أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شيماء ملا يوسف - في حضرة جلال الدين الرومي2















المزيد.....

في حضرة جلال الدين الرومي2


شيماء ملا يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 4368 - 2014 / 2 / 17 - 10:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في حضرة جلال الدين الرومي2


فوق فلك السَّحَر بدا قمرٌ
نزل من الفلك فنظر إلي
ومثل البازي الذي يختطف الطائر أثناء الصيد
نزل من الفلك فنظر إلي
ومثل البازيِّ الذي يختطف الطَّائر أثناء الصَّيد
اختطفني ذلك القمر وانطلق فوق الفلك
وعندما نظرتُ إلى نفسي لم أرَ نفسي
لأن في ذلك القمر، غدا بدني من اللطف كالروح
وعندما سافرتُ في الروح لم أرَ سوى القمر
حتى انكشف سر التجلي الأزلي كله. / ديوان

بدن يصبح روح، فتُكشف له الحقيقة!
تتجلى الحقيقة بالمعنى الكامن في صورة العالم والموجودات الظَّاهرة لنا. ولا يستثنى الإنسان في هذا، فكما للعالم صورته ومعناه، للإنسان ـ أيضاً ـ صورةٌ ظاهرةٌ، في بدنه. ومعنىً كامنٌ في روحه، وقلبه، وعقله.
إن القارئ لأعمال جلال الدّين الرُّومي، سيلاحظ العلاقات المتبادلة ما بين الرُّوح والقلب والعقل، وأحياناً لا يُفرّق في كلِّياتها المرتبطة بالمعنى المقابل للصُّورة. والرُّوح التي تشمل المعنى الباطن لديه، هي التي تضخ المعرفة الإلهية في القلب، لينبض منقبضًا ومنبسطًا بالمعرفة، وهذه الرُّوح أيضًا هي المقيِّدة للعقل المرتبط بالبصيرة والنَّفس.
يذكر الرومي في المثنوي الدفتر الثالث "الإدراك مقيّدٌ بالعقل، ولكن اعلم أن العقل مقيَّد بالرُّوح".
استعرضتُ في المقال السابق دراسة وليام شتيك في كتابهThe Sufi Path of Love "الحب في الطريق الصوفي". وقدمتُ لها على أساس أنها الأكثر تميّزًا من بين الدراسات التي اهتمَّت بالناتج الفكري لجلال الدين للرومي.
وقد ذكرت في عدد الحوار المتمدن 4329* أن شتيك كان قد قسّم أعمال الرُّومي إلى أبوابٍ وهي: الفكرة، والطريقة، والوصول إلى الله.
وقدمتُ الفكرة الأولى والتي كانت: رؤية الأشياء على حقيقتها، وفي هذه المقالة استعرض الفكرة الثانية: الروح، القلب، العقل.



أولاً: الروح
"انظر للوحة على الحائط، ماذا ينقصها؟
ينقصها الروح، ابحث عنها". /المثنوي 1
لكن "الرُّوح من أمر ربي وهي مستترة، لا يمكن وصفها بالكلمات"./ ديوان
وكل "ما انطق به عن الروح، سيجعل الحقيقة متناقضة". مثنوي6
‏فقد جاء في القرآن "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً."17:85
وإنْ كانت الروح من أمر ربي، لكن الرومي لا يرى خلافا في معرفة الروح كما عرفها الأنبياء والأولياء، بل إنّ على الإنسان معرفة حقيقة نفسه وروحه، والطريق لمعرفتها لا يكون إلا بالعقل ونفي الجهل.
"إن كان الإنسان بصورته، فمحمد وأبو جهل سواء". /المثنوي1
و"ما يمنع الطير- يرمز إلى الروح لدى الصوفية- أن يهرب من القفص؛ هو الجهل". /المثنوي1
و الله -تعالى- لم يمنع البشر من فهمها.
فانظر إلى "البدن لا يتحرك إلا بما تقصده الروح، أنت لا ترى الروح، لكنك تعرفها من خلال حركات البدن". المثنوي 4
ويُشبّه معرفتها بـ" القِربة على ظهر الحصان لن تتحرك، ما لم يتحرك الحصان" ./ ديوان
كذلك "البدن كالكُم ، بينما الروح كاليد المخفية في الكُم". المثنوي2
و"لاتنظر إلى الوجه الذي يشيخ ويذبل بمرور السنين، انظر إلى الروح التي تظل نقية". /ديوان
إذًا معنى الإنسان كامن في روحه، وعندما تكون روحه مسجونة بجسده، عليه أن ينجو
"متى تطير روحي من القفص الى البستان؟" /ديوان
يذكر الرُّومي البدن ويذكر الرُّوح، لكنه لا يعني انفصالهما، وفي أحيان أخرى يرى أنهما الشيء الواحد المختلف في درجته. فالبدن يصير روح "اعط الحياة لجسدي، فليصبح كله روح". /ديوان
و"الله جعل الجسد موضع لظهور الروح". /المثنوي6
لكن الرومي لا يرى أن الأرواح كلها على درجة واحدة، فهو يحدّد أربع مستويات للروح: روح الجماد والنبات والحيوان والإنسان. وهناك روح تتجاوز كل هذه الأرواح، وهي ما يُشير إليها -تجاوزًا- روح الله.
"في اللحظة التي دخلتَ هذا العالم
وُضِعَ أمامك سلمٌ ليمكِّنك من النجاة.
في الأول كنت جمادًا، ثم صرت نباتًا،
ثم بعدئذٍ صرت حيوانًا: كيف يمكن لك أن تتجاهله؟
ثم جُعِلتَ إنسانًا موهوبًا معرفةً وعقلاً وإيمانًا.
انظر إلى هذا الجسد المخلوق من التراب، أيَّ كمالٍ اكتسب؟
وعندما تتجاوز البشرية، لا شكَّ أنك ستغدو ملاكًا".


ثانيا: القلب
القلب مرآةٌ مجليَّة؛ يُعرف الله بها، فالقلب محل الكشف والإلهام، وبه تُدرك الحقائق. "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" ( 47/24 ).
لكنَّ الحُجب تمنع الإنسان من تلك الرُّؤية،
ولكن "عندما تصفى مرآتك، سوف ترى ما وراء الماء والطين
لن ترى فقط اللوحة؛ بل راسمها
لن ترى سجادة السلطان، ولكن باسطها". /المثنوي 2
و"إنك الماء النقي، فلا تلقي الطين به!
لا تخفي القلب، لا تحجب القلب". /ديوان
والقلب هو المكان الذي ذكره الله تعالى في الحديث القدسي" لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن".
و"نور الحق لا يسعه الكون والمكان، فكيف والحال كذلك تسعه زجاجة ومصباح -كما ذكر الله في القرآن- الله نور السماوات والأرض؟ كيف يتسع القلب لمشارق انوار الحق جل جلاله؟ وبرغم ذلك عندما تطلبه –نور الحق- تجده في القلب، ليس من وجهة أنه زجاجة يقبع فيه ذلك النور، بل من وجهة أن ذلك النور يشع من ذلك المكان. تماما مثلما تجد صورتك في المرآة رغم أن صورتك ليست في المرآة لا ترى نفسك إلا عندما تنظر في المرآة" ./ فيه ما فيه
و"بعد أن يسعني قلب المؤمن، أَحِلُّ ضيفًا عليه، دون شرطٍ وقيد، وصفة". /المثنوي6
فقط "تعال إلى القلب، مكان التفكُّر في الله! إنه ليس كذلك الآن، ولكن تعال، سيكون كذلك". /الديوان
واعلم أن "قلب المؤمن يحوي الله، لأنَّه طهّر قلبه، بينما غيره، لا يزال قلبه ممرغًا بالطِّين.
ولتكن مرآةً تعكس الله،
كنستُ بيتي من الخير والشَّر، فصار بيتي مملوءاً بعشقه، وليس فيه إلاَّ هو". /المثنوي5

قصَّة الطِّفل الذي كان ينوح على نعش أبيه:
"كان طفل ينوح بمرارة، ويدق رأسه أمام نعش أبيه: أبتاه! إلى أين يحملونك، إنهم يعصرونك تحت التراب؟
يحملونك إلى منزلٍ ضيِّقٍ مؤلم، ليس بداخله بساط.
ولا سراج يضئ الليل، ولا خبز في النَّهار، وليست به رائحةٌ لطعام، ولا أثر منه.
وليس به بابٌ معمور، ولا سبيل إلى سطح، ولا جار واحد، يكون لك ملاذ.
وجسمك الذي كان موضع الخلق، كيف ينزل دارًا مظلمةً تعسة، كهذه؟!
إنه منزلٌ لا قيام فيه، بالغ الضِّيق!
وأخذ يعدد أوصاف المنزل على هذا النحو، ودموعه تجري من عينيه.
فقال جحا لأبيه: والله إنهم ليحملون هذا إلى منزلنا.
فقال الأب لجحا: لا تكن أبله.
رد جحا: هذه العلامات لمنزلنا، فليس به حصير ولا سراج ولا طعام ولا باب معمور ولا سقف.
فمنزل القلب الذي يبقى بدون ضياء من شعاع الشَّمس، ضيقٌ ومظلم، وحُرِم من تذوّق عشق السلطان.
لا يشرق في هذا القلب نور الشَّمس، ولن يكون بابه مفتوح.
فالقبر خير لك من قلب مثل هذا، ألا فلتنهض من الآن من قبر قلبك؟!
أنت وُلدتَ لتعيش من أجل الحياة.
فيا أيها السعيد، ألم يضيق بك هذا القبر؟!
أنت يوسف هذا الزمان ، اخرج من البئر، وأرنا طلعتك البهيَّة". /المثنوي2


ثالثا: العقل
"حماري رحل! حماري مات!
لكني أشكر الله على أنَّ روث الحمار لن يكون على عتبة بابي.
رحل حماري، وصار عيسى بجانبي". /ديوان
في القرآن هناك تمييز بين الرُّوح والنَّفس، فالنَّفس لها دلالة سلبية تدل على السوء،
وفي القرآن " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ-;---;-- إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ-;---;-- ". 12:53
وكذلك الرومي"وإن النفس؛ شهوانية هي عمياء وصماء عن الله". /المثنوي 4
بينما الرُّوح تمتلك البصيرة بالتعبير القرآني أو العقل بتعبير الرّومي، فعلى الرُّغم من تشابه الرُّوح والنَّفس، إلا أن الاختلاف يكون في المستوى الروحي والذي يختلف تَبعًا للعقل.
يعْني الرومي بالعقل هو القدرة على التحكم بالنفس والمجاهدات الروحية، ويرى أن
"العقل نوراني ويسعى للخير؛ فكيف يمكن للنفس المظلمة ان تهزمه؟". المثنوي 3
وأنّ "الطائر الذي يهرب من فخ النفس، لا يخشى، أينما يطير". / ديوان
يقصد الرُّومي بالعقل، المعرفة القلبية والعلم الإلهي، ويُميّزه بنوعين العقل الجزئي والعقل الكلي. فالأوَّل يعني به معرفة العلوم الطبيعية والتي يمكن اكتسابها بالتعلم، بينما العقل الآخر يكشف للإنسان معنى ما وراء الصورة الظاهرة لنا بطريقة تختلف من إنسان لآخر، وهذا العقل يرى الأشياء كما هي، وجوهره الحقيقة. وإذ كان العقل الجزئي يحتاج للتغذية من الخارج، أي ما يكسبه المرء من خلال التعلم والدراسة من علم الأبدان -تم توضيح علم الأبدان في المقال السابق- إلا أن العقل الكلي "منشأه وسط الرُّوح" بتعبير الرومي في المثنوي.
وكما الطائر إما أن يُحبس في قفص هذا العالم الفاني، أو يطير إلى السماء، كذلك الرُّوح إما أن تُحبس بالجهل، وإما أن تتحرر وتصل إلى السماء بالعقل وعندها لن يقلق الإنسان،
"لا تقلق عندما يفيض الماء من داخل المنزل، فماؤه لا يأسن"، فستفيض المعرفة من الداخل دون علم من الخارج واتباع الآخر،
"حينما تصبح إحدى الحواس متحررة من قيدها، فإن ما بقي من الحواس تصبح كلها مبدلة.
وعندما تغدو إحدى الحواس مبصرة لغير المحسوسات، فإن الغيب يصير ظاهرا لكل الحواس .
فلو أنَّ كبشاً من القطيع قفز من فوق القناة، فإن سائر القطيع يقتفي أثره نحو تلك الناحية.
فسُق خراف حواسك، وادفعها إلى الارتعاء في ذلك المرعى " والذي أخرج المرعى" 4: 87
حى تأكل هناك السنبل والنسرين، وتسلك سبيلة إلى رياض الحقائق.
ويغدو كلُّ حسٍّ من حواسِّك نبياً للحواس، فيقودها جميعا إلى تلك الجنة!". /المثنوي



شيماء ملا يوسف كاتبة كويتية

* المقال السابق " في حضرة جلال الدين 1" http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=394852



#شيماء_ملا_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حضرة جلال الدين الرومي
- رحلة مع جلال الدين الرومي
- عن الحرية
- رموز الدين.. والله


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين ...
- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شيماء ملا يوسف - في حضرة جلال الدين الرومي2