|
لكل جهنمه !!!(2)
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4362 - 2014 / 2 / 11 - 13:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لكل جحيمه (2) البنوة هي زهرة الحياة ونعمتها ، وهي أمل وقوام البلدان ومستقبلها، وأمانة في أعناق الآباء ، الذين يواجهون أصعب المهمات ، في تربية ورعاية أبنائهم وتكوين شخصياتهم وتشكيل ملامحهم النفسية والسلوكية ، التي تتكرز 90% مننها فيهم قبل سن 7 سنوات، خاصة في مثل مجتمعنا المقيد بميراث الأديان والمعتقدات والأساطير وأنماط الحياة السائدة في غيه من المجتمعات الأخرى ، والتي تجعله يرزح تحت ثقل الكثير من القيم والمبادئ والقناعات والمفاهيم والعادات الاجتماعية القديمة - والتي لا ننكر أنها رغم ذلك خلفت لنا نماذج يفتخر بها - التي تجعل العديد من الأخطاء التربيوية وطرق التنشئة المتخلفة ، مقبولة اجتماعيا وممارستها شيء طبيعي ، والخروج عنها يكون هو الخطأ في عرف المجتمع ، حتى لو تسببت للناشئة في ظروف مقلقة سيئة تخلق لديهم أوضاعًا نفسية غاية في التوتر، وتغرقهم في الإحساس بالضعف والقهر والغبن وعدم الثقة بالنفس. حيث نجد أن الكثير من الآباء والأمهات يرتكبون الأخطاء الاشد خطورة في حق أبنائهم ، ليس لقسوة طبعوا عليها ، ولا لكرهم لأبنائهم ، وإنما لحبهم المبالغ فيه لهم ، ورغبتهم في رؤية أنفسهم في أطفالهم ، سواء من الناحية الشكلية أو من الناحية السلوكية ، فيستخدمون لذلك - دون قصد الإساءة - الأوامر والتعليمات القهرية الصارمة الممعنة في السلطوية اللامنطقية وغير المبررة ، كوسيلة مجدية لإجبارهم دائما على القيام بأشياء لا تلائم سنهم وطبيعتهم ، والتي يشعرون معها بالغبن والقهر وأنهم غير مقبولين لذواتهم كـ"أطفال" ينعمون بطفولتهم الكاملة ، بل كما يشاؤهم آباءهم "رجالاً تامي الرجولة" ، فلا يحسون بالانتماء والاندماج -عند إدراكهم بعدم التكافؤ المادي والجسدي بينهم وبين من يفرض عليهم الطاعة بالقهر- الذي يخلق في نفسيتهم الطمأنينة والتقدير والثقة بالنفس، مما يمهد الطريق، ويؤمن الأرض الخصبة لوقوعهم فرائس سهلة لغزو العقد والاضطرابات النفسية ، التي توسع مجال نفورهم من بعض السلوكيات المحبطة التي حرصت الأسر قديما على المحافظة عليها ، رغبة في تحسين تربية أبنائها وتعليمهم أخلاق القرآن ، الذي كانوا يدفعون الذكور منهم ، إلى حفظه في "المسيد" الكتاتيب القرآنية ، وتلاوته في المساجد ، سيرا على المعمول به في مساجد المملكة المغربية حيث كان يتم ختم القرآن الكريم مرة كل شهر، في حلقات "الحزب" خلال القراءة الجماعية اليومية لجزأين من القرآن الكريم ، في أوقات معلومة ، بعد صلاة الصبح وبعد صلاة المغرب ، وقبيل صعود الخطيب إلى المنبر من يوم الجمعة ، وفي رمضان بعد صلاة العصر، والذي ما كان الإمام يُسلّم من صلاة الفجر أو المغرب ، من كل يوم ، حتى يتحلق حوله ، بجانب المحراب ، بعض المصلين الذين يلازمون قراءة الحزب بانتظام ، وترتفع أصواتهم بتلاوة آيات من القرآن الكريم ، بنغمة واحدة ، نبرات أصوات متفاوتة حسب سعة صدور وعمق أنفاس القارئين ، الذين لا يُسمع من بينها صوتا زائغا ، أو آخر خارجا عن أصوات الجماعة ، رغم اختلافهم في تطويل المدود وتقصيرها، وفي مواضع الوقف.. لم أكن ضد صلاة الفجر وحلقات "الحزب" التي يداوم على قراءتها المغاربة بالمساجد والزوايا في حد ذاتها -كما يمكن ان يتبادر إلى بعض الذهنيات المتخلفة - لكنني كنت ضد ما كانت يتسبب لي فيه ، الاستيقاظ الباكر وموقف والدي ، رحمه الله ، من سلوكياتي الطفولية الطبيعية وكيفية تعامله معها حسب ما كان يريدني أن أكون عليه أثناء طفولتي الاولى "رجلا كامل الرجولة "، يستيقض باكرا ، يصلي الفجر ، يقرأ "الجزب" ، كما يفعل هو وأترابه الرجال العقلاء دون تمييز .. ولم تكن عملية "الاستيقاظ الباكر" للذهاب لصلاة الفجر ، والتي كان رحمة الله عليه ، يصر عليها ، هي وحدها "الجهنم" الوحيدة من بين الجهنمات التي ذكرت بعضها في مقالة لي سابقة تحت عنوان "لكل جهنمه" ، بل إن عملية قراءة "الحزب" جماعة وجهرا كانت هي الأخرى من الجهنمات التي كانت تبعث الضيق في نفسي ، أثناء القراءة الجماعية ، حيث كان صغر صدري ، وعدم حفظي للقرآن ، تمنعني من المتابعة السلسة ، وكثيرا ما كان يضطرني ضيق التنفس للتوقف عن التلاوة لالتقاط أنفاسي ، فتفوتني بعض الكلمات ، بل وحتى الآيات ، في لحظات كانت تستغرق وقتا طويلا قبل أن ألتحق بالقراء الذين كانوا يتلون الآيات عن ظهر قلب دون الرجوع للمصحف ، فكم مرة كانت فيها تلاوتي نشازا بين الأصوات ، ما يجعل العيون ترمقني مفترسة معاتبة لائمة ، فيؤلمني كثيرا عجزي عن الرد أو أدافع عن نفسي ، وعدم قدرتي نقل احساس ما اعيشه مع تلك التجربة القاسية ، ، التي تولد في نفسي الشعور بالانسحاق والعدمية امام المقرئين، وتدفعني إلى السعي جاهدا ، كلما تفتحت أمامي آفاق الاستقلالية، للانفلات خارج ذاك الميدان الرجولي ، الذي لم يكن يناسب سني ولا طفولتي ، وأتقوقع في فراشي مستسلما لأحلامي الأكثر حرية ورحابة وأوفر متعة وجاذبية واستقطاباً لمن هم في نفس سني من تلك الكائنات الرقيق التي تتمتع بحياة داخلية في غاية الغنى والحساسية ، روح وجسد يحتاجان إلى تغذية كل منهما والاهتمام بهما معاً مادياً ومعنوياً ، لأن إهمال أحدهما يؤدي لا محالة إلى الخلل النفسي ، والركود الفكري، وتعطيل الملكات وتدمير الميولات ودفن المواهب والقدرات .. لكن الواقع شيء ، وما كان يعتبره والدي والكثير من الآباء ، تربية صحيحة شيء آخر ، وكما يقولون "البون شاسع بين "المأمول والواقع" ، فقد كان والذي يعتبرون عجزي عن الاستيقاظ باكرا لصلاة الفجر والحزب والمداومة عليهما في ذلك العمر المتقدمة جدا ، تنطعاً وخروجاً عن طاعته وتطاولاً على سلطته ، ويقابله بزجرية لا تربوية ، لا يكتفي فيها بالعقاب البدني المتمثل في الضرب والذي كان يؤمن بأن العصا خرجت من الجنة وأن "العصا ما تخلي من يعصي" ، فيرفقه بـ "التجريح "العقاب الأكثر إساءة ، و الأعمق إيلاماً من الضرب ، والذي كان أشد على نفسيتي من العصا حيث كان رحمة الله عليه، يجري مقارنة تحقيرية بيني وبين بإبن أحد الأقرباء ،التي لما كانت تغرقني فيه من الإحساس بالعجز والاستسهال واللامبالاة وتقيد الرغبات ، وتبلد الحواسه والانتقاص من أهمّيته ، وكان يخاطبني قائلا : " شوف حميد ولد عمك تبارك الله عليه ، تيقرا الحزب في الفجر وفي العاصر وتيحفظ الدروس ديالو ماشي بحالك كتفشش علينا" ، الشيء كان الذي يعرضني لجهنم أخرى أشد وقعا مما عرفته طفولتي من الجهنمات ، والتي كانت تشعرني بالانسحاق والعدمية وتخلق لدي شحنة من الكراهية والعداء لقريبي/المثل ، وكل من المحيطين ، كما في عقدة قايين : التي تصيب المتعرض لها إلى الحسد الأخوي، وكره كل منافس أو شخص يبدو أنه سيتفوق علي . حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فضائح أئمة المسلمين الجنسية !
-
الحكامة في المشهد السياسي !
-
لكل جهنمه !!!
-
حوار ودي مع نقابي متميز على هامش يوم دراسي .
-
معاناة المعالم التراثية العمرانية الحضارية والتاريخية للمدن
...
-
لماذا رثاء المهندس خالد الغازي؟
-
رثاء المهندس خالد الغازي
-
وداعا المهندس خالد غازي .
-
كفى فتنة ، فقد بلغ السيل الزبى!
-
الحملات العنصرية الخاسرة للإسلاميين ضد الأمازيغ .
-
كل عام و -رجال العام - ، بكل خير !
-
الويسكي والشمبانيا في ميزانية 2014 للحكومة الإسلامية !
-
كل عام وانتم بالف خير ...
-
تشييع جماعة الإخوان إلى مثواها الأخير !
-
بياض الثلج يزين حمرة لافتات المشاركة في استفتاء الدستور..
-
الرياضة والسياسة (5) .
-
حفل افتتاح الكارثي وفاشل بكل المقاييس
-
جولة في مطاعم الفول الشعبية 2
-
جولة في مطاعم الفول الشعبية
-
رحيل طود الشعر العامي المناضل ، أحمد فؤاد نجم..
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|