أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الله الحريف - اليسار ومهام المرحلة الراهنة - المغرب















المزيد.....



اليسار ومهام المرحلة الراهنة - المغرب


عبد الله الحريف

الحوار المتمدن-العدد: 315 - 2002 / 11 / 22 - 06:31
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    



 

إن المرحلة الحالية تندرج ضمن مرحلة تاريخية طويلة يناضل خلالها شعبنا من أجل حل التناقض الأساسي في المغرب بين الشعب بكل طبقاته الوطنية من جهة والطبقات السائدة من جهة أخرى.

         إن الطبقات السائدة في المغرب تتشكل ، بالأساس من ملاكي الأراضي الكبار ومن البرجوازية الوكيلة المرتبطة مصالحها أوثق ارتباط بالإمبريالية. وترتكز على اقتصاد الريع المبني على احتكار الأرض وثرواتها الباطنية وخيرات البحر وعلى الاستغلال المكثف للطبقة العاملة وعلى نهب ميزانية الدولة.

         إن طبيعة هذه الطبقات أدت إلى بناء اقتصاد تبعي وهش أخذ ينهار تحت تأثير أزمة الرأسمالية المعولمة وعجز الطبقات السائدة والنظام المخزني الساهر على مصالحها عن إصلاح أوضاعهما (الحد من اقتصاد الامتيازات ومن النهب ومن انتزاع جزء كبير من فائض القيمة بواسطة الريع والاستغلال المكثف للطبقة العاملة).

 

1-    أهم سمات الوضع الراهن في المغرب :

 

أ- سياسات النظام :

يسعى النظام إلى عصرنة المخزن وإعادة هيكلة الاقتصاد والطبقات السائدة لكي تتأقلم مع العولمة الرأسمالية، وذلك على حساب الطبقات الشعبية، وفي مقدمتها الطبقات الكادحة.

وحتى يتوفر على المشروعية للمضي قدما في تحقيق هذه المهام، أعطى أهمية خاصة لتنظيم الانتخابات في وقتها ولجر أكبر عدد من القوى السياسية للمشاركة فيها مع التأكد من كونها تقبل بالخطوط الحمراء وبالتوجهات العامة للدولة وسعى لإقامة إجماع قبلي بين هذه القوى على تقبل نتائجها بل وتزكيتها كأول انتخابات "نزيهة" في المغرب.

وقد استبعد النظام من أجندته أي تغيير للدستور مما يسمح للملك بتركيز أهم السلطات بيده: التحكم في الوزارات الأساسية، وخاصة الداخلية وفي الإدارة الترابية وفي المكاتب العمومية والأجهزة الأمنية والعسكرية وفي القضاء.

كما أنه بلقن الخريطة البرلمانية بالشكل الذي أصبح يتحكم بشكل مطلق في تحديد الأغلبية البرلمانية والحكومية. ولم تعد هناك أية قوة سياسية برلمانية قادرة على الاستفادة من هامش المناورة، الضيق أصلا، لتغيير بعض جزئيات سياسة الدولة (أي سياسة الطبقات السائدة).

وقد جاء تعيين إدريس جطو وتشكيل حكومة تضم عشرة وزراء سيادة ووزراء انتقاهم المخزن من خدامه الأوفياء ومن التقنوقراط داخل الأحزاب المشكلة للحكومة بل حتى من أشخاص حسبهم على حزب معين مع أن علاقتهم به شبه منعدمة، كل ذلك جاء ليؤكد أن الحكومة مجرد مجموعة من الموظفين المنفذين لأن الدستور المغربي يضع كل السلطات بيد الملك.  

 وفي اعتقادنا، فإن النظام سيدخل، في الفترة المقبلة، في تطبيق السياسات الليبرالية الأكثر توحشا (فرض قانون الشغل الذي يطلق اليد للرأسمالية المحلية والأجنبية لتسريح العمال ولتأبيد أوضاع عدم استقرار الشغل، قانون الإضراب الذي يهدف إلى انتزاع أهم سلاح بيد الطبقة العاملة والشغيلة، تصفية التعليم المجاني والإمعان في تنفيذ بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الاستمرار في تفويت القطاع العام للخواص، رفع الدعم عن كل المواد الغذائية الأساسية…). إن هدف هذه السياسات هو توفير الشروط لاستمرار النهب والاستغلال المكثف الذي تمارسه الطبقات السائدة والإمبريالية وتجاوز الأزمة التي يعيشها الاقتصاد الرأسمالي التبعي في المغرب على حساب الطبقات الكادحة أولا والطبقات المتوسطة في الدرجة الثانية.

وللتغطية على هذه السياسات وتجديد نخبه والتظاهر بأنه يواجه الفساد،وقد يلجؤ النظام إلى التضحية ببعض الرموز المخزنية وسيعمل على حصر قضية النهب والتخريب الذي أصاب البلاد والعباد على يد المخزن والطبقات السائدة في حدود ضيقة أو قد توظف في إطار تصفية الحسابات بين اتجاهات متصارعة وسط المخزن.

إن النهج الديمقراطي يعتبر أن مواجهة مشكلة الفساد والنهب الذي تعرض له المال العام وممتلكات الدولة لا يتمثل في تقديم بعض الموظفين من بعض المؤسسات إلى العدالة لأن الفساد عم ويعم كل المرافق العمومية وكل المؤسسات التابعة للقطاع الشبع العمومي (وزارات، منذوبيات، وكالات، مكاتب، مجالس،…) ولأن المغرب لا يتوفر على قضاء مستقل ونزيه. إن تفشي هذا السرطان يرجع، بالأساس، إلى كون الارتشاء والاختلاس والتبذير ليست ممارسات معزولة وشاذة بقدر ما أنها نتيجة منطقية لأسلوب في الحكم يرتكز على إرشاء النخب السياسية والإدارية والعسكرية والأمنية وغض الطرف عن نهبها بل منحها امتيازات مختلفة (ضيعات، كريمات، رخص مختلفة، إعفاءات ضريبية…) والتعامل مع المؤسسات العمومية كصناديق سوداء ومع الملك العمومي كملك خاص للنظام يتصرف فيه كما يشاء. ويمثل نهب المال العام والاستحواذ على الملك العام (الضيعات، الأراضي في المدارات الحضرية، الشركات العمومية المخوصصة بأبخس الأثمان،…) وكذا الاستفادة من الامتيازات بدون مقابل (رخص، عدم تسديد القروض الممنوحة بشروط تفضيلية، التملص من الضرائب..) أشكالا مختلفة تدخل ضمن التراكم البدائي لرأسمال الطبقات السائدة تنضاف إلى الاستغلال المكثف وارتفاع نسبة الريع. لذلك فإن محاكمة مرتكبي الجرائم الاقتصادية يعني، في الحقيقة، محاكمة المافيا المخزنية والطبقات السائدة وفي الواقع، فإن ملفات الفساد لم تفتح بعد مادامت قطاعات أساسية بعيدة عن أية محاسبة ونعني هتا، بالأخص، الفوسفاط والجيش، وما دام التحقيق يخضع لتوافقات وأوامر تأتي من فوق.

هكذا ولكي تكون معالجة هذه المسألة منصفة، لا بد من تلافي تقديم بعض أكباش الفداء، بل محاكمة كل المسؤولين مهما كانت مواقعهم وإقامة محاكمات عادلة والعمل على استرجاع الأموال المنهوبة والممتلكات المسلوبة ويجب تعميم المحاسبة على كل القطاعات وكل دواليب الدولة وكل المؤسسات التابعة لها، وخاصة تلك التي ظلت دائما خارج دائرة المساءلة والتمحيص (الفوسفاط، الجيش…).

 

ب- الأحزاب الملتفة حول النظام : 

ونتكلم هنا عن الأحزاب الإدارية وعن الأحزاب المحسوبة على الصف الديمقراطي المشاركة في الحكومة.

 لقد أظهرت الانتخابات الأخيرة أن هذه الأحزاب الاجتماعية – الديمقراطية وحزب الاستقلال أصبحت تعيش عزلة متزايدة عن الشعب ولا تمثل سوى جزء بسيط من الشعب المغربي وأنها أصبحت غير قادرة على القيام بدور المعارضة بعد أن أضعفت، وخاصة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان الخاسر الأكبر لأنه فقد جزءا هاما من مناضليه في العمل النقابي والشبابي وعددا من مثقفيه.

إن هذا الواقع نتيجة لسياسات المخزن من جهة وللواقع الذاتي والتوجه السياسي لهذه الأحزاب

فالنظام لم يأل جهدا في إضعاف القوى الديمقراطية وضرب أجنحتها المناضلة الجذرية وتوفير شروط التسلق لأجنحتها الانتهازية. وقد لعب العمل وسط المؤسسات المسماة "ديمقراطية" كذبا (البرلمان، الجماعات المحلية، المجالس المختلفة…) دورا أساسيا في تقوية الاتجاهات اليمينية والانتهازية ووفر شروط  اندماجها التدريجي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وفي النظام القائم وقبولها به كما هو.

وهذه الأحزاب تميزت بغياب الديمقراطية في صفوفها وغياب الصراع على التوجهات والبرامج لفائدة الصراع بين الأشخاص والتكتلات على المواقع وبناء علاقة إلحاق مع المنظمات الجماهيرية عوض احترام استقلاليتها والحرص على توفير الديمقراطية داخلها مما أدى إلى عرقلة توسعها الجماهيري.

وقد كانت حصيلتها، خلال ما يقرب من خمس سنوات، في حكومة ما سمي بالتناوب حصيلة سلبية. ففي ظل التناوب المخزني، استمرت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في التردي، وذلك بسبب تطبيق السياسات الليبرالية المتوحشة (البحث  عن التوازنات المالية على حساب التوازنات الاقتصادية والاجتماعية، خوصصة قطاعات استراتيجية، تكرير النفط واتصالات المغرب… ارتفاع أثمان العديد من المواد…)، كما استمرت الرشوة والمحسوبية والزبونية واختلاس المال العام في الاستشراء في دواليب الدولة وطفت الفضائح، ونذكر منها قضية "النجاة" الإماراتية التي ذهب ضحيتها 80.000 شاب مغربي.

ولم تسلم هذه الحقبة من القمع الذي واجه المعطلين والعمال ونشطي حقوق الإنسان والعديد من فئات الشعب المحتجة على تدهور أوضاعها، وكذا الصحفيين والصحافة التي تجرأت على طرح قضايا ساخنة تهم التاريخ الراهن للبلاد ومستقبلها.

كما تفننت حكومة التناوب المخزني في إصدار قوانين قمعية نذكر منها بالأخص قانون الصحافة. فلا غرابة أن تحجم الجماهير الشعبية بكثافة عن التصويت لفائدة هذه الأحزاب بل أن تقاطع لعبة سياسية مغشوشة القصد منها انتزاع تزكيتها لمؤسسات لا حول لها ولا قوة ولحكومة تلعب فيها الأحزاب المشاركة دور الموظفين المنفذين لسياسات الطبقات السائدة والمخزن.

وقد زاد من فقدان هذه الأحزاب لأية مصداقية تنافس أعضائها الغير المشرف على احتلال رأس اللوائح الانتخابية ولجوئها خلال الحملات الانتخابية إلى نفس أساليب الأحزاب الإدارية واختيار العديد من المرشحين من وسط الأعيان وخدام المخزن الأوفياء وفي غياب بل ضد إرادة القواعد في كثير من الأحيان، كما أن تسابق حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي لمحاولة احتلال منصب الوزير الأول وقيامها ببناء تحالفات انتهازية بهدف تشكيل أغلبية برلمانية واحتدام العداوات بين الأحزاب وداخلها على المناصب وقبولها بجطو كوزير أول ثم السعي الحثيث لكل حزب للحصول على أكبر عدد من المقاعد الوزارية والصراع من أجل الاستوزار، إن كل ذلك يعطي للمواطن صورة سيئة عن هذه الأحزاب ويجعله يزداد اقتناعا بأنها تستهدف خدمة أعضائها وزبنائها

وليس خدمة مصالح الشعب. وبعد أن تمخض الجبل فولد فأرا هو الحكومة الحالية، حكومة الموظفين، انفجرت الخلافات والصراعات داخل الأحزاب الحكومية بسبب استبعاد هذا الطرف أو ذاك من الحكومة.

إن هذه الأحزاب ربطت مصيرها أكثر فأكثر بالنظام القائم ولم تعد قادرة على أية مواجهة، لذلك انصاعت إلى كل ما أراده المخزن : تعيين جطو، تشكيل أغلبية يريدها المخزن (وهنا من المضحك الإشارة إلى أن تحالفا تشكل في مواجهة الاتحاد الاشتراكي والأحرار وبقيادة حزب الاستقلال تفكك ما أن أصدر المخزن أوامره)، اختيار الوزراء من وسط الأحزاب أو من المقربين إليها ومن طرف المخزن وليس من طرف الأحزاب، تحديد التوجهات التي يجب أن تتبعها الحكومة من طرف الملك وبدون أية علاقة مع ما يكون قد التزمت به الأحزاب أمام الجماهير خلال الانتخابات..

سيكون الدور الموكول لهذه القوى، في المرحلة المقبلة، هو الدفاع عن السياسات اللاشعبية التي سيقررها النظام ( تمرير مدونة الشغل، قانون الإضراب، الخوصصة، ضرب مجانية التعليم،..) ومحاولة فرضها عبر إضعاف المقاومة الشعبية لها، خاصة بواسطة محاولة عرقلة نشاط المركزيات النقابية المناضلة ومنظمات المجتمع المدني الجادة.

 

ج- الجماهير الشعبية :

     إذا كانت القوى السياسية  المتواجدة في البرلمان والنظام تنعزل أكثر فأكثر عن الجماهير الشعبية، فإن هذه الأخيرة تواجه أوضاعها بشتى الأساليب. ففي الوقت الذي يواجه فيه جزء من الشباب العطالة بالنضال والتنظيم، يلجؤ جزء آخر إلى محاولات الهروب من واقعه عبر الهجرة السرية، في الغالب، إلى الخارج أو يسقط في براثن الإجرام والكحول والمخدرات والعهارة…

لكن وبشكل عام، وأمام التفاقم الخطير للأوضاع الاجتماعية (الفقر، البطالة، غياب أو تدهور الخدمات الاجتماعية العمومية من صحة وسكن وتعليم ونقل) وأمام فقدان الثقة في الأحزاب البرلمانية وفقدان الأمل في أن تتغير الأوضاع نحو الأحسن بفضل المؤسسات التمثيلية المزورة (والمقاطعة العارمة للشعب المغربي للانتخابات الأخيرة خير دليل على ذلك)، أصبحت الجماهير الشعبية تناضل بفضل أدوات أخرى. وهذا ما يفسر إلى حد كبير تصاعد وتكاثر النضالات الاحتجاجية ولجوء المواطنين إلى تنظيم أنفسهم باستقلال عن القوى السياسية.

إن هذه التطورات تسائل القوى السياسية التي تطمح إلى الانغراس وسط الجماهير الشعبية وتطرح عليها القيام بمحاسبة قاسية للذات لالتقاط انتظارات وهموم الشعب والمساعدة على بلورة الأشكال التنظيمية والمهام النضالية القادرة على تحقيق مكتسبات والارتقاء بهذه الأشكال إلى مستويات أعلى.

كما أن هذه التطورات ستعمق الفرز داخل القوى السياسية وستساهم في بروز قوى واصطفافات جديدة، وخاصة داخل اليسار. وقد شهدت بلادنا هذا الفرز، في السنوات الأخيرة. ولا شك أنه سيتسارع بفعل ما أفرزته الانتخابات الأخيرة وتشكيل الحكومة الحالية.

كما أن الواقع قد أفرز حركتين أساسيتين :

-    حركة تناضل ضد الانعكاسات المدمرة للعولمة الرأسمالية تتكون من الحركة النقابية المناضلة وحركة المعطلين ومختلف الحركات الاجتماعية (ضد الغلاء، من أجل السكن أو النقل ..)

-    حركة تناضل من أجل الديمقراطية الحقيقية وتشكل الحركة الحقوقية والحركة الأمازيغية الديمقراطية والحركة النسائية بعض روافدها الأساسية.

وتلعب العديد من الجمعيات التنموية الجادة دورا هاما في تكوين المواطنين على مواجهة بعض مشاكلهم (مشكل الماء، الكهرباء، الطرق، تعاونيات انتاج و / أو توزيع منتوجات محلية..) خاصة في البوادي وعلى تدبير شؤونهم بنفسهم وقد تساعد على رفد الحركة الديمقراطية بتجارب ومفاهيم جديدة للتدبير الديمقراطي للشأن العام على المستوى المحلي والاقتصاد التضامني.

ولا شك أن وعي الشعب المغربي المتنامي بأن الديمقراطية في بلادنا ستظل شكلية وبعيدة عن التعبير عن إرادته ما دامت البنيات المخزنية الفاسدة قائمة ومتربعة على السلطة وما دام الدستور لم يعرف تغييرا جذريا، إن هذا الوعي سيؤدي إلى تجذير النضال الديمقراطي وطرحه للشعارات الملائمة ويطرح على القوى اليسارية الجذرية، ومن ضمنها النهج الديمقراطي، أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية في تطوير وتفعيل وتوحيد هذه الحركات المناضلة ولكي لا تظل مشتتة ودفاعية وذات أفق محدود.

ومن التحديات المطروحة على القوى اليسارية المناضلة تحديد أسلوب واضح للتعامل مع القوى الأصولية. وإذا كان موقفنا واضح على المستوى الأيديولوجي وهو رفض مرجعية هذه القوى، فإن التناقضات داخلها بين من يؤيد النظام القائم وبين من لا يؤيده والتطورات التي عرفتها بعد أحداث 11 شتنبر 2001 والتي أدت إلى انقسامات داخلها بين من يؤيد "العنف" ومن يناهضه، تفرض على اليسار الجذري المزيد من تدقيق موقفه. هذا خاصة وأن العدل والإحسان، وأمام محدودية العمل الإحساني بسبب تفاقم الفقر وتوسع دائرته ونضوب إمكانيات التمويل الخارجي واستهداف النظام لهذه الجماعة ومنافسته لها في العمل الإحساني، بدأت تلجؤ أكثر إلى العمل في المنظمات الجماهيرية والتواجد في النضالات الميدانية وفي المناظرات السياسية والفكرية.

 

2-    ما هي مهام اليسار الجذري في المرحلة الراهنة ؟   

إن التقدم على طريق حل التناقض الأساسي بين الطبقات السائدة من جهة، والطبقات الشعبية والوطنية من جهة ثانية وبناء نظام ديمقراطي في أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجهوية يتطلب، في المرحلة الراهنة، العمل الدؤوب من أجل تغيير موازين القوى لصالح الطبقات الشعبية التي أصبحت ترفض الديمقراطية المخزنية وتناضل بقوة واستماتة للدفاع عن مصالحها ومكتسباتها..

إن ذلك لن يتأتى إلا إذا اقتنع اليسار أن التغيير سيأتي بفضل نضال الشعب ولن يأتي من فوق كمنة من أي كان وإذا اقتنع أن الطبقات السائدة والمخزن قوى من طبيعتها مناهضة الديمقراطية وفرض الاستبداد والتسلط.

إن تغيير ميزان القوى لصالح الطبقات الشعبية يستوجب انجاز ثلاث مهام مرتبطة ومتلازمة فيما بينها:

-    مهمة تطوير وتنظيم وتوحيد الحركة الاحتجاجية للجماهير الشعبية، وذلك عبر مساعدتها على بناء أدوات الدفاع الذاتي وتحصينها ضد التلغيم أو الاحتواء من طرف المخزن أو القوى الملتفة حوله وبلورة آليات وأشكال للتضامن فيما بين هذه التنظيمات الذاتية المستقلة. ويجب أن يرتكز هذا البناء على نبذ أي هيمنة عليها من أي طرف كان. وفي هذا الإطار، يجب مواجهة التقسيم النقابي والبيروقراطية والعمل على توسيع التنقيب. وبشكل عام، تصحيح أوضاع المنظمات الجماهيرية ومنظمات المجتمع المدني بالارتكاز على الديمقراطية الداخلية.

-    مهمة بناء الأداة السياسية المستقلة للطبقة العاملة وعموم الكادحين: إن الواقع يبين أن الأحزاب البرلمانية تمثل مصالح الطبقات السائدة وفئات عليا من الطبقات المتوسطة. لذلك فإن مهمة بناء الأداة السياسية المستقلة للكادحين تقع على كاهل القوى الاشتراكية الحقيقية ومن بينها النهـــــــج

 الديمقراطي، أكانت منظمة أم غير منظمة ولكن متواجدة وسط الحركة النضالية لهذه الطبقات، إن هذه المهمة تتطلب مجهودا أيديولوجيا يتمثل في تجديد الفكر الاشتراكي وتأصيله في التربة المغربية. كما أنها تتطلب إبداع أشكال جديدة للتنظيم تساعد على التمفصل بين الحركة النضالية للجماهير الكادحة ومنظماتها الذاتية المستقلة ربين الأداة السياسية لعموم الكادحين. هذه الأشكال والآليات التي تسمح بالتفاعل والتأثير المتبادل بينهما والارتقاء بالوعي الحسي والفئوي الذي تعبر عنه الحركة العفوية إلى وعي سياسي طبقي وتستوجب أيضا العمل المثابر من أجل توحيد كل الاشتراكيين الحقيقيين.

-    مهمة توحيد القوى الديمقراطية الجذرية في إطار قطب ديمقراطي يستهدف إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، وتفترض هذه المهمة تحديد القوى السياسية والاجتماعية المساهمة في هذا القطب وتدقيق آليات التحالف وتوضيح البرنامج الذي سيناضل من أجله..

 

3-    البرنامج المطروح في المرحلة الراهنة :

         تتمثل المهام النضالية الأساسية في المرحلة الراهنة في :

 

أ?-            النضال ضد الرأسمالية المتوحشة :

·   دعم نضالات العمال ضد التسريح وإغلاق المعامل وتقليص ساعات العمل والمطالبة بتحسين الأجور والرفع من الحد الأدنى لها.

·        مواجهة خطر تمرير مدونة الشغل وقانون الإضراب والنضال من أجل مدونة شغل ديمقراطية تضمن حقوق العمال.

·        دعم نضالات المعطلين من أجل الحق في الشغل والمطالبة بصندوق للتضامن والتأمين ضد البطالة.

·        النضال من أجل توقيف تفويت القطاع العام للخواص واسترجاع ما فوت منه من قبل.

·   النضال من أجل عدم الإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية ومن أجل استرجاع أموال الشعب المنهوبة وممتلكاته المسلوبة.

·   النضال ضد التوجه نحو تصفية ما تبقى من دعم للمواد الغذائية الأساسية والقضاء على شبه احتكار انتاج بعضها من طرف أونا ONA (السكر، الزيت، الحليب…)

·   النضال من أجل التراجع عما جاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين حول ضرب مجانية التعليم ودعم نضالات التلاميذ والطلبة من أجل مجانية وتعميم التعليم ودمقرطته وجودته.

·   المساهمة في النضال ضد العولمة الرأسمالية وربط نضالنا ضد انعكاساتها بهذا النضال العام (إلغاء الدين الخارجي، مواجهة الرأسمال المالي المضارباتي، مواجهة الشركات المتعددة الاستيطان.)

·        دعم النضالات ضد تلوت البيئة والتسلح ومن أجل السلم والأمن في العالم.

·        دعم نضالات المهاجرين ضد كل أشكال التمييز والعنصرية ومن أجل الكرامة.

 

ب?-        النضال من أجل بناء نظام ديمقراطي حقيقي :

-         النضال من اجل القضاء على الطابع المخزني للدولة:

 ·   النضال من أجل محاكمة المسؤولين عن الجرائم السياسية والكشف عن حقائق الاختطاف وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين و المختطفين وإرجاع رفات المتوفين منهم وتعويض ذوي الحقوق.

·        النضال من أجل تفكيك الأجهزة الأمنية السرية والموازية المسؤولة عن الاختطاف

·        رفع يد وزارة الداخلية عن باقي الوزارات والمرافق العمومية.

·        فضح لوبيات الفساد في الإدارة المدنية والعسكرية والحد من سلطات الولاة والعمال وخضوعهم للحكومة

-    النضال من أجل دستور ديمقراطي بلورة ومضمونا وتصديقا يضمن فصلا حقيقيا للسلط ويجسد إرادة الشعب باعتباره صاحب السيادة ومصدر كل السلط ويضمن المساواة بين الرجل والمرأة على كل المستويات ويعترف بالغة الأمازيغية كلغة وثقافة وطنيتين

-         الدفاع عن الحريات الديمقراطية :

·        حرية التنظيم : فضح حرمان عدد من القوى، ومن ضمنها النهج الديمقراطي، من وصل إيداع ملف التأسيس

·        حرية الرأي : النضال ضد ما يسمى بالخطوط الحمراء المعلن منها أو المضنرة وضد قانون الصحافة الجديد.

·        حرية التظاهر : فضح القوانين وممارسات السلطة التي تهدف إلى منع حق التظاهر والقمع الذي يواجه الوقفات الاحتجاجية.

·        وبشكل عام، مواجهة أي مس بالحريات العامة والنضال ضد قانون الحريات العامة الحالي.

 

ج – دعم نضالات الشعوب، وفي مقدمتها الانتفاضة الفلسطينية :

·   دعم نضالات الشعوب، وخاصة في العالم العربي، ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية، وخاصة مواجهة خطر الحرب الإمبريالية ضد الشعب العراقي.

·        دعم الانتفاضة عبر بناء وتفعيل لجان الدعم ومقاومة التطبيع.

 

 

عبد الله الحريف

02 نونبر 2002.

 



#عبد_الله_الحريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دفاعا عن الجوهر الحي للماركسية


المزيد.....




- لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء ...
- خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت ...
- # اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
- بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
- لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
- واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك ...
- البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد ...
- ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
- الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
- المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5 ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الله الحريف - اليسار ومهام المرحلة الراهنة - المغرب