|
دموع أم ربيعُ دمشق .. كلمة أخيرة قبل أن تضيع سوريا
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 1244 - 2005 / 6 / 30 - 14:23
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تحتاج علاقةُ أيّ نظام مُتربَص به من قِبَل قوى كبرى إلى قرون استشعار لدَى القيادة تلتقط الخطرَ قبل وقوعه، وتميّز ما بين الصديق والعدو، وتعرف تمنّيات أبناءِ شعبها غير المعلَنة والتي سيتم ترجمتُها لاحقاً إما مع المتربصين بالنظام، داخليا أو خارجيا، وإما الدفاع المستميت عن نظام الحُكم، الممثل الشرعي والدستوري والشعبي. في الظروف القاهرة التي لا يغيب الخطرُ عن النظام الحاكم برهةً من الوقت، تظهر جماعةُ التلميع والتأهيل والنفخ والنفاق والتزلف لتبث رسائلَ كاذبة في آذان المسؤولين وصُنّاع القرار تُوهمهم فيها أن العالمَ بأسْره سيقف معهم، وأن اندحارَ العَدو أمرٌ لا مَفَرّ منه، وأن كشفَ المؤامرة سيضاعف من التأييد الشعبي الكاسح الذي تتمتع به حكمة القيادة أو قيادة الحكمة!
رغم أن مشهد المدرعات الأمريكية في عاصمة عربية هو كابوس يقض مضجعي، ويثير أحزانَ الدنيا في نفسي، إلا أن لسوريا وضعاً خاصا عبرّتُ عنه مرات كثيرة في السنوات العشر المنصرمة أو قبلها، فإذا ارتفع عَلَمٌ أمريكي أمام مجنزرة ومارينز يمضعون العلكة في ساحة الجامع الأموي سيكون يوم حِدْاد ألطم فيه الوجه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. لكن الدلائل والبراهين التي تأتينا من كل فج عميق تضرب وجوهنا لعلنا نستيقظ ونوقظ القيادة السورية معنا لترى مشهدا مستقبليا مظلما عندما يتسلم الأمريكيون مفاتيح السجون والمعتقلات السورية، ويتولى جنودُ الاحتلال مُهمةَ إهانةِ وتعذيب وترويع وترهيب السوريين بعدما كانت تلك المهمةُ القذرةُ من نصيب أجهزةِ القمع والقهر والإذلال الوطنية! تختلط الأمور في سوريا بين المواطن .. آخر من يعلم، والقصر الجمهوري بدمشق .. أول من يعلم فينتج عنها جهل مُطْبَق فلا يدري المرءُ بأيّ لغةٍ يتحدث السوريون، وحتى لو تحدثوا لغةً واحدةً فإنها تظل عَصيّة على الفهم، بعيدةً عن الروح، أقربَ إلى لغة الإشارات المبعثرة منها إلى قيادة دولة. القيادة القطرية وأعضاء أهم تجمع سوري يستطيع أن يساهم في صياغة مشهد جديد بدلا من الفاجعة التي تنتظر شعبنَا في قلب العروبة النابض ينتهي إلى نقطة الصفر، فيناقش معظم القضايا، ويعصب العين عن أُمّها ليخرج الوطنُ مهزوماً من أبنائه، ومطعونا من مُمَثّليه، ومقبوضاً عليه من القيادة.
القضيةُ الرئيسة والأساسية والوحيدة هي كرامة المواطن السوري وفيها نتحدث عن الاعتقالات العشوائية، والتعذيب، والمفقودين، والمنسيين تحت الأرض وفي أقبية الخوف والذعر، وماعداها من قضايا وهموم وحتى المهانة السورية في الخروج من لبنان تصبح صفراً بجانب ما قد غضّ الطرفَ عنه المؤتمرون في أكبر تجمع للحرس القديم وصانعي المأتم السوري الذي لا يعرف كُلّ من أغمض عينيه أنه دَقّ مِسْمارا في نعش الوطن. لم يذكر أحدٌ، والرئيس بشار الأسد يجلس في الخلف مستمعا ومنتبها ومنتظرا ما يعرفه وما لا يعرفه، أن هناك معتقلين قضوا عشر سنوات زيادة عما حُكِمَ عليهم بها، وأن كثيرين أصيبوا بلوثات عقلية وهلوسات كأن أصحابها مروا على سجون ومعتقلات ( كوبر ) السودانية، و( تزمامارت ) المغربية، و( أبو سليم ) الليبية،و( قفصة) التونسية، و ( القلعة ) المصرية و( أبو غريب ) العراقية، قبل أن ينتهوا إلى أيدي محترفي التعذيب في السجون السورية الممتدة من الجولان إلى الاسكندرونة. لن أبالغ إذا قلت بأنه لا يعنيني النجاح الإقتصادي حتى لو أصبحت سوريا بثراء النرويج، ولا يهمني استيراد نصف مخزون السلاح الروسي ليكون في متناول أيدي الجيش السوري، ولا أرى الأولوية في القضاء على الفساد وجعل سوريا جنة لا يدخلها إلا الملائكة، فكل هذه الأمور تصغُر بجانب كرامة مواطن قُلِعَتْ عَيّنُه، أو مرر الزبانيةُ تيّاراً كهربائيا في موضع العفة منه، أو عَلّقَه رجلُ أمن من قدميه في سقف قبو تحت الأرض ووضع وجهَه في بول زملائه المعتقلين.
إن تحطيمَ الشخصية السورية، ووضعَ كوابيس مكان الأحلام المشروعة، وإنتاجَ مواطن مُهَمّش مشلول يجلس في بيته وتزداد نبضات قلبه كلما طرق غريبٌ البابَ خشيةَ أن يكون أمرُ استدعاء لمديرية الأمن قد أصبح حُكما نهائيا بالإعدام أو الاختفاء أو الانتهاء من العمر المفترض للمواطن في ظل سادية أجهزة الأمن. أيّ أخلاق هذه التي تتعهد للمواطن في سفارة بلده أن يعود آمنا مطمئنا، ثم يتم نكثُ الوعد فور الوصول إلى الحدود أو المطار حتى لو كان العائدُ امرأةً قضت عشرين عاما مع زوجها في بلد غريب واشتاقت لسورية، أو مواطنةً تحمل رضيعَها فتفصلها عنه أجهزةُ الأمن بكل غِلظة، وتزج بها في الحبس الذي قد لا ينتهي قبل أن يُسَلّم زوجُها نفسَه للعدالة، أعني للظلم؟ وللسادية طرق عجيبة تتفنن في اختراق أعمق مناطق الألم، فيتم مثلا إبلاغ الأسر والأهالي بقرب الافراج عن أولادهم وآبائهم من معتقل صيدنايا، ويتم فعلا نقل مئتي معتقل إلى فرع الأمن العسكري، وبعد فترة يعاد مئة وعشرون منهم إلى معتقل صيدنايا لتختلط أوجاع المعتقلين بأحزان الأهالي المقهورين وينتج عنها نوعٌ جديدٌ تماما من الألم كأن المحاكمةَ جَرَت من جديد.
عشرات من منظمات ولجان وجبهات وحركات المعارضة السورية تتوالد الآن في كل مكان حتى لو اتهمها النظامُ زُورا وإفكاً بأنها أداةُ في يد الأمريكيين، وكانت الفرصةُ أمام الرئيس بشار الأسد تاريخيةً ليحصل على الشرعية الشعبية ويفرج عن كل المعتقلين بدون قيد أو شرط، ويقيل قادةَ الأجهزة الأمنية المتورطين في انتهاك كرامة السوريين، ويصارح شعبَه بحقيقة ما جرى، ويأمر بكشف حساب مع زبانية التعذيب، وبالبحث عن المفقودين والمختطَفين تماما كما حدث في الأرجنتين وشيلي وفنزويلا ونيكاراجوا، لكن الرئيس لا يزال يفضل الاصلاحات الاقتصاديةَ وبعض السياسية، أما الإنسانُ .. المواطنُ، خليفةُ الله على الأرض، فليذهب إلى الجحيم.
لا أدري لماذا تذكرت الآن الشاعرَ حسن الخير الذي تم قطعُ لسانه في سجن تدمر بشَفْرة حلاقة حادة إثر قصيدة ألقاها لم تَرُقْ للنظام، وتمر في مخيلتي صورةُ الصحفي ميشيل النمري صاحب المجلة الرائعة ( النشرة ) الذي قام النظامُ بتصفيته في أثينا. مرة ثانية وعاشرة ولعدد لا نهائي نؤكد للرئيس بشار الأسد بأن كُلّ قادة وزبانية التعذيب وكبار رجال الأمن المتورطين في قمع المواطن سيندفعون فرادى وجماعات للتعاون مع قوات الاحتلال الأمريكية، وربما نكتشف لاحقا أنهم نسخٌ مكرَرَةٌ من إيللي كوهين حتى لو كان مسقطُ الرأس اللاذقية أو حلب أو حماه أو دمشق أو حمص أو طرابلس الشام!
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار بين حمار و .... زعيم عربي
-
رسالة مفتوحة من حمار إلى حركة استمرار
-
رسالة غاضبة من الرئيس مبارك للمصريين .. كرامتكم تحت حذائي
-
خوفي على مصر من الإخوان المسلمين .. رسالة إلى المرشد العام
-
قراءة في أسباب فشل العصيان المدني
-
رسالة عاجلة من الرئيس مبارك.. سأبصق في وجه كل من يعطيني صوته
-
الواحدة ظهرا تحت تمثال رمسيس في يوم شم النسيم يبدأ العصيان ا
...
-
هذه الكلاب المدللة وأصحابها المرفهون والعصيان المدني!
-
البيان الختامي للعصيان المدني .. من هنا نبدأ
-
معذرة لكل المتحمسين للعصيان المدني
-
هل سينجح العصيان المدني بدون قيادة؟
-
من الذي يفرط في كرامة السوريين؟
-
هل يصبح 2 مايو 2005 يوم التحرير من نظام مبارك؟
-
المأزق المغربي .. ملك في مهب الريح!
-
معذرة أيها الأحمق، دع لنا الرئيس مبارك وخذ عصيانكم المدني
-
الإعلام السعودي .. ثورة من الداخل أم النوم في العسل؟
-
المخاض الكويتي .. قراءة في المستقبل أم رجم بالغيب؟
-
الوصف الإيجابي في صناعة الإرهابي
-
الحركة المصرية من أجل التغيير والعصيان المدني وانتقام الرئيس
...
-
رسالة من الرئيس حسني مبارك إلى المصريين .. سأجعلكم تلعقون تر
...
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|