|
الحب والزواج
حيدر حسين سويري
الحوار المتمدن-العدد: 4357 - 2014 / 2 / 6 - 23:32
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
" الحـب والـــزواج " *********************** كثيرا ما سمعنا عن قصص العشق والغرام ، والتي غالبا ما تكون نهاياتها مأساوية وقد تؤدي بأصحابها إلى الموت والهلكة ، كالمجنون وروميو، ولو أننا سألنا عن سبب تلك النهايات ، نجد أن سببها أعراف اجتماعية همجيه لا تقدر قيمة الإحساس الإنساني ، ولا تمت بأي صلة إلى الحياة ...... هذا ما يقال ... ولكني أرى ..... أولا- إن هناك عوامل داخلية ، تأتي من ومع المحبين أنفسهم ، من حيث قصور الفهم ، وعدم إدراك الإحساس الحقيقي الذي ينتابهم خلال فترة معينة ، باتجاه شخص معلوم أو غير معلوم ، فقد يكون هناك جزء بسيط أو كبير حتى ، جذبهم إلى الشخص الأخر كفقدان شيء معين ووجوده عند هذا الشخص ، أو تصور وجوده عنده ، وهذا الشيء ليس الذي نفتقده في شخصيتنا ، ونبحث عن إتمامه من حيث السير نحو التكامل العقلي (كتعلم القراءة والكتابة) و القلبي (كالتفكر في الوجود أو الموجودات )والنفسي (كالتخلص من المخاوف مثل الفوبيا ) والجسمي (كالمترهل بدنيا يمارس الرياضة البدنية لتحسين قابليته الجسمانية) بل هو شيء إضافي خارجي ظننا انه كان لنا ثم فقد منا ........ ولنأخذ مثالا على ذلك – فتاة- فقدت أباها ، وكانت تحبه ومتعلقة به بحيث إنها عاشت وعانت من أمراض نفسيه كعدم تمكنها من تقبل موته (مع العلم بان الموت مسالة طبيعية مفروغ منها عقليا ) ، وبعد محاولتها الخروج من أزمتها (مرضها النفسي) ، ولم تمر بعد فترة قليلة حتى وجدت نفسها متعلقة بشخص اعتقدت أنها تحبه ، بل تعشقه ولا تريد أن تفارقه أبداً ، وبدأت بينهما قصة حب وغرام ، وعاشا فترة جميلة ، تجولا خلالها ، ولعبا وتبادلا الأفكار وبايع احدهما الآخر على أفكاره وإحساساته ثم انتهت المسالة بزواجهما ؛ فهل كان زواجهما ناجحا أو مستمرا حتى ؟؟....... طبعاً تكون الإجابة على الأكثر وليس الكل ، فتكون نتيجة زواجهما الفشل وان كان مستمراً أحيانا (احتراماً للعوامل الخارجية التي ستذكر لاحقاً) ؛ نعم نحن لا ننكر الحب الذي تبادلاه وانه يبقى موجوداً وان فشل زواجهما ، لان الحب الذي وقعا فيه هو إحساس صادق ولم يكذب احدهما على الأخر ولكن المشكلة إنها أحبت فيه أباها وهي لا تستطيع أن تراه بغير تلك الصورة ولم يستطع هو أيضا أن ينسلخ عن شخصيته ولو لأجلها وقد يكون حبه لها بني على ما أبدته له من احترام فائق (كونها تراه أباها) وبذلك فإنهما تبعا إحساسهما دون التفكير بأمور الزواج الخاصة والعامة . ولنأخذ حالة أخرى لشابين مراهقين لازالا في بداية حياتيهما ، يسكنان في نفس الحي ، معالان من قبل أسرتيهما، تشاركا في المذاكرة والتحضير للامتحانات ، بدا بينهما إعجاب ، ثم سارا لإتمام دراستيهما ، وأتماها ، ثم وجد له عملا ، فتقدم لخطبتها وتزوجا فهل كان زواجا ناجحا أو مستمرا ؟؟ ( طبعا هنا وفي هذا المثال أخذنا الحالة بأحسن صورها ، وإلا فان الأحداث والأسباب كثيرة قد تقطع علاقتهما بأي وقت من أوقاتها ) ؛ طبعاً سيكون زواجاً ناجحا ومستمراً (على الأغلب) وذلك لأنهما خلال الفترة الماضية درس احدهما الأخر ووافقه الرؤى ، بل وقد يكونان خططا لمستقبليهما أيضاً؟ ، فضلاً عن كونهما من نفس الطبقة الاجتماعية (العوامل الخارجية التي سنذكرها لاحقاً)، وأما الإعجاب الذي ذكرناه فسيتحول إلى حب خصوصاً بعد وصول العاطفة والملاطفة إلى أوجها ........ ثانيا:عوامل خارجية ، تأتي من المحيط والوسط الذي يعيش فيه المحبين وهي كثيرة نستطيع تلخيصها (الطبقة الاجتماعية، العرق ، الأعراف ، والثقافة ) ، هذه العوامل لا دخل للمحبين في وجودها ولا يستطيعون تغييرها ، وهي التي عصفت بمن تحداها (كالمجنون وروميو وغيرهم) ولأروي لكم هذه القصة: كان هنا في احد أحياء بغداد شاب مسلم من عائلة طيبة دخل إلى الدراسة الجامعية وفيها ومن غير أن يدري سرقت فؤاده عيون لامعات ، وخصال شعرٍ أشقر وسفاهٍ حمرٍ ذابلات ، فهام وترك الكلام ، وأصبح يراها في كل مكان وزمان ، فكان لابد أن يفصح عن حبه وبدون أي حسابات أو سؤالات ، تقدم إليها وهي تنظر إليه وكأنها تنتظره ، فوصل إليها قائلا (وبدون سلام) بصوت مستجداً خافت والضعف عليه بائن :لا استطيع النوم ؛....... فأجابته وهي تغرق في عينيه وبدون تردد: وأنا أيضا .......ولنكتفي بوصف مشاعر المصارحة لكي تكون لدينا فكرة عن مدى الحب الذي أكناه لبعضهما ؛ أتما دراستهما الجامعية ، ووجد له عملا ثم فاتح أهله بموضوع زواجه وبالفتاة التي اختارها وكونها نصرانية فتعجب الأهل منه ورفضوا وأصر على ذلك ...فوافقوا نزولا عند رغبته وقالوا له سنخطبها ولكن لا شان لنا بك بعد ذلك ......وبالمقابل فاتحت الفتاة أهلها بشان الشاب فرفضوا وقالوا لها بأنهم لا يريدون رؤيته وإنهم سيتبرؤون منها إن أصرت على الزواج منه ....... فاخبر احدهما الآخر .......فأصابهما الإحباط ، ثم إنهما قالا : بأن هذا مستقبلنا ولا حاجة لنا بهم ..... فتزوجا ..... ولكن زواجهما لم يلبث طويلا حتى افترقا وهما مقتنعان بان زواجهما ولد ميتا ..... وذلك لعدم تقبل المجتمع لهما ولأنهما لم يستطيعا العيش بدون مجتمع ، فكانت هنالك شبه مقاطعة أحساها من حيث الكلام والإشارات والتصرفات . يذكر لنا القران الكريم قصة الصحابي الجليل (زيد بن حارثة-رض-)و(أم المؤمنين (زينب بنت جحش_رض_) ذلك قوله تعالى ﴿-;- وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً [الأحزاب : 37] ﴾-;- ؛ نرى أن الفقهاء يستنبطون من هذه الآية حكماً شرعياً ولكنهم لا يعيرون اهتماماً بالحكم الاجتماعي الموجود فيها ، قد نعلم إن (زيداً و زينباً _رضي الله عنهما-) هما على درجة عالية من الإيمان ، ولكنهما مختلفين من حيث (الطبقة الاجتماعية والثقافية) ولذا فأن زواجهما كان فاشلاً ، ولنعود إلى رأي المفسرين في تفسير الآية الشريفة ، قالوا :((وإذ) منصوب باذكر (تقول للذي أنعم الله عليه) بالإسلام (وأنعمت عليه) بالإعتاق وهو زيد بن حارثة كان من سبي الجاهلية اشتراه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة وأعتقه وتبناه (أمسك عليك زوجك واتق الله) في أمر طلاقها (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) مظهره من محبتها وأن لو فارقها زيد تزوجتها (وتخشى الناس) أن يقولوا تزوج زوجة ابنه (والله أحق أن تخشاه) في كل شيء وتزوجها ولا عليك من قول الناس ثم طلقها زيد وانقضت عدتها قال تعالى (فلما قضى زيد منها وطرا) حاجة (زوجناكها) فدخل عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغير إذن وأشبع المسلمين خبزا ولحما (لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر) مقضيه (الله)(تفسير الجلالين ويشابهه تفسير السيد عبد الله شبر(رحمه الله)). نعم هذا ما أورده المفسرون ولكنا نرى والله اعلم ، أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان على علمٍ بالفوارق بين زيدٍ و زينبٍ (رض) وأنهما أيضا اكتشفا ذلك بعد زواجهما ، ولان الله سبحانه وتعالى اخبره بأنه (ص) سيتزوجها إذا طلقها زيد (رض) فكان (ص) يخشى الناس أن يقولوا طلقها من زيد لكي يتزوجها (ص) حاشاه ، ولذا فان الله (عزوجل) أعطى سبباً ظاهراً وحكماً شرعياً جديداً، حيث ان زيداً متبنى وليس ابنا فيجوز الزواج بمن نكح ، عكس تحريم ما نكح الابن ، فأنقذ الله سبحانه وتعالى رسوله(ص) من الإحراج وأنقذهما(رضي الله عنهما) من أن يرتكبا بغيضة أو مكروها ، وذلك لقوله (ص){ إن ابغض الحلال عند الله الطلاق} . مما سبق أعلاه نستطيع أن نجد تعريفين مناسبين للحب والزواج : 1. الحب :هو حالة عاطفية و شعور ينتاب المرء في مكان وزمان معينين تجاه شخص معلوم(يعرفه) أو غير معلوم (فأحيانا وبدون تفكير منه يتعلق قلبه بشخص لا يعرفه وهو ما يعرف بالحب من النظرة الأولى) ولا يستطيع اجتثاثه(وان استطاع كبته أو إخفائه) ، ولا يستطيع احد أن يفرض على المرء ما ومن يحب وفقاً لهذا التعريف. 2. أما الزواج : فهو حالة ارتباط نفسي وشراكة اجتماعية تخضع لضوابط المجتمع وأعرافه وتهتم بالعوامل الخارجية أكثر من اهتمامها بالعوامل الداخلية ، تهدف إلى المحافظة على النوع البشري وتكوين مجتمع مصغر وهو الأسرة . وبالنتيجة فان الإنسان قد لا يكون مختاراً حين يقع في الحب ، ولكنه حتماً ولزاماً أن يكون مختاراً لزوجه وشريك حياته كي يكون الزواج مستمراً وناجحاً ، حيث جاء في الحديث الشريف }اختاروا لنطفكم{. أما الحب الذي نحتاجه في الزواج هو ذلك الذي يأتي بسب الزواج في أيامه الأولى (إطفاء أو تلبية احتياجات الغريزة) و فيما بعد (العِشرة والمشاركة) وأهمه (التفاهم والتوافق) مما يؤدي إلى (الانسجام) ومن ثم السير نحو (التكامل) ؛ قال تعالى﴿-;- وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم : 21] ﴾-;- . ولعلي اختم بهذه الأبيات فلي تجاربي أيضا جعلتني أقول ما أقول........
أنـا أحببتُ لكن كان حبـي ....... عذابٌ في عذابٍ في عذابِ أنا المجنون في ليلى ولكن ....... بلا دارٍ لليـلى أو تــرابِ
هذا ما قدمناه مختصرا ؛
ملاحظة: • الحب الذي ذكر في أعلاه هو ما يعبر عنه بالعلاقة بين الرجل والمرأة فقط. • لم نتطرق إلى موضوع القسمة والنصيب في الزواج . 14/5/2008
#حيدر_حسين_سويري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرمز والرمزية
-
عذر اقبح من فعل
-
شعرة من جلد خنزير
-
قصيدة - عادة -
-
حاوريني
-
في اسطبل الحمير
-
ألقرموطي العراقي من جديد
المزيد.....
-
من زاوية جديدة.. شاهد لحظة تحطم طائرة شحن في ليتوانيا وتحوله
...
-
أنجلينا جولي توضح لماذا لا يحب بعض أولادها الأضواء
-
مسؤول لبناني لـCNN: إعلان وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرا
...
-
أحرزت -تقدمًا كبيرًا-.. بيان فرنسي حول وضع محادثات وقف إطلاق
...
-
هجوم صاروخي روسي على خاركيف يوقع 23 جريحا على الأقل
-
-يقعن ضحايا لأنهن نساء-.. أرقام صادمة للعنف المنزلي بألمانيا
...
-
كيف فرض حزب الله معادلة ردع ضد إسرائيل؟
-
محام دولي يكشف عن دور الموساد في اضطرابات أمستردام
-
-توجه المحلّقة بشكل مباشر نحوها-.. حزب الله يعرض مشاهد من اس
...
-
بعد -أوريشنيك-.. نظرة مختلفة إلى بوتين من الولايات المتحدة
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|