|
نظرة سورية إلى أوكرانيا المنتفضة
محمود الحمزة
(Mahmoud Al-hamza)
الحوار المتمدن-العدد: 4371 - 2014 / 2 / 20 - 19:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نظرة سورية إلى أوكرانيا المنتفضة إن ما يجري في أوكرانيا ناتج عن احتقان شعبي وتذمر من استمرار الفقر والبطالة وتدهور مستوى المعيشة مقترن باستبداد وفساد كبيرين ولا يخفى على أحد أن الطبقة الحاكمة في كييف فاسدة وهي طبقة الأوليغاركية (الأوكرانيون الجدد على شاكلة الروس الجدد في موسكو). لم تكن الثورة البرتقالية التي حدثت في أوكرانيا منذ سنوات ثورة حقيقية لأنها نقلت السلطة من طبقة فاسدة إلى طبقة فاسدة حيث تزعم كلا الفريقين المتصارعين على السلطة، قوى وشخصيات ليس لها تاريخ مشرف بل كانت مدعومة من جهات خارجية بالدرجة الأولى. علماً أن الشعب – وقود الثورة- كان صادقا في انتفاضته واحتجاجاته معبراً عن طموحه نحو تحسين حياته المعيشية والتمتع بحرية وبحقوق إنسانية وفق النموذج الأوروبي. ويمكن القول إن الأطراف المتعارضة في أوكرانيا اليوم لا تختلف كثيراً عن بعضها من حيث سلوكها وتعاملها مع مصالح الشعب والبلاد. لكن الفرق أن فريقاً يمثل أبناء غرب أوكرانيا ذوي الميول القومية المتعصبة المعادية لكل ما هو أجنبي وخاصة روسي وسوفييتي وشيوعي. كما أن نسبة كبيرة من هؤلاء الأوكرانيين يحلمون بالانضمام بالاتحاد الأوروبي وقد كرهوا النمط السوفييتي والروسي المعاصر. ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن أوكرانيا مقسمة كدولة إلى 3 أجزاء: الجزء الغربي (الذي يتميز بزيادة عدد أبناء القومية الأوكرانية الذين يتبع جزء مهم منهم الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية) ويريدون تأسيس دولة قومية أقرب لأوروبا الغربية منها لروسيا، والجزء الشرقي معظم سكانه من القومية الروسية وهي منطقة غنية بالثروات والصناعات الثقيلة من أيام الاتحاد السوفييتي وهي تميل لروسيا. وهناك المنطقة الوسطى- الجنوبية معتدلة. ونسبة المنتمين للقومية الأوكرانية تزيد عن 75 %. ونسبة الأرثوذكس تزيد عن 90%. ويصعب التمييز بين الروس والأوكران لأنهم شعبان سلافيان ولهم تاريخ مشترك ولغة متقاربة جداً ويكفي القول إن بداية الدولة الروسية القديمة منذ أكثر من ألف سنة وبداية اعتناق الديانة المسيحية انطلقت من كييف – عاصمة الدولة الأوكرانية. ولا ننسى أن أشهر قادة الاتحاد السوفييتي مثل نيكيتا خروتشوف وليونيد بريجنيف وميخائيل غورباتشوف كانوا من أصول أوكرانية. وعرفت أوكرانيا أيام الاتحاد السوفياتي بنهضتها العلمية والصناعية والزراعية ومفاعلاتها النووية واسلحتها المتطورة (أتلفت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي رؤوسها النووية مقابل دعم مالي غربي). ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تدهورت البنية التحتية وتم خصخصة القطاع الحكومي ونشأت طبقة من الطفيليين الأغنياء وتم افقار البلاد بالرغم من بعض المساعدات الخارجية. وتقف أوكرانيا على حافة الانقسام إلى قسمين غربي مع أوروبا وشرقي مع روسيا. أما موقف روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي من أوكرانيا فقد اعتمد على ضرورة اتباع الاقتصاد الأوكراني وبالتالي السياسة الأوكرانية لسياسة موسكو. وانعكس ذلك بشكل خاص في مجال الغاز الطبيعي الذي تصدره روسيا إلى أوروبا عبر أنابيب تمتلكها أوكرانيا وتمر في أراضيها، بالإضافة إلى أنها تشتري من روسيا ما تحتاجه من الغاز. وقد مارست موسكو ضغوطات هائلة على كييف عبر مؤسساتها المصرفية وشركاتها النفطية وأهمها شركة "غاز بروم" التي حاولت شراء أنابيب الغاز وكذلك الهيمنة على شركة النفط والغاز الأوكرانية، ونفس الشيء ينسحب على المجالات الاقتصادية الأخرى مثل قطاع المصارف حيث سعت موسكو لشراء البنوك الأساسية الأوكرانية مستغلة التأخر الكبير في النمو الاقتصادي وحاجة أوكرانيا للتمويل. وبالرغم من أن موسكو قدمت قرضاً كبيرا يصل إلى 15 مليار دولار لكييف منذ أشهر بعد أن رفض الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش منذ عدة أشهر التوقيع على اتفاقية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وقد استلمت كييف 3 مليارات منها. وبعدها مباشرة انطلقت الاحتجاجات على عدم موافقة القيادة الأوكرانية الانضمام إلى المجتمع الأوروبي. وقد لاحظ المراقبون أن يانوكوفيتش حاول ابتزاز روسيا وأوروبا في نفس الوقت للحصول على مكاسب أكبر من روسيا في تخفيض سعر الغاز ومن أوروبا في تقديم قروض وتسهيلات مختلفة. وتتمتع أوكرانيا بموقع استراتيجي في غاية الأهمية بالنسبة لروسيا وأوروبا في نفس الوقت. وأكثر ما تخشاه روسيا هو انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي وتبعيتها لحلف الناتو وإمكانية نشر الدرع الصاروخي على أراضيها الملاصقة لروسيا. ومنذ اندلاع الثورة السورية قامت عائلة الأسد بتهريب أموالها إلى روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء حيث استقر خالد بشار الأسد محمد مخلوف لأشهر طويلة وأشرف بنفسه على تحويل عشرات المليارات من الدولارات ليستثمرها من خلال شركات تأسست خصيصا لذلك في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا تعمل في مجال البناء والمصارف والعقارات. والمسألة الأهم في موضوع أوكرانيا أن روسيا تخشى اختراق غربي من الجهة الأوكرانية ما يسبب قلقاً كبيراً لها على ضوء أحداث الثورة السورية التي وإن صمدت روسيا وحافظت على موقف داعم للنظام السوري إلا أنها لا تشعر بالارتياح والتي عزلت موسكو عن عشرات الدول وخاصة في العلمين العربي والإسلامي وحتى في أوروبا، بل مجبر أخاك لا بطل على هذه المواقف التي تنسجم مع مصالح الروس الجدد والتي لا تتقاطع مع مصالح الشعب الروسي. ومن خلال متابعة وسائل الإعلام الروسية في تغطيتها للأحداث في أوكرانيا نلاحظ نهجاً مشابهاً لتغطيتهم للأحداث في سوريا. فهنا بدأوا بالحديث عن نشوب حرب أهلية وعن المتطرفين ومحاولة انقلاب عسكري وعن تخريب البلاد وعن إرهابيين، ودعوا الرئيس الأوكراني لممارسة دوره كرئيس ويلمحون الى ضرورة استخدام القوة في قمع الانتفاضة الأوكرانية الشعبية. وتتهم موسكو أمريكا وأوروبا بتحيزهم إلى جانب المتمردين و"الخارجين عن القانون" حسب وصف الساسة الروس، وتطالب روسيا بضرورة الحوار وترك المجال للشعب الأوكراني ليحل مشاكله دون تدخل أجنبي. وكأن هذه العبارات سمعناها من قبل في المشهد السوري. لكن شتان بين التصريحات وبين الأفعال! والسؤال الذي يطرح نفسه ويعرف جوابه الكثيرون. لماذا تقف القيادة الروسية بشكل أعمى ومتصلب إلى جانب الأنظمة الشمولية الديكتاتورية قافزة فوق مشاعر الشعوب في تلك الدول، وإنما دون مراعاة للاحتقان الشعبي في روسيا الذي قد ينفجر في يوم من الأيام. يوم لا ينفع مال ولا آمون (القوات الخاصة).
#محمود_الحمزة (هاشتاغ)
Mahmoud_Al-hamza#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العمل الوطني المشترك هو السبيل لإنقاذ الثورة السورية
-
روسيا والصراع الدولي الجيواستراتيجي على الأرض السورية
-
هل روسيا حقاً متمسكة بالأسد وعائلته؟
-
لا تنسوا محافظة الحسكة وأهلها الطيبين
-
الحرية لفائق المير ولكلّ المناضلين الشرفاء المعتقلين في سجون
...
-
معضمية الشام رمز الصمود الاسطوري ودليل على أن الأسد أكبر مجر
...
-
بعض الكلمات الى الموالين لنظام الاسد
-
السياسة الروسية الرسمية والمعارضة السورية
-
ملاحظات سريعة بمناسبة قرار مجلس الامن بنزع السلاح الكيماوي ا
...
-
أما آن لنا أن نصدق مع أنفسنا ومع ثورتنا؟
-
حول علاقة السياسة بالدين (نموذج الأحزاب الدينية)
-
تحيا الأخوة العربية الكردية (هر بيجي كرد وعرب رمز النضال)
-
تضامنوا مع انتفاضة الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة
-
جمعة آزادي ومأزق النظام السوري
-
بيان من المغتربين السوريين في روسيا
-
يا للعار .. النظام السوري يساعد المجرم القذافي في ذبح الشعب
...
-
نداء من مغترب عربي سوري من أبناء الجزيرة السورية إلى الشباب
...
-
-شوايا- سورية سيسقطون نظام التعسف والفساد
-
رسالة من شيوعي سوري قديم إلى الشيوعيين وكل الوطنيين في سوريا
-
تساؤلات حول ماهية الاستقرار المزعوم في سوريا
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|