|
»إبن الحداد« أطاح بــ »شاه إيران «الجديد
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1241 - 2005 / 6 / 27 - 10:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أصبح من النادر ان تسفر الانتخابات في كثير من بلدان العالم عن »مفاجآت« دراماتيكية، وذلك بفضل تقدم الاستطلاعات وتطور وسائل قياس اتجاهات الرأي العام. لكن الاستثناء الذي يؤكد القاعدة هو ما حدث في إيران، حيث جاءت نتيجة الانتخابات الرئاسية مفاجئة ــ الي حد بعيد ــ لمعظم المراقبين، كما جاءت مخالفة لتوقعات وحسابات أغلب المحللين وفاز بمنصب الرئاسة محمود أحمدي نجاد الذي يعد بكل المقاييس شخصية »مجهولة« مقارنة بمنافسه الاساسي علي أكبر هامشي رفسنجاني، رجل الدين ذي التاريخ الحافل في الحياة السياسية الايرانية منذ بداية الثمانينيات والذي تقلد منصب الرئاسة من عام 1989 حتي عام 1997والذي لم يكن ممكنا أن يستمر في الرئاسة وقتها لأنه ليس من حق الرئيس البقاء في منصبه أكثر من مدتين متتاليتين مجموعهما ثماني سنوات لكن هذا »الحوت« الاقتصادي واسع الثراء و»الثعلب« السياسي عظيم الدهاء المدعوم من قطاع رجال الأعمال وأقطاب »البازار«.. فشل في انتزاع منصب الرئاسة من ذلك الشاب المغمور »49 عاما«، إبن الحداد، الذي تطوع للانضمام الي »الحرس الثوري«، بعد مساهمته في انشاء هيئة الطلبة التي استولت علي السفارة الأمريكية بطهران عام 1979. كما شارك »نجاد« بعدة عمليات عسكرية في العراق قبل ان يستكمل دراسته الأكاديمية، ويحصل علي درجة الدكتوراه في المواصلات والنقل من جامعة طهران للعلوم والتكنولوجيا. وكان محمود أحمدي نجاد شخصية غير معروفة عندما تم تعيينه عمدة للعاصمة طهران عام ،2003 ولم يكن اكثر شهرة عندما قرر خوض سباق الرئاسة في الأسابيع الماضية.. وتركز الدوائر الغربية علي رسم صورة له تظهره كواحد من »الأصوليين« المتشددين، وتدعم هذه الصورة بممارسات منفرة بمعايير البلدان الغربية مثل اغلاقه الكثير من مطاعم الوجبات السريعة في العاصمة الإيرانية، ومطالبة الموظفين من الرجال باطلاق لحاهم وارتداء قمصان ذات أكمام طويلة، واصداره تعليمات بازالة لوحات إعلانية للاعب كرة القدم البريطاني ديفيد بيكهام، أول شخصية غربية شهيرة تستخدم في الترويج لسلعة في البلاد منذ ثورة الخميني. لكن يبدو ان الناخبين الايرانيين لم يقرروا قلب معظم التوقعات رأسا علي عقب وانتخاب »نجاد« لمثل هذه التفاصيل التي ركزت عليها وسائل الإعلام الغربية. ويبدو ــ بالمقابل ــ ان هناك عوامل مهمة لعبت دورا بارزا في تحويل مسار اتجاهات الرأي العام الايراني وتفضيل »نجاد« علي »رفسنجاني«. أول هذه العوامل ــ وأهمها علي الاطلاق ــ تواضع »نجاد« وبساطة عيشه، وتركيز حملته الانتخابية علي شعارات مكافحة الفساد. وكانت هذه هي كلمة السر التي جعلت ملايين الفقراء يفضلون »إبن الحداد« علي رفسنجاني الذي أصبح يلقب بــ »الشاه الجديد«، وتتردد روايات لا أول لها ولا آخر عن ثرائه الفاحش وعيشته الباذخة. ولم يكن من باب البلاغة اللغوية ان يطلق الناخبون علي »نجاد« لقب »هاردو ميار«، أو صديق الشعب، وأن تدعمه مجموعة من شباب الجيل الثاني للثورة الايرانية يطلق عليها اسم »اباد جاران«، أو »التنمويين« الذين يشكلون كتلة برلمانية قوية. وباختصار.. فإن مخاطبة أحمدي نجاد للفقراء هي سر انتصاره المدهش، خاصة اذا وضعنا في الاعتبار أن البطالة في ايران مرتفعة رغم انها دولة بترولية، كما أن الهوة واسعة بين الفقراء والأغنياء رغم أنها دولة ترفع الرايات الدينية الإسلامية. العامل الثاني ــ بعد العامل الطبقي ــ هو العامل السياسي الخارجي، حيث يري كثير من المحليين ان الحملة الامريكية المتصاعدة ضد ايران والتهديدات الأمريكية العلنية للنظام الحاكم في طهران، جاءت بنتيجة عكسية ــ كالعادة ــ حيث زادت رصيد العناصر التي تمتلك خطابا اكثر تشددا من »الشيطان الأكبر« ــ أي الولايات المتحدة الأمريكية حسب القاموس الإيراني . وكان »نجاد« هو الحصان الأسود ــ في هذا السياق ــ مقارنة بجواد رفسنجاني المتعثر الذي كانت لهجته ــ فيما يتعلق بالولايات المتحدة والغرب بشكل عام ــ تبدو أكثر ليونة، واكتفي خطابه السياسي علي تحذير واشنطن من أن تهديداتها لن تجدي، وأغراءها ــ بالمقابل ــ بدخول ايران عبر »بوابات السلام«. وبهذا النحو، يمكن القول ــ دون مبالغة ـ أن ادارة بوش ساعدت ــ بصورة غير مباشرة ــ في نجاح »نجاد« والحاق الهزيمة بخصمه »البرجماتي« شاه ايران الجديد.. رفسنجاني الذي ركز علي الدعوة للتفاعل مع الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا. وبدلا من ان تستوعب الادارة الأمريكية دلالات هذا الدرس، وتعترف بأن سياساتها الإمبراطورية هي المسئولة عن دفع الناخبين الايرانيين الي الخطاب الأكثر تشددا ضد الغرب وامريكا، فإنها اكتفت باجترار خطاب التشكيك المتوقع، حيث اعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية ان ايران ــ بعد فوز المرشح محمود أحمدي نجاد ــ قد »تخلفت عن تيار الحرية الذي تشهده المنطقة«. والمقصود ــ طبعا ــ الوضع في العراق وافغانستان ، وهما مثالان يدينان واشنطن اكثر مما يعززان ادعاءاتها. كما قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، جوان مور، أن »الانتخابات الايرانية قد شابتها منذ بدايتها عيوب جسيمة أهمها قيام عدد قليل من الاشخاص غير المنتخبين برفض طلبات اكثر من الف مرشح بينهم 93 امرأة«. بيد أنها عادت لتقول ان واشنطن »سوف تحكم علي النظام الايراني من خلال أفعاله«. وبصرف النظر عن ردود الأفعال الأمريكية، وغير الأمريكية، فإنه يمكن القول بأن نتائج الانتخابات الايرانية اسفرت عن »جديد«، وأن هذا »الجديد« يتعدي انتخاب »شخص« رئيس جديد، وأنه ربما يكون ايذانا بسياسة جديدة يجب متابعة ارهاصاتها بدقة وتعقل.. وتلك عادة عربية غائبة في التعامل مع إحدي أهم دول الجوار. بيد أن المتابعة العربية الدقيقة لمجريات الأمور خلف حدود الجار الإيراني لا تتوقف مسوغاتها عند ضرورات فهم التفاعلات السياسية الايرانية الداخلية باعتبار ان ما يحدث هناك يتردد صداه في المنطقة بأسرها، بصورة أو أخري.. المتابعة العربية المطلوبة تنبع ــ فضلا عن ذلك ــ من ضرورات عربية داخلية ايضا، وبخاصة من زاوية تحليل تأثير ما حدث في ايران علي تيارات الاسلام السياسي في البلدان العربية، وتداعياته علي رؤية كل من الحكومات العربية والادارة الامريكية لهذه الفصائل.. وعلاقة ذلك كله بتوجهات وتكتيكات وآليات الإصلاح السياسي المراوغ في منطقتنا المسكونة بالألغاز.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مستقبل الصحافة.. أولي بالرعاية
-
مصر والسودان
-
نعم.. »ك« وريا.. وليست »س« وريا
-
مبادرة هيكل
-
الانتماء للوطن.. أهم من النوم في سرير الحكومة
-
العالم يضبط البيت الأبيض متلبساً بالنصب علي القارة السوداء
-
! الأجانب يمتنعون
-
مبادرة من أجل بناء الثقة.. المفقودة
-
اعتذار.. لفنان محترم
-
السياسة المصرية خرجت من غرفة الإنعاش.. وهذا هو المهم
-
مبادرات علي الهواء
-
!الحقونا : لماذا يبيع المصريون أعضاءهم؟
-
لماذا نتفاوض مع أمريكا.. ولا نتحاور مع أنفسنا؟!
-
مفاجآت من الوزن الثقيل فى استطلاع رأى رجال الأعمال
-
!فضيحة العرب بجلاجل.. حتي في برازيليا
-
أخيراً .. شئ يستحق القراءة !
-
إرهابيون عشوائيون .. وإعلاميون على باب الله
-
البريطانيون يقاطعون.. والعرب يطبّعون !
-
القرن الآسيوي .. يدق الأبواب
-
عناد الوزير الذى تجاهل وعد الرئيس
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|