|
خطوط حمراء
علي ناجي
الحوار المتمدن-العدد: 4357 - 2014 / 2 / 6 - 08:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما أحوج الأنسان للمساعدة حينما يُستعبد بأفكار غير قابلة للنقد و أعادة القراءة من منظوره الشخصي و الأدهى أنها ليست من محض اختياره ولم يشكك أو يبحث ثم يصل الى نتيجة بل لقن عليها في بيئته أي حُقن بمادة فكرية معينة عندما أبصر الحياة , تكمن المصيبة في احتواء الحقنة الفكرية على مادة لعلي لا اخطأ أذا أطلقت عليها تسمية ( دفاع العبد الألي ) وظيفة هذه المادة في الحقنة الفكرية هي أن يدافع الفرد دفاع مستميت عن خطوط حمراء رسمت له ولم يرسمها بنفسه أي ببساطة تجعل العبد يلوذ عن سيده المُستعبد له فور تعرضه لخطر فكري بالنقد والفضائح أو لتعرضه لخطر جسدي سواء طلب منه أو لم يُطلب فيجلب كافة الأدلة العقلية و النقلية لأثبات صحة فكر سيده الذي يفكر بالنيابة عنه ومن أعراضها أيضاً أصابة العبيد بهيجان سايكلوجي و أيديولوجي عند تعرضهم لشعاع التنوير والحرية . على سبيل المثال في الشرق الاوسط يستغل الحكام وحاشيتهم الدين والاختلافات بين المذاهب لتثبيت دعائم حكمهم يعدون له ماكنة اعلامية ضخمة ويستأجرون تجار دين يقبضون ثمن فتاويهم وغليهم للرأي العام على نار المذهبية خلف الكواليس , ليغطوا جرائمهم بغطاء شرعي تُحقن الشعوب بمادة رثة تعيدهم الى ألف عام خلت أجسادهم بيننا وأفكارهم توقفت بها عجلة الزمن , فينشغلون عن قضاياهم الجوهرية المعاصرة الى قضايا أكل عليها الدهر وشرب وتشغلهم عن المطالبة بحقوق الملايين المسلوبة لمصلحة فئة قليلة الى المطالبة بتطهير البلاد من جماعة معينة وكأن الوطن حكرٌ لجماعة دون أخرى ! يتناسون أنهم يقفون على نفس الخط في المعاناة والفقر والجهل ويستذكرون أختلافات في وجهات النظر بين الأمام الفلاني و الأمام العلاني قبل الألف السنين والمثير للأعجاب والدهشة والاشمئزاز أنهم ينكلون ببعضهم البعض من أجل أن يثبت كل فريق صحة ما يعتنق والذي هو وجه نظر الأمام !!! العدو الحقيقي للشعوب هو الحاكم المستبد و حاشيته المنتفعة والجهل والفقر والظلم ولو لا جبن الشعوب وجهلهم لما حكمهم الطغيان وحينما يوظف الحاكم تجار الدين فأن تجار الدين يقومون بدورهم بخلق عدو وهمي للشعوب يحذروهم منه ويحثوهم على قتاله فكراً وجسداً ويعزون مصائب الشعب أليه , سابقاً كان العدو الوهمي مرتبط بالقومية والوطن وبعد اضمحلال الفكر القومي وحل محله الفكر الاسلامي أصبح العدو الوهمي مرتبط بالمذهبية والدين و لا يعلم أحد من سيكون سعيد الحظ يوم غدا ليحصل على فرصة العمر بتذوق الظلم بكافة أصنافه بعد أن يكون العدو الأول بنظر القطيع . تنشأ الخطوط الحمراء في الطبقة الحاكمة ثم تورث الى العامة عن طريق أدوات الطبقة الحاكمة وتنقل من أعلى السلم الى أسفله وتنقل الى الأجيال عن طريق التلقين , على سبيل المثال حينما ينهى حاكم أو ذو شأن عالِ عن حالة أو أمر معين يكون خطراً على مكانته كتحريم ومنع قراءة كتب معينة وما يدعوا لتحرير العقل والتفكير خارج الصندوق ونقد الوضع الحالي بذريعة أن ذلك يقود الى الكفر فتسانده ( أدواتهُ ) حاشيته وعملاءه ووسائل أعلامه وتجار الدين في هذا وتجلب كافة الأدلة لأظهار وجه نظر الطبقة الحاكمة بمظهر الصواب , بدوره يقتنع العامة وينقلون رؤيتهم الى أبناءهم ويلقن الأبناء أحفادهم وهكذا تصبح قراءة ما يدعوا الى تحرير العقل والتفكير خارج الصندوق خط أحمر وحينما يظهر من يدعوا الى تحطيم هذا الخط الفكري والعقائدي أو تعديلهُ على أقل تقدير والنظر الى ما ورائه يوصم بالخيانة والجنون والخروج عن الملة وغيرها من التهم الجاهزة لمن يزعزع جهل مجتمع ما وحينما تسألهم عن السبب يكون الجواب ( هذا ما وجدنا عليه أبائنا ) . ولعل التجربة القرود الخمسة التي قام بها العلماء خير دليل على كيفية نشوء الخطوط الحمراء في مكان ما حينما وضع العلماء خمسة قرود في قفص ووضعوا سلم في أعلاه موز وكلما حاول احد القردة تسلق السلم لأخذ الموز قام العلماء برش الماء البارد على القردة فأصبحت القرود تمنع كل من يريد أن يتسلق السلم خشية من أنزال العذاب عليهم وتم تبديل احد القردة بقرد جديد أول وكلما حاول تسلق السلم يتم ضربه ومنعه من قبل القرود وتم تبديل احد القرود القدامة بقرد جديد ثاني وكانت المفاجئة أن القرد الجديد الأول كان يساهم بضرب القرد الجديد الثاني ومنعه على تسلق السلم وكأن لسان حاله يقول ( تسلق السلم وقطف الموز خط أحمر ! ) وتم تبديل احد القرود بقرد جديد ثالث والمفاجئة أيضاً أن القردين الأول والثاني شاركا في ضرب القرد الجديد عند محاولة تسلق السلم لقطف الموز ومما لاشك فيه أن هذه القرود ستحتاج الى أعادة برمجة وتأهيل بعد هذي الحادثة لأنها لن تجرأ قط على قطف الموز من أي شجرة بعد أخراجهم من القفص وأعادتهم الى البرية فأن الموز أصبح من الخطوط الحمراء في نظرهم , كما برمج العلماء هذه القرود المسكينة على عدم تسلق السلم ومنع كل من يود تسلقه يتم برمجة الشعوب المسكينة من قبل الطبقة الحاكمة على عدم الاقتراب من كل ما يؤدي الى نشر الوعي وتهديد كراسيهم ومصالحهم واتهام من تسول له نفسه بالثورة الفكرية بكافة التهم و اعتقاله . كان هناك طفل يخشى العتمة والظلام ويفضل أن يقطع أميال أو لا يأكل لعدة أيام على أن يبقى وحيداً في الظلام بسبب الموروث الشعبي الذي سمعه من كبار السن والروايات عن الجن والأشباح التي تنتهز فرصة العتمة للخروج ومهاجمة الطفل الغير مطيع لأبويه كان جسده الصغير يرتجف عند حلول الظلام ويحاول جاهداً الوصول الى اقرب مصدر للضوء كي يكون بأمان عندما كبر أدرك أن هذه الروايات الشعبية ما هي ألا ضرب من الأساطير أبتدعها الأباء لتخويف الأطفال الغير ودودين للحد من شراستهم وأصبحت الظلمة لديه شيء اعتيادي وطبيعي بعد ما كانت خط أحمر يخشى التفكير والتشكيك فيه خشية من هجوم الوحوش الغربية عليه وهو ألان يكتب هذه المقالة على الشمعة والظلام يحيط فيه من كل جانب بسبب انقطاع التيار الكهربائي . الخطوط الحمراء وضعت لاستعباد وتغيب عقل الانسان تحت مسماها أول شرط من شروط الحرية هو تحطيم الخطوط وأول معركة مع العبودية أحرص على دكها وسحقها وتقليل شأنها فأما الحرية أو استعبادك وتقيد عقلك تحت مسماها وكلٌّ يرى الحرية من منظورهِ و مكبوتهِ اللاشعوري فالمكبوت جنسياً يرى الحرية في ممارسة الجنس في العراء والمكبوت فكرياً يرى الحرية في نشر فكره ونقد ما يريد دون مسائلة . في عام 1909 حصلت حادثة طريفة ذات مغزى في بغداد عندما قبض حزب الاتحاد والترقي على زمام السلطة في الدولة العثمانية و أصبح الخليفة محض واجه لا أكثر نشر الاتحاد شعارات ( حرية – عدالة – مساواة ) والمضحك المبكي في الحادثة أن أحد اللصوص في بغداد قام بالسرقة بوضح النهار فالقي عليه القبض وحينما سألوه عن سبب السرقة وأنه سيرمى في السجن أجابهم ( أنتم خدعتموني أنتم السبب الم تقولوا أنها حرية ! وكل أنسان يفعل ما يريد ! لماذا ترموني في السجن و أنا أمارس حريتي ! ) وهذا دليل على أن المكبوت هو منظار الحرية عند ألانسان. وفي النهاية لا يوجد سوى خط أحمر واحد وهو الأنسان الذي لم يقترف ذنب لكن عند جنوحه لجريمة ( جنائية – اجتماعية – اقتصادية ) تزال عنه هالة القدسية ويلقى جزائه العادل ..
#علي_ناجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غياب الوسطية عن العقل العربي
المزيد.....
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|