أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المنصوري - الموقف من الدين















المزيد.....



الموقف من الدين


سامي المنصوري

الحوار المتمدن-العدد: 4363 - 2014 / 2 / 12 - 18:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذه المقالات ليس من تأليفي وانما مقتضبات واقتباسات و ملخصات واستنتاجات من بطون الكتب والمقالات والنشرات والابحاث من مصادرها كيفما وردت لكتاب وباحثين أجانب ومستشرقين وعرب منهم المسلم او المسيحي او لا ديني والعلماني وغيرهم بهذه الصوره جمع مقال عام شامل بصوره حياديه ومعتدله -
انا لا اعتمد للمراجع البحثيه على الكتاب العقائديين و المتطرفين في الاديان والمذاهب والملل لان الشيعي متعصب والوهابي متعصب والمسيحي الارثوذوكسي متعصب الخ الخ والغرض من المقال ليس اظهار عيوب الديانات بل اظهار وجهات النظر المختلفه كلن حسب معتقده دون تدخل مني و لمقارنة الاديان مع بعضها البعض ومع الحضارات السابقه والاساطير والحكايات في قديم الزمان - لتوضح معنى الديانات واصولها تجريدا من تدخل الخالق الاله الله ولتؤكد ان الاديان بشريه الصناعه بالصوره والصوت والمنطق لا غير - أنا باحث في التاريخ و الاديان و الكائنات الفضايه
اذا كنت ديني عقائدي متطرف الفكر لا تقرأ المقال لأنه عكس هواك

نصوص حول الموقف من الدين
من نقد السماء إلى نقد الأرض

لا أطمح بهذا التقديم إلى الأجابة عن أسئلة ما زالت معلقة حول الدلالة التاريخية لظهور الإسلام ، حول الفئات و التشكيلات التى عبر عن مصالحها ، حول معنى الصراعات الفكرية - الإجتماعية و الحروب الأهلية التى دارت رحاها على إمتداد قرون تحت رايته ، حول الأنظمة و المدارس المتباينة بله المتناحرة التى ادعت كلها نسباً إليه ، حول خصوصياته كدين، من الفه إلى يائه ، شرقى ، حول مقارنته بالمسيحية و اليهودية المعتقلين ، وحول الأسباب العميقة لظهور و سقوط بعض الأنظمة التى ولدت تحت سمائه ، وحول وضعه الراهن ؛ متعهداً بمحاولة الأجابة عن كل ذلك في كراس قادم . ولكن هذا التحفظ لا يعنى أننى لن أمس الآن هذه أو تلك من أشكالات التاريخ الإسلامى الوسيط و الحديث و بخاصة الحركات الشيوعية فى القرنين الثالث و الرابع .
كل ما أطمح إليه من هذا التقديم هو مساعدة قراء هذا الكتاب الثمين على قراءته قراءة نوعية تستلهم من نقد لينين لاوضاع روسيا ومبرريها سلاحاً لنقد أوضاعنا الراهنة و مبرريها و على رأسهم القيادات " اللينينة العربية التى تشبه " الفجل حمراء من الخارج و بيضاء من الداخل " ( لينين)، استعداداً لنقدها و نقدهم بالسلاح .
من مفارقات تاريخنا الحديث ، وهى تستعصى على العد ، أن هذا الشرق الذى ولد فيه الدين لم يلد فيه ، فى تاريخه الحديث، نقد الدين . لأن الطبقات الصاعدة التى تجرأ على نقد الدين فى تاريخ أوروبا الحديث لم يعرفها تاريخنا الحديث إلا كطبقات مجهضة تخشى النقد و الثورة أكثر مما يخشاهما رجال الدين و رجال الدولة أنفسهم .
ساد فى العصور الأوربية الوسطى ثلاثى الله ،الملك و العالم وحدة لا فكاك لها.على امتداد هذه العصور و على قامة هذا الثلاثى نمت المعارضات المختلفة وانفجرت الانتفاضات الشعبية، الثورية و الرجعية التى ما كانت تتخفى وراء قناع الدين أو المطالبةــــــ1 قليلة النفقات الا لتواجه مسموم سهامها للنظام الإجتماعى الأقطاعى الذى عاش دهره .
من الطبيعى أن يكون نقد سيطرة الأقطاع بالفكر و السلاح نقداً مباشر للكنيسة التى هى تركيب هذه السيطرة الأكثر شمولاً ودورها الأكثر حماساً . لأنه كان على القوى البورجوازية الصاعدة ، التى تحتقر الشروط الإقطاعية السائدة في وعى الجماهير ، أن تنزع تاج القداسة و تنزل بها من سماء الله إلى أرض الناس . وهكذا " تحطمت الديكتاتورية الروحية للكنيسة التى نبذتها أغلبية الشعوب الجرمانية مباشرة باعتناقها البروتستانية . وكان الفكر الحر النشيط الذى أخذته الشعوب الرومانية عن العرب و غذته بالفلسفة اليونانية الحديثة الإكتشاف ، بعمق جذوره أكثر فأكثر عند هذه الشعوب و يمهد لظهور مادية القرن 18 ع " (1) .
قدم تحالف الملك ، الإقطاع و الكنيسة نفسه كتجل لارادة السماء التى لا مراد لها . أما نظام البورجوزاية فقد قدم نفسه وما يزال على أنه تجل لا مراد له هو الآخر لإرادة الإقتصاد . هكذا جعلت البورجوازية مملكتها من هذا العالم . وصنعت إلهها بيديها .
تتويج الإفتصاد ، إقتصاد الإنتاج ثم إقتصاد الإستهلاك على عرش الإرض كان يتطلب ، فى البدء كشرط ضرورى ، نزع تاج اله السماء الذى كان يغطى الأرض بظله .
تقلد هذه المهمة فرسان اقلامها الذين عروا حقيقة الوهم الدينى بكشفهم عن جذوره الأرضية : " فهو الحكومة هو الذى يجعل الدين ضرورياً . لأن الإنسان عندما يعيش حياه بائسة يفكر تفكيراً بائساً . تحرير الأنسان من الدين مشروط بتحريره من الظلم "(2) . وكتب ديدرو : " سيظل النوع الإنسانى بائساً طالما ظل على الأرض ملوك ، قوانين ، ملكية خاصة Le mien et Le tien وكلمات الفضيلة و الرذيلة " . وحارب فقهاؤها ، بأسم التشريع الرومانى ، حملة الكنيسية على الربا ، ظاهرياً بأسم شريعة المسيح وفى الواقع بأسم مصلحة النبلاء ، بعنف لم يفقه ، فيما بعد إلا عنف البورجوازية و الكنيسة معاً فى محاربة مطالب العاملة الفنية .
كان معظم مفكرى عصر التنوير ملاحدة . وكانوا عموماُ ثوريين فكراً و ممارسة إذ إنهم كانوا طرفاً مباشراً فى الصراعات و الأنتفاضات الدورية التى أمتلأت بها حقبتهم العاصفة .
ولم يكونوا ، كما هو حال الكتاب العرب اليوم على هامشها ، و لم يكونوا أيضاً و خصوصاً أسرى ضيق أفق الطبقة المبتذلة التى أرسوا قواعد سيطرتها .
وهذا ما جعل رؤياهم و تحريضهم الثوريين يبلغان ذلك الحد من الراديكالية الذى ضاق به صدر طبقتهم بعد أن سيطرت وسادت .
" كان أبطال هذا العصر لم يصبحوا بعد عبيداً لتقسيم العمل الذى كثيراً ما نشعر بالحدود الكبرى التى يفرضها على خلفائهم و ضيق الأفق الذى يولده عندهم " . ( انجلز) .
لقد ذهب بعض منهم بعيداً فى تحريضه الثورى مثل دوشان و مسيلى Meslier الذى حرض العمال بالإضراب العام و العصيان المدنى : " أتركوا كلياً خدمة هؤلاء الناس العتاه و العديمى الفائدة ، اطردوهم طرداً من مجتمعكم ، و بهذه الوسيلة سترونهم قريباً همشياً كالأعشاب التى لم تعد جذورها تمتص نسغ الأرض " راديكالية هذا التحريض كانت صدى لراديكالية تمردات الفلاحين الدورية ( 1630-1789 ) ولأنات الشعب المكبل و مطالبه التى لم تعد تحتمل المماطلة .
لكن القرن 18 ع لم يكن خيراً كله : ففيه نزل الإنسان من سراب الإقطاع إلى مادية البورجوازية الوضيعة ، من التجربة اللاهوتي إلى التجسيد الدنيوى ، من أغتراب الإنسان أمام الطبيعة إلى أغتراب الإنسان أمام الإنسان ، أغتراب العامل أمام المعلم عبر سيادة العمل المأجور : " هذا الشكل الملطف من أكل لحوم البشر ( ماركس ) . وأخيراً الإنسان فى القرن 18 ع من السعادة الوهمية إلى الشقاء الفعلى : من الإقطاع إلى البورجوازية و لسان حالة يقول : الجنة غير موجودة أما الجحيم فنحن فيه .
لقد عرى النقد البورجوازى للدين الأغلال من الزهور الخيالية التى كانت تغطيها لا لكى يحطم الإنسان الأغلال و يجنى الزهور اليانعة ، بل لكى أغلاله بمهانة . وهنا يكمن الفارق النوعى بين النقد البورجوازى للدين و النقد البروليتاري للدين .
هذا الأخير هو نقد نهر الدموع المكلل بالدين ، هو الإنتقال من نقد السماء إلى نقد الأرض الرأسمالية ، هو نقد لسلطة الإنسان على الإنسان فى آخر شكليها : البورجوزاية و البيروقراطي . من البديهى أن هذه المهمة لم تكن مهمة البورجوازية بل هى مهمة البرليتاريا الراديكالية راديكالية الأغلال التى تحملها . و يومئذ كانت البروليتاريا ما زالت طفلاً يشكو ولم تصبح بعد عملاقاً يتحدى .
انجلى غبار ثورة 1789-92 على سقوط مملكة الحق الإلهى و ظهور جمهورية الحق الإقتصادى فى فرنسا ثم جل أوروبا . اندفعت البورجوازية ، فى نشوة انتصارها ، إلى استبدال ميلاد المسيح ، باعتباره تاريخ العهد البائد بتاريخ ميلادها هى ، كطبقة سائدة - اقتصاديا و سياسياً واديولوجياً ، باعتبارها بداية للتاريخ الإنسانى حقاً . وهكذا أصبح عام 1792 فى التقويم المسيحى هو العام الأول فى التقويم البورجوازى للجمهورية الظافرة .
لكن هذا التحدى غير الحكيم انتهى مع دستور 1804 ( العام 12 حسب التقويم البورجوازى ) . ذلك هو عمر الثورة البورجوازية لا باعتبارها انهاءاً لصنع التاريخ بارادة السماء تدشينا لصنع التاريخ بارادة الإقتصاد ، بل باعتبارها بداية للتاريخ الإنسانى الذى سلمت ضمنياً ، بعودةتها لتقويم العهد البائد ، بأنها ليست هى التى ستدشنه بل أن البروليتاريا الثورية هى التى ستضيع نهاية لما قبل تاريخ الإنسان . هكذا عادت إلى البورجوازية الحكمة ، حكمة فولتير : " يجب أن يقاد الشعب لا أن يعلم ، لأنه ليس جدير بذلك . السماء الغبية و الأرض الغبية ضروريتان للدهماء الذين ليسوا إلا بقراً يحتاج إلى نير ، إلى مهماز و إلى العلف (..) وإذا لم يكن الله موجوداً فيجب أن نخلقه " لحفظ النظام ! وفعلاً خلقت البورجوازية الهها : " الله هو السيطرة الغريبة نمط الإنتاج البورجوازى " ( انجلز : انتى دوهرنج ) . ذلك لأن الإقتصادية التى خلقوها بأنفسهم ، خلقوها بوسائل الإنتاج التى أنتجوها بأنفسهم ، كما لو كانوا خاضعين لقوة غريبة عنهم ، شاء و قدر لا يفهمون له كنها ولا يسطتعون لشروره رداً .
وهكذا بعد أن كانت السلطة المراتبية ( سيادة طبقية على أخرى سيادة المراتب العليا على الدنيا ) مبررة ، فى التشكيلات السابقة البورجوازية ، بالأسطورة ثم بالأديان شبه التاريخية ، أصبحت فى نظر البورجوازية التى أعلنت ، ولو موقتاً موت الله ، مبررة الطبيعة الإنسانية المزعومة التى تجعل من الملكية الخاصة - أى حرمان الشعب ، الذى هو مجموع الجموع التى انتزع منها أعتبارها و اغتصبت منها حقوقها ، املاكها ووقتها ، من ــــــ2بالحياة ، من تقرير مصيره في الحياة اليومية ، من وضع لفصل الطبقة العاملة عن ملكية و سائل الإنتاج و لفصل العامل منتوج عمله - فطرة إنسانية ؛ جوهراً أبديا ، لا منتوجاً اجتماعياً لتطوير تاريخى مدرك أو قابل للإدراك .
عدلات البورجوازية عن تقويمها الخاص لأنها تعرفت على نفسها - كطبقة معادية لقد مات ثورتها نفسها التى جعلت التحرير الشامل للبروليتاريا ، و بالتالى للإنسانية ، ممكناً نظرياً باستئصال سعادتها الوهمية و ممكناً عملياً بتوفيرها الشروط المادية لتحقيق سعادتها الحقيقية - فى العهود البائدة لقد تعرفت على مصلحتها الحيوية فى التصالح مع الدين لأن نضالها ضده هو نضال غير مباشر ضد نفسها " لأن نقد الدين ، هو بالقوة ،نقد هذا النهر من الدموع المكلف بالدين " ( ماركس) .
لأن نزع الأشكال الدينية للاستلاب يفترض نزع أشكاله الدنيوية ، لأن تحرير الإنسان من رق آلهة السماء الوهمية يقتضى تحريره من آلهة الأرض الحقيقية: الملكية الخاصة ، العائلة و الدولة .. ولانها عرفت أخيراً أنها طبقة تجمع الطبقات الجلادة، " تحتاج إلى جلاد و كاهن " ( لينين ) ، جلاد لقمع الثائرين و كاهن ( أقرا أيضاً صحافى ، معلق تلفزيون مخرج، ستاذ ، كاتب ، نقابى ، ستالينى ، معلن..) لقمع الوعى النقدى الشعبى بسلاح الأديولوجياً . لأن استمرار سيادة البورجوازية أكثر من سيادة أى طبقة سبقتها ، رهن ، بالتوازى مع تنميتها الإنتاجية و الإستهلاكية ، باستمرار تخلفها للوعى .
لأنها تدرك أن هذا الوعى ما أن يتحرر من سلبيته حتى يرمي بها أرضاً . حدث اليوم عملياُ ، فى المجتمعات الصناعية ، ما تمثله ماركس للريا : سيقتضى الصناعة على الدين أو بالأقل ، تجعله كذبة مكشوفة ، ( الأديولوجيا الألمانية ) .
لهذا السبب تم فىالغرب( الولايات المتحدة أوربا + اليابان ) كاد الاستغناء عن مؤسسات أديولوجياً القمع العتيقة البعيدة الأنتاج ( الدين ، الأخلاق و قريباً الحزب ) لكن دون أن يتم إلغاؤها ، لأنها ما زالت رديفا فلكلورياً لترسانة القمع الجديدة الممركزة و الخاصة لإشراف الدولة التى تهيمن بدون منازع على آلية lnecanisme الإستهلاك . وسائل الإعلام من التلفزيون إلى الاعلان لأنها بدون بسط سيطرتها على هذه الأدوات التى تخلق بها الرأى العام السلبى لا يستطيع كذبها المنظم أن يصمد أمام انتفاضة الوعى البروليتاري حالما يعى شروط تزييفه . تزامن ظهور الآلهة مع ظهور التبادل غير المتساوى بين الأفخاذ و القبائل و مع ظهور نظام المراتب . لجعل اللامساواة بين المتبادلين غير المتكافئين مشروعة ، لخنق صوت الأحتجاج عند ضحايا الغمط و عند ضحايا السلطة المرانبية ، لجعل قانون القوة قوة القانون ، لكى يصبح الإرغام الخارجى واجباً من واجبات الضمير ، كان لابد من مبرر أعلى من الإنسان و متعال عليه يقدم للضحية العزاء و يقدم لجلادها المبرر ، يصبغ على تنظيم العلاقات الإجتماعية الذي صاغه الناس بأنفسهم العمل إلى ذهنى و يدوى الذى اقتضاه نظام المراتب ، هيبة سلطان القداسة الأسطورة فى المجتمعات الرعوية ، و القداسة الدينية فى المجتمعات الزراعية .
لكن تقسيم العمل لم يكن وليد صدفة بل كان وليد وضع محدد من تطور المجتمع البدائى الذى أندفع ، ولو بثمن مظلمة من حجم مظلمة تقسيم العمل ، لتنظيم بقائه على قيد الحيا معفياً فصيلاً من أعضائه من الأضطلاع بمهام الإنتاج المباشر لأشياء الحياة الضرورية ( زراعة الأرض ) ، ومخصصاً خصية من مواده لصيانة مؤسسات أديولوجية صرف . لم تكن هذه المؤسسات الدينية ، بالنسبة للنخبة السائدة بدون مردود : فقد كانت تعوض عدم كفاية القوى المنتجة بفضل تسويغها للضرورات التى كانت تنظم العلاقات الإجتماعية المتناسبة مع درجة تطور هذه القوى ، كما كانت تقنن أستخدام الزمان و المكان مقيمة الفواصل و الحدود بين المقدس و المدنس le Sacret et Profane و كانت بوجودها ذاته تحقق عدداً من الإكراهات : الدولة، المعابد ، القصور ... و باختصار استطاعت المؤسسات الأيدلوجية الصرفة ، بتوحيدها لمؤسسات الدولة البدائية مع مؤسسات الله ، أن تحصينها من معارضة الجماهير المظلومة التى كان عليها أن تخشى الله على الأرض ( الدولة ) بقدر ما تخشى الله نفسه . " لقد لعب الدين و السياسية نفس الدور ؛ لقد و عظ الدين الناس بما كان الإستبداد يريده : إحتقار النوع الإنسانى ، عجزه عن تحقيق الخير بأى درجة كانت و عجزه عن أن يكون شيئاً ما بنفسه ( هيجل) .
أحتقار الجسد كمكان للخطيئة ، و أحتقار الحياة كدار فانية و تحويل جريمة التضحية بالنفس فى سبيل الآخر ، حاكماً كان أو إلهاً ، إلى واجب مقدس .
أين وصلت المسألة الدينية في الغرب ؟
شيئاً فشيئاً ، و بشكل حاسم ، فى النصف الثانى من هذا القرن ، أستبدلت المؤسسات الدينية التى صدأت سيوفها فى الغرب بمؤسسات المشهد : le Spectacle سيطرة المظهر علىالجوهر . " يقدم المشهد نفسه كإيجابية هائلة لا مرية فيها ولا ــــــــ3. فهو لا يقول أكثر "من أن ما تشاهده خير ، و الخير تشاهده " .
و الموقف الذي يفرضه المشهد هو مبدئياً القبول السلبى الذى قد حصل عليه بطريقة ظهوره التى لم يواجهها اعتراض و باحتكاره للمظهر " ( جى دوبور) .
حدث هذا التحول لأن المؤسسات القديمة أستنفذت أغراضها بامتلاك المجتمع البورجوازى المعاصر القدرة التقنية على إنتاج الإكراه و الضرورات و الحدود القديمة تحت أشكال جديدة .
لم تعد المراتبية الغربية اليوم بحاجة إلى المعبد و الكاهن لشل بذور التمرد فى وعى طبقية العبيد الجدد : البروليتاريين المحرومين من استخدام وقتهم للاستمتاع بحياتهم . لقد أستبدلت المعبد و الكاهن بالمعمار l,urbaniame : التنظيم الإلزامى للمكان و العزلة ، بالتليفزيون و بالأستهلاك .
السعادة لم تعد وعداً إسطورياً كما كانت فى الدين ، بل أصبحت الزاماً إقتصادياً : أيها العامل كلما ازدادت انتاجيتك و كلما أزدادت أستهلاكك أزدادت سعادتك .
هذا هو ما يميز الإستهلاك المشهدى ، وريث الدين : إعطاء الثواب عن الحرمان الفعلى ، فى العاجلة لا فى الآجلة . الجنة لم تعد في السماء بل فى المخازن ..وويل لأصحاب الجيوب الفارغة !
تماماً كما فى الدين ، لا فرق بين عربى و أعجمى إلا بالت
قوى ، كذلك فى حضارة الإستهلاك ، لا فرق بين أسود و أبيض بين أهلى و غريب ألا بكمية البضائع المستهلكة .
الإقتصاد الرأسمالى العقلانى فى الظاهرة تحكمه فى الواقع لا عقلانية جوهرية : لأنه ، لكى يتفادى الأزمة : إختلال التوازن بين القدرة الشرائية و كمية البضائع المعروضة فى السوق ، بين كثرة الإنتاج و قلة الإستهلاك ، أستنجد بالتبذير و بديكتاتورية الإستهلاك .
هكذا بمقدار ما أنتج إقتصاد الإستهلاك من تعددية الأشياء المفرغة من القيمة الإستعمارية بمقدار ما أختزل الإنسان المتعدد .
الأبعاد إلى بعدين أثنين : منتج - مستهلك . منتج لاى شئ قنابل _______4 ، فسفور، ميكروبات الحروب البيكتيريولوجية ..) و مستهك لأى شئ ( من الأسبرو المدمر للأمعاء إلى المعلبات المغشوشة بالزئبق السام ..) . ديكتاتورية الإستهلاك ( ديكتاتورية البورجوازية المعاصرة ) هى استبدادية توتاليتارية من طراز جديد لا تفرض نفسها الآن ( مندري غداً ؟ ) بالعنف البوليسى على رعاياها ( لكن بالمقابل تفرض نفسها فى المستعمرات، فى فيتنام بفاشية جديرة بآكلى لحوم البشر ) بقدر ما تسلل بعنفها غير المرئى و المدمر - تماماً كما فعل الدين _ سريرتهم ، كمستهلكين سلبين ، عبر عقلانية بكنوقراطية تجرد الإنسان _ الذات من نقديته و إنسانيته معاً جمعياً ، مختزلة آياه إلى بضاعة تنتج البضاعة و تستهلك بضاعة و الصور .
ليست الحضارة الإستهلاكية المعاصرة إلا مراكمة منوعة بضائع : راديوات ، تلفزيونات ، برادات ، سيارات إلخ. لكن المستهلك السلبى ، الذى يفعل الحب و لا ينفعل ، فهو ، فى واقع أله ، كلما إزداد ثراؤه الكمى بامتلاك الأشياء إزداد فقره النوعى امتلاك الضجر له و ابتعاد حلم السعادة الحقيقية المعايشة التى جعل منه إنساناً مستلباً مشطوراً على ذاته هزولاً عن الآخرين الذين لم تعد علاقاته بهم إلا علاقات بين الأشياء .
العامل فى الغرب اليوم وهو فى شقته المكيفة ، التى عزلته عن الناس لترغمه بدون عصا على الأستماع لرسالة النبى الجديد الذى يعلم الناس الإكتفاء بمشاهدة تمثيل الواقع بدلاً من عيش الواقع : التليفزيون الذى جعل الأب لا ضرورة له و الروح و الفكر أشياء يخطاها الزمن ، ليس أقل شقاء من جده الذي كان ينام فى القرن 19 ع ، مع الخنازير فى البيوت أفاض أميل زولاً فى وصفها و نتعرف عليها فى مخيمات اللاجئين و أحياء العمال العرب اليوم !
تماماً كما أعطى الأنبياء القدامى بدون رصيد لتزيف مطلب الإنسان فى عيش السعادة ، خلقت الطبقة السائدة فى الغرب حاجات مزيفة لدى الناس و قدمت لهم بضائع بدون قيمة استعمالية لإرضائها بشكل لا يقل زيفاً .
كما خفض الدين الإنسانية البرئية إلى أشلاء من العبيد الخطاة الراضين بعبوديتهم باعتبارها قصاصاً مستحقا عن الخطيئة الأصلية ، حول المشهد الناس إلىأشلاء متساوية فى التفاهة ، فى الإقبال على الإستهلاك و فى معايشة الضجر .
إذا كان لأبناء العالم القادم أن يتذكروا البورجوازية بشئ ، فبكونها نقلت رعاياها من عصور الموت جوعاً إلى عصر الموت ضجراً . كما قضى الدين على التعايش فى إنسجام بين الإنسان و العالم و خلق لفصلهما سلسلة من الشاشات و الوسائط ، كذلك قضت الحضارة البورجوازية على التواصل Communication الإنسانى بما خلقته من شاشات ، وسائط ، وبضائع .
وقضت على مكان هذا التواصل بالذات : على الشارع الذى كف عن كونه مكان لقاء وحوار بين ساكنية ليصبح مكان صف السيارات وموضوعاً لرقابة البوليس .
وقضت أخيراً على الطبيعى فى الطبيعة و الإنسانى فى الأنسان . فى مرحلة إقتصاد الإنتاج إستبدلت البورجوازية شعار النبلاء : الوقت من أجل اللذة بشعارها الكثيب : الوقت من أجل الإنتاج . ثم فى مرحلة إقتصاد الإستهلاك .
لذا نرى بدايات المشروع الثورى الذى بدأ يعبر عن نفسه فى الإضرابات العمالية النوعية ، الجديدة شكلاً و مضموناً وفى إنتفاضة ايار 68 ، يرفع شعار العودة إلى الوقت من أجل اللذة بدون عودة النبلاء .
وهى عودة أصبحت مستحيلة تاريخياً .
ليس فى المشروع الثورى الغربى ، كما سيتراءى لمنظرى التخلف المتخلفين أى طوباوية طفولية . فالتيكنولوجيا و بالتحديد الأتمتة automation ( الآلية - الذاتية ) قضت نظرياً على عصر التعب و دشنت عصر اللعب الآلة و الأدمغة الألكترونية تسمح الأن بأن يصبح الوقت المرصود للإنتاج القيم الإستعمالية فقط _ هامشياً . و الوقت الموظف فى الإستمتاع الحر بالحياة الحرة أساسياً .
لكن ذلك لم يقع و لن يقع حتى يطاح بسلطة البورجوازية .
فى المجتمع الغربى إنتقل الثوريون من نقد المؤسسات اللاهوتية نقد مؤسسات الثقافة الجماهيرية الممركزة . ولن تطيح ثورة الشيوعية القادمة فيه بالدين ، فهذه مهمة قد انجزت ، المشهد .
من نقد اللاهواتية إلى نقد الإستبداد البيروقراطى
فى العالم البيروقراطى ، الماركسى اللينينى ، إستبدلت عصمة الكنيسة بعصمة الحزب البيروقراطى الواحد *استبدلت المثالية الدينية بالاديولوجيا المادية البيروقراطية و استبدل المسيح بستالين ( ستالين هنا هو رمز للأمين العام للجنة المركزية فى الأحزاب البيروقراطية ) فهو " أعظم الفلاسفة فى كل العصور " ( اراجون)
Aragon وهو " صاحب القدح المعلى فى الفن و الأدب" (روحى جارودي ) وهو ( الأب العبقرى لجميع الشعوب " (لومانيتى ، جريدة ح.ش.الفرنسى ) على الأرض كما يسوع أباها الذى فى السماء ...

سر هذه الظاهرة يكمن فى واقع أن الطبقة البيروقراطية عندما تكون ما زالت لم تنجز مهمة التراكم البدائى لرأس المال ، عندما تكون مازالت فى مرحلة التكون التجريبى و إكتمال الملامح ، تكون بحاجة إلى أيدلوجية كلية الإستبداد و معصومة متجسدة فى زعيم كلى الإستبداد و معصوم هو الآخر ( ستالين ، ماو ) لتوطيد سيطرتها على الفلاحين ، على العمال ، ثم على الجميع . و لقمع الصراعات الزمرية فى صلب الطبقة ذاتها .
فى هذه المرحلة لا تستطيع البيروقراطية فرض سلطتها المطلقة إلا بالإرهاب المطلق داخل و خارج صفوفها ، بالمركزية و الإنضباط الحديديين و بدقة طقوسية فى عبادة التسلسل المراتبى إبتداء من الإعلام إلى المرتب . حسب المرء الرجوع إلى تاريخ الكنيسة ليجد تشابهاً مذهلاً بين مراتبية الكنيسة و مراتبية الأحزاب البيروقراطية . لكن ما أن ينجز التراكم بوسائل سماها بوخارين همجية ، وما أن تكتمل ملامح الطبقة البيروقراطية و تتبلور مصالحها بما فيه الكفاية حتى تصبح قيادة أركانها إلى درجة تزيد أو تنقص ، حسب الحالات العينية ، محكومة بالمصالح الموضوعية للطبقة ككل لا بانفعالات أو إجتهادات الزعيم اليونابارتى . وهكذا تقل حاجاتها أوضح شاشة مقدسة ( أيدلوجيا ، زعيم ) بينها و بين رعاياها . وتتخلى بالتالى عن عصمة الأيديولوجية ( التحريفية الخرتشوفية ) وعن عديلها و ضامنها : عصمة الزعيم الذى يتحول من أب عبقري لجميع الشعوب إلى " شقى ، طاغية و مجرم " على حد وصف تقرير المؤتمر العشرين لستالين . فى هذه المرحلة تنتقل الطبقة المتشكلة من عبادة القائد إلى عبادة القيادة الجماعية ، من الحاجة إلى البطل البيرزقراطى إلى الحاجة إلى الكادر التكنوقراطى ( من لين يبار إلى شوان لاى ) ، من عبادة الدوجم dogme إلى عبادة الذرائعية : الفعالية فى زيادة الإنتاج و الإنتاجية .
ويصبح قمعها لمعارضيها خاصة داخل صفوفها أضيق نطاقاً ، أقل دموية و أكثر تخفياً ، لأنها باتت أكثر ثقة بنفسها و برسوخ سلتطها .
يتزامن هذا الإنتقال مع إنتقال آخر : من التشويش على الآوضاع الراهنة العالمية و التحريض اللفظى ضدها إلى الواقعية فى السياسة الخ
ارجية التى تجد تعبيرها فى التعايش السلمى بشتى مراحله : الإنفراج فالتفاوض فالتعاون . ذلك ما حصل فى روسيا و دول أوربا الشرقية الدائرة فى فلكها ، وما بدأ يحصل فى صين ماو وهو على قيد الحياة . لكن مهما مطت البيروقراطية ليبراليتها فإنها لن تنخطى حدين محرمين : الأعراف بهويتها أى بانفصالها الفعلى عن البروليتار و إنكار إحتكار الحزب _ حتى مع الإقرار الممكن بامكانية الخطا الذى لا يجوز أن يصححه إلا هو نفسه و فى الوقت الذى يراه مناسباً _ للمعرفة .
قوة البيروقراطية تكمن فى إنكارها لوجودها ، كمحاولة بائسة لارتداء طاقية الإخفاء أمام الوعى البروليتارى _ وكل الذين يتجاسرون على تذكيرها بوجودها المنفصل عن البروليتاريا أى بضرورة إنهاء وجودها ، ليسوا بنظرها إلا هراطقة تلاحقهم بتهم قليلة الإختلاف عن تلك التى لا حقت بها الكنيسة هراطقتها فى العصور الوسطى .
طغيان الحزب البيروقراطى يتجلى فى قراره بأن المعرفة إحتكار له و التاريخ من صنعه .
البروليتاريا لم تعد ذاتاً صانعة للتاريخ كما هى و التاريخ فى الواقع و كما كانت عند ماركس بل أصبحت موضوعاً منفعلاً لمعرفة الحزب و قرارته التاريخية .
تماماً كما كانت كنيسة محاكمة التفتيش تدعى بأن معرفة الحقيقة و قف عليها و أن رعاياها موضوع لمعرفتها و عناية محاكمها الدموية .
لنأخذ بالصدفة مثلاً قريباً منا مكاناً و زماناً : الطلبة الذين يحرضون بالتسيير الذاتى الشامل فى يوغسلافيا ، التى تدين رسمياً بالتيسيير الذاتى ، طبعاً التسيير الذاتى كما يفسره الحزب و تطبيقه البيروقراطية : تسيير العمال لاستلابهم الذاتى ، يلاحقون لأنهم " أعداء الشعب و الدولة " مثلما حصل لكلوجيك ، أمسيروفيك و نيكوكيك . فى رسالة نشرتها مؤخراً ( المانيستو) الإيطالية كتبها الطلاب الثلاث و هربوها من سجنهم ، نجد كل ما يعيد للذاكرة ذكريات كنيسة التفتيش : " إننا ملاحقون من أجل الهرطقة لإننا أعلنا بأن العلاقات الإشتراكية الإنسانية حقاً لا سبيل إلى إقامتها فى إطار إقتصادى بضاعى و تنافس مجنون ؛ وبان الديموقراطية الإشتراكية و التسيير الذاتى لا يمكن أن يوجد ما دام الحزب يعزز باستمرار الدور السياسى و الإقتصادى للدولة .
وبان أحداً لا يستطيع أن يدعى تحقيق التسيير الذاتى العمالى و سلطة الطبقة العاملة بينما لا وجود لعمال فى حيث تتخذ القرارات الأساسية .. بينما يتناقص عدد و تأثير العمال فى الحزب الواحد القابض على السلطة ( ...). إننا متهمون بالهرطقة لإننا فكرنا بأن من الممكن بل من الضرورى التحقيق الفورى للتسيير الذاتى العمالى الشامل فى جميع مستويات المجتمع - من مستوى المعمل إلى مستوى الإتحادية اليوغسلافية ، وذلك بتمكين الجماهير من تسيير المجتمع و بالقضاء على دور " السياسييين المحترفين " .
فى نفس يوغسلافيا حيث البروليتاريا سائدة دعائياً ، أدين طالب بالسجن 20 شهراً لأنه أضرب عن الطعام تضامناً مع عمال البوسنة الذين احتلوا المنجم و اعتقلوا مديره .
وفى هذا الشهر ، دائماً فى يوغسلافيا ، صودرت مجلة " براكسيس Praxis " لأنها قالت بأن " الماركسية أصبحت فى يوغسلافيا قطعة أثرية فى متحف العاديات ، الماركسيون فيها ملاحقون " .
أسبانيا توركمادا و سيسنروس مازالت حاضرة فى مكان تقريباً من المعسكر البيروقراطى الذى جعل الأجهزة كبيرة و الناس صغاراً ، إختزال ، الفلاحين ، العمال و الشباب إلى عبيد و ونصب دولة الحزب كنيسة مقدسة لا يرقى إليها الهمس. هنا مهمة الثوريين و الثورة الإنتقالية من نقد الدين إلى نقد الإيدلوجيا البيروقراطية و من اللاهوت إلى نقد الإستبداد البيروقراطى الشامل .
هنا نقد الجنة الدينية يتحول إلى نقد جحيم البيروقراطية . إذا كان نقد الدين فى العالم المتقدم ، إقتصادياً مهمة قد انهتها من حيث الأساس البورجوازية الثورية فى الغرب و البيروقراطية الثورية فى الشرق ، فإن نقد الدين فى المجتمع العربى مهمة راديكالية لم تبدا بعد لا من وجهة نظر ماركس ولا حتى من وجهة نظر ديدرو .
لكن إذا شرعنا اليوم فى تحقيق هذا النقد الذى هو " الشريط الأول لكل نقد " ( ماركس ) فإننا سنجد إنفسنا بالكاد . فى النصف الثانى من القرن 18ع وما أبعدنا عن 1973 !
علينا إذن لكى نكون معاصرين لعصرنا ، أن نمارس فى نفس واحد نقد السماء الدينية و نقد الأرض الرأسمالية ، نقد الإستسلام للتراث و نقد الإستسلام للامبريالية ، نقد دور الإفتاء و نقد دور الصحافة ، نقد المنابر الإذاعات .
موقف الستالينية العربية من الدين ؟
لأن على الثورة العربية أن تحقق مهام جميع الثورات السابقة المجهضة و الثورة القادمة الظافرة : فأمام البروليتاريا العربية أن تحقق سلطتها الديمقراطية : إتحاد المجالس الشيوعية ، أن تحقق تحرير الوطن العربى من الإستعمار الإستيطانى و من الإستعمار الجديد و تحرير الحياة اليومية العربية من إستعمار التقاليد المميته ، من بؤسها المزدوج : الكمى و النوعى .
أن عليها أن تنقذ التخلف الإقتصادى و تنقذ عبادة الإقتصاد .
البروليتاريا فى العالم العربى هى كطبقة ، قائدة لمجموع الطبقات الكادحة ، القادرة على إنجاز هذا النقد . لماذا ؟ لأن بورجوازية ديناميكية من الطراز الغربى لم يعد من الوارد، لأسباب يعرفعا الجميع وكل واحد ، أن تظهر عندنا . ولأن بيروقراطية نورية من الطراز اللينينى وحتى من الطراز الماوى ، هى الأخرى ، بات من الصعب نجاحها عندنا . لأن الأحزاب الماركسية اللينينية التى قادت مسيرة الثورات البيروقراطية فى اسيا أو فى شرقى أوروبا كانت ، على صعيد نقد السماء الدينية و الأرض الرأسمالية المتخلفة أو شبه الإقطاعية ، أكثر راديكالية من البورجوازية الأوربية الصاعدة .
أما فى العالم العربى فهذه الأحزاب تصالح الدين تماماً أكثر مما صالحته البورجوازية فى شتاء عمرها . وبذلك - وليس موقفها من الدين إلا عينة نموذجية لباقى مواقفها - تخلت عن كل ما هو راديكالى فى الأيديولوجيا البيروقراطية الثورية .
وإنغمست إلى المرفقين و إلى ما فوق المرفقين ، فى تحريف كل ما هو ثورى فى الأيديولوجيا اللينينية . أما النظرية الماركسية فليس من اللأئق حتى الإشارة إليها بهذا الصدد .
كتب ماركس عن الغرب الذى لم يلد فيه الدين : " نقد الدين هو الشرط الأول لكل نقد " .
سيرد على ، فى جوفة ، الذين حافظوا جارودى عن ظهر قلب : لكن ماركس تم تجاوز أخطاء شبابه هذه منذ زمان بعيد ...وقت ساعتك على لينين !
....وكتب لينين : " من واجب الإشتراكيين المطلق أن يتدخلوا ( فى البرلمان 1909 ) لإعلان وجهة نظرهم من الدين (..) الأساس الفلسفى للماركسة ، كما أعلنه ماركس و إنجلز مراراً ، هو المادية الجدلية ، التى تنبي تماماً التقاليد التاريخية لمادية القرن 18ع فى فرنسا ومادية فيوررباخ فى ألمانيا .
وهى مادية بلا جدال ملحدة و مناهضة بإصرار لجميع الأديان .
ولنتذكر أن كتاب إنجلز ( أنتى - دوهرنج ) الذى قرأ ماركس مخطوطته ، أتهم المادى الملحد ، دوهرنج ، بعدم التماسك فى مادتيه و بمجاملتهللدين و الفلسفة الدينية .
لنتذكر أن إنجلز ، فى مقالته عن فيورباخ ، يأخذ على هذا الأخير بأنه حارب الدين لا بهدف تقويضه بل بهدف إصلاحه ، بهدف إختراع دين جديد (..) إن الدين هو أفيون الشعوب . هذا القول الماثور لماركس هو حجر الزاوية لمجمل وجهة النظر الماركسية حول الدين . لقد نظرت الماركسية دائماً إلى الأديان و الكنائس و جميع المنظمات الدينية ، كأدوات بيد الجعية البورجوازية للدفاع عن الإستغلال و لتسميم الطبقة العاملة " وكتب : " لقد أنتج ( _____5 الإشتراكية الديمقراطية إزاء الدين )تشويها جديداً للماركسية فى الإتجاه المعاكس ، فى إتجاه الإنتهازية .
هناك من أخذ يعسر الدين ، بالنسبة إلينا كحزب ، أصبح قضية خاصة .
أن إنجلز (...) قد أعتبر من الضرورى معارضة هذه النظرية بحزم (...) قائلاً أن الإشتراكية الديمقراطية تعتبر الدين قضية خاصة بالنسبة للدولة ، لابالنسبة للإشتراكية الديمقراطية نفسها : ولا بالنسبة للماركسية ولا بالنسبة للحزب العمالى (...)الماركسية هى المادية .
وبصفتها تلك ، فهى معادية للدين بقوة لا رحمة فيها . تماماً مثلما كانت مادية القرن 18ع مادية فيرباخ . هذه مسألة لا يرقى إليها الشك " .
وكتب أيضاً و أيضاً : " على المجلة " المادية المناضلة " أن تقود دعاية الحادية لا تكل ونضالاً إلحادياً لا يمل ، يجب أن تنقضى بعناية الأدب الذى يتناول هذا الموضوع فى جميع اللغات و أن نترجمه (..) أن إنجلز ، ذلك منذ عهد بعيد ، نصح قادة البروليتاريا المعاصرين بأن يترجموا و ينشروا بين الجماهير ، و بين الشعب أدب نهاية القرن 18ع الألحادي المناضل . أهنها لفضيحة لنا ( ولنا نحن أيضاً ع010) إننا لم نقم بذلك حتى الآن (....) ينبغى أن نزود الجماهير بالمواد الأكثر تنوعاً للدعاية الإلحادية (..) ينبغى أن نوقظها من سباتها الدينى ، وأن نهزها حتى الأعماق و بكل الوسائل " .
هذا باقتضاب موقف ماركس ، إنجلز ، لينين من ضرورة نقد الدين فى أوروبا العقلانية ، الصناعية وورثية الروح البروميثيوسية فما هو موقف القيادات الستالينية العربية من الدين فى هذا الشرق المكبل بالطقوس و الذى أرصه بسمائه وولدت و ترعرعت فيه جميع الأساطير من أكثرها بساطة إلى أكثرها تعقداً ؟ هل أضطلعت بمهمة " إيقاظ الجماهير من سباتها الدينى " أحياناً ما قبل الدينى أم ، بالعكس ، قدمت لها مزيداً من الخدر لكى تغط طويلً و عمقاً فى هذا السبات ؟ دونكم هذه العينة : " كان الدين عاملاً لا جدالفى إثره أسعف تكوين الشخصية القومية (....) فكان فى ثورة عرابى المصرية و فى ثورة الممدي السودانية نفح دينى غريز (..) ولا يزال فى الثورة الفلسطينية اليوم أناس تحدوهم الرغبة فى الجهاد دونما عصبية فالشعور الدينى الضارب فى حنايا الجماهير يستطيع أن يكون وقوداً للأزمة حين أشتعالها " (منظمة العمل الشيوعى فى لبنان ) .
وفى غير مناسبة كتبت و أعلنت قيادات الأحزاب الماركسية اللينينية فى المغرب ، الجزائر ، السودان و لبنان ، أنها تتبنى التراث الإسلامى . وصرحت بأنها تضع المادية الجدلية على الرف , فى إنتظار حكم الأجيال القادمة . أما اليوم قانعة بالمادية التاريخية ، كقاسم مشترك مع ميثاق عبد الناصر . هكذا فتتت الماركسية ، النظرية الأكثر شمولاً و تماسكاً ، إلى ركام من قطع الغيار الرخيص المعروض للبيع بالفرق فى السوق العرض و الطلب لأول طالب سواء كان عبد الناصر أو الحسن الثانى . يبرر الستالينيون العرب ، على إختلاف منوعاتهم و مصادر الهامهم ورزقهم ، مواقفهم المتنافسة فى تقريظ الإسلام بهذا الإدعاء : الإسلام ما زال سلاحاً للتحرير عكساً للمسيحية ( وبالأحرى اليهودية ) التى كانت و مازالت سلاحاً للإسترقاق الروحى للجماهير .
هذه الإنتهازية صرف و إدعاء لا يصمد لحظة أمام المادية التاريخي النقدية التى تدرس الظواهر من خلال مكوناتها التاريخية لا من خلال أوهام الناس عنها .
أولاً الإسلام هو الديانة اليهودية الثانية : " إن هذا لفى الصحف الأولى صحف إبراهيم و موسى ". ( القرآن ) .
وثانياً لقد ظلت المسيحية دين الشعب ، سواه فى المحن لكن أيضاً سلاحه للتشهير باحبار اليهودية و أغنياء الأمبراطورية الرومانية طوال ثلاث قرون قبل أن تصبح دين الإمبراطورية الرومانية على عهد قسطنطين . وبذلك فقدت طابعها الشعبى الثورى .
أما الإسلام فما كاد يظهر كدين يخوض صراعاً ضد جزء من الإستوقراطية المكية حتى تحول بمجرد هجرة محمد إلى المدينة ، إلى دين و دولة ، أصبحت بعد أقل من ثلاثين عاماً تحكم بالسوط و السيف : نسبها السيف و حسبها الذهب . وتضطهد لا جماهير أهل الذمة فقد ولا جماهير المؤمنين و حسب بل الفقراء من أصحاب محمد أنفسهم . مصداق ذلك إضطهاد عثمان لعمار بن ياسر وأبى ذر الغفارى إلخ .
من الطبيعى أن مهمتنا ليست تفضيل دين على آخر فذلك شأن الشيوخ و الكهنة الذين لم يكتشفوا بعد أنهم فى خندق واحد و إنما مهمتنا الجوهرية هى استنطاق التاريخ و توجيه سلاح النقد إلى المبدأ الدينى نفسه ، مهمتنا هى مساعدة الجماهير على الإستيقاظ من سباتها الدينى و الخرافى ، مهمتنا هى أن نشارك فى إنجاز مهام حقبتنا التى تتمخض عن إنفجار العالم القديم و ميلاد عالم جديد .
كما نلح ارهاص هذه الولادة فى تمردات الشباب فى العالم كله شرقية و غربية ، متقدمة و متخلفة ، فى الصراع و المطالب البروليتارية النوعية الجديدة ، نجد تعبيره أيضاً فى قيام قيامه جميع فضلات le aous Produits العالم القديم من ديكتاتورية السيبرنتيقا ، كتعبير عن فاشية الأقلية التيقنوقراطية التى تذرعت بالعلم للسيطرة البيروقراطية على حياة الجماهير ، إلى المؤسسات الأيديولوجية البالية ، كتعبير عن اناكرونيزم الدين و الأيديولوجيا عموماً فى عصر يجب أن تبدو فيه الأساطير الدينية على حقيقتها .


نصوص حول الموقف من الدين
من نقد السماء إلى نقد الأرض

موقف الشيوعية العربية الأولى من الدين ؟
قبل ظهور المعارضة الشيوعية الإسماعلية ، واجهت الدولة الإسلامية معارضات إصلاحية تختلف راديكالية و اعتدالاًَ تبعاً لخليفتها الإجتماعية و الشروط الفعلية التى ولدتها .
من بينها و ليس أكثرها أهمية ، حزب القدرية ، حزب الإختيار الذى رفع شعار : الإنسان مخير لا مسير .
و الشر ليس قضاء و قدراً من اللله بل تقديراً من الحكام :
" هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ، ويأخذون أموالهم و يقولون :
إنما تجرى أعمالنا على الناس بقدر الله تعالى " .
( معبد الجهمى ) .
عبرت اللقدرية عن مصالح الإتقاء و الفقراء من رجال الدين تلاميذ أبى ذر الغفارى ، الذين هالهم ابتعاد السلطة الأموية عن بعض المبادىء السوائية فى الإسلام البدائى فكانوا لسان مصالح العامة و العناصر المدينية فى دمشق :
من المثقفين المستنيرين ، أهل الصناعات و الحرف كما كانوا صدى لمطامح الموالى و القبائل العربية الضعبفة غير القريشية . هؤلاء جميعاً كانوا يطمحون لحكم دستورى يكونون هم أقوى منه لإستبداله عندما لا يخدم تصريح زعماء القدرية :
" الامامة تصلح فى غير قريش . وإذا اجتمع قريشى و نبطى ، قدمنا النبطى إذ هو أقل عدداً و أضعف وسيلة ، فيمكننا خلعه إذا خالف الشريعة " .
فى الخندق المقابل للقدرية تقف الجبرية : " الإنسان مسير لا مخير " ، الجبرية تنفى الممكن فى تعريفها للواقع و اعترافها به ، تحصر الإنسان فى المعطى : " وما أصاب من مصيبة إلا بأذن الله " . وتجعله أسيراً الوضع المقدور : " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا " .
و بذلك فهى فلسفة المحافظة على النظام
- مثل الوضعية المعاصرة ! - ومناهضة التجديد ، الإصلاح و بالأحرى الثورة .
أما عند القدرية فالواقع ليس قدراً مقدوراً بل امكانية ضمن امكانيات قابلة لتحقق التاريخى . مهمة الناس :
اختيار الأمكانية الأنسب لمصالحهم و نفى الإمكانيات المناهضة لمصالحهم . لكن إذا تحققت هذه الأخيرة ، وهو ما حصل يتحقق سلطة بنى أمية ، فما العمل ؟
هل تقبل الجماهير الوضع القائم باعتباره شراً ، و شر ما فيه إنه لا بد منه ، ( الجبرية ) ؟
أم ترجا الحكم له أو عليه إلى يوم الحساب ( المرجئة) ؟ أما القدرية فتجيب :
كلا ، علينا أن نتجشم تحريض الناس عليه .
هكذا تكون القدرية حزباً ينقصه ، بالتأكيد ، التماسك ، الراديكالية القصوى ، التنظيم ، و البرنامج ، لكنه حزب ينقد الواقع و يطمح ليغير نحو الأصلح ، و بذلك يكون رائد الأحزاب الثورية اللاحقة فى العصر العباسى التى سوف لن تكتفى بمجادلة النظام القائم بالتى هى أحسن ( اللسان ) بل ستضيف إلى جدال اللسان جدال السيوف ، و جدال السيوف خير جدال !
فشل المعارضات الإصلاحية فى تحقيق برانامجها ، الشروط الإجتماعية الجديدة ، أزمة النظام العباسى ، ضعف مركزيته وزوال هيبته شيئاً فشيئاً هيا الظروف للمعارضة الثورية الهادفة لا تلطيف جور النظام بل لقلبه .
عبرت هذه المعارضات الهدامة عن نفسها مرة فى شكل تصوفى ( الحلاج ، زعيم الحلاقين ) ، ومرة فى شكل ردات أو حروب قومية و مراراً فى شكل انتقاضات مسلحة و ثورية حتى النهاية الممكنة .
و هكذا الشكل الأخير هو الذى يهمنا الآن .
الثورة الشيوعية الأم التى ألهمت كل الثورات الراديكالية ، فى العصر العباسى ، هى ثورة يابك الخرمى ( 201-223هـ ) .
التى أندلعت رداً على حنث الثورة العباسية و تنكرها لبرنامجها .
مساواة العرب بالموالى فى العطاء و الوظائف و العودة إلى أممية الإسلام البدائى لا يفرق بين عربى و اعجمى إلا بالتقوى . عملياً ترجم العباسيون مساواة العرب بالموالى بالمساواة بين الأرستوقراطية العربية و الفارسية . وأممية الإسلام بأممية التجارة .
طوال 22 عاماً حرض دعاة الثورة نظرياً و علمياً جماهير الفلاحين الإجراء على الفتك بأصحاب الإقطاعات و الإستيلاء الجماعى على أملاكهم . كما حرضوا عوام المدن على الفتك بالتجار و نهب مخازنهم . كانت الثورة الخرمية طموحاً جسوراً لتقويض الأرستوقراطية السائدة العربية و الفارسية بثورة الجموع المظلومة من كل القوميات و المعتقدات و تشيد مجتمع جمهورى لا مكان فيه لاستغلال قومية لأخرى ، لإستغلال طبقة لأخرى ، لإستغلالالرجل للمرأة ولا مكان فيه للقومية أو للدين و تحاريمه ، شعاره :
" اباحة االنساء على الرضى منهن و اباحة كل ما يلذ النفس و ينزع إليه الطبع ما لم يعد على أحد بضرر " ( المقدسى - أنظر الحركات الفكرية فى الإسلام بندلى جوزي ) .

سنجد هذا الإتجاه الجمهورى ، السوائى egalitaire و العلمانى فى الحركات و الثورات الإسماعلية ( الباطنية).

العديدة و الراديكالية ، بدرجات مختلفة ، من القرمطية الى الفاطمية مروراً بالحشاشين و الدروز ( الموحدين ) و الزبدية اليمنية .
لأن الحركات الإسماعيلية غلطت ، مكاناً ، مساحات شاسعة تمتد من البحرين شرقاً إلى المغرب غرباً . وغطت زماناً ، ثلاثة قرون . وضمت تجمعاً طبقياً أممياً عريضاً و تأثرت بجميع الملابسات الظرفية ، فإنها كانت تنطوى على أجنحة متعددة تختلف راديكالية و اعتدالاً باختلاف المكتن و الزمان و النوعية الإجتمعية للفئات المعينة . ولكن مما ريب فيه أن الجناح الفارسى للحركة كان أقصى يسارها خاصة فى الموقف من الدين . وهو موقف أقرب إلى العقلانية و ابعد عن قتل الجسد و احتقار المادة ، تماماً كما لعب نفور الجزير العربية من طقوس الإسلام خاصة الزكاة دوراً فى تجدير الجناح القرمطى للحركة و نجاحة فى البحرين
منظر الحركة الإسماعلية الأول هو عبد الله أبن ميمون . وكان عقلانياً لامعاً مطلعا على جميع الفلسفات و الأديان , ولا شك أنه ترك بصماته على الحركة من مبتدئها إلى منتهاها ، وهو القائل :
" أن الأئمة و الأديان و الأخلاق ليست إلا ضلالاً و سخرية " .
أهم ما اعطت الأسماعلية :
" الدولة الفاطيمية ، الجمهورية القرمطية فى البحرين ، حركة الحشاشين فى فارس و سوريا إلخ .
وانجبت على الصعيد الفكرى مدرسة أخوان الصفاء التى يمكن تشبيهها بفلاسفة عصر الأنوار ، وأثرت قليلاً أو كثيراً فى ألمع الشعراء و الفلاسفة العرب الذين عايشوها : المتنبى ، المعرى ، أبن هانئ ...
ليس من الصعب الحدس بأن الإسماعلية التى حللت الدين تحليلاً تاريخياً نقدياص وردت للفلسفة أعتبارها قد لاقت هوى فى نفوس المفكرين اللامعين . فقد أشار المقريزى إلى أن الإسماعلية ترى أن الشرائع لم تكن إلا لتقليد العامة و صيانة المصالح الدنيوية للخاصة من الحكام وذوى السلطان ، إما المثقفون فلا حاجة لهم بها .
كما أنه من السهل كذلك افتراض أنها صادقت هوى فى نفوس العرب ( خاصة البدو ) الذين لم يعتنقوا الإسلام إلا خوفاً أو طمعً ولم تفسح لهم الأرستوقراطية الحاكمة مكاناً بينهما ، وفى نفوس الشعوب الوثنية الأخرى التى لم تدخل الإسلام أصلاً أو دخلته لدفع الإضطهاد الدينى و الإجتماعى . ولعل المعرى عبر على هوى هؤلاء بقبوله :
أن الديانات ألقت بيننا إحنا وعلمتنا أفانين العدوات :
وهل أبيحت نساء الروم للعرب إلا بأحكام الديـانــات ! وهناك قرابة بين عبادة العقل الإسماعيلية و الوثنية التى كانت دين الناس الأحرار و غير المحرومين . على عكس الديانات شبه التاريخية .
أمام استبداد الدولة الإسلامية التى استعدت من حقل نظرها كل معارضة أو حتى أعتراض . لم يستطيع الحزب الإسماعيلى إلا أن يكون حزباً سرياً .
و بالنتيجة بيرقراطياً شديد وعديد المراتب :

7 مراتب آخرها الإلحاد و الأباحية الكاملة .
الحزب الأسماعلى حزب طليعى غير مفتوح إلا للكوادر التى تعرف القراءة و الكتابة و تتمتع بدرجة معينة من الوعى النقدى ازاء الأيديولوجيا العادية و النظام االقائم . وللحزب ما يمكن تسميته بمدرسة كوادر يجذر فيها وهى المنتمين الجدد و يزودهم بمعلومات مراتبية عن برنامج الحزب وموقفه من قضايا الدين و الدنيا .
أما الجماهير المختلفة ، التى كان الإسماعليون يسمونها :
" العميان " و " الحمير " و "عبدة الأوثان " اشارة إلى تقديس الحجر الأسود و الكعبة ، فلم يكن لها فى حزبهم الأصطفائى مكان .
لم يعد اليوم شك فى أن الإنتماء للحزب الأسماعلى كان معياره ، على العموم ، طبقياً لا شعوبياً : " عندما بدأ التمايز العنصرى بين العرب و الموالى يزول شيئاً فشيئاً ويحل محله التمايز الإقتصادى بين أصحاب الإمتيازات و المحرومين منها أصبح الشيعة الثوريون لا يمثلون الموالى وحدهم بل أصبحوا لسان حال الطبقات المظلومة كلها , فأصبح زراد شيتو الطبقات العليا من الفرس سنة وبقوا على امتيازاتهم ، وحى من ظل من إمضائها على زراد شستيته فإنه لم يكن أقل حقداً من العرب على المتطرفين ، واعتنق فقراء عرب العراق و سوريا و البحرين الأفكار الشعبية المتطرفة " .
( برنارد لويس : اصول الإسماعلية ) .
لم تقف الأديولوجيا الأسماعيلية عند حدود نقد السنة ، بل مدت السلاح نقدها إلى الإسلام نفسه ثم إلى جميع الأديان المنسوبة إلى السماء .
الهرطقات الإسماعيلية كانت أما ملحدة وأما على مشارف الإلحاد تقول بالحلول و التحلل :حول الله فى إمام الزمان الثائر .فى الإنسان ، و بالتحليل من طقوس افسلام ، من أوامره ونواهيه مستبدلة الوحى الإلهى بنور العقل البشرى ، و المتعصب الدينى بالتسامح الفلسفى ، وقتل الجسد بالتحاريم الطقوسية بالعودة إلى ما اسماه هيجل " حالة الشعوب السعيدة " ، الشعوب اليونانية الوثنية التى كانت تمارس ، بدون شعور بالألم .
بدون ضمير معذب ، كل ما يلذ للنفس و يميل إليه الطبع ، أخيراً كشفت أن سيطرة الدين هى دين السيطرة . يمكن تكثيف البرنامج الإسماعيلى على النقاط التالية :
• إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ( الأرض ) وتوزيعها مجاناً على الفلاحين الفقراء .
• المساواة بين الرجل و المرأة مساواة كاملة .
إلغاء تعدد الزوجات .
• الإطاحة بالنظام السائد الزمنى و الروحى :
إقامة دولة علمانية على إنقاص الدولة الأتوقراطية التى لا يتحقق الهدف النهائى لحركتهم إلا بتقويضها .
لم يكن هذا البرنامج الثورى تعبيراً عن الحد الأقصى من مطالب الموالى ، الفلاحين ، البورجوازية الصغيرة الكادحة : أهل الصناعات و الحرف خدم المنازل البدو العمال و الانتيلجانسيا العقلانية و حسب بل كان استباقاً عبقرياً لأكثر من مطلب فى المشروع الثورى الشامل للبروليتاريا العربية الحديثة من الطبيعى أن يكون الإسماعيليون هفاً مفضلاً لإضطهاد الدولة الإسلامية الوحشى التى كانوا هاجسها الأول . فقد قتل أحد أمراء خرسان ، فى أقل من ثلاث شهور ، :
" منه ألف من الباطنية ( الإسماعيلية) وبنى برؤوسهم بالرى مناراً إذن عليه المؤذنون " ( البغدادى ) .
لم يكن موقفهم من الدين و حسب بل إن برنامجهم الإجتماعى هو الذى يوفر بالحقد عليهم و اللعر منهم صدور الأرستوقراطيات الحاكمة . تستشفذلك من خلال ردود رجال الدين و المؤرخين السنة عليهم : " أن اضرار الاسماعيلية على الإسلام أعظم من أضرار اليهود و النصارى و المجوس .. بل أعظم من مضرة الدهرية و سائر أصناف الكفرة ، بل أعظم من ضرر الدجال الذى يظهر فى آخر الزمان " الفرق بين الفرق ) .
أقصى اتهام توجهه سلطة اتوقراطية لمارق هو الدهرية ( الإلحاد) .
فلماذا اعتبر الإسماعيلية أشد خطراً من الملحدين بل حتى من الدجال ..إذ لم يكن مشروعهم الثورى برمته لا إلحادهم و حسب هو الذى يقض مضاجع الحكام و خدمهم من الفقهاء و المؤرخين . لقد وعوا أن التطرف الدينى عند الشيعة الثورية يعكس تطرفها الإجتماعى .
ليس هناك فوارق حاسمة من حيث التركيب الإجتماعى ، الأيديولوجيا أو التنظيم لمراتبى للحزب القرمطى أو الموقف من الدين بين الفرع و الاصل الإسماعيلى .
لكن أهمية القرامطة تكمن فى أنهم شكلوا امتحاناً للأيديولوجيا الإسماعيلية لأنهم و صلوا إلى السلطة من جهة ولأنهم ، من جهة أخرى ، كانوا الجناح العربى الخالص للهرطقة الإسماعيلية .
تعزو الرجعية العربية منذ قرون جميع الهرطقات الثورية إلى مؤامرة شعوبية مويورة تريد أن تثأر لقوميتها و دينها من العرب و دينهم .
كما لو أن الوعى العربى مطعم بلفطرة ضد المشروع الثورى الشيوعى .
هيكل " الأهرام " أحد و ابرز الذين ما زالوا يعزفون إلى اليوم على هذا العود المتأكل . وعلى العموم تقوم دعاية الثورة المضادة العربية المعاصرة على غرغرة اسطوانة :
" الأفكار الهدامة مستوردة " ، الشيوعية و الإلحاد غريبان عن المزاج العربى " .
هذه البضاعة الرديئة تبور عندما تواجه بواقعة القرامطة لأمر ما بدأت الأقلام الأجيرة ، التى تنفق عليها السعودية و الأرامكو - نعم شركة الأرامكو التى يهمها جداً الدفاع عن الإسلام -، منذ 1969 تتذكر القرامطة باللعنات ، تسجالهم كما لو كانوا معاصرين ، وتنبش عن مساوئهم فى مزبلة " فضائح الباطنية " للغزالى . وتطبع على ورق مصقول و تبيع بسعر معقول ، تعميمات أبن الجوزى ضدهم . لماذا لأن الشبح القرمطى الذى لم يمت و إنما اختفى مؤقتاً ، عاد أكثر عدداً وعدة ، ومن جديد بدأ يرود حول آبار البترول وحول القصور الساهرة قلقاً .
فماذا فعلت الجمهوررية القرمطية فى النصف الثانى من القرن الثالث ؟
حطت من على كاهل الجماهير فرائض الإسلام و طقوسه . وسواء صحت القصيدة التالية التى ينسبها الخزرجى للقرامطة أو كانت مجرد سجال ضدهم ، فإنها تعبر ، عموماً ، عن وجهة المشروع القرمطى الثورى عيد له بداية لكن ليست له نهاية :
خذى الدف يا هذى واضربى وغنى هزاريك أثم اطربى
تولى نبـى بنـى هاشــم وهذا نبي بني يعــرب
لكل نبى مضـى شرعــه وهذى شريع هذا النبى:
فقد حط عنا فروض الصلاة وحط الصيام ولم يتعب
إذا الناس صلوا فلا تنهضى وأن صاموا فكلى وإشربى
ولا تطلبى السعى عند الصفا ولا زورة القبر فى يثرب
ولا تمنعى النفس من معرسين من الأقربين أو الأجنبي
.. .. .. .. .. .. .. .. .. وما الخمر إلا كما السماء فقدست من مذهب.
جوهر المشروع القرمطى ، كجوهر كل مشروع ثورى : الإنسان هو جدر الإنسان نفسه . والإنسان يصنع الدين و الدين لا يصنع الإنسان . ولهذا أنكر " الرسل و الشرائع كلها . ( الفرق بين الفرق ) .
تأول القرامطة : " لكل ركن من أركان الشريعة تأويلاً يورث تضليلاً ، فزعموا أن معنى الصلاة موالاة أمامهم ، الحج زيارته زادمان خدمته ، الصوم الإمساك عن افشاء سرهم (...) وزعموا أن من رف معنى العبادة سقط عنه فرضها " الفرق ..) قضوا أيضاً على الحج و طقوسه اللاإقتصادية حيث تتلف ، لغير حكمة ، كميات هائلة من ألبل تصل أحياناً إلى خمسين ألف بعير . و الأبل كانت بالنسبة للنشاط الإنتاجى يومئذ ، بمنزلة أسرع وسائل النقل اليوم ، واللاعقلانية حيث ينحط الإنسان إلى ممارسة شعائر عبثية :
كرمى الجمار ولئم الحجر ولهذا أقاموا الحجر الأسود و قتلوا الحجيج سنة 312 أخذاً بثأر أسراهم الذين فتك بهم المعتضد . ولما غزا أبو طاهر الكوفة فى نفس العام حول سجدها إلى اصطبل لخيله .
بعد أن نسفوا قائمة التحاريم الدينية تركوا للإنسان الذى استرد ذاته بعد أن ضيعها أن يقرر مصيره فى حياته اليومية بغير حدود الا حدود حرية مماثلة فى تقرير مصيرهم و حدود الممكن التاريخى الذى كان عصر، لغياب التقدم التكنولوجى ، ضيق الهامش .
استئصال الأوهام الدينية مشروط باستئصال الأوضاع الإنسانية البائسة التى تحتاج إلى الأوهام الدينية . لهذا مكنت السلطة القرمطية المجتمع كله من السيطرة على الثروة : ألغت الخراج على الأرض و الضرائب التى كان يدفعها الملاك الصغار و العمال .
كونت التعاوينات الزراعية و الحرفية . حررت الأقنان و منعت الرق ، الذى يمنع السعودية أسماً إلا فى عام 1964 أممت التجارة الخارجية ، ألغت النقود الفضية و الذهبية ساوت المرأة بالرجل واعطتها الحق فى العمل كضمانات مادية لاستقلالها الفعلى عن الرجل و مساوتها الحقيقية له . و باختصار فإن " كل شئ ، كما يقول الرحالة الفارسى ناصر خسرو الذى عاش بيننهم عاماُ ، كان مشاعاً إلا السيوف و الأسلحة " .
ما أنجزته الثورة القرمطية العربية فى القرن العاشر للميلاد لم تنجزه الثورات البيروقراطية العسكرية العربية فى القرن العشرين !
وأخيراً للتذكير ، أن الذكرى قلماً تنفع المنظمات البيروقراطية الراهنة التى تتناسب أهميتها الأيدلوجية و العلمية عكساً مع عددها ، نذكر أن الثوريين القرامطة أسوا النقابات أو على الأقل حسنوا تنظيمها ، وتغلغلوا فيها بنظريتهم و منظريهم و جعلوا منها لجمع عمال الأمبراطورية العربية ، لأعمال هذه العشيرة أو تلك كما يفعل الماركسيون اللينينون العرب اليوم فى قوة منظمة ، واعية نظرياً بأهداف الحركة ومسلحة لقلب الخلافة الإسلامية و تشييد مجتمع جديد من الطراز القرمطى الشيوعى على أنقاضها .
من الثوارات الشعبية المسلحة التى لابد من الإشارة إليهها و أن كانت صلتها بالأسماعيلية ليست واضحة بل ، على الأرجح ، معدومة : الثورة الزنج ( 255-270 هـ ).
كانت هذه الثورة حصيلة لقاء بين الإنسانية المفكرة و افنسانية المتألمة ، لقاء بين قيادة على بن محمد ، صاحب الزنج ، الذى كان حساساً لبؤس الجماهير كما كان فاقداً للأمل فى العثور له على مكان - هنا إذا غفترضنا أنه فكر فى الأمر جدير بطموحه فى قلب النظام الرسمى . على أن القليل الذى نقله إلينا المهرجون الرسميون من أقواله و أشعاره يدل على إنه كان ثورياً راديكالياً يجد تحقيق ذاته فى السير على رؤوس الملوك :
وإنا لتصبح اسيافنا إذا ما إنتضينا ليون سفوك ،
سنابرهن بطون الأكف وأغمادهن رؤوس الملوك.
وفى دق أعناق مضطهدى العبيد و العمال . ولقاء بين الجماهير الزنوج ، العمال الزراعيين ، غلمان لدبابيس و التمارين ، خدم المنازل و جماهير البدو ، التى يئست من النظام و ملت حياة العبيد . كل هذه الجموع كانت خارج دائرة المجتمع الرسمى .
كانت لا فقط بدون أملاك و بدون امتيازات بل كانت محرومة حتى من لذتى البطن و الفرج .
كان الزنج يأكلون سويق الشعير و محرومين جنسياً : " لم يكن الزنج ذوى زوجات وأولاد بل كانوا ، على هيئة الشطار عزابا ".
( تاريخ أبن أبى الحديد ) . إذن لم يكن يشدهم إلى المجتمع القائم أى رابطة إلا رابطة أثقال الحديد التى كانت توضع فى أرجلهم لكى لا يفروا من جحيم العمل فى كسح سباخ البصرة .
أى غرابة ، فى مثل هذه الشروط ، أن يكون الزنج ، خلال المعارك ، قد أكلوا من لحوم سادتهم و أعدائهم !
إذا كان الزنج هم جمهور الثورة تسمت بأسمهم ، فقد كان إلى جانبهم ، فضلاً عن ألصنناف المذكورة أعلاه ، المالكون الصغار من العرب الذين انحطوا ، تحت أعباء الضرائب و بسبب الالجاء إلى درك إجراء شبه اقنان على أرضهم ذاتها .
من الوارد ، المؤرخون الرسميون جازمون ، أن على بن محمد قائد الثورة كان ملحداً أو حلولياً . لكنه مع ذلك استخدم الدين تبريراً لتحريض الزنوج و العبيد على الفرار من سادتهم و الإلتحاق بثورتهه ، معلناً لهم أن الله وضع نهاية للرق بقوله :
" أن الله قد اشترى من المؤمنين أنفسهم و اموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون وعداً عليه حقاً فى التوراة و الإنجيل ..." و كتب الأية على لواء حريرى .
لا شئ فى هذه الأية يفيد أنها الرق . والإسلام .
كما هو معروف . لم يلغ الرق وعلى بن محمد الميقف الالمعى لا يجهل ذلك . لعذا أول الأية " تأويلاً يورث تضليلاً " على النو التالى :
" بأن المؤمنين . قد اشتروا أنفسهم ، لم يعودوا بعد عرضة للرق و العبودية " .
" وهى لعبة ماهرة منه إذ تمكنه على أساس الأية أن يقول أن الزنج و أسيادهم سواسية .
استخدم الدين أيضاً لتبرير ضرب أعناق كبار الملاك العقاريين فقد كان يقرأ على مسمع أسراه منهم حيثيات حكم أعدامهم : " قد أردت أن أضرب أعناقكم لما كنتم تأتوون لهؤلاء الغلمان الذين استضعفتموهم ، وفعلتم بهم ما حرم الله عليكم أن تفعلوه بهم . وجعلتم عليهم مالا يطيقون " ( الطبرى ) .
لكن مع ذلك اصطدمت جماهير الزنج ، التى لا شك أنها كانت فى مجموعها واقعة تحت أسر الإعتقاد الغيبى ، بالدين . فالمؤرخ الملطى يروى أن الزنج احرقوا المصاحف التى كانت تقاتلهم مع سيوف سيادتهم . أبن الرومى بسير فى قصيدته الطويلة إلى أن الزنج انتهكوا محارم الإسلام :
أى نوم بعدما انتهك الز نج محارم الإسلام
هناك معاينة تعد فى عداد الثوابت التاريخية لتواترها فى كل العصور :
حتمية أصطدام الثورة ، حتى النى تنطلق فى احتجاجها بصدق من الدين ، بالدين . الدين ، عموماً احتجاج عن البؤس و يبرير له ذات الوقت . إلا أنه ما أن يتجسد فى مؤسسات حتى يتضاءل ثم يضمحل صوت الإحتجاج على البؤس لصالح تبريره و محاولة إدخاله إلى سريرة البائسين لكى يحملوا أغلالهم من الداخل . الثورة التى تزيد ، بماهيتها ، وضع الحياة اليومية على مدعيها ، لا يستطيع إلا أن تشتبك مع الدين الذى يبرر الوضع الراهن ، هذا الوضع الذى جعلت الثورة من قلبه مبرر انفجارها يقر الدين بضرورة وجود المراتب و الطبقات العليا و السفلى " وجعلنا بعضكم فوق بعض درجات ".
وبضرورة الفوارق الطبقية :
" وفضلنا بعضكم على بعض فى الرزق " و البيل الوحيد الذى يقدمه للدرجات الديا و المفضولين فى الرزق هو حث الأغنياء و الحكتم على الإحسان إليهم و الفق بهم .
بينما الهدف النهائى للثورة الإشتراكية هو إنهاء استغلال الإنسان للإنسان و حكم طبقة لأخرى .
و الدين ، أخيراً ، يعلم الطبقات المسحوقة اخلاقيات العبيد بحثهاعلى الأذعان و الطاعة أطيعوا الله و أطيعو الرسول وأولى الأمر منكم ... من ضربك على خدك الأيسر فادر له خدك الأيمن ..لتلقى مزيد من الصفعات . والثورة تمرد على شروط و أخلاق العبيد .
ومن ثم فهى تقتص من الظلم و الظالمين الآن وهنا وفوراً .
وهكذا تجد نفسها ، عن شعورمنها أو عن غير شعور ، فى صدام مع الدين و رجاله .
لأنها برفضها أرجاء الحساب ليوم الحساب ، يرفضها الوعد و العزاء الدينيين ترفض و ظيفة الدين و جوهرة نفسه .
وللإسلام خصومية ، بين أخرى ، تجعل اصطدامه بالثورات الراديكالية لا مفر منه : ذلك أنه كان منذ ظهوره دنيا و دولة بينما فى المسيحية الأصلية الكنيسة مفصولة عن الدولة .
وهكذا فالمروق على الدولة .
فى الإسلام مروق على الدين .
والكفر بالخليفة بالله . ولهذا كتب الموفق إلى قائد ثورة الزنج يدعوه " إلى التوبة و الأنابة إلى الله " أى إليه .
لأن سلطة الخليفة من سلطة الله . وليس هناك حدود فاضلة بين الدينى والدنيوى فعصر الخلفة له حرمة اللسجد الحرام.
"الملوك تحتمل كل شئ الا ثلاث خلال : افشاء السر .
والقدح في الملك "الخليفة المنصورا .
فالدين .مفتاح السماء الشرقية ، ليس ، مثلما هو في الغرب المسيحى ، انعكاساً للتنظيم المراتيبى ، لتبرير بطش الدولة المركزية . لإستغلال و أغتصاب وقت و ابداعية الطبقات المنتجة و حسب .
بل هو أيضاً و خصوصاً شرط انتظام المراتب و استمرار الإستغلال .
الدين يضمن الدولة بسلطان قداسته ، و الدولة تضمن الدين بسلطان سيفها .
وهكذا فما أن يمتشق الثائرون السيوف فى وجه الدولة الأرتوقراطية حتى يتحررون ، بالنصف على الأقل من دينها ، لأن سيطرتها تصبح أمام وعيهم ، مهما كان جزيئاً ، بدون أسرار . فهى ، مجرد ما أن ثاروا عليها لم تعد تسيطر عليهم بقوة السماء بل بقوة السيف .
و السيف بالسيف يقرع ! هكذا تفهم سر اصطدام ثورات العامة التى كانت على العموم رغم بعض الفلتات الجريئة واقعة تحت أسر الإعتقاد الغيبى بالدولة و بالدين .
لكن هذا الإصطدام العفوى ، يظل ، ما لم يصبح واعياً و منظماً ، جزئياً و قابلاً بالتالى للإسترداد .
فى الواقع لم تكن شروط العصور الوسطى تسمح لسواد الشعب بوعى الخدعة الدينية . لم يكن التقدم العلمى و الإكتشافات شفافة ، مفهومة أو قابلة للفهم . لنتخيل المستحيل :
جماهير الزنج تبعث اليوم فى نفس البصرة لتشاهد القليل فيها من جانب التكنولوجيا التى تخطت عملياً اجراً ما كان يستطيع ساحر جرئ أن يقدم عليه فى الوهم :
ترى ماذا سيبقى من اعتقداتهم الغيبية ! القليل !
إذن لم يكن مستطاعاً فى شروط ذلك العصر الذى كان الدين " نظريته الشاملة ، موجزه الموسوعى ، منطقة فى شكله الشعبى (...) سلواه و تبرير " (ماركس ) ، ودرجة تقدمه المادى أن تكون الأيديولوجيا الثورية فى شكل دنيوى لا دينى لأنها لم تكن تستطيع التغلغل فى الوعى الشعبى البسيط و السريع التصديق إلا إذا تجلت له تحت شكل دينى .
لذلك اخترعت القيادات الثورية دينا جديداً : ( الإيمان برسالة أمام الزمان الثائر بدلاً من الإيمان برسالة محمد ) ، يدفع العامة إلى الثورة على صانعى بؤسهم فى مقابل دين الدولة المعادية الذى يدعوهم إلى الإذعان وارجاء العقاب و الثواب إلى يوم الحساب !
لكن الأيديولوجيا الثورية كانت تخفى ، تحت ألفاظ الموسوعة الدينية للعصر و التأويل الباطنى

للإسلام ، هرطقتها العميقة التى تجلت ، رغم ألفاظ التقية ، فى فكرها المتحرر ، فى تأويلها و نبذها لشعائر الدين الخارجية وفى ممارستها الثورية التى لم تكن تتقيد كثيراً ودائماً بالقناع الدينى : ممارسة القرامطة و ممارسة قائد الحشاشين العظيم الحسن الصباح بقلمه الموت عندما أعلن " يوم القيامة " أى إلغاء الشريعة : " إلغاء الحسن الصباح للشريعة الإسلامية كان موجهاً ضد العناصر الإقطاعية فى الأرض الأسماعيلية الذين كانوا مخلصين للإسلام السنى و معادين للمساواة الإجتماعية " ( برنارد لويس : أصول الإسماعيلية ) .
لم تكن القيادات الثورية ، ألا نادراً ، تعلن إلحادها الصريح و مفهومها المادى للعالم الالكوادر الحزب و مراتبه العليا التى آخرها الإلحاد .
كانت ،للتتمويه على العد، تستعمل التقية ،اى التمويه .وتستخدم التاويل استدراجا لجماهير العوام نحو المادية المقنعة بطلاء مثالى ، مستخدمة أحياناً ، كما فى ثورة الزنج ، سلاح الإسلام ضد الأرستوقراطية . لكن الأرستوقراطية ، بمساعدة رجال دينها ، استخدمت بفاعلية أكثر سلاح الإسلام المتكيف و القابل للتكيف مع الأنظمة الجلادة ، استخدمته لسحق الثورة ، حرق دعاتها ، جماهيرها و قادتها و تقطيع أيديهم و أرجلهم من خلالاف ، كما فعل المعتمد بيحيى بن محمد البحرانى أحد قادة ثورة الزنج إذ : " ضرب بين يدية مئة سوط ثم قطعت يداه ورجلاه من خلاف ، ثم خبط بالسيوف ثم ذبح ثم أحرق " (الطبرى ) تحريض الدولة وائمة مساجدها ضد إلحاد القيادات الثورية كان واسع النطاق .
وبعض ممارسات هذه القيادات كانت ، بكامل الوضوح ، لا تعبر عن إيمان صادق بالإسلام . ومع ذلك فهذه القيادات كانت جماهيرية . فهل كانت هناك فئات ، شكلت قاعدة ثابتة لهذه الثورات ، " يستهويها ، على حد قول الغزالى ، الإلحاد فضائح الباطنية ؟
نعم على رأس هذه الفئات نجد الذين لم ييقبلوا الإسلام إلا حد السيف : " الأعراب أشد كفراً ونفاقاً "

مقدمة من كتاب
نصوص حول الموقف من الدين
بعنوان :
من نقد السماء إلى نقد الأرض
بقلم العفيف الاخضر
إصدار دار الطليعة للطباعة والنشر
بيروت
الطبعة الثانية ، يناير 1978
الجزء الاول // الجزء الثاني // الجزء الثالث
ي



#سامي_المنصوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتناقضات في الأناجيل
- الرؤيا الامريكيه للعرب
- مختصر التاريخ الاسود للكنيسة
- الأهرامات شيدت بواسطة قوالب طينية -2 -
- الماركسية والدين
- الفرق المسيحيه المعاصره
- نشر المسيحية بحد السيف
- بولس و تحريف المسيحيه
- عن المسيحيه تساؤلات
- الديانات الهنديه - السيخية
- التكفير فى عقيدة المسيحيين
- بناء الأهرامات بواسطة قوالب طينية
- ديانة المجوس
- البوذية و الاديان
- الصابئة المندائيون والاديان 2 - 1
- الصابئة المندائيون والاديان 2 - 2
- الهندوسية والاديان 2 - 2 (فيدا)
- الهندوسية والاديان 1 - 2
- اليهودية وما تفرع عنها : 5 - 5
- اليهودية وما تفرع عنها : 5 - 4


المزيد.....




- عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المنصوري - الموقف من الدين