|
بقعة ضوء على الحركة الكردية في سوريا
حسن نبو
الحوار المتمدن-العدد: 4368 - 2014 / 2 / 17 - 22:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثيرا مايقال في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وينشرعلى صفحات الجرائد والمجلات الورقية والاكترونية : أن أحد أسباب ضعف الحركة الكردية وتشرذم أحزابها وإنقسامها على بعضها البعض ، وبالتالي إنعدام فاعليتها هو نتاج تحكم أشخاص غير مثقفين في قيادتها ، بسبب عزوف الطبقة المثقفة الكردية عن الإنخراط في صفوفها وتفضيلها مصلحتها الشخصية على الشأن العام . وهناك من يعتقد أن هذا السبب يكاد يكون السبب الرئيسي لضعف الحركة الكردية في سوريا وعدم قدرتها على تحقيق أي مطالب من المطالب التي تناضل من أجلها منذ عشرات السنين . أعتقد أن مثل هذا الرأي هو تبسيط لمشكلة قائمة منذ عشرات السنين تقف وراءها العديد من الأسباب وليس سببا واحدا فحسب . تم تأسيس أول حزب كردي سنة 1957 في ظروف بالغة التعقيد . أو بكلام آخر : في ظروف إجتماعية تفتقرإلى التقاليد والقيم السياسية حتى في حدودها الأدنى ، وتطغى عليها التقاليد والقيم و العلاقات العشائرية والقبلية والأمية إلى درجة كبيرة ، وينعدم فيها أي دور للمرأة. وفي ظل مثل هكذا بيئة إجتماعية ، لايمكن ممارسة السياسة بالشكل الصحيح ، كمالايمكن بناء أوتأسيس أحزاب سياسية وفق المفهوم أو المعنى الحقيقي الذي يتضمنه مصطلح الحزب ، لأن الأحزاب هي نتاج المجتمعات الاوروبية التي تراكمت فيها المعرفة والعلوم في جميع المجالات : الإقتصادية والسياسية والفلسفية والقانونية ....والتي تنظر إلى السياسة على أنها ضرورة من ضرورات الحياة السياسية وأن هذه الأخيرة ، أي الحياة الساسية لن تكون بخير مالم يوجد حزب أو أحزاب في السلطة وأحزاب أخرى في المعارضة ، كما أن تأسيس الأحزاب في تلك المجتمعات يتم إستنادا إلى علوم ومعارف وتجارب متراكمة في مجال تأسيس الأحزاب . بناء على ما أسلفت يمكن القول :أن ماتم تأسيسه سنة 1957كحزب سياسي كردي ، كان بعيدا إلى حد كبير عن مفهوم الأحزاب الساسية وفقا للمعني الإصطلاحي للحزب بل كان كيانا يشبه الأحزاب السياسية الشيوعية في بعض الأشياء بسبب يريق الفكر الإشتراكي في ذلك الوقت والثقافة الماركسية اللينينية لغالبية مؤسسي الحزب ، بل أن بعضهم كانوا في وقت سابق أعضاء في الحزب الشيوعي السوري . ولست هنا في معرض التقليل من شأن أول حزب سياسي كردي أو التقليل من شأن مؤسيسه ، فلهم كل التقدير والإحترام فما فعلوه كان ثمرة معرفتهم السياسية أنذاك ، ورغبة صادقة في إنتزاع بعض الحقوق لبني جلدتهم في سوريا .وتعرض الكثير منهم للإعتقال لسنوات طويلة وللتعذيب والأذى ، ولكني أريد أن أقول : أن الواقع الإجتماعي المتخلف في المناطق الكردية وضعف التقاليد السياسية لم يكن مساعدا لتأسيس حزب سياسي وفق المعايير المعمول بها في البلدان المتحضرة . وأن هذا كان عاملا غيرمساعد لتحقيق الأهداف التي أسس من أجلها الحزب . بعد مرور سنة على تأسيس أول حزب كردي ، اصطدم الحزب بتحد آخر ألا وهو : قيام الوحدة السورية المصرية سنة 1958 التي عطلت الحياة البرلمانية التي كانت قد تحققت في سوريا مع تبوأ الرئيس شكري القوتلي سدة الرئاسة قبل الوحدة بسنوات قليلة ، ومنعت الأحزاب السياسية عدا حزب السلطة الذي كان يسمى ب " الإتحاد القومي " من ممارسة العمل السياسي . وعمد نظام الوحدة إلى ملاحقة كل من لم يمتثل لأوامره في كل من سوريا ومصر ، واعتقل على أثر ذلك العديد من قيادات الحزب وكوادره ، وتوارى من لم يعتقل عن الأنظار . وبرزت خلافات جمة بين قيادات الحزب أدت إلى إقصاء الدكتور " نور الدين ظاظا " الحائز على شهادة الدكتوراة في علم الإجتماع من جامعات سويسرا من مهامه كسكرتير للحزب . وانقسم الحزب إلى حزبين ، ثم إلى ثلاثة أحزاب ، ثم إلى أربعة ....والآن يزيد عدد الأحزاب الكردية في سوريا عن عشرين حزبا على الأقل . ومعظمها منشقة عن بعضها البعض . زاد الطين بلة إستلام حزب البعث العربي الإشتراكي الشمولي الإستبدادي القمعي الشوفيني للسلطة عبرإنقلاب عسكري صبيحة يوم 8 آذار 1963 . وقد لعب نظام البعث على مدى أكثر من نصف قرن ولايزال على إضعاف الحركة الكردية وشرذمتها وكان له اليد الطولي بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أغلب الإنشقاقات التي حدثت في أحزابها . وهنا لابد من القول : أن معظم الأحزاب السورية قد أصابها الشلل في ظل حكم البعث ، حتى الدائرة في فلك سياسات النظام والقريبة من حزب البعث ، بسبب نزعة البعث الشمولية التوتاليتارية الإقصائية . وأصبحت الأمور أكثر سوءا بعد الأحداث التي شهدتها سوريا في مطلع ثمانينيات القرن الماضي .حيث تحولت سوريا بكامل مساحتها إلى سجن كبير . يديرها حاكم ذو صلاحيات مافوق المطلقة . إستنادا إلى ماورد يمكن القول : أن الظروف الإجتماعية المتخلفة التي تأسس فيها أول حزب كردي التي نتج عنها تخلفا في الممارسة السياسية ، ليست سببا وحيدا لضعف الحركة الكردية في سوريا ، بل أن التطورات الساسية الحاصلة في سوريا بدءا من إعلان الوجدة السورية المصرية سنة 1958 وحتى الآن هي أيضا لم تكن في صالح الحركة الكردية في سوريا مطلقا . أما القول بأن إبتعاد المثقفين عن الحركة الكردية أو الأحزاب الكردية هو الذي أدى إلى إضعافها وشرذمتها وعدم قدرتها على تحقيق أيا من أهدافها خلال خمسن سنة ، فهو تبسيط للمسألة كما ذكرت في البداية ، فالتطورات السياسية التي حصلت في سوريا بعد وقت قصير من إنطلاقة الحركة الكردية والتي أدت إلى سيطرة نظام شمولي قمعي معادي للتطلعات القومية للكرد في سوريا ولمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ، كانت أكبر من أن تستطيع الطبقة المثقفة الكردية مواجهتها وبالتالي دفع الأمور نحو الأفضل . ويمكن القول أن الأحزاب التي كانت تضم في صفوفها نسبة كبيرة جدا من المثقفين وطلبة الجامعات ، كانت أكثر عرضة للتنكيل والملاحقات " حزب العمل الشيوعي نموذجا " ، فقد نال كوادره وأعضاؤه أكبرحصة من الإضطهاد والتنكيل ، وزج بمعظم كوادره ورفاقه في السجون لفترات طويلة . إلى أن تم إقصاءه عن الحياة السياسية تماما . القول بوجود طبقة مثقفة كردية في سوريا هو قول في غير محله ، أوغير دقيق تماما ، لأن المثقف باختصارهو : من يمتلك ثقافة أو رؤية متكاملة يستطيع بموجبها أن يساهم في تطوير المجتمع أو تطوير أفكارالمجتمع نحو الأفضل سياسيا وإجتماعيا وإقتصاديا وقانونيا وتعليما ..... الخ وليس كل من يحمل شهادة جامعية يستطيع مؤهلا لأن يلعب مثل هذا الدور أو قادر على آداء هذه الرسالة . وبهذا المعنى فإن نسبة المثقفين تكاد تكون قليلة جدا في الأوساط الكردية في سوريا . عندما اندلعت الثورة السورية كانت الأحزاب الكردية ككل الأحزاب السياسية على الساحة السورية عاجزة عن القيام بماا تتطلبه المرحلة الجديدة . فالإستحقاقات أكبر من إمكانياتها وقدراتها . ولم يتمكن المجلس الوطني الكردي الذي تم تأسيسه بد إندلاع الثورة بحوالي سبعة أشهر تحقيق أي مكسب ولو على الصعيد السياسي . وسرعان ماتمكن النظام من وضع العصي في عجلاته التي بدت هشة بعد ولادته فورا . ........................................................................................... ** هذا رأيي ، فما رأيكم أنتم ؟
#حسن_نبو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ومضى يوم أمس
-
مرآة العبث
-
تعبنا
-
جنيف2 على طريق الفشل
-
متى
-
مازال
-
ليس دفاعا وإنما...
-
ماهي أولوية الكرد في سوريا في هذه الظروف
-
الثورة السورية والمخاص العسير
-
يزحف الليل
-
النظام هو المسؤول عما يحدث أولا وأخيرا
-
أفتش عنك
-
حول مصطلح الإسلام السياسي
-
سألتها
-
أنسيت ...؟
-
على صفحات الصباح
-
ومازلت أحلم
-
أنت الوحيدة التي
-
كي أحبك أكثر
-
الحرية
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|