|
كيري في تونس لنشر الديموقراطية ومكافحة الإرهاب... أنا لا أصدق!
رياض الصيداوي
الحوار المتمدن-العدد: 4375 - 2014 / 2 / 24 - 19:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نعم أنا لا أصدق واشنطن حينما تتحدث عن نشر الديموقراطية في الوطن العربي وفي مكافحة الإرهاب. وعندي أسباب كثيرة تدفعني لذلك وترسخ قناعتي. في ندوة دولية في مدينة "مونترو" السويسرية جمعت سفراء غربيين وعلماء سياسة لمدة يومين قلت للسفير الأمريكي، وهو مسؤول عن قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارته: "لماذا لا تنشرون الديموقراطية في قطر وفي السعودية وأنتم تحتلون هذين البلدين عمليا. ففي قطر عندكم أكبر قواعد عسكرية في العالم في "العديد" وفي "السيلية" وفيها يسجن الشاعر محمد بن الذيب العجمي لأنه ألف قصيدة "كلنا تونس: الياسمين" ودعا "للربيع العربي الحقيقي" وليس "للربيع العربي المزيف" الذي تتبنوه. ما الذي يمنعكم من إرغام حاكم قطر على القيام بانتخابات لأول مرة في تاريخ الشعب القطري وأنتم تحتلون أرضه وبلده؟ هذا الشعب الذي لا يشاهد صناديق الانتخابات إلا في التلفزيون. ولماذا لا تحركون ساكنا عندما يتعلق الأمر في السعودية باعتقال أربعين ألف سجين رأي؟ لقد نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا فضيعا عن هذا البلد عنوانه "مملكة الصمت". والأكثر من ذلك تطلقون أيدي قطر والسعودية لنشر الإرهاب الفكري وربما حتى المادي في الربوع العربية. عندهم أكثر من مئة قناة فضائية لنشر ثقافة "التداوي ببول البعير وطاعة الأمير ورضاع الكبير". كما ينشرون الحقد والكراهية والفتنة الطائفية مدمرين ثقافة الإسلام المتسامح. أين أنت يا واشنطن من ثورة الشعب البحريني السلمية التي يقمعها منذ أكثر من سنتين الجيش السعودي؟ ألا يحدث ذلك أمام أنظار قواعدكم العسكرية في المنطقة؟ وسألته: ألم تفكروا ذات يوم في نشر الديموقراطية في السعودية أو في قطر؟ ... السفير الأمريكي أحرج كثيرا ولم يجبني ولم يرد... أما السفير السويسري فقد ابتسم لأنهم يعرفون أفكاري... والسفير الألماني يبدو لي أنه كان متعاطفا مع أسئلتي وقال لي في الاستراحة "هذه المسائل بيد أمريكا وليس بأيدينا نحن. إنها مجالهم الحيوي".
ما الذي يمنع الديموقراطية في الوطن العربي؟
عندي محاضرة عنوانها "ما الذي يمنع الديموقراطية في الوطن العربي؟" أعطيها في جامعات أوروبية وفي منتديات علمية. وفيها أفرد فقرة كبيرة عنوانها : "أمريكا تمنع الديموقراطية عند العرب". والسؤال المطروح دائما: لماذا تعادي أمريكا نشر الديموقراطية في السعودية وفي قطر؟ لأن رئيسا منتخبا ديموقراطيا في السعودية يعني لها برميل نفط يتجاوز سعره ألف دولار. وهي ملتزمة باتفاقية عبد العزيز آل سعود مع الرئيس الأمريكي روزفلت التي أبرمت على متن الباخرة "كويزني" سنة 1943 وعنوانها "سيطرة واشنطن على النفط مقابل حماية عائلة آل سعود واستمرارهم في الحكم". وكلما تعثر الاقتصاد الأمريكي إلا وهرع آل سعود لإنقاذه عبر شراء أسلحة بمبالغ خيالية. وأيضا عبر تمويل حروب أمريكا على العراق وعلى ليبيا وعلى سوريا وحتى في أمريكا اللاتينية مولت السعودية قوات "الكونتراس" ضد أنظمة وطنية تقدمية منتخبة لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. للتذكير تكلفة حرب أمريكا على الشهيد القائد صدام حسين تجاوزت المائة مليار دولار دفعت أغلبها الدوحة والرياض. صاروخ "الكروز" الأمريكي الواحد يتجاوز ثمنه المليون دولار... والآلف منه التي سقطت على بغداد وطرابلس وكابول دفعت ثمنه نفس الجهات... أمريكا ليست مجنونة لتسمح بديموقراطية في قطر أو في السعودية فتنهار مصالحها وأرباحها الطائلة. وكالة المخابرات المركزية الأمريكية نفسها تآمرت على الرئيس الفنزويلي الراحل هيغو شافيز بعد أن فاز في انتخابات ديموقراطية، عبر انقلاب عسكري فشل في نهاية المطاف، لأنه هدد مصالحها النفطية ودعا للترفيع في سعر البترول عبر "الأوبيك". وهي من تآمر على حكومة منتخبة في الشيلي بقيادة "اللندي" مع الجنرال بونيشيه الذي قتل وعذب وأرسى دكتاتورية دموية... والأمثلة كثيرة جدا عبر التاريخ. إذن واشنطن لا تريد نشر الديموقراطية في الوطن العربي. وأجهزتها مستعدة للتدخل لضرب أية تجربة ديموقراطية وطنية تحررية.
النموذج الأمريكي في تونس
في تونس اتجاهها أصبح واضح المعالم. وهو المساعدة على إنشاء قطبين سياسيين في البلاد على النموذج الأمريكي: "نداء تونس" مقابل "النهضة". أي الحزب الديموقراطي مقابل الحزب الجمهوري. أي حزبان يمينيان: واحد ليبيرالي والآخر محافظ. ويقدسان اقتصاد السوق ولا يشككان فيه أبدا. الشيخ راشد الغنوشي فهم الرسالة مبكرا وقال منذ الأيام الأولى للثورة : "نحن مع اقتصاد السوق ولا رجعة في ذلك". ثم ارتفعت الأسعار بشكل جنوني... في الاسواق التونسية... لو فازت "الجبهة الشعبية" في الانتخابات وشكلت حكومة اشتراكية لتأميم المصالح الغربية، هل تقبل بها واشنطن وتهنئها على فوزها أم تتآمر عليها عبر انقلاب عسكري كما فعلت مع هيغو شافيز في فنيزويلا واللندي في الشيلي وغيرهم؟ مجرد سؤال استشرافي وافتراضي.. الديموقراطية الأمريكية تكمن فقط في ثنائية واحدة: عليك أن تختار بين رأسمالية محافظة أو رأسمالية متحررة لا أكثر. "الديموقراطية الأمريكية" تختلف كثيرا عن الديموقراطية الاجتماعية الأوروبية. فهي لا تعترف "بدولة الرعاية الاجتماعية" ولا بالقطاع العام وأهميته في التوازن الاقتصادي.
هل تحارب أمريكا حقا الإرهاب؟
واشنطن تعتقد أن الإرهابي هو من يهدد مصالحها أما إذا هدد مصالح خصومها فهو مناضل من أجل الحرية. فأسامة بن لادن مناضل من أجل الحرية حينما يعادي الاتحاد السوفياتي وهو بطل مغوار، على منوال فيلم "رامبو 3 " الذي تغنى بالمجاهدين الأفغان وقدمهم في أحسن صورة. لكنه يصبح إرهابيا حينما يضر بالمصالح الأمريكية. ليس سرا أن أمريكا سلحت عبر حلفائها "الأوفياء" أي قطر والسعودية الجهاديين في ليبيا وفي سوريا وقبل ذلك في أفغانستان... ما داموا يعملون في إطار مصالحها. وهم أبطال حرية ما داموا لم يتعرضوا لمصالحها. حينما يتغير العالم... لقد تغير العالم في دمشق. برزت قوى دولية جديدة اليوم لتنهي زمن القطب الواحد. دول "البريكس" ومن أهم أعضائها روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل رفضت العدوان العسكري على سوريا في مجلس الأمن. ما يجمع هذه الدول أنها تحقق نموا اقتصاديا هائلا مقابل دول في حالة انكماش اقتصادي كبير جدا وهي واشنطن ولندن وباريس. لم تخرج هذه الدول منذ أزمة "الرهن العقاري" التي اندلعت في آواخر سنة 2007 من أزمتها البنيوية الهيكلية إلى حد اليوم. وحينما تشتد الأزمة الاقتصادية الرأسمالية يكون حلها الوحيد الحروب. فأزمة 1929 أدت للحرب العالمية الثانية وأزمة 2007 أدت إلى "الربيع العربي المزيف" مقابل "الربيع العربي الحقيقي". قصف العواصم العربية ب"الكروز" و"البي 52" لن يكون لأجل الديموقراطية وإن هلل وكبر البعض ولكن حتى يتنفس الاقتصاد المنكمش. دول "البريكس" فهمت اللعبة. وضربت على الطاولة في قاعات الأمم المتحدة حتى لا تقصف دمشق. ولم تقصف دمشق لأن العالم تغير. وعجز "الناتو" هذه المرة على تطبيق فتاوي يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي أسسه حاكم قطر سنة 2004، بقصف دمشق. لأن العالم تغير. من سينشر الديموقراطية ومن سيحارب الإرهاب في الوطن العربي إذن؟ بالتأكيد ليس واشنطن.
#رياض_الصيداوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يجب على حاكم قطر الإفراج فوراً عن محمد بن الذيب والإعتذار من
...
-
تأسيس “اللجنة الدولية لإطلاق سراح الشاعر القطري محمد بن الذي
...
-
ليس مستبعدا أن تحصل ثورة اجتماعية جديدة في تونس
-
الخلفيات الحقيقية لإستقالة عبد الباري عطوان من رئاسة تحرير ا
...
-
هل -الربيع العربى- ثورات أم انتفاضات شعبية؟.. ما حقيقة التدخ
...
-
أمير قطر خدم مشاريع المخابرات الأمريكية وهو الآن يواجه مصير
...
-
الوهابية السعودية تريد الانتقام من إسلام الأحرار عبر إمبراطو
...
-
تونس تغلق الباب أمام دعاة الوهابية والكويت والإمارات يثوران
...
-
تنامي أنشطة القاعدة والجهاديين في دول الربيع العربي أحد أسبا
...
-
أكبر جالية أجنبية في سوريا تونسية بنسبة تفوق ال40 بالمائة
-
سيقومون في الخليج بانتفاضة ليقلدوا النموذج التونسي لأنهم مبه
...
-
الوهابيون السعوديون يريدون الانتقام من إسلام الأحرار في تونس
...
-
الجزيرة لم تعد قناة إعلامية اليوم وإنما هي قناة تحريضية
-
محميات أمريكا بالمنطقة هي قادة الثورة المضادة في تونس
-
العلاقات الأمريكية النهضوية بدأت منذ 2006.. وتدخل الجيش في ت
...
-
في تونس نعيش بثلث ديموقراطية
-
التونسيون الذين يحاربون بسوريا قنبلة موقوتة قد تعود للانفجار
...
-
أمامنا معركة مصير.. إما العلم والتقدم والاسلام المالكي.. وإم
...
-
عندما ينتهي البترول ستندثر الوهابية
-
التقدمية كشفت بطلان الفتاوى السياسية التي يصدرها شيوخ لخدمة
...
المزيد.....
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
ليبيا.. سيف الإسلام القذافي يعلن تحقيق أنصاره فوزا ساحقا في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|