لا شك إن فعلة بن لادن والوهابيين ، وسواء كانت استدراجا أمريكياً ، أو كانت ترجمةٍ أمينة للفكر العدمي الوهابي ، والذي يمثل إسلاماً لا صلة لأبي القاسم محمد به من قريب أو بعيد ، سواء كانت فخاً أمريكياً ، أم لا فإنها الطامة الكبرى التي ستقصم ظهوراً عديدة ، وعديدة جداً ، وكثير منها لا صلة له بالإسلام الوهابي ، إلا من قبيل المصالح المتطابقة والانتساب إلى ذات الغربة عن روح العصر وحاجات التطور ، والغربة عن الشعوب ومصالحها واحتياجاتها .
نقول الطامة القاصمة التي لن تنتهي بالإجهاز على صدام حسين وحده ، بل الإجهاز على النظام العربي الذي أنجب ورعى ودلل وسمن صدام حسين .
الإجهاز ليس على صدام حسب ، بل على الثقافة العربية المراوغة ، المتخلفة ، العنصرية ، المريضة ، التي أنجبت صدام حسين ، وبن لادن ، والترابي ، والظواهري ، وشيوخ نجد واليمن وصعيد مصر ، وجمهوريات الوراثة ، والجماهيرية الحائرة في هويتها .
أني أجزم إن الفعلة من تدبير أمريكي ، أو على الأقل تواطئ أمريكي ، لتبرير الضربة التي ستغسل المنطقة بأكملها من أنظمة العار والتخلف تلك ، التي قتلت روح الحياة لدى الإنسان العربي .
قتلت أفاق الإبداع ، والإحساس بالقيمة الإنسانية ، وشوهت الروح ودمرت الأخلاق القائمة على الشجاعة والحب ، وأحلت محلها أخلاق العبيد ، من نفاق وذل وكذب وجبن وانتهازية وكراهية للآخرين ، وإذلال للمرأة ، وعصبية طائفية وقبلية .
قتلت فرص التقدم والتطور الطبيعي والسلمي ، والجاري على صعيد العالم كله إلا عالمنا العربي .
لا أتوهم هنا ، أن أمريكا تفعل هذا لوجه الله ، أو رأفة بحال نساء تبوك وحائل والإحساء ، أو أطفال العراق ، أو مثقفي سوريا ومصر المقموعين والمغيبين ، لا ولكن لأن هذا يدخل في جوهر نسيج العولمة الأمريكية ، في جوهر رأس المال الأمريكي ، في جوهر الديموقراطية الغربية ، التي لم تعد محايدة ، بل مهاجمة .
إذ بعد أن تم الإجهاز على الاتحاد السوفييتي وتخومه التي تفككت وانهارت حتى قبل انهياره ، وبعد أن وضعت الصين والهند وباكستان وإيران وبلدان عديدة أخرى على سكة السلامة ، إذ تم الاطمئنان إلى صيرورة ديموقراطية قابلة للتطور ، ما عاد إلى الإجهاز على مخلفات الحرب الباردة ، من فاشيات وقبليات عربية .
هذه الأنظمة التي ولدت عندنا مع إشراقة شمس الحرب الباردة ، وتغذت على سماط هذه الحرب ، ونامت على وسادتها الدافئة وتدثرت بإزارها الثقيل الوثير ، هذه الأنظمة ما عاد لوجودها من معنى أو ضرورة …
مصر الناصرية ، عراق عبد الكريم قاسم ، سودان الفريق عبود ، ليبيا القذافي …و….سعودية آل سعود …
هذه ثمار غير ناضجة ، بل مرة ، للحرب الباردة .
ثمار تقاسم مناطق النفوذ بين القطبين ، ثمار الركلات الخفيفة من تحت الطاولة .
ثمار أوراق اللعب التي تخفى تحت الطاولة …
وما عاد الآن إلا لاعب واحد ، فعليه أن يفض الطاولة ، وينظف المكان ، ويجمع الغلة كلها …. وإلا تناهبها
المتفرجون المتسكعون الذين يحلمون بما يسقط من نقد هنا أو هناك …
كثير من الأنظمة العربية ، وعت جيداً تطورات اللعبة ، فغيرت جلدها ، وحسنت أدائها ، وتصالحت مع شعوبها …المغرب في الغرب العربي ، والأردن في الشرق ، وقطر والبحرين ، وإلى حد ما الكويت ، في الخليج …
الأردن مثلاً ، تحسن رصيده في مضمار حقوق الإنسان والمشاركة في صنع القرار إلى مستوى واعد ، وأتوقع له أن ينال الكثير من الكعكة التي ستقطعها السكين الأمريكية ..!
البحرين وقطر والمغرب والكويت ، ستنعم بالأمان لزمن طويل ، ولن يصيبها ما كتبه الله على أقرانها القبليات والفاشيات القومية ، فهي منسجمة إلى حد كبير مع أنفسها ومع شعوبها ومع حركة التاريخ والصيرورة الحتمية لتطوره ، في ظل القطب الرأسمالي ، القوي والأوحد والمتطور والذي يجدد نفسه في كل لحظة …
أما الآخرين ، فإنهم سيدفعون لشعوبهم أولاً ، وللإنسانية ثانياً ، كامل الدين الذي تراكمت فواتيره بفوائدها ، منذ عشرات السنين .
ونعود للتشديد على ، إن الحرب الباردة ، كانت استثمارا أمريكياً سوفييتياً ….
وكان الإسلام ، إسلام معاوية ويزيد وبن تيميه ، استثمارا قبلياً - فاشياً عربياً ، ترعرع في الملاعب والجنائن الخلفية للحرب الباردة .
وكانت القضية الفلسطينية ، استثمارا قومياً - فاشياً عربي ، تزاوج زواجاً مصلحياً مع الإسلام الوهابي والسلفي - العنصري عامةٍ ، وقد بورك من كلا طرفي الحرب الباردة ، بل وأقام العروسين في دار الضيافة ، للقطبين المتحاربين .
على خلفية الحرب الباردة ، دعم الروس كما الأمريكان ، حلفائهم الفاشست من اشتراكيين قوميين ، وقبلين أميين …
وعلى خلفية الإسلام السلفي ، والقضية الفلسطينية ، دعم الفاشست العرب ، من قوميين وقبليين وجودهم في سدة الحكم في بلدانهم ، وعلى ذات الخلفيتين ، لعب العرب بينهم حربهم الإقليمية الباردة … الخاصة بهم ، أسوة بالمتحاربين الكبار ، من أجل استمرارهم بالسلطة ، وزيادة تغييب ، بل وتدجين الوعي الإنساني الطبيعي والمنطقي لدى أبناء شعوبهم …!
والآن … ما عادت هناك من حرب باردة ، وها هم الروس ، قد أقروا علناً بخطايا المرحوم لينين …واعتذروا قوي الاعتذار عن تاريخهم السالف …
وحلفاء أمريكا ، والذين انظم إليهم لاحقاً حلفاء الاتحاد السوفييتي بعد سقوطه المريع ، صاروا الآن عبئاً على أمريكا …
عبئاً على الضمير الإنساني …
عبئاً على الديموقراطية الغربية ، والعولمة ، وغزو الفضاء ، وغزو الكون ، والسيطرة المطلقة على أسرار الحياة ، والسيطرة على المصير الإنساني ، وإعادته مجدداً لصاحبه ، الإنسان … الإنسان ذاته …
عبئاً على الثقافة الواحدة ، الواحدة ليس بحرفية التطبيق والاستنساخ ، ولكن بتراكم المشتركات التي تؤدي إلى التزاوج السلمي والطبيعي ، وبالتالي الرقي المشترك لكل الجنس البشري ..
نعم …. أنظمة القبائل والفاشيات المتخلفة ، انتهت صلاحية وجودها ، ويجب دفنها …
لو كانت هذه الأنظمة في مجاهل أفريقياً ، وحيث ليس إلا غابات وفيلة ومستنقعات ، لما أهتم بها أحد ولتركوها تتعفن لوحدها …
لكن في منطقتنا الغنية بالثروات ، وبالتهديد الخطير للمصير الإنساني برمته … لن تترك لحالها …، لأنها أن تركت فهي ستنقل عفنها إلى الغرب ذاته ، وهذا ما حصل على يد ين لادن …
فالسلفيون ليس وثنيون مسالمون ، ولا بوذيون ولا إسلاميون على طريقة الأحمدية ، وليسوا فقراء مثل وثنيو أفريقيا أو بوذيو كمبوديا …لا … هؤلاء يختلفون ، وهم ذاتهم الذين بدءوا وقد أغراهم ، أو غرر بهم من خلال النصر في أفغانستان ، فبدءوا يتطاولون على الآخرين في عقر دارهم ..
في الختام ، أؤكد أن خريطة المنطقة بعد سقوط الطافي من جبل الجليد ، نعني صدام حسين ، ستتغير بالكامل …
ستسقط ممالك ، وتنشأ ممالك ديموقراطية دستورية جديدة أو جمهوريات ديموقراطية حقيقية جديدة .
ستسقط الجامعة العربية بالكامل ، وستنشأ جامعة شرق أوسطية ، يكون للعراق القادم كما لإسرائيل وتركيا وإيران ، ثقلاً كبيراً في قيادتها وتوجيهها ، وستكون أهدافها اقتصادية ، عمرانية ، ثقافيةٍ .
وستحصل نهضة عربية وشرق أوسطية كبيرة بفعل الرساميل الأمريكية والغربية ، وسيكون لها آثار اجتماعية إيجابية خطيرة ، إذ ستنشأ أجيال من الرجال والنساء ، أحراراً وممتلئون وعياً إنسانياً وتقنياً عالياً ..
وسيعم السلام والحب والتعاون بين الشعوب…
ليست أحلام … ولكنها حقائق … لا أضن إن جيلنا هذا سيعيشها جميعاً ، ولكننا محظوظون أن نعيش ربعها الأول على الأقل …
كامل السعدون
أوسلو - النرويج