|
الخدعة المتكررة و المعوّق المثقف
مزوار محمد سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 4351 - 2014 / 1 / 31 - 13:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الخدعة المتكررة و المعوّق المثقف
من الجميل أن أرى الابتسامة تلهب وجوه سكان شواطئ البحر المتوسط و الأجمل أن أراها على وجه كل إنسان في كل مكان، لكن الأحداث تلقي بظلالها على الفرد، مما تدفعه في أحيان إلى حالة من التألم جراء ابتسامه الذي لا ينكسر لمدد ليست بالقصيرة. إنها مأساة الفيلسوف الألماني نتشه، و وجودية الفيلسوف الفرنسي سارتر، و تطورية الفيلسوف الانجليزي سبنسر و واقعية الفلاسفة الأمريكان لعلّ أعظمهم جون ديوي، كلها فلسفات تجتمع في حقائق البحر المتوسط، و في يومياتهم التي تجعل المثقفين من أبنائهم يساوون بين الجحيم و النعيم، مما يؤدي إلى حيرة تكاد تطبق على الأنفاس الناظرة إلى المجال الفيزيقي للموجودين في هذه المنطقة، و بالتالي تنعكس هذه الحلقة العامة على ضمير المثقف إما في صورة أزهار النرجس النفسية، و إما في حالة جلاد للمعارف السفلى كما عبّر عنها بومغارتن، و في أحسن الأحوال أجدها تتخذ صورة معوقات ثقافية كما أشار إليها العالم اليهودي سيغمون، بينما وقف الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي فأشار إلى القابلية النفسية للهوان كسبب لحالة الضعف و الإذعان للغير.
1. الخدعة المتكررة: لا أظنّ أنّ متابعا للشؤون العامة للشعوب المتوسطية يكون غافلا عن ما يجري من عنف على ضفاف البحر المتوسط، إنّه العنف الذي بدأ منذ فجر التاريخ، نـَكتة تبنى في نفسية المتوسطيّ لتتجسّد لدا الأقوياء في شكل فكر إمبراطوري، و لتظهر لدا الضعفاء في شكل المقاوم، دون أن أنسى التدخلات المختلفة التي كان لها نقاط فارقة ما بين الإنجليز و الآسيويين كما الروس أو الأمريكان، كلها محاولات لاحتواء المنطقة المتوسطية باعتبارها مركز العالم و مهد الحضارات العميقة و القديمة، لكنّها تنعكس بالضرورة على الإنسان المتوسطي، و بالتالي على المريد لهيمنة على البحر المتوسط أن يحطّم الإنسان المتجوّل على شواطئه أوّلا. من هذه الزوايا ينظر المثقف المتوسطي إلى ما حوله، فيرى أشكالا من الاستراتيجيات التي تحاول اقتياده، من أجنبية بعيدة إلى محاولات داخلية أو مجاورة، يرى هذا المثقف أنّ بيئته الثقافية مفككة أو أنّها تحللت منذ زمن ليس بالقصير، هُوية مضطربة و مزاج هلاميّ، و بالعكس من أن يعاود النظر إلى هذا الموقف، فإنّه يحدث العكس من ذلك، المثقف المتوسطي غالبا ما يوضع في القفص الزجاجي للاتهام، و أنا أؤكد على القفص الزجاجي لأنّه يعطي الحق لغير المتكلّم بداخله للتحكّم بالصوت، فعندما أحفر في تربة هؤلاء المثقفين أجد أنّهم يمتلكون كنوزا من المعارف، و فضائل على الحضارة الإنسانية لا تحصى، بينما في الوقت الذي تكافئ الحيوانات في ساحات لندن بنُصُبٍ تذكارية تخلّد مساهماتها في الحروب الاستعلائية البريطانية، أجد في الوقت ذاته المثقف المتوسطي مدفونا في قبور لا تحمل أسماء في غابات أو صحاري المنطقة المحيطة بالبحر المتوسط. عندما أجد مثقفا متوسطيا يهاجم المثقف الجزائري و يبحث في غيابه ليلصق به تهما جاهزة، فهذا الموقف من أخانا المحترم هو مجرّد عيّنة لدورة جديدة من التأثير الحضاري و الجلد الذاتي بشعارات النقد و تأليه الأصنام الفكرية الجديدة، و كأنه قدر المثقف المتوسطي أن يخرج من النعيم قاصدا الجحيم بكافة الطرق، و المصيبة الكبرى أن تكون بعقول متوسطية أيضا.؟؟ أما في حالة الإنسان المتوسطي البسيط فعليه وفق إستراتيجية واشنطن التي ارتدت عباءة المحافظين الجدد، عليه أن ينمّي قاعدته المتوحشة ذاتيا، و ذلك وفق خطوات معلومة، تبدأ من تمسكه بحالة من الإحباط و اليأس، استصغار قدراته و تلازم شكه القهري في ذاته الفقيرة، بالإضافة إلى صناعة انجازات وهمية تكون بمثابة المخدر الحلو لذات تبحث عن مكانها في هذا المجمّع العالمي. و كأنّ المثقف الحق و القدير لا يخرج سوى من مكامن المعلومات الغربية، بينما الجنوب أو الشرق و حتى جزء من الشمال المتوسطي هو عاجز عن صناعة مثقفين قادرين على حلحلة واقعهم بواسطة أدواتهم الإبداعية الذاتية، لابد للمثقف وفق هذا المنطق أن يعود إلى المراجعات و المصادر الغربية حتى ينتزع موقعه، و كأنّ النطاق قد حسم فيه، فعلى الفرد الإنساني أن يشرب من المعين الثقافي الغربي دون سواه، حتى و لو كان مجاورا له، حتى و لو كان غريبا عنه، المهم في هذا أن يبقى الغرب مطبقا لمقولة: أنـــا ربكم الأعلى ثقافيا، لكنّ المأساة أنه درّسها لأبناء الضعفاء صانعا منهم مثقفين برتبة أدوات تخدم مشروعه الذي لا يزال موجودا في المنطقة المتوسطية، حتى أن قرار الحرب لم يعد يصنع في باريس أو مدريد، و إنما صار حكرا على واشنطن بمشاركة تلاميذها من موسكو و لندن.
2. المعوّق المثقف: يبدوا أن سهولة فتح الأبواب للمثقفين المتوسطيين من قبل الأسياد العالميين أصبحت مقرونة بشروط واضحة لا تقبل التراجع، أهمها أن يقف المثقف هذا موقف الساحر الجديد بباب هاروت و ماروت، لا بدّ أن يكون خروفا سمينا في مذبحة الحضارة المحلية، حتى يتمكّن من قرع منطقة المؤامرة التي لم يعد لها وزن بفضل المثقفين المزيّفين في المنطقة المتوسطية، أنا هنا لا أتهم أحدا، فأنا أيضا متوسطيّ و كل متوسطيّ من المثقفين يعتبر من مَن يقال لهم أنتم الطلقاء. لكن الأمانة الفكرية تفرض عليّ أن أنظر إلى المثقف على أنه و إن مارس حقولا أخرى ليست بفكرية ولا علاقة لها بالفكر، فإنّ هذا لا يكون سببا في تهميشه من مَن يدّعي "النقد"، فالمنطقة المتوسطية ليست بحيرة فرنسية خالصة، و هي ليست حكرا على شعب دون آخر، فلا أحد يفلت من المساءلة الفلسفية، و بالتالي من يريد دمقرطت الفلسفات المتوسطية، عليه أن يكون ديمقراطيا على الطريقة اليونانية، تلك التي أوصلت مجانين أحفاد الهيلينيين القدامى إلى مرتبة الفلاسفة، لسبب وحيد تمثل في احترام المخالف لهم عبر المعايير المتعارف عليها و فوق أرضية مشتركة و تحت سقف مشترك، لأنّ شعار النقد و الديمقراطية و الحريات إضافة إلى نداء الاختلاف و القبول به، لا يبعد حسب رأيي سوى مسافة عرض جسر الصراط عن الفوضى التي تركّب في مخابر ولاية فرجينيا الأميركية و تصدّر إلى المنطقة المتوسطية، لكن عبر بعض حملة الثقافة الجنوبية الذين ضاعوا بين دهاليز الثقافة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، لتكون النار متوسطية حسب عرّاب العم سام ، موقدها متوسطي، و المحترقون بها هم المتوسطيين أنفسهم عبر أخشابهم العنيفة.
".... إننا نرى في هذين الظرفين موقف العقل تجاه الاختبارات التي تعرض له، نرى في الظرف الأوّل كيف يتحرر العقل في المناخ الجديد من الشكليات، من سلطان المفردات الذي لطالما عوق تقدم العلم. و في الظرف الثاني، نراه كيف يتحرر من المكابرة و هي شرّ عدو للحقيقة، و أكبر معوّق للفوز بها.... " (مالك بن نبي، القضايا الكبرى، ص192.)
يرحب الإنسان مهما كان بأيّ فكرة، لكن عبر المعايير التي تجعل منها تحمل "منطقا عمليا" كما عبّر عليه الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي، أو تحمل جدوى منطقي كما أصّل له أرسطو أو تحمل طريقة واقعية كما نظّر لها ميكيافليي أو البراغماتية بشقيْها، و مع ذلك يبقى طرح مالك بن نبي الأقرب في رأيي إلى الواقع المتوسطي لأنّه ينطوي على أرسطو-ميكيافليي، إضافة إلى الفكرة الميتافيزيقية السائدة في جنوب البحر المتوسط و شرقه. مهما فعل المثقف فإنه يبقى حاضرا، أنا أرى أنّ من يتهمه بالغياب أو التغييب أو عدم الحضور، فإنّه يحاول الغرف من مياه البحر الأبيض المتوسّط بواسطة غرباله الذهبي، و مع هذا أتمنى له كلّ التوفيق مع أنني أنصحه بأن يستبدل الغربال بالوعاء، و ما أجمل الأوعية الثقافية المتوسطية بدليل أنّ الكثير من الشعوب تقتدي بمظاهرها دون اعتراف بها، كما هو عليه حال البيت الأبيض الأميركي الذي تشبّه بـ: معبد دلفي اليوناني العريق.
السيّد: مــــزوار محمد سعيد
#الجزائر
#مزوار_محمد_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قشور الفول و زهور الحكمة
-
صقيع التعصب و نفاق الحب
-
ما لم يعلم
-
صاحب الرداء الأسود
-
القيصر
-
سمعتُ أنين قيصر آخيا من الجزائر
-
-عالمية الفكرة- عند مالك بن نبي - الثقافة نموذجا-
-
مَتْنُ الصدّيق الفلسفي (دراسة حول -الظاهرة القرآنية-)
-
ضمير تساليا الجزائرية
-
سيارة الإسعاف و الهواري سائقا
-
أسيادهم على مرّ الزمن
-
يوجد موطن الإنسان أينما توجد راحته
-
فلسفة اللآلئ المتوسطية (المدينة: المكونات الفكرية)
-
لا بديل عن الإنسان
-
الجزيرة
-
هناك أكثر من طريقة لسلخ القطة
-
الزلال و الزلزال
-
نَكتة مزمحيداس
-
الفلسفات في العصر الوسيط -العرب و الغرب- دراسة تحليلية نقدية
-
فَلْسَفَة المُسْلِمِينْ الأَوَائِلْ
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|