|
مخرج عقلاني من وضع مقلق
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1241 - 2005 / 6 / 27 - 10:33
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
اقل رصيد من الممكنات وادنى الدواعي للتفاؤل. في مناخ نفسي موسوم بالشح والانقباض انعقد مؤتمر حزب البعث العاشر في سوريا. كان الرئيس بشار الأسد قد تحدث في 5 آذار الماضي عن أن المؤتمر سيكون نقلة نوعية في الأوضاع الداخلية. ونقلة نوعية هي الشيء الوحيد الذي كان يمكن أن يعيد لسوريا توازنا اختل بحدة بعد إخراجها من لبنان. لكن أقوال المتكلمين وافعال المقررين السوريين خلال الشهور المنصرمة الثلاث اجتهدت على خفض سقف التوقعات الإيجابية. كأنما على اتفاق لم يفوت ناطق بعثي أو وحكومي واحد فرصة دعوة مواطنيه إلى توفير مشاعرهم وخفض سقف مراهناتهم. من أجل تحرير مواطنيهم من الخيبات لم يجدوا ما هو أفضل من تحريرهم من الآمال. كان لافتا، من جهة أخرى، أن الشهر الذي سبق المؤتمر هو أسوأ شهر مر على سوريا من وجهة نظر الحريات وحقوق الإنسان في السنوات الخمس الأخيرة، أسوأ حتى من ايلول 2001 الذي شهد اعتقالات "ربيع دمشق". أهم من عدد المعتقلين خلال ما سماه نشطاء حقوقيين "ايار الأسود" هو نوعيتهم. فعلي العبد الله ومحمد رعدون ورياض درار وغيرهم هم صنف النشطاء الذي برز في عهد الرئيس بشار الأسد؛ لم يلدهم النظام، ولدوا معه، هم وهو تربان وشريكان في سياسة سوريا مطلع القرن الحادي والعشرين. واعتقالهم يعني أن النظام ينقلب على تلك الشراكة القلقة، ويريد بتر الشيء الوحيد الذي يميز هذا العهد عن العقدين الأخيرين من حكم سالفه. هذا غريب. النخب السياسية مثل لا عبي كرة القدم ينبغي أن تكون في ذروة لياقتها وصفاء ذهنها وقت المواجهات الأصعب. بدلا من أن تقول نخبتنا للبعثيين (مليونين) وللسوريين (18 مليونا) إن لا سقف للمطامح غير سقف همتكم وحاجات بلدكم يقولون لهم لا تأملوا كثيرا من الخير. لماذا؟ هل يريدون سلطة إضافية كي يعدوا السوريين بشيء ملموس؟ لكنهم سلفا يحوزون سلطة مطلقة لا تحد منها معارضة قوية ولا صحافة حرة ولا برلمان منتخب ... كما قال رياض سيف قبل أكثر من 3 سنوات. سوريا في حاجة إلى حركة قوية كي تستعيد زمام المبادرة على المستويين الداخلي والإقليمي. اعتقال نشطاء ليست حركة من هذا النوع بقدر ما هو هروب إلى الأمام. وهو ليس دليل قوة أيضا. لن يجدد النظام قواه بضرب ضعفاء داخليين من شاكلة منتدى الأتاسي. ضرب الأقوياء هو الذي يجدد القوة و.. الشرعية كذلك. كان من شان الإفراج عن المعتقلين الآخرين، وإلغاء المادة 8 من الدستور (حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع..) ورفع حالة الطوارئ ان يكون حركة مناسبة، تبشر بنقلة نوعية بالفعل. كان من شان قمع بعض كبار الفاسدين ان يكون حركة مناسبة أيضا. النظام يريد لنفسه الدوام دون تجديد اسسه، ودون التنازل عن اي قدر من السلطة، أو التضحية ببعض المصالح الفاجرة التي تكونت في ظله وتستفيد من حمايته. هذا مستحيل. التغيير بات ضرورة للاستمرار ذاته، وبالتأكيد للاستقرار أيضا. المقدمات التي سبقت المؤتمر تنذر بان يكون حصاده أخفض حتى من المؤتمرات الحزبية السابقة. خفض التوقعات يعكس في الأساس افتقار سوريا إلى قوة إصلاحية حقيقية واثقة من نفسها ومن قدرتها على الانخراط في بيئة سياسية جديدة. أكثر غيابا كذلك لغة الحوار وصوت العقل وشجاعة الإرادة. هذا بينما اضحت الشجاعة اليوم ضرورة حيوية أكثر مما هي فضيلة اخلاقية، وأضحى العقل برنامج إنقاذ والحوار حبل اعتصام. غيابها جميعا مقلق للوطنيين السوريين الذين يبحثون لبلدهم، ولنظام حكمهم ذاته، عن مخرج عقلاني يصون السلم الأهلي ويحفظ استقلال البلاد وسيادتها. النظام لا يفكر بمخرج كهذا لأنه لا يعتقد اصلا بالحاجة إليه. والمعارضة الداخلية ضعيفة ومستباحة. والفاعلون الخارجيون أنانيون وقساة ولا يراهن عاقل عليهم. تبدو نخبة السلطة منفصلة عن الواقع، وغير قادرة على قطع مسار التدهور الناجم عن تغير البيئة الإقليمية والدولية وعن جمود النظام السياسي. لكن هذا نذير صدمات مستقبلية. فالبلاد بحاجة إلى قرارات صعبة تقطع مع منطق الاستمرارية الحاكم. والنظام اليوم في بيئة داخلية وخارجية غريبة على مألوف عادته. مشكلات هذه البيئة مختلفة عن مشكلات بيئة الحرب الباردة اليت خبرها بين عام 1970 و1989، وعن مشكلات نظام القطب الواحد 1989-2001. مرحلة ما بعد الانسحاب السوري من لبنان مرحلة جديدة تقتضي توسيع الداخل للتعويض عن خسارة "الورقة اللبنانية". النظام خسر شيئا وأغلق على نفسه ابواب التفكير بشيء بديل. هذا، أكثر من الضغوط الخارجية، سبب شعوره المتزايد بالحصار وتلف الأعصاب. على الصعيد الداخلي سوريا مختلفة اليوم. الأكراد يطالب بحقوق عادلة، ويأنسون قوة من تعزز موقع إخوانهم في العراق. حيالهم وحيال الإسلاميين النظام لم يساعد نفسه. لكل من المشكلتين وجهان. وجه أهلي وإنساني وحقوقي ووجه سياسي. بخصوص الإسلاميين وأزمة بداية الثمانينات، هناك ضحايا وسجناء ومفقودون واملاك ومنفيون... يمكن معالجة هذا الوجه كسبيل لتخفيف اعباء التصدي للوجه السياسي في وقت لاحق. اكتمال المعالجة يقتضي من كل بد تناول جذرها السياسي وحوارا سياسيا مباشرا بين السلطة والإسلاميين. العنصر الأهلي الكامن في ميراث أزمة الثمانينات يزيد ضرورة المباشرة بعلاج وجهها الإنساني والحقوقي ولا يقلله. مثل ذلك بخصوص الشأن الكردي. هناك حقوق مواطنة وهناك حقوق ثقافية لا يمكن القفز فوقها لأنها "تقدمية، أي لأنها عادلة ومحمولة على موجات التاريخ الصاعدة في آن معا. هذان ممران إجباريان. سيكون المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي قد ادى قسطه للعلا إن توجه للمجتمع والدولة السوريين الذين يقودهما ببلاغ واضح يعلن عزمه على حل المشكلتين وفق جدول زمني محدد. معنى القيادة المبادرة إلى حل المشكلات. أليس كذلك؟ إذا كان حزب البعث يود أن يبرهن أنه بالفعل حائز على أهلية قيادية فإن إلغاء المادة الثامنة من الدستور هو البرهان المفحم
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حزب الشعب الديمقراطي السوري وتحدي بناء الذات
-
المـوت الضـروري لـسـميـر قصيـر
-
شعارات حرب في شوارع المدينة!
-
ديمقراطية وتنمية في الشرق الأوسط!
-
ماذا يريد -الإخوان المستلمون-؟
-
هيمنة بوجوه متعددة، لكن بلا روح
-
أزمة أحزاب وإيديولوجيات أم أزمة حضارة؟
-
سوريا، حزب البعث، ونظام الحزب الواحد: الانفصال هو الحل
-
كلام على غائب في ذكرى إنشتاين ونظرية النسبية
-
مبارك انتهاء الخط العسكري!
-
الطائفية والطغيان: الأسفلان في لبنان وسوريا
-
حزب الله والبشمركة: مشكلات السيادة والسياسة والعدالة
-
على غرار ما تتغير الأنظمة يكون مستقبل البلدان
-
مناقشة لتقرير -المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات-: سوريا ما ب
...
-
المسألة الأميركية والثقافة السياسية السورية
-
الثقافة المنفية في سوريا البعثية
-
دستور السلطة الخالدة
-
الرجاء أخذ العلم: سوريا ستنسحب، وكل شيء في لبنان سيختلف!
-
في أصل -السينيكية- الشعبية
-
وطنية تخوينية أم خيانة وطنية؟!
المزيد.....
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|