|
كنْ صوت من لا صوتَ له
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4352 - 2014 / 2 / 1 - 20:44
المحور:
المجتمع المدني
هل تعرفُ ماذا يحدثُ حين تدوسُ نملةً بحذائك؟ تُعلن الطبيعةُ أن روحًا نقٌصَتْ من تعداد الأرواح التي تسكنُ كوكب الأرض. الروح أمرٌ إعجازيٌّ هائل. سرٌّ الأسرار الأكبر. حتى وإن كانت روحًا لنملة أو ضفدع أو وحيد خليّة ضئيل لا تراه العيُن دون ميكروسكوب. سيصل الإنسانُ إلى تصنيع كلّ أعضاء الجسد البشري من أجل العمليات التعويضية. وقد ينجح في الوصول إلى تركيب الدم، الذي يعجز حتى الآن عن تصنيعه. لكنه لن يصلَ أبدًا إلى صناعة الروح. لأنها ليست مادةً تتخلّقُ من تجميع عناصرَ كيميائيةٍ في أنابيب الاختبار، وبالتجربة والخطأ يمكن اكتشاف كُنهها وتحديد ماهيتها ثم تصنيعها. إنها سرُّ الله. وخبيئة خبيئات الطبيعة. وبالنسبة للطبيعة، روح سيادتك، الذي دهس النملة، تتساوى مع روح النملة المسكينة التي صرعها حذاؤك، وهو يدري، أو دون أن يدري. لهذا أرتعبُ جدًّا من فكرة إزهاق الروح. ورفضتُ ترخيص سلاح كما فعل كل الإعلاميين المهددَين، من الإخوان، مثلي. الروحُ صُنع الله. ووحده له حقُّ استردادها. لا أتكلم عن الروح البشرية، ولا حتى روح حيوان أليف ما. فتلك مستويات من الروح لا يستطيع عقلي مجرد تصوّر أن أحدًا بوسعه أن يزهقها! بل أتكلم عن الروح بوجه عام. تستوي عندي روح عصفور جميل مع روح ذبابة قبيحة. مع إنك لو نظرت لتلك الذبابة بحياد، بعدما تتخلص من معلوماتك السلبية عنها، لوجدتها أيضا كائنًا جميلا عبقريًّا: له أجنحة شفافة وعينان تحملان أعقد العدسات. تشريحيًّا، لا تختلف الذبابةُ عن الفراشة التي نحبُّها ونكتب فيها قصائدنا. لكننا، ونحن نحبّها، أيضًا نمارسُ عليها ساديتَنا المريضة؛ فنقتلها لنضعها بين دفتي كتاب، أو في ألبوم تصبير الفراشات! ياللسخافة! ولأنني لا أحبُّ الحشرات، مثل البشر كافة، أكافحُ وجودها في بيتي بالنظافة. لأنني أعرف أنني سأهربُ من فكرة الخلاص منها بالقتل. بل ربما سأصادقها! وحدث هذا حين وجدتُ نملةً فارسية في مطبخي. فصادقتُها وأسميتُها: "أنَس" وواظبتُ على إطعامها كل يوم حبّة سكر. وحين اختفت بعد أسبوع، بكيتُها، وكتبتُ فيها قصيدة: "أسدلُ الشرفةَ كي تأتيَ": ["تسقطُ نافذتي عند الصبحْ/ أرفعُها في المساءْ/ وأنتَ لا تأتي/ صوتُكَ وحدَه يأتي/ لا يقولُ تعاليْ/ بل يقول:راقبي النجومَ في السماء/ كلما انطفأ واحدٌ/ قطعتُ ميلاً نحوك.ِ/ النجومُ تزدادُ كلَّ ليلةٍ نجمًا/ والبيتُ واسع/ ليس واسعًا/ باردٌ فقط/ الهواءُ في بيتي/ كثيرٌ على أنفٍ واحد/ وأنا لا أخافُ الوحدةَ/ لكنني مشغولةٌ بتفقّدِ الأرواحِ التي تتناقصُ في منزلي/ رغم أنني/ لا مبيدَ لدي/ ولا في يدي عصا/ لكن الروحَ تنقصُ !/ حتى النملةُ!/ النملةُ الفارسية/ النملةُ الوادعةُ التي سميّتُها "أنس" النملةُ التي تُطِلُّ كلَّ ليلة/ من شقِّ بلاطةِ المطبخ/ لتقول لي: مساؤك سكر/ فأطعمها حبّةَ سكر/ لم تزرني منذ يومين!/ نَجمةٌ الآنَ/ تكادُ تنطفئ/ سأسدلُ الشرفةَ/ قبل أن ترجعَ في كلامها.] ولهذا أيضًا، عقلي لا يتقبّل فكرة الفداء والذبيحة في الطقوس الدينية. "وربنا يسامحني بقا". لا أستوعبُ أن يرتكبَ إنسانٌ ما خطيئةً ما، ثم ينجو من العقاب السماويّ بارتكابه خطيئةً أخرى (ذبح كائن بريء). لا أفهمُ حكمةَ الله في أن يعفو عن كائن مخطئ؛ حين يقدم دماءَ كائن بريء لم يخطئ! على كل حال مازلت آملُ أن ينضجَ عقلي مع الأيام ليستوعبَ ما استغلقَ عليّ حتى الآن. دعونا من كل ما سبق وهيا نقرأ البيانَ الذي كتبته الحكومةُ الأسترالية ونشرته في كل الصحف أثناء هبوب العواصف التي ضربت أستراليا ورافقتها حرائق في الغابات. [1- ضعوا أوعيةً من الماء أمام بيوتكم كي تشربَ الحيواناتُ الهاربة من الحرائق. 2- ضعوا طعاماً أمام بيوتكم كي تأكل تلك الحيوانات. 3- احتفظوا في سياراتكم بمناشفَ وصناديقَ من الكرتون، فإذا رأيتم حيوانًا يعاني من الحروق أو الجروح لفّوه بمنشفة وضعوه في الصندوق وخذوه إلى أقرب طبيب أو مستشفى للحيوان وستتم معالجته مجانًا.] حين تراني السيدةُ التي تساعدني في البيت أطعم القطةَ بيدي في صبر وأنظّف الرملَ من مخلفاتها بنفسي (عشان هي بتقرف)، تندهش وتسخر قائلة: “يا بختك يا كيتي، يا ريتني كنت قطة!” فأقول لها: “أنت تتكلمين وتُفصحين عما تريدين، لكن الحيوان لا يعرف كيف يشكو، لهذا أوكلنا اللهُ لنقرأ شكواها بعيوننا.” ولهذا تظاهر الألافُ على شواطئ أستراليا ضد قرار يسمح للصيادين بقتل أسماك القرش الكبيرة، بعد سبع هجماتٍ لأسماك القرش انتهت بقتل عدة أشخاص. هكذا يعرف المتحضرون كيف يكونوا صوتًا لمن لا صوت له. لأنكَ أنت، أيها البشري، الصوتُ الوحيد الذي يملك. فقط اعلمْ أن البعوضةَ التي تلدغك، لا تكرهك ولا تقصد إيلامك، هي فقط تريد أن تعيش. فطوبى للرحماء.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العياط وأمهات مصر
-
لغة أجدادِنا
-
لماذا خدع يعقوب بسطاءنا؟
-
ابتسامة جورج سيدهم
-
موعدنا في كاتدرائية المسجد
-
الدستور والسلفيون
-
مصريةٌ رغم أنف مَن يكره!
-
أطفالُ السماء
-
الفارس -إبراهيم عيسى-
-
البايونير عدلي منصور
-
شكرًا للمصادفات!
-
طفل اسمه سيف
-
عام في منزلة بين منزلتين
-
زيارة البابا
-
الماريونيت تتمرد على صانعها
-
ميري كريسماس يا مصر
-
حكاية العمّ العجوز
-
إخوان صهيون
-
صورة السيسي وحطّة فلسطين
-
اقتلْ واحرق بس بسلمية
المزيد.....
-
مسئول أمريكي سابق: 100 ألف شخص تعرضوا للإخفاء والتعذيب حتى ا
...
-
تواصل عمليات الإغاثة في مايوت التي دمرها الإعصار -شيدو- وماك
...
-
تسنيم: اعتقال ايرانيين اثنين في اميركا وايطاليا بتهمة نقل تق
...
-
زاخاروفا: رد فعل الأمم المتحدة على مقتل كيريلوف دليل على الف
...
-
بالأرقام.. حجم خسارة ألمانيا حال إعادة اللاجئين السوريين لبل
...
-
الدفاع الأمريكية تعلن إطلاق سراح سجين كيني من معتقل غوانتانا
...
-
دراسة: الاقتصاد الألماني يواجه آثارا سلبية بإعادة اللاجئين ا
...
-
الأمن الروسي يعلن اعتقال منفذ عملية اغتيال كيريلوف
-
دراسة: إعادة اللاجئين السوريين قد تضر باقتصاد ألمانيا
-
إطلاق سراح سجين كيني من معتقل غوانتانامو الأميركي
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|