|
لماذا نشيد برجا عاجيا : ستانلي فيش
معين جعفر محمد
الحوار المتمدن-العدد: 4370 - 2014 / 2 / 19 - 21:09
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
لماذا نشيد برجا عاجيا ؟ كتابة : ستانلي فيش ترجمة: معين جعفر محمد
« في الشهر القادم ، سوف ينزل ستانلي فيش درجة ، بصفته عميدا لكلية الآداب و العلوم الليبرالية في جامعة الينوا في شيكاغو » ( الناشر ) بعد حوالي خمسة عقود من العمل الأكاديمي ، و خمس سنوات و نصف عميدا للجامعة العامة ، أغادر و في جعبتي حكمة ذات ثلاث شعب ، أوجهها لأولئك العاملين في التعليم العالي : قم بعملك أنت ؛ لا تحاول القيام بعمل شخص آخر ، لمجرد عدم رغبتك في أن تعد مؤهلا ؛ و لا تدع لأي شخص آخر القيام بعملك . بتعبير آخر ، لا تدع التزاماتك الأكاديمية تختلط بالتزام توخي إنقاذ العالم ؛ فذلك ليس عملك الأكاديمي ، و لا تتنازل عن التزاماتك الأكاديمية مراعاة لأجندا أية فئة انتخابية غير أكاديمية ، سواء أكانوا آباء ، مشرعين ، أمناء أو متبرعين . باختصار : لا تتعد الحد الفاصل ما بين العمل الأكاديمي و التأييد الحزبي ، سواء أكان هذا التأييد من عندك انت أم من عند شخص آخر . لقد قال ماركس قولا مشهورا: ” يهدف عملنا إلى تغيير العالم، لا إلى تأويله.“ و لكن في الأكاديمية، في كل الأحوال، يحدث عكس ذلك تماما: فليس هدف عملنا تغيير العالم بل تأويله. و بينما يمكن للأنشطة الأكاديمية ، في بعض الأحوال ، أن تلعب دورا في سياسات العالم الواقعي – كأن تستشهد المحكمة العليا ، مثلا ، بكتاب لك في سبيل التوصل إلى قرار – فلا ينبغي أن يكون لعب ذلك الدور آتيا عن سابق قصد . وبينما يتفق الأكاديميون ، بصورة عامة ، على ضرورة ألا ترقص الجامعة على نغمة الفئات الانتخابية من خارجها ، فإنهم ، على الأرجح ، يقاومون الإيعاز للمحافظة على الحد الفاصل بين العمل الأكاديمي و العمل السياسي . هم يقاومون لأنهم ببساطة لا يؤمنون بوجود هذا الحد .. معتقدين بأن كافة الأنشطة سياسية بالتضمن، و أي إيعاز لتجنب السياسة، يعد بلا معنى و عبثا. و الآن ثمت حقيقة لذلك ، و لكنها ليست بالحقيقة التي تحرز نجاحا كبيرا . و من المؤكد أنها لا تنجح في مقام يريد لها أولئك الذين يزعمونها ، أن تنجح فيه . صحيح أنه لا يوجد عمل مهما يكن شكله – حتى العمل الذي هو من صنف العلم الطبيعي ، مثلا – يقف في معزل عن الاهتمامات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية التي تبلور بنى المجتمع و ممارساته . لكن هذا لا يعني ، بأية حال من الأحوال ، عدم وجود فرق بين الأنشطة الأكاديمية و الأنشطة الحزبية ، أو عدم وجود فرق ، مثلا ، بين تحليل تاريخ إصلاح الرفاهية – هذا التاريخ الذي لا بد من أن يتضمن بالضرورة آراء ضد و مع – و بين تحريض الطلبة على الخروج و العمل من أجل تحقيق إصلاح الرفاهية أو من أجل ما هو عكس ذلك . يعد تحليل اصلاح الرفاهية في سياق اكاديمي فعلا سياسيا بالمعنى الذي يفيده أن أي استنتاج يتوصل إليه باحث ما ، سيكون ، نفسه ، موضع خلاف عند باحث آخر . ( و على الرغم من كل شيء ، فإن هذا هو ما تعنيه الصفة « سياسي » : موضع خلاف ) . و لكن خلافا كهذا بين الباحثين، لن يعد سياسيا بالمعنى الدارج للكلمة ، لأن كل جانب فيه يمثل مقاربات أكاديمية مختلفة ، و ليس أجندات حزبية مختلفة . ليس قصدي ان على الأكاديميين الإحجام عن السياسة بمعنى مطلق – فذلك أمر محال – بل عليهم تعاطي السياسة التي تناسب المشروع الذي وقعوا عليه . معنى ذلك المجادلة بشأن ( و التصويت على ) أشياء من نحو : مفردات المنهج ، رئاسة القسم ، توجيه الأبحاث ، مضمون التعليم و طريقته ، ترسيخ مقاييس معيارية .. و كل ما هو مات بصلة إلى المسؤوليات التي نضطلع بها عند قبولنا وصل القبض . من ضمن هذه المسؤوليات : الاجتماع بالدارسين ، البقاء في حدود الحقل الدراسي ، تعيين واجبات و فحص الأوراق ، الكشف عن مساحات بحثية جديدة .. و ما إلى ذلك . ومع أن هذه قائمة طويلة ، فثمة الكثيرون في الوسط الأكاديمي ممن يودون أن يضيفوا إليها مهام أكبر ( أو هكذا يعن لهم القول ) من نحو : ”تشكيل الشخصية “ و ” عصرنة المواطنين “ . و قبل بضع سنين خلت ، أصدر رؤساء حوالي خمسمائة جامعة ، بيانا ينصب في « المسؤولية المدنية للتعليم العالي » . دعا هذا البيان الكليات و الجامعات إلى أن تأخذ على عاتقها مسؤولية مساعدة الطلبة « لإدراك قيم و مهارات مجتمعنا الديمقراطي » . أما درك بوك ، الرئيس الأقدم لجامعة هارفرد و أحد القوى وراء إصدار البيان ، فقد حث زملاءه على ” اعتبار المسؤولية المدنية هدفا صريحا و هاما للتعليم الجامعي . “ و في كانون الثاني ، التقى الف و ثلاثمائة مديرا منتخبا في واشنطن برعاية « رابطة الجامعات و الكليات الأمريكية » لتبني هذا الموضوع : « ما نوع الممارسات التي تزود الطلبة بالمعرفة و الالتزامات التي تجعلهم مواطنين مسؤولين اجتماعيا ؟ » ليس هذا سؤالا سيئا و لكن الاجابات عليه ينبغي الا تشكل مضمون الفصل الدراسي في الكلية او الجامعة .
بلا شك ، ينبغي تشجيع ممارسات المواطنة المسؤولة و السلوك الأخلاقي لدى شباننا الراشدين .. و لكن القيام بهذه المهمة ، ليس من شأن الجامعة ، إلا حينما تكون الأخلاقية المضمنة في السؤال هي تلك التي تعاقب على الغش ، السرقة الأدبية و التعليم الزائف ؛ كما ان تعريف المواطنة المرغوبة فيها لا تنجزه متطلبات الديمقراطية بل تحققه المتطلبات الأكاديمية . و ليس سبب ذلك أن هذه الممارسات سياسية ، بل لأنها المهام السياسية التي تعود الى مؤسسات أخرى تناسبها . و لا يمكن للجامعات الانشغال بالتعليم الأخلاقي و المدني إلا باتخاذها قرارا مسبقا تحدد بمقتضاه أية وجهات نظر تنافسية عن الأخلاق و المواطنة، هي الأنسب ، و من ثم ينبغي تكريس مصادر و طاقات أكاديمية لإنجاح مهمة إدراكها . و لكن تلك المهمة حتما ستشوه ( بأن تحل محل ) المهمة الحقيقية للعمل الأكاديمي ، متمثلة في البحث عن الحقيقة و توخي نشرها من خلال التعليم . أما الفكرة القائلة بوجوب تدخل الجامعات في شأن تشكيل الشخصية و عصرنة المواطنين فغالبا ما يدعمها الادعاء بضرورة ألا ينغلق العمل الأكاديمي على نفسه انغلاقا تاما أو ألا يبقى في معزل عن حقل القيم . و لكن البحث عن الحقيقة هو قيمته الخاصة به , و إن الاخلاص له يفوض القيم الملازمة للمسؤولية في البيداغوجيا ( علم أصول التدريس – المترجم ، عن قاموس المورد ) و النشاط البحثي . يعد أداء العمل الأكاديمي بمسؤولية و بأعلى مستوى ، وظيفة كبرى بالنسبة إلى أي باحث و أية مؤسسة . و إذ أتطلع حوالي ، فلا يبدو لي أننا – معشر الأكاديميين – نؤدي تلك الوظيفة على نحو من حسن الأداء يجعلنا ، الآن ، قادرين على أن نأخذ على عاتقنا القيام بعمل كل شخص آخر ، أيضا . علينا إنعام النظر في الممارسات الجارية في ورشتنا نحن و التي يجري تصورها بذهنية ضيقة , قبل شروعنا بتغيير العالم كاملا من طريق تشكيل شخصية أخلاقية ، أو عصرنة مواطنين ديموقراطيين ، أو مهاجمة العولمة أو اعتناق العولمة ،أو أي شيء آخر . قد يعن للمرء التفكير بأنه حتى المعنى المبالغ فيه للفضيلة – التي هي، بدرجة كبيرة، جزء من الذهنية الأكاديمية – له حدوده. لو نتوخى التواضع و نلتزم بالإخلاص لمهامنا التي نتقاضى أجورا من أجل القيام بها ، فلربما تأتى لنا إنجاز شيء يعتد به بحق و حقيقة . ( عن النيويورك تايمز )
#معين_جعفر_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
روابط سردية في شعر لا سردي
-
هل يستطيع ما بعد الحداثيين إدانة الإرهاب ؟ ... لا تلم النسبي
...
-
النقد الأدبي النسوي
-
نظرية الأدب و تأريخ الأفكار
-
حوارية
-
القصيدة سيرورة سردية : قراءة في ديوان - إنتماءات لمدن الصحو
...
-
المعنى : الحركة من المؤلف إلى القارئ
-
نقد استجابة القارئ لستانلي فيش / كتابة : كريس لانغ
-
قصيدة شعرية
-
مدونة الأعراف
-
بعض خصائص النظرية المعاصرة/ ح 2
-
بعض خصائص النظرية المعاصرة
-
قصيدة رثاء
-
رثائية
-
قصائد قصيرة جدا
-
قصائد شعرية
المزيد.....
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
-
«المحكمة العسكرية» تحبس 62 من أهالي سيناء لمطالبتهم بـ«حق ال
...
-
منظمات دولية تدعو السلطات المصرية للإفراج عن أشرف عمر
-
متضامنون مع الصيادين في «البرلس» و«عزبة البرج» الممنوعون من
...
-
تأييد حكم حبس الطنطاوي وأبو الديار عقابًا على منافسة السيسي
...
-
متضامنون مع “رشا عزب”.. لا للتهديدات الأمنية.. لا لترهيب الص
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
المزيد.....
-
محاضرة عن الحزب الماركسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|