وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4364 - 2014 / 2 / 13 - 14:35
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
( 1 ):
( المثقف بات اعجز من ان يقوم بتنوير الناس ).
( المثقفون هم ضحايا افكارهم ) .
المفكر علي حرب
( 2 ) :
من هو المثقف ؟
كلمة ( المثقف ) لاتعني من يجيد القراءة والكتابة , او نال قسطا عاليا من التعليم .ان الثقافة بمعناها الشامل :
( هي صناعة الحياة , والاشتغال على الطبيعة )
المفكر علي حرب من كتابه : ( اوهام النخبة , او نقد المثقف )- ط 5 – 2012 – الناشر المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب ).
والثقافة هي شكل من اشكال التواصل والتبادل . وبهذا المعنى لاانسان بلا ثقافة .
ان المثقف , بحسب علي حرب ,لايعني ( الاختصاصي )في فرع من فروع المعرفة , وليس هو الكاتب او الاديب , وليس هو صاحب العقائد والايديولوجيا . ان المثقف بالدرجة الاساس من تشغله قضية الحقوق والحريات , او يلتزم بالدفاع عن القيم الثقافية , المجتمعية , او الكونية ,بفكره وسجالاته او كتاباته ومواقفه . ان المثقف يهتم بتوجيه الراي العام ايا كان نموذجه او مجال عمله .
لقد شخص علي حرب ازمة الثقافة والمثقفين في مجتمعاتنا في الدول العربية بفقدان المصداقية الفكرية والفاعلية النضالية للمثقف , بعد تصدع النظريات الشاملة المعتمدة في قراءة الاحداث المتسارعة في العالم , وبعد انهيار المشاريع الايديولوجية والسياسية .فالشعارات المتداولة في الخطاب الثقافي , تحولت الى اسماء على غير مسمياتها ,بعد ان تكشفت محاولات الاستنارة والعقلنة عن لامعقوليتها .ان الافكار ليست شعارات ينبغي الدفاع عنها , او مقولات صحيحة ينبغي تطبيقها ,بقدر ماهي ادوات لفهم الحدث وتشخيص الواقع .
يؤكد المفكر علي حرب ان المثقف بات اعجز من ان يقوم بتنوير الناس , اذ هو اصبح يحتاج الى التنوير , بنقد دوره وتفكيك خطابه عن العقل والاستنارة , وذلك بقدر ماتعامل مع فكرة التنوير بصورة غير تنويرية ,اي على نحو اصولي او ايديولوجي . لقد تحول المثقف الى سلطة فكرية يقوم بدوركاهن – شرطي ( حراسة الافكار ) ومراقبتها . والحراسة هي على شاكلة الاقانيم المقدسة او الاوثان المعبودة.
لقد وصل المثقف الى مازقه , بعد الفشل النضالي والعقم الفكري . ومن هنا كانت مقولة علي حرب حول ( نهاية المثقف ).
ان المثقف هو فاعل اجتماعي , فهو مسؤول عن طرح الاسئلة على نفسه :لماذا تزداد الامور سوءا بعد طول النضال ؟لماذا تزداد الراسمالية توحشا ؟ لماذا يعجز الارث الاشتراكي عن ايجاد حلول لمشكلات البطالة ؟ لماذا يزداد الفقر والتهميش مع اتساع مجالات الانتاج ومصادر الثروات ؟.
على المثقف الا يتعامل مع هذه الاحداث بالعقلية الايديولوجية ,بل باعادة نقد افكاره ومسلماته النظرية على ضوء الواقع الجديد والمتغير دوما , والذي لاينتج سوى التفاوت والتفاضل .ان المجتمع البشري بنية تفاضلية , واما المساواة التامة بين الافراد , فهي وهم كبير مصيره مزيدا من الفقر والتفاوت والتمايز .ولا يعني ذلك بحسب علي حرب التخلي عن مبدا المساواة , بقدر مايعني ان المساواة هو نظام للمفاضلة والترجيح .لابد من فتح نار الاسئلة كما يؤكدعلي حرب على المقولات المتحجرة والثنائيات العقيمة .
( فليس السؤال : ما العمل ؟بل ماذا يحدث ؟ لاننا اذا لم نفهم مايحدث لن نسهم في صناعة الحدث ).ولم تعد المشكلة ان ننادي بتغيير العالم , بل ان نعرف كيف يتغير ويتحول ؟.
مشكلة المثقف والمفكر الان ان يعمل على صياغة مفاهيم جديدة للحقيقة والعدالة , او للحرية والاستنارة , او للهوية والامة , فضلا عن السلطة والدولة والمجتمع .
مشكلة المفكر هي في افكاره : اعادة ترتيب العلاقة بالافكار لنسج علاقات جديدة مع الواقع , من خلال شبكة جديدة من المفاهيم . ذلك ان المفكر هو فاعل فكري بالدرجة الاولى , بمعنى انه يسهم في تغيير العالم بخلقه عالما للفكر , ويقلب الاوليات بقدر مايجترح منهجا للتفكير , ويغير واقع السياسات بقدر مايبتدع ممارسة فكرية جديدة ومغايرة .
في ضوء هذا الفهم لايعود النقد موجها ضد المثقف , بقصد المحاسبة او الادانة , بقدر مايصبح محاولة لفتح امكانات جديدة لعلاقة المثقف بذاته او بغيره وبالعالم . وبصورة تؤدي الى اعادة ترتيب علاقات القوة بينه وبين رجل السياسة بشكل خاص . ان النقد بهذا المعنى هو الذي يتيح لنا ان نفهم لم نقول بالعقلانية ولا نحصد سوى اللامعقول ؟ . النقد يكشف لنا تسلطنا على من نريد تحريرهم وجهلنا بما نريد تغييره , وتراجعنا عما نحن عليه . لانه يفضح ديكتاتورية مقولاتنا وسلطوية معارفنا , ويعري ماتمارسه خطاباتنا من آليات الحجب والاقصاء والتمويه , ويكشف عن منطقنا الاصولي التراجعي ( الرجعي )في التعامل مع الاحداث والافكار والاشخاص .
يؤكد علي حرب ان المفكر الذي لايستطيع تغيير العالم فكريا , بتجديد افكاره , لن يغير شيئا . ذلك ان المفكر فاعل اجتماعي لكونه فاعلا فكريا قبل اي فعل آخر . المفكر يمارس عالميته بقدر مايضطلع بمهمته في انتاج الافكار وابتكار المفاهيم . وهذا شان المفكرين المنتجين . مثال ذلك المفكر فوكو الذي لم يستطع الماركسيون ان يروا منه سوى كونه مناهضا لماركس . ومناهضة ماركس , هي تهمة عند اتباعه من الاصوليين الذين يؤلهون مقولاته مع افكاره كما لو انها تعاليم مقدسة . والاصولية بهذا المعنى ,بحسب علي حرب , هي التي ادت بالفكرة الماركسية الى الجمود والانغلاق والتراجع ,وهي التي جعلتها تمارس رجعية في الفكر وديكتاتورية في العقائد وامبريالية في الشعارات , فضلا عن كلانية المجتمع واستبداد القيادة والحزب وارهاب الزعيم الاوحد والامين العام .اما فوكو فقدفرض نفسه على ساحة الفكر في اوربا والعالم اجمع , باعماله الفكرية الفذة ومفاهيمه المبتكرة والتي تفسر لنا فشلنا الذي ندافع عنه , وزمننا المظلم الذي نشكو منه , او عجزنا السقيم والمقيم والذي نخشى الخروج منه .
( 3) :
اوهام النخبة
لقد انتقد علي حرب (يورغن هابرماس ) , حيث اعتبر هذا الفيلسوف ان مشروع الانوار صالح في اسسه النظرية , وان الخلل الحاصل هو امر عارض لايطال الجوهر . وهذا موقف ماورائي كما يؤكد علي حرب , لايختلف عن موقف الاصولي والماركسي القائلين بان الاصول صحيحة وان الخطا ناجم عن التطبيق .كلا الموقفين ينزه الاسس ويعصم النماذج . والذين يفعلون ذلك لاخيار لهم سوى القفز فوق المتغيرات , اوانتهاك الاسس والتعاليم على ارض الواقع .نحن هنا ازاء صيرورات تخيلها فلاسفة التاريخ لتقدم البشرية , ابتداء من هردر و لسنج وصولا الى هيغل وماركس . انها سيناريوهات مدججة بالافكار والنظريات كتبها مثقفون حالمون باقامة فردوس ارضي ليبرالي او اشتراكي . ومن هذه السيناريوهات ,السيناريو الماركسي , حيث تتوقف الصراعات وتتلاشى الطبقات في المجتامع الشيوعي اللاطبقي وتنتهي الحروب والمجاعات , وتزول الدولة على يد البروليتاريا التي ستنتصر على اعدائها الطبقيين , وتكتب ( نهاية التاريخ ) بتحرير البشر من العبودية الاستغلال . المفارقة في الخطاب الماركسي انهم سعوا الى تحرير البشر من عبودية الاديان في حين انهم تعاملوا مع فكرة التقدم كديانة حديثة يدينون لها .لقدعصموا ماركس ولينين وستالين وماو , واقاموا معهم علاقات لاهوتية تقوم على العبادة والتقديس . ان المسكوت عنه في الخطاب الماركسي هو الوقوف عند زمن معين , هو زمن ماركس او لينين او ستالين او ماو , والذي جرى التعامل معهم كالتعامل مع الوحي لدى الاسلاميين .بمعنى انه شكل نهاية للتاريخ وكمال العقيدة ونهاية العلم .من هنا كانت علاقة الماركسيين بالزمن علاقة رجعية , تماما كما هي علاقة الاسلاميين باصولهم . فالابتعاد عن الاصول يعد تراجعا وانحطاطا . ومن هنا كان الماركسيون ( التقدميون )يتراجعون فكريا الى الوراء فيما هم يريدون التقدم الى امام .
يؤكد علي حرب ان اهل التقدم والتحر ر شكلوا احزابا اعادت انتاج العبودية القديمة على نحو اسوا , كما كان الامر ايام ستالين او ماو , حيث تكون محتمع شمولي , افراده يرهبون بعضهم البعض .
(4 ) :
الخاتمة
يتسائل علي حرب :
( هل نحن اكثر عقلانية وليبرالية وتقدمية من الفارابي وابن عربي ؟ ).يجيب علي حرب بان ( ابن عربي ) كان اكثر انفتاحا وليبرالية وهو الذي قال (اصبح قلبي قابلا كل صورة ) من كارل بوبر والذي مارس ليبرالية حصرية استعدائية جعلته لايرى سوى التخلف والدوغمائية والاستبداد خارج الحضارة اليونانية القديمة والحضارة الغربية الحديثة .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟