|
لعنة الأقليات - ج1
لينا سعيد موللا
الحوار المتمدن-العدد: 4364 - 2014 / 2 / 13 - 14:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في كتابه الذي حمل عنوان (( من التائه )) يتحدث الكاتب الاسرائيلي جلعاد إتسمون عن شخصية اليهودي الذي يولد ليصور له العالم من حوله بأنه مجموعة من الأعداء المتربصين له لأجل النيل منه .
فمن ناحية يخصه الخالق ضمن كتابه المقدس، أنه ينتمي لشعب اصطفاه واختاره ليكون الأفضل لكن بالمقابل فهو مكروه مضطهد من الآخرين ..
والحقيقة أن هذا الاصطفاء قد ولد لعنة تاريخية، فاليهودي يتخيل أن اضطهاده مبني على الغيرة والحسد، في حين أن الآخر يكره فيه تعصبه وانكماشه وعدم اندماجه مع الآخرين في كل شيء .
وكنت قد قرأت في كتاب قصة الحضارة لول ديورانت، أن مؤرخاً رومانياً كتب في عام 40 ميلادية : (( تكاد لا تخلو مدينة في الامبراطورية الرومانية من حي خاص بهم، يملؤونها بعاداتهم ولباسهم وطقوسهم وسبتهم وقذاراتهم وشعورهم المجدولة ومعابدهم ولغتهم وكراهيتهم للغريب ... ))
مما حدى بول ديورانت لأن يصم هذا المؤرخ بمعاداته للسامية، رغم أن معاداة السامية إذا صحت التسمية جاءت بعد ذلك بقرون طويلة، وهي حالة شكلت فيما بعد ضغطاً هائلاً على شخصية اليهودي، وجعلته منكمشاً على نفسه أكثر، وبالتالي مكروهاً أكثر . وفي كتاب التاريخ اليهودى وطأة 3000 عام يسهب إسرائيل شاحاك الكاتب اليهودي الذي ولد في بولونيا ونجا من الهلوكوست، في الحديث عن المظالم التي تعرض لها اليهود من رجال دينهم الذين تواطؤوا مع ملوك أوروبا، ليبقوا متسلطين على رقابهم، يملكون السلطة المطلقة ويمارسونها بكل الظلم والتعسف على رعيتهم . وقد أدت هذه الممارسات لردة فعل قوية لدى الكثير من اليهود لأن يتخلوا عن ديانتهم ويعتنقوا الكاثوليكية في أوروبا في القرن التاسع عشر، أو للخروج من الغيتو والاندماج بالمجتمع العام، مما حدا بعدد كبير منهم لأن يصبح من كبار المشاهير في مجال الفلسفة والعلم والاقتصاد وحتى الموسيقى والفنون، وهي مهن منعوا من ممارستها ضمن الغيتو لمخالفتها تعاليم الشريعة .
إن المقاومة لاحساس السجن بين قضبان الأقلية، قد دفع باليهود إلى النفاذ إلى الكثير من المهن التي كانت ممنوعة عليهم، ومن أبسطها الزراعة والتدريس في الجامعات، والعمل في الصحافة العامة، والمحاماة والقضاء و...، حصل ذلك بعد تحررهم من كونهم أشخاص مميزين و من عقدة كونهم ينتمون لشعب قد خصه الخالق بما ليس لدى سواهم، وأنهم أشخاص عاديون كباقي البشر فتخلوا عن ذلك الثقل الذي عاش فوق كاهلهم زمناً طويلاً، ليختار كل منهم طريقاً للنجاة ... أما اليوم فنجدهم مسيطرين على أغلب مجالات الميديا ومجالس التدريس الجامعية وسلك المحاماة والطبابة في دول كثيرة، ولهم حضور يفوق نسبتهم بكثير في أغلب الميادين المؤئرة على الحياة العامة ، ومن الأمور التي يجدر الوقوف لديها هو سيطرتهم التامة على هوليود حديثاً باعتبارها المنبر الأكثر تأثيراً في صناعة الرأي العام العالمي، فاستحوذوا عليها وشكلوا من العاملين فيها ما يتجاوز نسبة النصف، واليوم لا يكاد يخرج فيلم من هذه المؤسسة الضخمة إلا ولليهود حضور فيها بأشكال مختلفة، وذلك لارساء رسالة واضحة، أنهم جزء من المجتمع العام وفاعلون في جميع ميادين الحياة . وفي هذا محاولة لطي صفحة الغيتو والتقوقع عن الآخرين بشكل نهائي وبات .
لقد تطور أسلوب الراباي في السيطرة على رعيته، مع خروج اليهود من أحيائهم، فقامت الصهيونية العالمية ياستثمار الخوف لدى اليهود من الهولوكوست، بإقامة الكيان الاسرائيلي وصوروه على أنه المكان الآمن الوحيد لهم .
وعندما نتطرق لاسرائيل ككيان مصطنع، نكتشف أن نشأتها تعلقت بالاحساس بالاضطهاد، وقد تم استثمار الهولوكوست بشكل دائم ومبالغ فيه لايقاظ حالة الخوف لدى عامة اليهود غارساً في وجدانهم أن إسرائيل هي ملاذهم الأول والأخير .
يقوم فكر الأقليات عامة على فكرة جوهرية وهي أنها مجموعات بشرية عرقية متفوقة مهددة بالالغاء أو الابتلاع من قبل الغير، يترافق ذلك مع سيطرة المتنفذين فيها على الكثير من حقوق المنتمين إليها، وتجييش المشاعر والعواطف لأجل تشكيل كيان خاص سياسي أو ثقافي، وفي حال نجاحها في ذلك، فإنها تقوم بعملية اقتصاص وانتقام عامة بعمليات عربدة للقوة المطلقة وبتوجيه من قبل هذه القيادة الفتية لتفريغ حالة الخوف والحقد المتغلغلة في رواسبها التاريخية، وتبقى حالة استنفار الحقد قائمة لأجل منع هذه الدولة من الذوبان مع المحيط الذي يصور بشكل عدائي مما يدفعها لارتكاب ممارسات غير إنسانية وجرائم تهجير .. وهذا ما دفع إسرائيل شاحاك للقول :
لقد جعلني النازيون أخشى من كوني يهودياً، وجعلتني إسرائيل أخجل من كوني يهودياً .
وإلى الجزء التالي قادمون
لينا موللا صوت من أصوات الثورة السورية
#لينا_سعيد_موللا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لعنة الأقليات - ج 2
-
لا لهدر الطاقات والفرص
-
الأسد القاتل
-
إضاءات على مقال مخطط تقسيم المنطقة
-
مخطط تقسيم المنطقة
-
الراهبات مقابل إطلاق سراح سجينات سوريات !!!
-
آل الأسد كظاهرة
-
بشار الأسد بلمحة سريعة
-
مسؤولية الحرية
-
إلى الأخ البطل العقيد عبد الجبار العقيدي :
-
فرصة الأكراد التاريخية
-
أوباما وإسرائيل ومستقبل المنطقة .
-
الديمقراطية والأكشن
-
لن أكون السبب !!
-
تحديات النانو
-
كيف يتحول النجم إلى نصف إله
-
ماذا لو لم يكن لدينا ثورة ؟
-
أميركا .. السعودية .. الثورة
-
انشقاق شريف شحادة
-
قدري جميل يختار موسكو
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|