|
سكان حزام البؤس حول مدينة حيفا وعلاقتهم بالشيوعيين وجريدة الاتحاد
موسى ناصيف
الحوار المتمدن-العدد: 1238 - 2005 / 6 / 24 - 12:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تركت مقعد الدراسة بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وسقوط فرنسا السريع واحتلالها على ايدي القوات الالمانية حيث تم اغلاق مدرسة "الفرير" في حيفا التي علّمت وثقفت اجيالا من مختلف الطوائف والاجناس لان تمويلها كان فرنسيا. خرجت الى سوق الكدح والعمل في جيل مبكر لاساعد والدي الذي كان عائلا ايضا ويعيل عائلة كبيرة من ثمانية انفار. استطعت الحصول على عمل لدى احد المقاولين الذين كانوا متعاقدين مع شركة التكرير النفطية في حيفا كمساعد معلم عمار. والحق يقال انه كان عملا شاقا جدا لكني كنت مقتنعا وراضيا به، هناك تعرفت عن قريب على كثير من الكادحين المعدمين من كل حدب وصوب ومن مختلف المناطق الفلسطينية والسورية واللبنانية، الذين كان معظمهم يسكنون في براكيات واكواخ مصنوعة من التنك والخشب القديم، في اماكن عدة من حزام الفقر والعوز بدءا من حواسة "وكانت هذه المنطقة تقع في القسم الشرقي من مدينة حيفا وكانت تابعة لبلد الشيخ الذي اصبح اسمها بعد النكبة تل حنان" وحواسة اصبح اسمها بن – دور وقد فقدت العشرات من ابنائها اثر القاء قنبلة من نشطاء من منظمة "الاتسل" الارهابية الصهيونية اليمينية، على طابور من العمال كانوا مصطفين امام مكاتب شركة تكرير النفط بحثا عن عمل. وعندما اذيع الخبر وسمعه العمال العرب الذين يعملون في شركة التكرير بدأوا بالاعتداء على عمال وموظفين يهود ابرياء انتقاما للعمال العرب الذين سقطوا ضحايا الارهاب اليميني الفاشي للمنظمات اليهودية. ولم تنج حواسة من انتقام الاتسل اثناء طرد وترحيل عرب حيفا الذين تم ترحيلهم بعد قتل العديد منهم، ولم يبق من من حواسة أي اثر يذكر سوى بعض شجرات التين وبعض ارياف الصبر وبعض من شجرات اللوز. وانا على يقين ان القليل جدا من جماهيرنا العربية وخاصة الشباب سمعوا اوعرفوا شيئا عن حواسة والنكبة التي حلت بها وبسكانها. المحظوظون فقط هم اولئك الذين وجدوا لهم مأوى على مقربة من المزبلة رغم الروائح الكريهة طمعا بالحصول على قليل من النفايات، لسد رمقهم وجمع قليل من النحاس القديم والالومنيوم والحديد وبيعها للحصول على قليل من القروش للاستمرار في العيش والبقاء على قيد الحياة، ومتابعة جهاد العمل الذي لا ينتهي. كنت اذهب الى العمل في الصباح الباكر جدا مشيا على الاقدام من شارع الناصرة سابقا "كيبوتس – جاليوت" اليوم، مرورا بمنطقة المزبلة متحديا الاشواك والتعب والعقارب والبعوض والثعابين لاوفر نصف قرش فلسطيني من معاشي الزهيد الذي لم يتجاوز الثلاثة قروش يوميا مقابل عمل شاق جدا وبدون ساعات عمل محدودة لان التنظيم النقابي بين العرب كان ضعيفا جدا وفي بدايته، لكني كنت مقتنعا ومحظوظا في نفس الوقت خاصة عندما كنت اشاهد اولئك البؤساء المحرومين المحصورين داخل تلك الاكواخ مع عائلاتهم مثل علب السردين، وكان يجول في خاطري كيف يمكن مساعدة اولئك المحرومين ولم استطع الجواب على تلك الاسئلة الا بعد ما اصبحت شابا وتعرفت على احد الشيوعيين المخضرمين، الرفيق خالد الذكر علي الخمرة وكان يعمل مسؤولا عن بعض العمال في شركة شل البريطانية التي اصبحت فيما بعد تدعى شركة باز بعد قيام اسرائيل. الرفيق علي الخمرة هو الذي وجهني وارشدني الى حضور اجتماعات عصبة التحرر الوطني وقراءة جريدة "الاتحاد" لاحقا. بعد رجوعي الى حيفا بعد النكبة التقيت مع الرفيق علي وقد كنت قد التحقت بالحزب في قرية المغار بتشجيع من المناضل داود تركي وناضلنا سوية في قرية المغار مدة سنة تقريبا. وعندما عدت الى حيفا وبدأت بتوزيع "الاتحاد" اخترت منطقة شيمن ومنطقة حيفا الشرقية وكنا نمشي ونقطع مسافات شاسعة لنصل الى الاكواخ لتوزيع "الاتحاد" ونقل متاعب ومشاكل اولئك البؤساء الى الرأي العام والنظام الطبقي الذي حرمهم من ادنى متطلبات الحياة، وايضا لنشعرهم انهم بشر لهم قيمة ووزن في هذا المجتمع الطبقي الذي لا يرحم. في زياراتنا الدائمة لسكان تلك الاكواخ ربطتنا بهم صداقات واصبحنا بالنسبة لهم جزءا منهم، وكم كانوا يشعرون بالسعادة عندما كنا نزورهم في اكواخهم ونشعرهم بانخم جديرون بالحياة السعيدة مثل كل البشر وان المستقبل امامهم. وكنا نشعرهم باننا نحترمهم ونهتم بهم ونشرب قهوتهم وقد فرضنا احترامنا عليهم لانهم لم يلتقوا سابقا بمن يهتم بهم غيرنا. كنا ندعوهم ايضا الى الاجتماعات الشعبية للحزب الشيوعي حول قضايا سياسية واجتماعية واحتجاجية وقسم لا بأس منهم كان يلبي دعوتنا اما عن اقتناع او احتراما للعلاقة الاخوية والانسانية بيننا. موزعو جريدة "الاتحاد" كانوا بمثابة همزة وصل متينة بين الجماهير والحزب. لم نكن فقط موزعي جريدة خاصة في القرى والاحياء النائية، بل كنا اصحاب رسالة ومدافعين عن قضايا الناس الضعفاء والمحرومين والمهمشين من قبل مجتمع طبقي قائم علىالاستغلال وعبادة وتمجيد المادة لا يحترم سوى الاغنياء والاقوياء ويحتقر الضعفاء، والانكى من ذلك انه عندما يقترب موسم الانتخابات وبدون خجل يأتي هؤلاء ممثلو احزاب الاغنياء يطالبونهم بالتصويت لهم ويعدونهم بمساعدتهم لانهم من جماعة الحكومة، ويلعبون على عواطفهم وانتماءاتهم القومية والدينية والطائفية بدون أي ضمير او احساس او خجل. ولعدم وجود الوعي الكافي لدى قسم من اولئك البؤساء يستجيب قسم منهم لاولئك الدجالين وتجار الاصوات ويصوتون ضد مصالحهم من غير وعي او ادراك. في عصر التلفزة والانترنيت وتطور وسائل الاتصال تطورا سريعا فقدت الكلمة المكتوبة كثيرا من اهميتها والقليل جدا من مجتمعنا العربي وخاصة بين الشباب الذي يقرأ جريدة وخاصة اذا كانت جريدة مبدأية تعالج قضايا سياسية او اجتماعية، والمسؤولون عن الدعاية في عصر العولمة الرأسمالية لا يريدون ان يقرأ الناس جرائد مبدئية وخاصة اذا كانت جريدة تعالج قضايا طبقية او اجتماعية او حتى قومية، بل يريدونهم ان يشاهدوا دعايات عن المواد الاستهلاكية والتسويق وافلام العنف والاباحية وعن الفضائيات العربية حدّث ولا حرج، انها محطات تافهة بعيدة عن التوعية الوطنية والتثقيف بعد الارض عن السماء. في ظل عهد هذا التجهيل يقع على عاتق المثقفين المبدئيين وخاصة الشيوعيين واصحاب الكلمة الجريئة الحقة المكتوبة وخاصة جريدة "الاتحاد" والحزب وكوادره، تنظيم دورات تثقيفية وتوعية لاجيالنا الشبابية ويجب العودة الى زيارة الجماهير وخاصة الاصدقاء للاطلاع على قضاياهم والحوار معهم وابراز دور جريدة "الاتحاد"، وما قامت به في احلك الظروف عندما كان يتعرض موزعوها للاعتداء من قبل زعران الحكومة واعوانها. ناهيك عن الفتاوى ضدها وضد موزعيها من دجالين كانون يرمون الحرمان على كل موزع او قارئ، لكننا صمدنا في وجه كل طاغ وما زال الشيوعيون المبدئيون وجريدتهم "الاتحاد"، قلعة للصمود والتحدي يقفون وقفة رجل واحد ضد كل من يحاول المس بها او تشويه سمعتها، وستبقى جريدة الجماهير "الاتحاد"، جريدة المبادئ الانسانية والاممية، وستبقى قائدة المسحوقين والمظلومين الى ابد الآبدين.
(حيفا)
#موسى_ناصيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحيّة اكبار واجلال للشعب الاسباني ويساره
-
الفكر الماركسي هو البديل الوحيد لمحاربة العولمة الرأسمالية
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|