شهد العالم العربي منذ 1950 أنماطا مختلفة من تيارات الهجرة الدولية . تمثل التيار الأول بهجرة العمالة من بلدان المغرب العربي ( الجزائر ، المغرب ، تونس ) إلى البلدان الأوروبية والتي تزايدت خلال ستينات القرن العشرين بسبب النمو الاقتصادي الذي شهدته البلدان المذكورة . وتوجه التيار الثاني إلى بلدان الخليج العربي ( البحرين ، الكويت ، عمان ، قطر ، السعودية ، والإمارات العربية ) بعد اكتشاف النفط فيها . وقد تعززت هذه الهجرة بعد ارتفاع أسعار النفط بعد عام 1973 . إذ ارتفع مجموع العمالة الأجنبية في الدول المذكورة من 1.125 مليون في عام 1975 إلى 5.218 مليون في عام 1990 بمعدل نمو سنوي وصل إلى 10.2% (1) وإلى 10 مليون في عام 1997 ومن المتوقع أن يصل الرقم إلى 11.2 مليون في 2005 (2) . وإذا أضفنا إلى ذلك أعداد العمالة المهاجرة التي استقطبها العراق في السبعينات وعلى وجه الخصوص في الثمانينات نتيجة الحرب مع إيران وما نتج عنها من نقص في الأيدي العاملة بسبب تجنيد العراقيين إلى جبهات القتال حيث قدر مثلا عدد المصرين في العراق بين مليون إلى ثلاثة ملايين. كذلك العمالة الآسيوية في العراق التي ارتفع عددها من 10.656 في 1975 إلى 55.567 في 1980 . ( 3) إضافة إلى العمالة المهاجرة من بلدان أخرى . (أنظر جدول رقم 1 ) من هنا يتبين لنا حجم ما استقطبته المنطقة من المهاجرين .
جدول رقم (1) تقديرات الأجانب وأسرهم في العراق والكويت في منتصف عام 1990 والنازحين في 1990-1991 . ( بالآلاف ) ( 4)
العراق الكويت
بلد الأصل |
العمال |
أسرهم |
العمال |
أسرهم |
النازحون |
مصر |
850 |
50 |
180 |
35 |
500-700 |
اليمن |
1 |
1 |
7 |
16 |
750-850 |
الاردن-فلسطين |
5 |
22 |
110 |
400 |
300 |
لبنان |
15 |
5 |
20 |
20 |
60 |
السودان |
190 |
10 |
12 |
3 |
35-200 |
سوريا |
- |
- |
- |
- |
50-130 |
الهند |
7 |
2 |
130 |
42 |
180-200 |
باكستان |
7 |
2 |
77 |
13 |
90-142 |
سريلانكا |
1 |
0 |
79 |
21 |
73-101 |
بنغلادش |
15 |
0 |
70 |
4 |
64-90 |
الصين |
60 |
- |
- |
- |
60 |
الفلبين |
7 |
2 |
38 |
7 |
30-55 |
فيتنام |
16 |
- |
- |
- |
8-16 |
تايلاند |
- |
- |
- |
- |
10 |
إن عدد الأشخاص الذين اقتلعوا من أماكن إقامتهم ونزحوا عنها قسرا نتيجة غزو الكويت في 2 آب ( أغسطس ) 1990 يمكن تقديره بحوالي 4-5 مليون نسمة (5) . وإذا أضفنا إلى ذلك عدد العراقيين الذين غادروا العراق نتيجة هذا الغزو وما أعقبه من الحرب وقمع الانتفاضة في 1991 وفرض العقوبات الصارمة على العراق يمكن أن يصل الرقم بين 8-9 مليون إنسان نزحوا قسرا .وحتى بدون إدخال عدد العراقيين ضمن العدد الإجمالي فأن هذا النزوح يمثل واحدا من أكبر الهجرات السكانية القسرية في العصر الحديث . إذا قارنا ذلك مع مجموع لاجئي الحرب العالمية الثانية الذي بلغ 10 مليون . إلا أن أبعاد النزوح الذي أعقب غزو الكويت من الممكن أنها وصلت أبعد من ذلك من ناحية عدد الدول التي تأثرت به منذ الحرب العالمية الثانية .
وضعية العمالة المهاجرة في منطقة الخليج قبل غزو الكويت
لكي يتبين لنا مدى فداحة التأثيرات التي ألحقها الغزو وما أعقبه من الحرب بالعمالة المهاجرة في المنطقة لا بد من إلقاء نظرة على حجمها وبنيتها وأهميتها الاقتصادية لبلدان المنطقة وللبلدان المرسلة للعمالة المهاجرة .
ارتفاع أسعار النفط في السبعينات جذب أكثر من 5 مليون عامل مهاجر إلى البلدان المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط . وفي منتصف الثمانينات ورغم تباين تقديرات العمالة المهاجرة في المنطقة لكن حوالي نصفها قد جاء من دول عربية خصوصا من مصر ومن أقطار شمال أفريقيا الأخرى واليمن والاردن والنازحين الفلسطينيين . أما معظم الباقي فقد كان من دول جنوب وجنوب –شرق آسيا . وفي العراق والكويت وصلت نسبة العمالة المهاجرة إلى ثلث مجموعها في المنطقة . (6)
نتيجة قلة عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي الست فقد استوعبت عددا غير متكافئ مع سكانها من المهاجرين . فاستنادا للتقديرات الحديثة على المستوى العالمي كان في عام 1985 يقيم في الدول الست 5.5% من مجموع المهاجرين الدوليين في العالم . وعلى العكس من ذلك شكل مجموع سكانها بضمنهم الأجانب أقل من 0.4% من سكان العالم . ورغم ضخامة العمالة المهاجرة وتأثيرها على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي إلا أن هذا النوع من الهجرة لم يدرس كفاية خصوصا ما يتعلق بالمعطيات الأساسية مثل حجم ومميزات المهاجرين التي استمرت نادرة وغير متوفرة رغم إنجاز عدة مسوح وإحصاءات سكانية خلال السبعينات والثمانينات إلا أن نتائجها لم تكن متوفرة على نطاق واسع . (7)
وبالنسبة للدول الست مجتمعة فقد شكلت القوى العاملة المهاجرة نسبة 46.5% من مجموع القوى العاملة في عام 1975 وارتفعت إلى 68% في عام 1990 . وأرتفع عدد المهاجرين النشيطين اقتصاديا من 1.1 إلى 3.0 مليون بين 1975 و 1985 ومن المرجح أنه وصل إلى 5.2 مليون في عام 1990
وقد كانت السعودية القطب الرئيسي للجذب حيث كان يقيم فيها 60% من مجموع العمالة المهاجرة في الدول الست وفي الإمارات (14%) والكويت (12%) وعمان (8%) وقطر (4%) والبحرين (2%) في عام 1985 . (8)
وبالنسبة لتوزيع القوى العاملة المهاجرة حسب الجنسية فمعطيات 1985 تشير إلى أن نسبة العمالة الآسيوية والقادمة من الدول العربية كانت تقريبا متساوية 49% و 47 على التوالي . أما تلك القادمة من الدول المتقدمة وكان معظمها من الولايات المتحدة وأوروبا فقد شكلت 4% من مجموع القوى العاملة المهاجرة في نفس العام . وكانت نسبة القوى العاملة القادمة من الدول العربية 57% من المجموع في عام 1975 إلا أنها انخفضت بسبب تجنيد المزيد من العمالة الآسيوية التي ارتفعت نسبتها من 36% إلى 49% خلال 1975-1985 .
في عام 1975 كانت كلا من السعودية والكويت قد جذبت معظم العمالة القادمة من الدول العربية وشكلت هذه نسبة 82% من مجموع العمالة الأجنبية في السعودية و نسبة 69% في الكويت . أما بقية دول المجلس الست فقد استخدمت بشكل رئيسي العمالة الآسيوية التي تراوحت نسبتها من 88% في عمان إلى 55% في البحرين . (9)
قبل غزو الكويت كانت السعودية والكويت البلدين الأكثر أهمية الذي تتوجه له العمالة المهاجرة مع أسرها من الدول العربية . ففي حالة الكويت كان معظم هؤلاء من الاردن والضفة الغربية ومصر .على العكس من ذلك كانت الكويت المكان الأقل أهمية للعمالة المهاجرة القامة من دول مثل الهند ، باكستان ، بنغلادش ، ومن معظم الدول الآسيوية الأخرى . ومن الممكن واحدا من عشرة من مجموع العمال المهاجرين من جنوب آسيا وواحد من عشرين من شرق آسيا أقاموا في الكويت . رغم أن نسبة القوى العاملة الآسيوية من مجموع القوى العاملة في الكويت ارتفعت خلال الثمانينات إلا أنه في آب (أغسطس) 1990 أي قبل الغزو كانت الكويت تتفاخر بأن معظم القوى العاملة فيها كانت عربية إذ كان مجموع سكانها مع المقيمين 2.1 مليون نسمة منهم 800.00 مواطنا كويتيا والبقية كانت عمالة مهاجرة مع أسرها .
بالنسبة للدول الرئيسية المرسلة للعمالة المهاجرة أصبحت منطقة الخليج وبسرعة مصدرا مهما للتحويلات التي تستخدم في دعم ميزان المدفوعات وتغطية نسبة كبيرة من قيمة وارداتها وتساعد في عملية التنمية وتخفيف معدلات البطالة الظاهرة والمقنعة في هذه الدول . وقد وارتفعت قيمة هذه التحويلات بشكل ملحوظ بعد عام 1973 بسبب ارتفاع أسعار النفط حيث ارتفع مقدارها بالنسبة للدول العربية المرسلة للمهاجرين ( مصر ، الاردن ، اليمن الشمالي ، سوريا ، اليمن الجنوبي ، السودان ، تونس ، الجزائر، المغرب ) من 1071.2 مليون دولار في عام 1973 إلى 6677 مليون دولار عام 1979 أي بزيادة قدرها نحو 500% في ست سنوات فقط . (10) وفي بداية الثمانينات لم تصدر اليمن في الواقع شيئا لكنها ظلت تمون الواردات بمبالغ تتجاوز مليار دولار سنويا تتم تغطيتها تقريبا بشكل كامل من تحويلات اليمنيين العاملين في السعودية . وبالنسبة لباكستان فقد تجاوزت التحويلات في بعض سنوات الثمانينات العائدات المتأتية من مجموع الصادرات . أيضا تجاوزت التحويلات مجموع المساعدات المقدمة إلى أغلب الدول الرئيسية المرسلة للعمالة في الشرق الأوسط (11) مثل الاردن واليمن وباكستان . فبالنسبة للاردن كانت التحويلات 800 مليون دولار والمساعدات 425 مليون دولار في عام 1988 وبالنسبة لباكستان كانت 2.1 مليار دولار و 1.41 مليار دولار على التوالي. (12)
المصادر
1- UN , Population Distribution and Migration , 1998 , p. 383
2- جريدة الحياة اللندنية ، 26-2-2002
3- UN , International Migration and the Middle East , 1987 , p. 18
4- Geography and Refugees , edited by R. Black and V. Robinson , Belhaven Press , London, 1993 , p. 66
5- Ibid , pp. 64-65
6- Ibid , p . 66
7- UN , Population Distribution …op. cit. , pp. 383-384
8- Ibid , pp. 383-384
9- Ibid , p. 386
10- فاضل الأنصاري ، جغرافية السكان ، جامعة دمشق ، 1985-1986 ، ص330
11- International Migration Review , December , 1991 , pp. 511-512
Ibid , Table 3 , p. 524