأسسة الديمقراطية في بلداننا يعقد مهمتنا، فلنتذكر أن مفكري عصر التنوير في الغرب واجهوا ظروفا سياسية واجتماعية وفكرية أعتى وأعقد ولم تكن لديهم وسائل نشر المعرفة واشاعة جو التغيير والمناقشة في مجتمعاتهم كما هي متاحة لنا اليوم،واستطاع فكرهم الجريء الحر أن يذلل العقبات وأن يؤثر في التغيير نحو التقدم،وبصيص النهضة التي شهدتها حضارتنا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين محفز لنا على استئناف الجهد. وننهي هذا السياق بالعودة إلى د.كمال عبد اللطيف: إن عمليات التكييف والمواءمة والتبيئة والتأصيل التي تمارس على منتوج الحضارة الغربية خارج جغرافية المنشأ الأول بمختلف مكنوناتها التاريخية والثقافية،تساهم في تركيب وإعادة تركيب منجزاتها،كما تساهم في تطويرها؛ذلك أن الحضارة المعاصرة كما نتصورها عبارة عن إرث مشترك،ولا يحق لأوروبا وللغرب الأوروبي أن يخلط بين إرادته السياسية والاقتصادية في الهيمنة وبين مكاسب البشر في التاريخ. إننا نعترف كما قلنا بالدور الريادي الذي لعبه التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر في مجال بناء أسس هذه الحضارة وفي مختلف الصعد والمجالات،لكننا نقر في الوقت نفسه بأن مشروع هذه الحضارة بمختلف فتوحاته يخص الأوروبيين كما يخص غير الأوروبيين،وأن مواصلة استثمار إيجابياتها والعمل على تجاوز سلبياتها أمر موكول لكل البشرية أيضا. أما وضع الحضارة الإسلامية كعدو مناهض لمكاسب البشرية في التاريخ تحت ضغط واقعة بعينها، ودون فحص لمختلف أبعاد الواقعة المذكورة ،فأنه موقف يتضمن كثيرا من التساهل في التسميات والتوصيفات،إذا لم نقل أن فيه محاولة لإقامة وتركيب معطيات قادرة على تفجير الإسمنت المسلح،أي قادرة على توليد حروب ومعارك أهدافها الفعلية مضمرة ومسكوت عنها. ينبغي إذا التفكير في الصراع الدولي القائم في العالم اليوم خارج دائرة التفكير في الثنائيات المجردة السائدة،وعلى رأسها ثنائية (الإسلام والغرب)،لأن الحدود القصوى للتفكير بواسطة هذه الأزواج المفهومية الملغومة ستؤدي في نهاية التحليل إلى سقف التفكير في النور والظلام,والشر والخير، وهي مفاهيم لا علاقة لها بروح المكاسب الفكرية التي بلورت الحضارة المعاصرة في باب الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر،حيث لا وجود للخير المجرد أو الشر المجرد،وحيث الأبيض والأسود اسمان لا يحيلان إلى مسميات واحدة ثابتة ونهائية.
خاتمة الحداثة السياسية كمدخل للمشروع النهضوي: المدخل الهام لهذا السياق،يتمثل بالحداثة السياسية بكل تجلياتها وأبعادها الضرورية في المشروع النهضوي العربي،وهو مدخل يلقى إجماعا كاملا عند العرب كونه المسؤول إلى حد كبير عن الوضعيات القاسية التي يعيشها العرب في حاضرهم. ولكنها لم تتوقف عند سطح مفهوم الإصلاح كفكرة مبتذلة وساذجة كما يجري تسويقها اليوم على الشعوب العربية,التي تكتشف حماس العقل السياسي السلطوي وتطريبات النخب الحاكمة التي أصبحت فجأة مصابة بلوثة الإصلاح ومشاريعه الموسمية بعد أن أصبح خيارا خارجيا محرجا لهذه النخب التي أحذت تتعامل مع دعوات الإصلاح السياسي على طريقة فرق الإنشاد الوطني المنادية بالإصلاح النابع من الخصوصية الذاتية للعرب. تدلنا حفريات التجربة السياسية للدولة الوطنية العربية عن عطالة كبيرة في العقل البشري السياسي للنخب الحاكمة التي تستمرأ من وحي استبدادها رهن مصائر الدولة والمجتمع بشروط فوزها المحسوم بالسلطة وامتيازها،فهذا العقل أثبت أنه غير قادر بحكم بنيته السلطوية الإقصائية على التخلي لحظة واحدة عن الاستمرار في تأزيم المجال السياسي بهذا ولكنه عمد إلى تصفية مشروع الدولة لصالح شرعية السلطة،التي أصبحت تعني في ذهن المواطن العربي الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها ونظمها وقوانينها. فالسلطة سبق لها أن صادرت الدولة من حسابها.وامتلكت مشروعها. الحداثة السياسية معنية بصورة أساسية بتفكيك بنيات هذا العقل السياسي من خلال تأكيدها ابتداء على الحرية واشتراطاتها واستحقاقاتها الضرورية الملزمة. أما اشتراطاتها فهي متجذرة بضرورة تفكيك مظاهر الاستبداد وآلياته،وتصفية مؤسساته وأدواته التقليدية. وقواه المتحكمة بمجمل الحياة السياسية في الدولة.لأنه النقض المباشر لفكرة الحرية.أما استحقاقاته فهي أن يتحرر الإنسان العربي وتتحرر الدولة ومؤسساتها وأجهزتها وفكرتها الفلسفية من كل القوى المستبدة التي صادرت الدولة والمجتمع لحساب فكرتها المدمرة عن السلطة والحكم. وعندما يتحرر الإنسان العربي من عوامل وقوى الاستبداد المادية والمعنوية فإنه يكتشف حريته وقيمتها ورمزيتها الإنسانية والأخلاقية والسياسية, ثم يسعى مناضلا لامتلاكها وتكريسها كواقع يصعب التفريط به وأيضا سوف يناضل مع كل القوى الوطنية الديمقراطية من أجل فرض ضمانات هذه الحرية, الثقافية والدستورية والقانونية التي تضمن المشاركة وتخليق المجتمع السياسي والتداول السلمي للسلطة بحاجة إلى كتلة اجتماعية حية وقوية تكون قادرة على حمايتها وصونها, ولا تنسى غريزتها في النضال من أجل التقدم والتغيير. يتضح تماما أن الإصلاح بمعناه التداولي الراهن هو عبارة عن فكرة سطحية مضللة أمام فكرة الحرية واستحقاقاتها.الحرية مبدأ أولاني قبل كل شيء.وإذا استطاع المشروع النهضوي الدخول في استحقاقات الحرية وضماناتها دخولا فعليا،فإنه من جهة يكون قد خلخل عقيدة العقل الاستبدادي ومن جهة أخرى أسس للدخول في بقية عناصر ومتطلبات الحداثة السياسية،الدولة والسلطة والمجتمع والقوانين والمؤسسات الديمقراطية،وصولا إلى حالة المجتمع المدني القادر على صياغة حياة سياسية صحيحة. إن إيماننا بالحداثة السياسية يصاحبه إيمان مماثل بنظرتنا إليها من زاوية أنها عبارة عن أفق مفتوح على كل ممكنات الإبداع الذاتي في التاريخ, فلا يمكن تصور امكانية تحقق الحداثة بالتقليد, بل إن سؤال الحداثة في أصوله ومبادئه العامة يعد ثوره على مختلف أشكال التقليد. إن الاقتناع الكبرى الناظمة للمشروع الفلسفي الحداثي, في النظر إلى الإنسان والتاريخ والمعرفة , يتيح لنا إطارا مرجعيا جديدا للتفكير في حاضرنا ومستقبلنا, بصورة مختلفة عن سقف العقائد التقليدية المهيمنة على ذهنياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية والسياسية والتربوية, ويفتح أمامنا إمكانية تأسيس المشروع السياسي الديمقراطي, باعتباره مشروعا تاريخيا قابلا للتطور والتجاوز, وذلك اعتمادا على مبدأ تدبير التوافقات السياسية التاريخية العقلانية, المطابقة لإشكالاتنا السياسية والتاريخية. يتعلق الأمر في موضوع أسئلة الحداثة السياسية في الفكر العربي بالتفكير في ضرورة مراكمة رأس مال رمزي يوطن مشروع الحداثة في فكرنا , لتعزيز فرص التحول الديمقراطي بإسنادها نظريا, وذلك بفتح نقاش معمق حول مجموعة من الأسئلة, من قبيل: كيف يمكن تفكيك سقف القيم السياسية المنتشرة والمهيمنة في المجال السياسي العربي؟ كيف يمكن مواجهة العودات المتوالية إلى أرث الماضي, العودات المدافعة عن الهوية المكتملة والمغلقة؟ ما هو دور التربية والتعليم في تفكيك الأنماط و البنى الفكرية التقليدية السائدة؟ كيف يمكن بلورة وتطوير ثقافة ديمقراطية في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية؟ تفتح هذه الأسئلة موضوع الديمقراطية على فضاء التاريخ,أنها تفتحه على الفكر الديمقراطي،فكر الحداثة السياسية. وهي تفتحه على هذا المجال،لا لنقوم كما قلنا ونؤكد بنسخه،بل لنعمل على إعادة تركيبه في ضوء الخصوصيات المحلية،والإشكالات التاريخية والاجتماعية والسياسية المرتبطة به. ونحن نعتبر أن نجاح المعارك الديموقراطية في الجبهة السياسية والاجتماعية والثقافية مرهون بتوسيع دائرة الجدل والحوار في الجبهات الأخرى وفي الأزمة العميقة التي تعاني منها الأنظمة التسلطية في أغلب البلدان العربية؛ما يؤكد أهمية التفكير في أسئلة الحداثة السياسية في الفكر العربي،وأسئلة التحديث في الواقع العربي. نريد أن نلح-الحديث للدكتور كمال-على أهمية طرح هذه الأسئلة في هذا الوقت بالذات,ذلك أن ارتفاع أصوات المدافعين عن التقليد السياسي من المتحصنين بميراث الماضي وخاصة في أوجه اللاهوتية، لا ينبغي أن يدفعنا إلى التخلي عن هذه الأسئلة بل ينبغي أن يحفزنا على طرحها.ونحن نعتقد-لازال الحديث للدكتور كمال- أن عدم طرحنا لها فيما سبق يعد من بين العوامل المفسرة لعودة وانتشار الدعاوى والشعارات التقليدية.ونزعات ما يعرف بالإسلام السياسي. إن بناء هذه الأسئلة وبناء تصورات مناسبة لطبيعتها، يجعلنا نواجه مصيرنا التاريخي بأساليب في العمل السياسي أكثر مطابق لحاجاتنا التاريخية المتمثلة في طموحنا السياسي الذي يروم بناء قراراتنا وترشيد اختياراتنا في المجال السياسي، مستفيدين في كل ذلك من تجار الأمم في التاريخ.
الفهرس العنوان......................................................................................1 التعريف بعصر النهضة الأولى.........................................................2 الخطاب التراثي في عصر النهضة العربية الأولى..................................3 الخطاب التحديثي في عصر النهضة العربية الأولى................................4 كيف نعرف النهضة العربية الثانية؟...................................................5 الإشكالية الأولى:السؤال عن الهوية في عصر النهضة الثانية. ثنائية الهوية(الحداثة.التراث)...........................................................6 محاولات توفيقية.........................................................................8 الإشكالية الثانية:العولمة:خطاب تحديثي أم أداة للهيمنة؟...........................10 الإشكالية الثالثة(أزمة المرجعيات والمفاهيم) تفسير الصحوة الإسلامية على أساس أصل معرفي غربي, أو على أساس نخبوية دينية؟....................................................................................13 الإشكالية الرابعة:الحوار مع الآخر، المأزق والحلول...........................17 (خاتمة) الحداثة السياسية كمدخل للمشروع النهضوي.........................20 الفهرس.................................................................................23 قائمة المصادر والمراجع............................................................24
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
Pieta2012(كيم كي دك):عن سينما في ظاهرها تبدو قاسية ولكن مسار
...
-
Dream 2008كيم كي دك:جنوج الى الفلسفة في عالم من السريالية وا
...
-
الساحرات 1967:عن حضور واداء الممثلة Silvana Mangano
-
أمبرتودي1952:افضل فيلم انتجته نظريات الواقعية الجديدة
-
Breath 2007(كيم كي دك):عن حالة بشرية ترغب في انهاء الانفاس
-
Time(الزمن)كيم كي دك:العلاقة بين الرجل والمرأة وفقا للمقياس
...
-
امرأتان 1961(فيتوريو دي سيكا):عن الجوع وعن قسوة الحياة وعن ا
...
-
3-Iron(ثلاثة اقنعة) للمخرج الكوري كيم كي دك:فيلم عن مقدار ال
...
-
Samaitan girl2004 للمخرج الكوري كيم كي دك:حبكة غير مقنعة وفي
...
-
سارق الدراجة1948(فيتوريو دي سيكا):عن فيتوريو دي سيكا وسارق ا
...
-
فيلم الفصول 2003 (كيم كي دك):عدم ايذاء اي كائن حي
-
رجل سيء2001(كيم كي دك):عن انسان يعشق فتاة فيقودها الى العهر
-
فندق المليون دولار2000(فيم فندر): فيلم متوسط المستوى كأفضل ن
...
-
الممتثل(The Conformest)1970 برناردو برتولوتشي: أي شيء من اجل
...
-
اشكالية خطاب المرأة
-
العزلة-The Isle2000 للمخرج الكوري كيم كي دك:مخرج ضد الكيتش و
...
-
باريس تكساس 1984(فيم فندر): عن الماضي المختفي في احضان ترافي
...
-
Bird Cage Inn- خان قفص العصفور(كيم كي دك):المساواة البشرية م
...
-
اجنحة الرغبة 1987(للمخرج الألماني فيم فندر): السينما التي تت
...
-
قصة طوكيو1953(ياسسوجيرو أوزو): أليست الحياة مخيبة للآمال...؟
...
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|