هيثم الحلي الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 4375 - 2014 / 2 / 24 - 05:31
المحور:
المجتمع المدني
العراق نموذجا
أدوار المجتمع المدني في صنع وإتخاذ القرار السياسي
دهيثم الحلي الحسيني
باحث في الدراسات الإستراتيجية
سابعاً: العوامل المؤثرة في "صنع" و"اتخاذ" القرار السياسي
يقصد بعملية "صنع" القرار السياسي, أو القرار عموما, في المستويات الإستراتيجية حصرا, مجمل الخطوات الدراسية, والأنشطة البحثية والاستشارية السابقة لها, التي تتولاها الهيئات الإستشارية والبحثية, أو هيئات الركن العليا, بما تتماهى ودراسة تقدير الموقف, في المستويات العلملياتية والإستراتيجية, والتي تكون مخرجاتها البحثية, بشكل مجموعة من المسالك أو الخيارات أو البدائل المقترحة alternates.
ويجري تقديم هذه الخيارات لسلطة القرار, التي تكون مهمتها, دراسة بدائل تلك الخيارات وتحليلها وتقييمها, ومن ثم إختيار ما تجده أكثر ملاءمة, بما يطلق عليه البديل أو الخيار الأمثلoptimal variant, فهذه العملية التي تتولاها سلطة القرار أو القيادة الأعلى, يعبّر عنها بعملية "إتخاذ" القرار في المستويات الإستراتيجية أو العليا .
لاشك أن القرار الإستراتيجي في مستويات الدولة العليا، ومراكز التأثير السياسي والمجتمعي، ينتج في الدوائر الإستشارية لصناعة القرار، التي تقدم البدائل والمشاريع ومسالك الحلول المقترحة، بعد دراستها ضمن مرتكزات الإستراتيجية الوطنية العليا، وهي السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية الدفاعية, بناءً على قاعدة معلوماتية، ووفق آليات المنطق الذهني، في مقارنة وتحليل العوامل ذات الصلة والتأثير بالموضوع، إستنادا لآليات المقارنة لنقاط القوة والضعف، ودراسة الجدوى, وعوامل الإحتمال والكلفة والتأثير.
فيكون لمكونات المجتمع المدني الفاعلة, وذات الإهتمام بقياس الرأي العام, والتأثير في عمليات صنع وإتخاذ القرار, في المستويات الإستراتيجية, الدور الحيوي في جمع تلك المعلومات والمعطيات, وتوفيرها الى المستويات ذات العلاقة, التي تكون المادة الأساس في عمليات صنع وإتخاذ القرار.
تجري عمليات صنع واتخاذ القرار لتشكيل الرأي العام، وفق الخطوات العلمية المعاصرة، التي لا تختلف في جوهرها, عن أية عملية تخطيط في المستويات العليا, أو ما يعرف بتقدير الموقف في المستوى الإستراتيجي، ويشار لها في أدبيات الإدارات العليا, بعنوان التخطيط وصنع القرار في مستوى الادارة العليا.
فعملية جمع المعلومات, تنجز في المرحلة الأولى لتشكيل أو قياس الرأي العام، ومن ثم التخطيط في المرحلة الثانية، الذي يشمل فرز وتحليل وتمحيص وتقيم المعلومات المستحصلة, في المرحلة السابقة، رغم أن بعض الأدبيات تعّد جمع المعلومات, الجزء المتقدم من مرحلة التخطيط، كونها توصف بأنها عملية مستمرة، بينما في المرحلة الثالثة, يحتاج تشكيل الرأي العام وقياسه, إلى التطبيق والتنفيذ، لأنه لا يكفي التخطيط فقط, وإنما ينبغي معرفة سبل التنفيذ، وهي مرحلة تحديد البدائل أو الخيارات أو المسالك.
صنع وإتخاذ القرار المعلوماتي
إن المادة الأساس, التي تشكل المصدر الرئيس, للمعلومات الداعمة للمناقشة, في عملية صناعة القرار الإستراتيجي المعلوماتي, هي "الرأي العام"، الذي يشكّل نبض الفرد والمجتمع، بأنشطته السياسية والمدنية والثقافية والعلمية، والذي يعبّر عنه, بواسطة ممثلي الشعب في الندوة النيابية "النواب المنتخبون"، أو بشكل جماعات الضغط, من خلال المنظمات غير الحكومية NGOS، بما فيها الواجهات الدينية, والمراكز الثقافية, أو المؤسسات الإعلامية والمراكز البحثية ضمن المجتمع العلمي.
تؤسس معلومات الرأي العام بمجموع مصادرها، الحقائق الساندة لدراسة مرتكزات "الإستراتيجية الوطنية العليا"، والمقدمات لنتائجها، باستقراء وتحليل وتقييم خيارات البدائل، من خلال مناقشة حزمة من العوامل المؤثرة في مخرجات الدراسة, وتثبيت نقاط القوة والضعف إزاء كل منها.
ومن بين هذه العوامل، الموارد الوطنية المادية والبشرية أو السكان، الكلفة والتأثير للخيارات المتاحة، مقارنة المزايا والتحديدات لكل منها، البيئة السياسية الإقليمية والدولية، والثقافة المجتمعية أو المتبنيات العقدية السائدة، وبضمنها المحرّمات "التابوهات" المجتمعية "أو الإبستيمولوجية في فلسفة العلوم وتأريخها", ومن بين العوامل أيضا, المؤثرة في صناعة القرار السياسي, دراسات الجدوى الاقتصادية والمجتمعية للمشاريع الإستراتيجية.
ومن ثم تدرس المسالك الأكثر تأثيرا أو خطورة أو إحتمالا، في القرار الاستراتيجي المتوقع للمنظومة المعلوماتية المقابلة، للعدو المحتمل , بمعاملتها مع كل خيار بديل في الدراسة للمنظومة المعلوماتية الوطنية، وصولا لاقتراح وتقديم البديل "المسلك أو الخيار الإستراتيجي الأمثل"، المقترح لسياساتPolicy إدارة الصراع المعلوماتي, المتشكل قي بنية الرأي العام, والإحصاء التنموي والتخطيط الإستراتيجي, والإعلام والإعلام المقابل, ومكافحة الإعلام المقابل, وسائر إتجاهات المعلومات.
ويعبر عن المسلك "الأمثل" optimal, بالخيار البديل, الذي يعامل مع جميع المتغيرات, فيقدم النتائج المقبولة في جميعها, وعليه فهو ليس بالضرورة, أن يكون الخيار "الأفضل", من بين سائر البدائل, في معالجة كافة المتغيرات, وفق أدبيات التصميم الهندسي, أو الإستراتيجي المعلوماتي، ويتحقق "الخيار الأمثل", لجهة تحصّله على أكثر نقاط القوة، وأقل نقاط الضعف, لجميع العوامل التي خضعت للمناقشة, في عملية صناعة القرار, لجهة جميع النواحي والعوامل ذات الصلة بالمقارنة, وكذا في مقابلته مع جميع المسالك المضادة, وبالتالي فهو الأولى بالاختيار, ضمن عملية أو خطوة "إتخاذ القرار", والتي هي مسؤولية الموقع القيادي والإشارافي الأعلى.
ان القرار على ذلك البديل من غيره، هو من اختصاص وتخويل صلاحية مرجعية الموضوع، أو السلطة الإستراتيجية العليا, وإن اختيار البديل الأمثل، من قبل مرجعية القرار، من بين البدائل الأخرى, إستنادا لعملية صنع القرار, المنتجة للخيارات "البدائل", من قبل الهيئة الإستشارية، يعد "اتخاذا" للقرار الإستراتيجي, من قبل تلك المرجعية، الذي على ضوئه تبنى السياسات الاقتصادية والاجتماعية والإنمائية، وتوضع الخطط للتنمية السياسية والاجتماعية والسكانية والأعمار والبناء, من خلال المراقبة والإسناد المعلوماتي, التي تتولاها مكونات المجتمع المدني, وهذا هو الفارق بين عمليتي صنع القرار وإتخاذه.
بمعنى إن عملية انتخاب البديل الأمثل، هو في الحقيقة إتخاذاً للقرار، في حين يطلق على العملية بالكامل, بصنع القرار، إن الهيئة الاستشارية التي تؤسس لتشكيل الرأي العام، تتولى الاشتغال في عمليات صنع القرار، في حين يجري اتخاذ القرار من قبل سلطة اتخاذ القرار، سواءً كانت سلطة عليا, أو مركز قيادي, أو حتى فرد قائد، وغالباً ما ينتخب هذا المركز القيادي, الخيار أو البديل المقترح, في الهيئة الإستشارية، تحقيقاً للمسؤولية التضامنية.
أما في الأنظمة الاستبدادية أو الشمولية والفردية التسلطية، فيجري فيها اتخاذ القرار دون القيام بالدورة التخطيطية، وعليه لا ينمو فيها الرأي العام, ولا يجري التأثير بتوجهاته، ويفقد قدراته الرقابية, بينما تحرم السلطة المخولة, من إسناده المعلوماتي, بعكس الدول ذات النظم الديمقراطية أو الإستشارية المتطورة.
دور المجتمع المدني في عمليات صنع القرار
تحتل مكونات المجتمع المدني, مساحة كبيرة في عملية صنع واتخاذ القرارات الحكومية, ورسم سياساتها, وان هذه المنظمّات, تمنح التكلات السياسية, الفرص الملائمة لتحضى بالتكليف الحكومي, والحصول على الثقة الشعبية ثم النيابية، في العملية الإنتخابية, كونها المقياس الأولي في الديمقراطية والشرعية, ولاحقا تراقب الأداء, بما يطابق البرنامج الإنتخابي والحكومي, لغرض التحقق من توافر شرعية الإنجاز.
فمكونات المجتمع المدني الفاعلة, تتولى هذه المهمة داخل المجتمع, وتمتلك القدرة على التأثير في الرأي العام، فضلا عن إمكانية قياس الرأي العام واستطلاعه, وبالتالي إستيعاب توجهاته وتطلعاته, بواسطة المسح المجتمعي الميداني، بالطرائق التي جرى تبيانها, في الحلقات السابقة, من خلال رصد مزاج المجتمع, واستقراء نبض الشارع, لتقدم الإسناد المعلوماتي, فضلا عن وظيفة الرقابة الشعبية.
ان منظمات المجتمع المدني, في عملية إيصالها لنتائج قياس الرأي العام, الى المكونات الحكومية ومؤسسات الدولة, وكيانات المنظومة السياسية، تقوم بذلك بدور التغذية المرتدة، feed back, لتتولى تلك الجهات, اتخاذ الاجراءات الملائمة للتعديل والتصحيح، فهي غالبا ما تنشغل عن تلك الأنشطة, في إهتماماتها السياسية والادارية العليا، أو لعدم تيسّر الكفاءة والقدرة على ذلك، فضلا عن إنّ لاحياديتها, يجعلها غير مؤهلة لمثل هذه النشاطات, داخل المجتمع، بسبب الحاجز النفسي, وشعور الفرد المعني بالإستطلاع, أنّه إزاء جهة, ذات مصلحة خاصة.
ولاجل إظهار دور وأهمية مكونات المجتمع المدني, في عملية صنع واتخاذ القرار، وتأثيرها في مركز القرار، ستدرج لاحقا جملة العوامل المؤثرة في القرارات التي تتخذها الحكومة, وفي رسم سياساتها، التي يكون لمكونات المجتمع المدني, الأثر الحيوي فيها, وكما يلي:
1. دور الرئاسة التنفيذية للحكومة وشخصيتها, واتجاهاتها السياسية والفكرية والثقافية, وأدائها الوظيفي, بما ينسجم وسياساتها التنموية, وتنفيذ برامجها الحكومية.
2. دور التركيب الاجتماعي في النسيج المجتمعي, من خلال مكوناته السكانية, العشائرية والأسرية, وكذا الواجهات الدينية, والحضور الشعبي والمجتمعي فيها.
3. دور الرأي العام المستنير وقوى الضغط, وهو ما تشتغل عليه, مكونات المجتمع المدني ومنظماته غير الحكومية, وخاصة المراكز المتخصصة والأكادييمية, في دراسات وقياس الرأي العامو ورقابة الأداء الحكومي, والتحقق من شرعية الإنجاز فيها.
4. القوى والحركات الفاعلة في الساحة السياسية, وتقييم أدائها وتوجهاتها, لجهة السلم المجتمعي, والمصلحة الوطنية العليا, وتطلعات الشعب عامة.
5. الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة, ومستوى تطورها ونموها .
6. عوامل الأمن الوطني, التي تضمّن مخرجاتها, في تشكيل منظومة الدفاع الوطني وإستراتيجيته, بمرتكزاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدفاعية العسكرية.
7. مدى نمو وتطور النظم المعلوماتية, ومصادر جمع المعلومات والبيانات, ونقلها وتداولها وتحليلها وفرزها وتمحيصها، مع الأجهزة والمعدات الساندة والمعاونة لها .
8. العوامل الخارجية, ومستوى العلاقات الدولية والإقليمية, وحجم وطبيعة الاتفاقات والمعاهدات المعقودة مع الدولة, لأجل تنظيم وتوجيه وإستثمار تلك العلاقات, في المجالات المختلفة, في إتجاه المصلحة الوطنية العليا.
يلاحظ من دراسة العوامل المؤثرة في اتخاذ القرارات الحكومية، أن اكثر من نصفها تتعلق بقوى ومكونات المجتمع المدني، والتي تكون باتجاهين، الأول تأثير المجتمع المدني ومنظماته في صنع القرار ورسم وتوجيه سياسات الحكومة، والثاني دورها في منح الفرص للتكتلات السياسية, أو ترجيح دورها في الساحة السياسية والإجتماعية, لتكليفها بالتشكيل الحكومي واستلام سدة الحكم، وفق إستحقاقها الإنتخابي, ومن ثم لجهة منح الثقة في الحكومة داخل المؤسسة التشريعية لممثلي الشعب, واستمرارية وديمومة الحكومة, في شرعيتها اللاحقة, من خلال مستوى الإنجاز.
وعليه فإن تأثيرات مكونات المجتمع المدني, في المؤسسة الحكومية, وتشكيلها وأدائها, وبالتالي في القرار السياسي في مستوياته الإستراتيجية, تشتغل بمرحلتين, أولها قبل تسنم التكليف الحكومي, من خلال حشد الأغلبية النيابية, المعبرة عن الثقة الشعبية وشرعيتها, التي طرحتها المكونات السياسية, ضمن ماكناتها الإنتخابية, وبذلك تتحقق لها, شرعية الإنتخاب.
ومن ثم الإشتغال لمرحلة ما بعد التكليف الحكومي, لجهة رقابة الأداء للمؤسسات الحكومية, وقياس الرأي الشعبي العام, ومقبولية نجاحها في تنفيذ البرنامج الخكومي, الذي جرى طرحه لتحصيل الثقة, والذي يتأسس على البرنامج الإنتخابي ثم الحكومي, وبذا تتحقق للحكومة, الشرعية في "الإنجاز" من عدمها, التي تعبّر عنها وتحكم عليها وتقيسها, الفئات المجتمعية, من خلال الرأي العام, ومكونات المجتمع المدني, وحراكها الإجتماعي.
الهوامش:
1. هيثم الحلي الحسيني, الباحث, دراسات حول "إستراتيجية المعلومات والإتصال", الحلقة الأولى, في"التعددية والرأي العام والإعلام", مقالات حول العالم, 2008.
ودراسة في في "الفكر والبحث التاريخي وفلسفته, الحلقة السادسة عشر, "مرتكزات البناء العمراني وجزئياته في دراسة فلسفة التأريخ", مقالات حول العالم, 2009.
2 . يطلق تعبير "العدو المحتمل", في الأدبيات الإستراتيجية العسكرية, على جميع المكونات السياسية الاقليمية, المجاورة أو ضمن الإهتمام الحيوي الجيوسياسي, التي من المحتمل ان تكون أطرافا في الصراع المعلوماتي, أو في صراع أو نزاع مستقبلي, وليس بالضرورة ان تكون تكون الأطراف, بعلاقات سياسية غير سليمة في الحاضر, الباحث.
#هيثم_الحلي_الحسيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟