|
الإنتخابات الإيرانية وغروب رفسنجاني البراغماتي بفوز محمود أحمد نجاد المتشدد وظهوره على السرح السياسي
مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب
(Moustafa M. Gharib)
الحوار المتمدن-العدد: 1241 - 2005 / 6 / 27 - 10:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجمهورية الايرانية الاسلامية حبلى حتى النخاع بما آلت اليه خلال حكم الملالي طوال حوالي 26 عاماً، حبلى بتناقضات عسيرة كثيرة وعجيبة حيث اصبح وضعها اصعب من السابق على الرغم من عنجهية الاعلام الايراني والاعلام المؤيد له من دعاة ولاية الفقيه، البلاد التي عاشت تحت حكم اسرة بهلوي طوال فترة طويلة كانت تعاني من الفقر والجوع والحرمان والـتأخر والبطالة وفقدان الحريات وحجب ابسط الحقوق حيث السجون والسافاك الكامن على الانفاس والاتباط بالولايات المتحدة والقواعد العسكرية الامريكية وغيرها من القضايا التي كانت تذل الايرانيين وتجعلهم اسرى على الرغم من مظاهر حرية الشاه وتقليده للحياة الاوربية والغربية بشكل عام. بعد انتصار الثورة الايرانية واستلام السلطة من قبل الملالي تصور البعض ان هذا النظام الجديد سوف يحقق اذا لم نقل طموحات الشعوب الايرانية فعلى الاقل نصفها لكن هذا الاعتقاد بدأ يتلاشى منذ اول بداية عهد الجمهورية الاسلامية التي انقضت على الاكراد وسحقت اكثرية قراهم بدبابات الحرس الثوري وقتلت واعتقلت عشرات الالاف منهم بينما هرب من سطوتهم وارهابهم الآلاف الى دول العالم ومازالوا لحد هذه اللحظة فيها ثم لم تلتفت الى حقوق الشعب العربي في الاهواز لا بل تجاوزت عليهم بحجة الدين الاسلامي وولاية الفقيه وبالتالي الحملة الارهابية الشعواء ضد القوى الوطنية الديمقراطية وفي مقدمتها حزب الشعب الايراني والتي راح ضحيتها عشرات الالاف وبهذا استدلت الستارة حول تطوير الثورة وانتقالها الى البناء واعمار البلاد وخلق حياة ديمقراطية دستورية تعددية ومنح الشعوب والقوميات الايرانية حقوقها المشروعة والتخلص من الفساد والفقر واصلاح احوال الجماهير الايرانية الفقيرة وعندما بدأ الشارع الايراني بالتململ والاستنكار قامت الحرب العراقية الايرانية بواسطة نظام البعثفاشي وبدعم من قبل الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية لكبح جماح فكرة تصدير الثورة الايرانية الى دول الجوار وفي الوقت نفسه ضرب الحركة الديمقراطية فيها، ولقد انتهت الحرب كما هو معروف حيث خلت الساحة الايرانية تقريباً من قوى المعارضة واصبح الملالي القوة الرئيسية التي تدير البلاد سياسياً واقتصادياً وثقافيا وبواسطة اجهزة امنية جديدة ركنها الاساسي مخلفات السافاك الشانشاهي وكذلك السيطرة على الحرس الثوري الايراني ومليشيات الباسيج التي تقدر بعشرة ملايين متطوع هدفهم اعداء الداخل من الشعوب الايرانية!! وبعدها توفى الخميني وطول الفترة المنصرمة عاشت ايران في اوضاع استثنائية ولم تستطع الدولة الجديدة من التخلص من الافات الاجتماعية والاقتصادية السابقة بل ازدات وتوسعت في عهدها على الرغم من ايران بلد غني بموارده وخيراته الطبيعية وبامكانياته البشرية، ويبدو ان القيادة الايرانية المحافظة المتشددة بدأت تشعر بالخوف من التراكم المضاد ضدها من خلال الاضرابات والعصيانات والمظاهرات التي كانت تطالب بالاصلاح وابعاد الملالي عن مقاليد السلطة واجراء انتخابات ديمقراطية حرة لا يتدخل فيها المرشد الاعلى او مجلس صيانة الدستور او مجلس خبراء او مجلس تشخيص مصلحة النظام ولهاذا طرحت هذه القيادة المحافظة وهو ذكاء منها البديل لفكرة الاصلاحات بظهور محمد خاتمي كمصلح جديد وغذي هذا الاتجاه وكأنما محمد خاتمي يقف بالضد من القيادة التقليدية وانه المنقذ الذي سيتغلب على المحافظين المتشددين من رجال الدين الذين كانت الثورة والسلطة التي استولوا عليها قد حققت لهم جل مطالبهم ورغباتهم وتوجهاتهم السياسية والدينية ولم تنخدع الجماهير الايرانية بهذا التحول فحسب بل الكثيرين في المنطقة والعالم ودارت اللعبة بهذا الاطار وَصوّت لمحمد خاتمي مئات الالاف من المقترعين بالضد من مرشح المحافظين المتشددين وكلهم امل بان سياسة محمد خاتمي الاصلاحي سوف تنقذ البلاد من العزلة التي فيها وتحقق نوعاً من الاصلاحات بمافيها اصلاح النظام السياسيي وتحسين اوضاع الجماهير الشعبية الفقيرة لكن اللعبة وبعد دورتين سرعان ما انكشفت وظهر محمد خاتمي انه جزء من النظام التقليدي المحافظ ولا يمكن ان يكون غير ذلك فخلال رئاسته للجمهورية الذي صوَر البعض انه اصلاحي استمرت التجاوزات على حقوق الشعوب الايرانية وظلت ماكنة الاضطهاد والعنف متوجهتان ضد اي حركة اصلاحية جذرية وكذلك ضد شخصياتها المسؤولة بما فيها الاغتيالات والسجن والاعتداء والحرمان من ترشيحهم الى رئاسة الجمهورية والمجلس النيبابي وغيرها من التجاوزات التي لا تحصى.. وعندما وجد النظام الايراني ان اللعبة الاصلاحية انكشفت ولايمكن الاستمرار فيها انتقل الى تكتيك جديد يختلف اختلافاً جوهرياً عما طرحه سابقاً وظهور محمد خاتمي كرئيس للجمهورية فتجربة اعوام محمد خاتمي زادت من اصرار القوى المحافظة المتشددة على التمسك بالسلطة لخدمة مصالحها وبجميع الوسائل الممكنة وفي الجانب الثاني بدأت الجماهير الايرانية التي كانت تحلم بالاصلاحات تفقد الثقة بالاصلاحيين الحقيقين وانكفأت تبحث عن بديل آخر ثم أخيراً وليس آخراً ضعف التيار الاصلاحي الذي بقى بعيداً عن المعارضة الحقيقية للنظام وعدم الدخول في تحالفات على اساس وطني ديمقراطي بل اعتمد هو الآخر على نية تحسين النظام السياسي على بعض رجال الدين الاصلاحين وفي هذا المضمار جرت الانتخابات الاخيرة وقد حدد فوزها مسبقاً بمحمود احمد نجاد المتشدد حسب رواج الصفات الاعلامية وليس رفسنجاني البراغماتي او الاصلاحي كاروبي ففرصة نجاح الآخرين تكاد تكون متدنية بالقياس الى الاول لاسباب عديدة منها صرف عشرات المليارات من اموال الدولة في الحملة الانتخابية والتدخلات غير القانونية وغير الشرعية في الانتخابات واستغلال امكانيات الدولة ايضاً لصالح محمود احمد نجاد وما طرحه هذا الرجل غير المعروف بالقياس الى رفسنجاني او كاروبي الضابط السابق في الحرس الثوري وعمدة طهران منذ 2003 المتهم بترأس فريق لاغتيال الكاتب سليمان رشدي في برنامجه الانتخابي باعلان الحرب على الفقر والبؤس والحرمان الذي يعاني منه اكثرية الشعوب الايرانية وبخاصة اذا كنا نعرف ان هذه الاكثرية التي تعيش في فقر متقع ورأت بنفسها ما آلت اليه احوالهم واحوال البلاد ثم انتشار الفساد المالي والاخلاقي وتفاقم سوء حالاتهم المعاشية اضافة الى دعم المرشد الاعلى على الرغم من ادعائه انه لايدعم احدا و مجلس صيانة الدستور ومجلس الخبراء ومجلس تشخيص مصلحة النظام وكذلك والمؤسسات الامنية وبمساندة مباشرة من الحرس الثوري الايراني ومليشيات الباسيج التي استعملت كأداة ارهاب داخلي ضد الحركة الاصلاحية وقادتها وفي اعتقادنا ان لعبة اللانتخابات التي لم تكن ديمقراطية لا باسلوبها او بادائها حيث حرم الفي مرشح من ترشيح انفسهم بحجج مختلفة وكأنهم ليسوا بالايرانيين جرت في اجواء غير صحية بهدف الحصول على آخر موقع حكومي مسؤول لم يكن بهذا القدر اوذاك خاضعاً لسيطرة المحافظين المتشددين كما لاحظنا وعلى امتداد السنين السابقة ان القضاء الايراني التابع للمحافظين المتشددين كان منحازاً وغير نزيه في تعاطية لعدة قضايا منها اصدار العديد من احكام السجن ضد الاصلاحين والمنشقين ثم اصدار حكم الاعدام ضد المنشق هاشم اغاجابري وتبرئة عضو الاستخبارات الايرانية قاتل المصوردة الكندية الايرانية زهرة كاظمي مما خلق بعدم عدالته وتحيزه وهو ما اثر على مجرى الكثير من التطورات التي كان يجب ان تحدث في ايران . لقد اكدت نتائج الانتخابات في المرحلة الاولى ضعف المقترعين الايرانيين مما اضطر الى مرحلة ثانية من التصويت وبفوز محمود احمد نجاد دلت التجربة على ان النظام الايراني الذي يسيطر عليه المتشددين لايؤمن بالاصلاحات الا حسب طريقته ومفاهيمه ومصالحه ولهذا وضع ثقلة في لعبة جديدة على ما يسمى بالمتشدد الجديد وكأن عهد محمد خاتمي كان عهداً للازدهار والاصلاح وهو لم يكن كذلك البته، ولا بد هنا من التأكيد ان السياسة الايرانية ستبقى على الوتيرة نفسها ولكن في هذه المرة بتدخل مباشر من قبل الاجهزة الامنية والحرس الثوري ومليشيات الباسيج مما يؤدي الى اتباع سياسة ارهابية متشددة ضد المعارضة السرية والتقليدية المعروفة بالحركة الاصلاحية ولن يستطيع لا محمود نجاد ولا النظام الايراني الحالي من مساعدة اكثرية الجماهير الايرانية وتخليصها من الحرمان والفقر لأن ذلك يحتاج أول ما يحتاج الى اصلاح النظام السياسي واطلاق الحريات والديمقراطية وعدم خرق حقوق الانسان ومنح الشعوب الايرانية غير الفارسية وفي مقدمتها الشعب العربي في الاهواز وكذلك الاكراد والتركمان والبلوشين حقوقه المشروعة، كما ستشهد السياسة الايرانية توجهاً متشدداً اكثر من السابق في التدخل في شؤون العراق وزعزعة امنه واستقراره على الرغم من الدعاوى التي تقول عكس ذلك وسوف يجري دعم القوى التي تؤمن بالطريقة الايرانية وولاية الفقيه بشكل مباشر وغير مباشر في العراق او في بلدان اخرى تتبع النظام الايراني ونستطيع القول ان ايران سوف تزيد التوتر في المنطقة وستكون عاملاً ليس للاستقرار بتدخلاتها في شؤون الغير ومن خلال سعيها الحثيث لتطوير برامجها التسليحية بما فيها برنامجها النووي.
#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)
Moustafa_M._Gharib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لو كنت في مكـــان صدام حسين والعياذ بالله ماذ كنت ستفعل؟
-
لأنـــهُ كان العراق.. لأنـــهُ كل العراق
-
الانتخابات البرلمانية القادمة وضرورة انجاز الدستور الاتحادي
...
-
الاصلاحات حسب مفهوم التيار الوطني الديمقراطي
-
صرح النصوص في طريق العلامـــة
-
دعوة الشيخ الجليل عبد المحسن التويجري لكن..! ما حك جلدك مثل
...
-
العملية الأمنية ودول الجوار ودبلوماسية الحوار الهادئ
-
العلاقـــة ما بين الحكومة العراقية والقوات متعددة الجنسيات
-
القــرار الفردي والالتزام بالقوانين
-
انعكـــاس لرؤى قادمــــة
-
لمـــاذا الآن ؟ صور لصدام حسين نجومية على طريقة الاعلام الدع
...
-
ماذا يريد السيد الامين العام عمرو موسى من العراق ؟
-
الشهداء أسماء خالدة في سماء العراق وضمير الشعب
-
الارهاب بوجهيه القديم والجديد بقيادة المنظمة السرية
-
الجامعة العراقية المفتوحة ومسؤولية الدولة والحكومة العراقية
...
-
ثقافـــة الفكــر الشمولي ومنهج الديمقراطية المصنّع
-
ما يكتبه البعض من الكتاب والحسابات حول واقع التيار الوطني ال
...
-
حكومة الحد الأدنى والموقف من التيار الوطني الديمقراطي
-
الثلج والذاكرة وصديقي عدنان جبر في سفينة الرحيل
-
المسؤولية التاريخية والانسانية لمقبرة الكرد الجديدة وللمقابر
...
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|