|
يفعل الجاهل بنفسه ما يفعل العدو بعدوه
علاء مهدي
(Ala Mahdi)
الحوار المتمدن-العدد: 4370 - 2014 / 2 / 19 - 12:09
المحور:
المجتمع المدني
نشرت بعض مواقع التواصل الإجتماعي – الفيسبوك – مقالاً بعنوان " تفجير قصور نبوخذ نصر بالديناميت" أستشهد فيه كاتبه بمثل عربي أثار اهتمامي فاخترته عنوانا لمقالي هذا رغم أنني لم أسمع به من قبل. يقول كاتب المقال أنه في " عام 1885 في منطقة الحلة التي تضم داخل حدودها الادارية اثار مدينة بابل حدث امر غريب جداً يثير الغيظ والغضب في نفس كل عراقي بل في نفس كل انسان مثقف ومتحضر في العالم , ويعطي فكرة عن مقدار التخلف والجهل والتردد الثقافي والعلمي الذي كان سائدا بين الناس في تلك الفترة". "فقد جفت المياه في نهر الحلة وهو نهر صغير يتفرع من نهر الفرات ويسقي مدينة الحلة الواقعة جنوب بغداد وكان سبب جفاف هذا النهر هو قيام احد الاثرياء الهنود بشق ترعة أجراها من نهر الفرات ليوصل الماء الى مدينة النجف القريبة مما ادى الى تحول ماء النهر الى تلك الترعة على حساب نهر الحلة نتيجة التجريف الذي احدثه سرعة جريان الماء في ذلك الاتجاه, ربما بسبب انحدار الارض او ما شابه".
"ونتيجة لنقص المياه في نهر الحلة فقد أخذ الاهالي يطالبون الدولة بأيجاد حل وإعادة منسوب المياه لهذا النهر كما في السابق. وأهتمت حكومة اسطنبول العثمانية بالأمر - لان العراق ما زال ولاية عثمانية - واستدعت من فرنسا مهندساً فرنسياً معروفاً هو (المسيو شونديرفر) الذي وصل مع مساعده الى بغداد في عام 1889م وأجرى دراسة لمجرى نهر الفرات في تلك المنطقة وأمر ببناء سدة على شكل جناحين مائلين ليعيد التوازن في مجرى مياه الفرات من أجل أن يعيد المياه الى نهر الحلة."
"وفي 25 تشرين الاول عام 1890 جرى الاحتفال بافتتاح السدة وحضر الوالي (سري باشا) وعدد من وجهاء البلاد وثلة من المداحين الذين واصلوا كيل المدائح للدكتاتور السلطان عبد الحميد على هذا الانجاز العظيم !"
"غير أن احداً من أولئك لم ينبه الى الجريمة الكبيرة التي ارتكبت خلال اقامة هذه السدة التي اندثرت بعد فترة قصيرة وهي ان جميع الردميات من (الطابوق) أو الآجر (قطع القرميد الكبيرة) التي بنيت وردمت بها تلك السدة قد اقتطعت من جدران وقصور نبوخذ نصر التاريخية في بابل , وكانت الردميات من قطع الاحجار والقرميد تستخرج بأستخدام الديناميت في تلك القصور البابلية القديمة . أن المرء ليستشيط غضباً وهو يبحث أو يتذكر تلك الواقعة الاجرامية فهل يعقل أن تهدم بالديناميت قصور نبوخذ نصر المشيدة منذ حوالي الالف الثاني قبل الميلاد ليقام بانقاضها سدة زراعية حقيرة سرعان ما اندثرت بعد فترة قصيرة ؟..." انتهى المقال.
لا أدري ان كان كاتب المقال أعلاه على علم بالجريمة الأعظم التي أصابت ماتبقى من الطابوق أو الآجر الذي بنيت به مدينة بابل التأريخية في عهد جمهورية الديكتاتور صدام حسين أي بعد اقل بقليل من مائة عام حيث تم حفر اسم الديكتاتور على أغلب ماتبقى من طابوق مدينة بابل الأثرية وبذلك يكون قد حرف ودمر آثاراً تعتبر من أنفس آثار الحضارات القديمة في العالم اليوم حيث يسيل لعاب محبي الآثار في العالم بمجرد سماع إسم بابل. ناهيكم عن التدمير الذي أصاب مدينة بابل التأريخية بسبب القصف الأمريكي خلال حربي الخليج الأولى والثانية وتأثير التفجيرات والقنابل الكيمياوية التي أحرقت الأخضر واليابس والقديم والحديث. المقارنة بين تفجير جدران قصور نبوخذ نصر في العام 1885 وبين تشويه طابوق ماتبقى من جدران القصر في نهاية ثمانينيات القرن الماضي يثبت أن التخلف والجهل والتردي الثقافي والعلمي الذي كان سائدا بين الناس في تلك الفترة قد أزداد ولم ينحسر!
أذكر بهذا الصدد أن برنامجاً تلفزيونياً شهيراً كان يقدمه المؤرخ العراقي المرحوم حسين أمين في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي قد نبه إلى وجود أثر تأريخي ضخم لم يكن مشهورا في حينه. يقع هذا الأثر في منطقة تدعى رسمياً بقرية "الحميدية" وهي قرية تابعة لقضاء المقدادية (شهربان) ولهذه القرية إسم محلي آخر هو "الجاجان" نسبة إلى سكانها من المهاجرين الداغستانيين الذين هاجروا داغستان جنوباً إلى العراق والأردن حيث استقر بعضهم في قرية الحميدية والبعض الآخر في منطقة الزرقا بالأردن. الإسم الثالث لهذه القرية هو "الزندان" ويعني بالفارسية "السجن" . وهو أثر تأريخي ضخم بني على شكل حلقات دائرية متصلة ببعضها لا أذكر عددها لكنها كانت ضخمة وعالية وكنا نلف حولها بالدراجات الهوائية لصعوبة إكمال الدورة حولها مشياً على الأقدام.
ذكر المؤرخ العراقي المرحوم حسين أمين أن ملك الفرس "كسرى" بنى "زندانه" في تلك المنطقة القريبة نسبيا من قصره المشهور في منطقة المدائن المسماة "طاق كسرى".
لم أسمع من قبل أن تحريفاً على شاكلة ماحدث لطابوق جدران قصور نبوخذنصر قد حدث لطابوق جدران "الزندان" لكن الزائر للقرى المجاورة للأثر التأريخي "الزندان" يلاحظ أن أغلب بيوتها وأكواخها بنيت أو على الأقل جزء منها مستخدمين طابوق جدران السجن الفارسي الشهير.
أذكر أن مديرية الآثار العامة كانت قد عينت حارساً من أهل المنطقة لحماية ذلك الأثر التأريخي المهم!
كنت عائداً وصديق عمل لي من البصرة في منتصف سبعينيات القرن الماضي حين اقترح علي أن نعرج على بحيرة "ساوه" الواقعة على طريق سجن "نقرة السلمان" المشؤوم ، البحيرة التي أشتهرت بكون مستوى مياهها أعلى من مستوى الأرض. أشتهرت هذه البحيرة من خلال برنامج "العلم للجميع" لمقدمه المرحوم كامل الدباغ. ذهبنا هناك وكان يوماً صيفيا حارا. توقفنا عند مبنى مصلحة المصايف والسياحة المهجور. لاحظنا أن كل زجاج نوافذه كان هدفاً لرماة الحصى فلم يبق منه شيئ سوى إطارات النوافذ. ونحن نتأمل البحيرة ومياهها لاحظنا رجلا يركض بإتجاهنا من بعيد ، وعندما اقترب منّا أكتشفنا أنه مصري صعيدي. سالته عما يفعله في تلك المنطقة النائية لوحده فأخبرني بانه حارس البحيرة! نعم، عينته مصلحة المصايف والسياحة لحراسة بحيرة ساوة وليس بناية مصلحة المصايف والسياحة!
لست من هواة الآثار لكن آثار مصر كانت محط إعجابي منذ الطفولة. قبل ست سنوات سنحت لي الفرصة لزيارة مصر. ذهبنا إلى "ابو الهول" و"الأهرامات". سألت المرشد عن سبب قذارة المنطقة الأثرية حيث علب المشروبات الغازية الفارغة وأكياس النايلون تملأ المكان ناهيكم عن مخلفات الخيول والأباعر التي تملأ ممرات المنطقة . . لم أجد جوابا لديه. شعرت بانه محرج لأنه لم يود قول الحقيقة !
بمصر، سألت سائق تاكسي عن مكان قبر السيدة أم كلثوم او الأستاذ محمد عبد الوهاب؟ لم يتعرف عليهما، ربما أعتقد أنهما أندنوسيان أو إيطاليانوا. كررت السؤال لآخرين ولم أجد جواباً يشفي غليلي.
هي أمتنا التي ضحكت من جهلها الأمم!
-;--;--;-
#علاء_مهدي (هاشتاغ)
Ala_Mahdi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
«خالة سجليني الله يخليكي»
-
لمصلحة من إرهاب مسيحيي العراق؟
-
رحلتي مع العمل بين بغداد وسدني
-
مالم يقل في قضية التجسس الأسترالية الإندنوسية
-
صور وسلوكيات من دروب الحياة
-
فيضان بغداد . . . والولاية الثالثة
-
-يوميات صحفي .... سائق تاكسي-
-
خرافة الربيع العربي ! هل من بدائل حقيقية للأنظمة العربية؟
-
لاتشتموا العراق . . . رجاءً ..!
-
حادثة ما زالت مثار استغراب وتساؤل ..!
-
الملعقة السادسة في ملحمة نضالية ..!
-
غسان نخول . . نصير الضحايا
-
دولة القانون بدون قانون !!
-
ماتت عمتي ناجية
-
هل تسمحون لي ... ؟
-
إعلان عن تأسيس موقع إلكتروني خاص بالهيئة
-
الدكتور كاظم حبيب في زيارة تأريخية لأستراليا
-
إلى روح الشهيد إكرام سعادة
-
كل الكفاءآت من أجل إعادة البناء
-
بعضهم يولدون شيوعيون
المزيد.....
-
عاجل | أسوشيتد برس: منظمة عالمية سحبت تقريرا يحذر من المجاعة
...
-
وزيرالخارجية اليمني:ندعو الأمم المتحدة وكل المنظمات لتجريم م
...
-
قطف مطار صنعاء استخفاف إسرائيلي بالأمم المتحدة
-
الاحتلال يُمعن في ارتكاب جريمة إبادة جماعية بزيادة وتيرة تدم
...
-
مراسل RT: ممثل الأمين العام للأمم المتحدة والمنسق المقيم توا
...
-
في جريمة هي الأكبر ضد الصحفيين في قطاع غزة خلال حرب الإبادة
...
-
من لبنان وتركيا والأردن.. ضوابط لعودة اللاجئين السوريين إلى
...
-
اعتقال قاضي المحاكم الميدانية في سجن صيدنايا بسوريا
-
اعتقال -سفاح صيدنايا- في طرطوس وحراك دبلوماسي سوري مع دول ال
...
-
منظمة حقوقية: أكثر من 10 آلاف مهاجر لقوا حتفهم بالبحر العام
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|