فلاح علي
الحوار المتمدن-العدد: 4372 - 2014 / 2 / 21 - 16:25
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
في البدأ لا بد من تبيان حقيقة ان مؤتمر جنيف 2 فرض على جميع الاطراف وذلك نتيجة لتوازنات وتوافقات دولية أفرزها الواقع الموضوعي الذي يمر فيه الوضع الدولي والاقليمي في هذه المرحلة . من هذا فأن مؤتمر جنيف شكل انعطافة هامة في المواقف الدولية والاقليمية والمحلية في تبني الخيار السلمي بدلاً من الخيار العسكري لحل الازمة السورية وتحت رعاية الامم المتحدة بلا شك ان روسيا وامريكا هما راعيتان للمؤتمر. على ضوء هذه التوازنات الدولية واحتضان الامم المتحدة له , شكل آلية ومدخل للحل السلمي للازمة السورية من خلال المفاوضات , وذلك بعد فشل الخيار العسكري لحل الازمة السورية من كلا الطرفين من طرف النظام الذي وافق على حضور مؤتمر جنيف وتخلى عن خيار الحسم العسكري لأنه غير ممكن , ومن طرف المعارضة التي تخلت عن الخيار العسكري ومعها الولايات المتحدة الامريكية التي تراجعت عن التدخل العسكري لاسقاط النظام لعدم جدواه ولعدم توفر الامكانية له لا محلياً ولا إقليمياً ولا دولياً .
مالذي يمكن ملاحظته على مؤتمر جنيف 2 وماأنتجه للشعب السوري :
1-ارى من وجهة نظري ان ما اكده مؤتمر جنيف 2انه لا تزال توجد مصلحة للشعب السوري ولمستقبل سورية الديمقراطية لبذل جهود لمواصلة مفاوضات جنيف . وهذه تشكل ارضية صالحة للحل السلمي وهو الاصلح لحل الازمة السورية .ويؤكد على التحلي بالنفس الطويل والمرونه في المفاوضات , لأن الحل السلمي للازمة التي طال أمدها 3 سنوات لا يمكن حسمه او تحقيقه في جولتين او ثلاث جولات من المفاوضات , انه بحاجة الى فترة اطول , والحاجة اكثر لبناء جسور الثقة والقيام بمبادرات من كلا الطرفيين المعارضة وبالذات النظام والقوى الدولية والاقليمية لتهيئة مستلزمات الحل السلمي العديدة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية ووقف العنف والارهاب والانسانية وانهاء التدخل الخارجي في الشأن الداخلي السوري...... الخ .
2- ما اكده مؤتمر جنيف 2 ان كلا الوفديين المعارضة والنظام لم يتخليا بعد عن رؤية وعقلية الحل العسكري والتهديد به رغم عدم جدواه للشعب السوري, وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال التصريحات , التي يستنتج منها ان خيار الحلول العسكرية كأنه هو الارجح في عقول المتفاوضيين وحتى بعض الراعيين للمؤتمر مثل الولايات المتحدة الامريكية.
3- ان كلا الوفدين إختزلا وثيقة جنيف واحد بأحد خياريين لكل منهما , وفد النظام اصرعلى مناقشة (مكافحة الارهاب اولاً ) ووفد المعارضة تمسك بخيار ( مناقشة الهيئة الانتقالية او المرحلة الانتقالية ) . وظهر ان الطرفان بتمسكهم بهذا الطرح انهما قد اكدا للعالم اجمع على أ- انهم منذ بداية المفاوضات وكأنهم يعملون على عرقلة مؤتمر جنيف 2 وبالتالي فانهم بهذه العقلية يهيئون الى قتل الحل السلمي الذي ينتظره الشعب السوري في الداخل والمهجر في الخارج . وب- انهم بهذا الطرح قد ركنوا جانباًمصالح الشعب السوري المتمثله في حقوقه وحرياته الديمقراطية وحاجاته السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية ... الخ وج- اكدوا على ان هنالك مصالح فئوية ذاتية وشخصية يُبحث عنها ويتطلب انتزاعها من هذا المؤتمر اضافة الى وجود تدخلات خارجية على سير المفاوضات.وبهذا الرؤية وهذاالطرح من كلا الطرفيين ارى انه لا المعارضة كانت مؤهلة لتمثيل مصالح الشعب السورية ولا وفد النظام .
مالذي حصل بعد هذا الموقف المرتبك واللامسؤول من كلا الوفدين :
الذي حصل ان وفد النظام أدرك خطأه ولعب لعبه ذكية فيها براعة وحنكة سياسية ودبلوماسية , ( ولا يعرف الشعب السوري هل هي من نتاج عقل الوفد ام بنصيحة من روسيا لكنها سجلت نجاح للوفد ) . حيث وافق وفد الحكومة السورية على مناقشة وثيقة جنيف واحد بند بند , وبهذا فأن وفد الحكومة قد سحب البساط من وفد المعارضة الذي تفاجئ بهذا الطرح وكأنه لم يتوقعه وكانت ضربة معلم من قبل وفد الحكومة عندما وافق على جدول العمل بهذه الصورة. لانه ما جاء في وثيقة جنيف واحد هو مصطلح (وقف العنف) بلا شك من كلا الطرفيين , وقف العنف يعتبر احد الادوات لبناء جسور الثقة و لفتح الطريق امام الحل السلمي , والارهاب يدخل في هذا الاطار . وتشير وثيقة جنيف في هذا الجانب بما معناه ان هنالك مع وقف العنف مجموعة اجراءات مترابطة ومنها وقف التدخل الخارجي , يرافقها اطلاق العملية السياسية من جانب النظام بتشكيل حكومة انتقالية تضم جميع اطراف المعارضة السياسية والاحزاب والفئات الاجتماعية للقيام بمجموعة من الخطوات والتحولات الديمقراطية .كأطلاق سراح السجناء والمخطوفيين , والتعويضات , واطلاق الحريات الديمقراطية , واعادة صياغة الدستور , وتحديد مواعيد الانتخابات البرلمانية والرئاسية ... الخ .
4- ما يؤاخذ على وفد الأتلاف من وجهة نظري , هو انه في التصريحات الاعلامية ظهر انه يمثل مصالح الشعب السوري , لكن في الممارسة وقف ضد مصالح الشعب السوري , وارى من وجهة نظري السبب يعود الى : 1- انه لم يمثل كل المعارضة والمستقلون والفشات الاجتماعية والسياسية وبالذات المعارضة الديمقراطية الرافضة للحل العسكري في الداخل . 2- أثناء المفاوضات صرح بعض اعضاء الوفد انه سنحصل على اسلحة متطورة , وهذا يترجم ان وفد المعارضة غير جاد في الحل السلمي وقد يعتبره تاكتيك للكسب الاعلامي والسياسي . 3- لم يرفض وفد المعارضة التدخل الخارجي . 4- بعض اعضاء الوفد ومنهم الرئيس متورطون بأجندة اقليمية ودولية , هذه الاجندة تقف بالضد من الحل السلمي ومن مصالح الشعب السوري . 5- صحيح ان النظام في سورية مارس اقسى حالات العنف خلال الازمة السورية مثال من التعذيب ضد السجناء واستخدام البراميل المفخخة التي تنزل من الجو التي لا تميز بين المواطنيين والمقاتليين, لكن وفد المعارضة لم يعترف بوجود ارهاب من طرف المعارضة وبالذات المتطرفة منها مثل النصرة وداعش ولواء الاسىىلام السعودي او الجبهة الاسلامية ... الخ . ولم يدين الارهاب فقط حمله على النظام , وهذا الموقف من وجهة نظري وضع وفد المعارضة في أزمة أخلاقية وسياسية واعلامية وحتى مستقبلية , لانه وضع نفسه بنفس خانة القوى المتطرفة الارهابية مثل داعش والنصرة ولم يميز بين هدفه لمستقبل سورية وبين هدف هذه القوى التي تريد دولة دينية متطرفة واعادة الظلام الى سورية وقتل الحياة والحقوق والحريات فيها .بهذا ارى من وجهة نظري ان وفد الأئتلاف انهزم في الجولة الاولى والثانية من جنيف 2 .
اسألة الى وفد الأتلاف المعارض : هل يستفاد وفد الأتلاف من هذه الاخطاء في الجولة الاولى القادمة من جنيف 3 ؟. ويوسع تمثيله بحضور ممثلي المعارضة الديمقراطية واليسارية الحقيقية في الداخل الرافضة للحل العسكري والتي تناضل من اجل تحقيق مصالح الشعب السوري واحداث التغيير الديمقراطي الجذري لبناء سورية الجديدة الديمقراطية التعددية التداولية . وهل ان مصلحة الشعب السوري ومستقبل سورية مرتبط فقط بتشكيل الهيئة الانتقالية ؟ وهل ان تشكيل الهيئة الانتقالية هو يمثل كل الحل السلمي للازمة السورية ؟ وهل مؤتمر جنيف 2هدفه فقط اقامة هيئة انتقالية ؟
مالذي يمكن ملاحظته على الدور الامريكي خلال مفاوضات جنيف 2 :
الدورالامريكي ليس فقط كان معرقل لانجاح المفاوضات ,وانما مارست الوفد الامريكي والادارة الامريكية اثناء المفاوضات سلوك سياسي ودبلوماسي غريب غير مشجع على مواصلة المفاوضات . حيث قامت امريكا بمجموعة من الاجراءات والتصريحات التي اسهمت في تسخين الاجواء بين الوفدين المتفاوضيين , وبهذا التصرف او السلوك الغير مقبول سياسياً ودبلوماسياً ارادت امريكا من وجهة نظري ان تؤكد للعالم ان الحل السلمي للازمة السورية وصل الى طريق مسدود ,لكنه في الواقع لم يصل الحل السلمي الى طريق مسدود , بقدر ما اكد للعالم ان هنالك احباط امريكي بارز, تجسد في سلوكها و دبلوماسيتها وسياستها الخارجية التي اصابها الوهن . وسأذكر بعض الامثلة عن السلوك السياسي الغريب من خلال الاجراءات والتصريحات التي مارستها الولايات المتحدة الامريكية خلال المفاوضات بين الوفدين وهي التالي :
1-اثناء المفاوضات صرح وزير الخارجية الامريكية جون كيري ان الرئيس الامريكي أوباما اخبره في البحث عن خيارات جديدة تجاه الازمة السورية . من منطلق ان المفاوضات فشلت في تشكيل هيئة الحكم الانتقالي .
2-خلال المفاوضات زار امريكا الرئيس الفرنسي اولاند , وبعد انتهاء الزيارة في مؤتمر صحفي جمع الرئيسيين , صرح اوباما الى احتمال اعادة النظر بسياسته تجاه سورية , وهذا التصريح يؤكد ان الخيار العسكري لا يزال مطروح .
3-كما صرح وزير الخارجية الامريكية ان الرئيس أوباما قلق لتدهور الوضع الانساني في سورية , واشار انهم سيقدمون الى مجلس الامن مشروع قرار انساني يسمح بفتح ممرات للجانب الانساني , بلا شك رؤية امريكا ان القرار سيكون تحت الفصل السابع . وستؤيده بريطانيا وفرنسا في مجلس الامن . لهذا صرح لا فروف ان روسيا ستتخذ الفيتو في مجلس الامن , لانه طالما يكون تحت الفصل السابع , فانه سيكون مبرر لاستخدام التدخل العسكري الخارجي تحت غطاء الشرعية الدولية كما حصل في العراق وفي ليبيا . وبهذا ارى من وجهة نظري ان امريكا بدأت من جديد بسياسة ارهاب الشعب السوري . ومع هذا في ظل الرفض الروسي والصيني للقرار , من منطلق الخشية من تسييس الجانب الانساني بالرغم من أهمية الجانب الانساني, تشير وكالات الانباء هناك تعديلات على مشروع القرار لا تتضمن استخدام عقوبات او وضعه تحت الفصل السابع وتم تعديله على ضوء مشروع القرار الذي تقدمت به روسيا وتم دمجه بقرار واحد مع مكافحة الارهاب , لأن روسيا والصين يريدان ا ن يكون القرار غير مسيس وحيادي ومتوازن , وسيصدر القرار وننتظر الموقف الروسي والصيني بالنقض او القبول على ضوء محتوى القرار .
4- نقلت وكالات انباء انه اثناء المفاوضات اتخذ الكونكًرس الامريكي قرارسري بتزويد المعارضة بالسلاح .
5-كما نقلت وكالات الانباء اثناء المفاوضات ان امريكا دعت الى عقد مؤتمر استخباراتي لعدد من الدول منها 8 دول عربية لمناقشة امداد المعارضة بالسلاح , كما تؤكد الاخبار ان الولايات المتحدة الامريكية وبدعم سعودي تضغط على الاردن لفتح جبهة درعا , الواقعة في الجهة الجنوبية من دمشق , لتشكيل ضغط على الجيش السوري واحراز تقدم و اختراقات فيها لقربها من دمشق بعد ان دربت مقاتليين في الاردن ومدتهم في السلاح ولفك الحصار عن القلمون وحمص وحلب .
تساؤلات :
اذا كانت امريكا العضو في مجلس الامن والدولة الراعية لمؤتمر جنيف مع روسيا , لماذا مارست سياسة تصعيدية انتقائية غير حيادية خلال مؤتمر جنيف 2 وبدأت تلوح باستخدام القوة العسكرية وتعد العدة لفتح جبهة درعا القريبة ب90 كم من دمشق وبدعم سعودي ؟. هل هو احباط امريكي سعودي ؟ام انها والسعودية قد فقدوا صوابهما بعد ان بدأت معركة القلمون المحاذية لحدود لبنان ؟ في حالة حسمها ستتغير موازين القوى بالكامل لصالح الجيش السوري وذلك ارتباطاً بالاهمية الاستراتيجية لبلدة يبرود التي تدور المعارك حولها الآن الواقعة في القلمون على حدود بلدة عرسال البنانية , يبدوا ان معركة يبرود في القلمون لها ابعاد اقليمية لأنه في حالة حسمها سينتهي النفوذ السعودي في المنطقة ,. ام ان التصعيد الامريكي بالخيار العسكري والتهيئ لفتح جبهة درعا هو لخلق واقع جديد على الارض قبل عقد الجولة الاولى من مؤتمر جنيف 3 ؟ ام ان امريكا تهدف من هذا التصعيد العسكري هو لعقد صفقة مع روسيا تتضمن تسوية الازمة السورية مقابل تسوية في اوكرانيا مثلاً او في مكان آخر؟ وأعتقد هذا ما سترفضه روسيا لأنها تريد الحل السلمي بأن يكون سورياً بلا صفقات خارجية اضافة الى انها دولة راعية للمفاوضات . سننتظر ما ستبينه الاسابيع القادمة لأن تداعيات الاحداث سريعة جداً معركة القلمون بدأت وهناك استعدادات لفتح جبهة درعا بدعم امريكي غربي سعودي . التسائل هل يوافق الاردن على فتح حدودة لبدأ الهجوم على دمشق من جهة درعا ؟ وأخيراً تشير المعلومات انه تم توحيد 49 فصيل مسلح لزجهم في معركة درعا وان السلاح سوف يصل اليهم التساؤول هنا كيف تستطيع امريكا والائتلاف المعارض في ظل هذا التوحيد للفصائل من منع وصول السلاح للقوى المتطرفة الارهابية ؟ (يتبع )
21-2-2014
#فلاح_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟