أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المنصوري - النصرانية في أرض العرب















المزيد.....


النصرانية في أرض العرب


سامي المنصوري

الحوار المتمدن-العدد: 4349 - 2014 / 1 / 29 - 23:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


النصرانية في أرض العرب

النصرانية في أرض العرب


هذه المقالات ليس من تأليفي وانما مقتضبات واقتباسات و ملخصات واستنتاجات من بطون الكتب والمقالات والنشرات والابحاث من مصادرها كيفما وردت لكتاب وباحثين أجانب ومستشرقين وعرب منهم المسلم او المسيحي او لا ديني والعلماني وغيرهم بهذه الصوره جمع مقال عام شامل بصوره حياديه ومعتدله -
انا لا اعتمد للمراجع البحثيه على الكتاب العقائديين و المتطرفين في الاديان والمذاهب والملل لان الشيعي متعصب والوهابي متعصب والمسيحي الارثوذوكسي متعصب الخ الخ والغرض من المقال ليس اظهار عيوب الديانات بل اظهار وجهات النظر المختلفه كلن حسب معتقده دون تدخل مني و لمقارنة الاديان مع بعضها البعض ومع الحضارات السابقه والاساطير والحكايات في قديم الزمان - لتوضح معنى الديانات واصولها تجريدا من تدخل الخالق الاله الله ولتؤكد ان الاديان بشريه الصناعه بالصوره والصوت والمنطق لا غير - أنا باحث في التاريخ و الاديان و الكائنات الفضايه
اذا كنت ديني عقائدي متطرف الفكر لا تقرأ المقال لأنه عكس هواك


دخلت النصرانية إلى اليمن مع القرن الثالث الميلادي. وينقل لنا الاخباريون أن حامل الإنجيل إلى نجران كان سورياً اسمه "فيميون"
ابن هشام في السيرة 1 : 32، وذكرت في الروض الأنف بالاسم "نيمئون"، وذكرت في تاريخ الملوك للطبري بالاسم: "فيمئون"

وتكلم ابن هشام في سيرته عن عبد الله بن التامر وأنه:
"كان يسمع من فيميون حتى أسلم ووحد الله، وعبده، وجعل يسأل عن شرائع الاسلام"

وسؤال جانبي يطرق أذهاننا في هدوء، وهو سؤال مشروع على كل حال: كيف يسأل المرء عن شرائع الإسلام في القرن الثالث الميلادي وقبل شريعة الإسلام؟
يكفينا أنها دليل صريح على أسلمة كل ما هو لا يمت للإسلام. ولا نقول سوى رويدك يابن هشام فهذه لا يصلح معها إسلام الوجه لله! وهذه إكتشفناها من فجاجتها، فما حال ما لم نكتشفه؟

"فجعل عبد الله بن التامر يدعو الى دين الله، واستجمع اهل نجران على دين عبدالله بن التامر. وكان على ما جاء به عيسى، ابن مريم، من الانجيل والحكمة"
سيرة ابن هشام 1 : 35،36


ونرى إشارة لتجمعات النصارى واليهود في يثرب من رثاء حسّان بن ثابت:
"فرحت نصارى يثرب ويهودها *** لما توارى في الضريح الـمُلحد"
ديوان حسان بن ثابت

ويذكر الفيروزبادي في مؤلفه: "تاج العروس" موضعاً في مكة يعرف "بموقف النصارى"،
بينما يشرح الازرقي في آثار مكة الطريق إلى "مقبرة النصارى":
"مقبرة النصارى دبر المقلع على طريق بئر عنبسه بذي طوى." (المقلع: جبل بأسفل مكه على يمين الخارج الى المدينة)
آخبار مكة وما جاء فيها من آثار للازرقي 1 : 50

ويذكر الاخباريون أن بني عبد المدان بن الديان الحارثي أقاموا: "كعبة نجران" مضاهاة لكعبة مكة. وكعبة نجران كانت نصرانية لان سدنتها أساقفة ورهبان.
معجم البلدان لياقوت الحموي 8 : 262، ود. جوّاد علي في تاريخ العرب قبل الإسلام 5 : 175


ويقول بن سعيد المغربي في مؤلفه: "ملوك العرب قبل الإسلام"، أن سادس أبناء جرهم كان اسمه "عبد المسيح بن ثقيلة"، وهو اسم نصراني نستدل منه على إعتناق أباه للنصرانية:

"وكان جرهم أخا يعرب بن قحطان‏.‏ فملك يعرب اليمن وملك أخوه جرهم الحجاز، ثم ملك بعد جرهم ابنه عبد يا ليل بن جرهم ثم ابنه جرشم بن عبد يا ليل ثم ابنه عبد المدان بن جرشم ثم ابنه ثقيلة بن عبد المدان ثم ابنه عبد المسيح بن ثقيلة ثم ابنه مضاض بن عبد المسيح ثم ابنه عمرو بن مضاض ثم أخوه الحارث بن مضاض ثم ابنه عمرو بن الحارث ثم أخوه بشر بن الحارث ثم مضاض بن عمرو بن مضاض. وجرهم المذكورون هم الذين اتصل بهم إِسماعيل عليه السلام وتزوج منهم‏.‏"


أما ابن الاثير وابن خلدون فقالا أن سادس ملوك جرهم في مكة يدعى "عبد المسيح بن باقيه بن جرهم"، وتنقل اخبارهم انه على زمن آل جرهم تولى الكعبه كـ"أسقف" عليها. وفي كل الأحوال يتعين من ذلك ان النصرانيه غلبت في مكة قبل بني الازد وتغلّب بني خزاعة على ولاية البيت العتيق.


ويؤكد عليهم أبي الفرج في أنّ سادس ملوك جرهم كان اسمه "عبد المسيح بن باقية"، وكان سدانة البيت العتيق (أي الأسقف عليه)، مما يفهم منه أن البيت العتيق (الكعبة) كان بيت عبادة للفرق النصرانية على زمان بني جرهم.
كتاب الاغاني لأبي الفرج الأصبهاني 13 : 109

ويؤيد ذلك ما رواه الازرقي، أن أهل مكة لما جددوا بناء الكعبة، قبل مبعث محمد بخمس سنوات، رسموا على جدرانها صور الملائكة، والأنبياء، مع صور المسيح وامه. وعند فتح مكّة، أمر نبيّ الإسلام بمحو جميع الصور ما خلا صورة المسيح وامه.

"جُعلت في دعائها صور الانبياء وصور الشجر وصور الملائكة. فكان فيها صورة ابراهيم خليل الله يستقسم بالازلام، وصورة عيسى ابن مريم وامه، وصور الملائكة عليهم السلام أجمعين"
"وأمر بطمس تلك الصور فطمست، ووضع كفيه على صورة عيسى ابن مريم وامه عليهما السلام وقال: "امحوا جميع الصور الا ما تحت يدي". فرفع يديه عن صورة عيسى ابن مريم وامه"
أخبار مكّة وما جاء فيها من آثار للأزرقي 1 : 104


"وحين دخل مكة فاتحاً سنة عشرة من الهجرة, ووجد صور من الأنبياء والملائكة والشجر, أمر بعض أصحابه بمحو هذه الصور إلا صورة واحدة وضع يده عليها, فلما رفع يده إذا هى صورة عيسى وأمه مريم, وقد بقيت هذه الصورة على أحد أعمدة الكعبة قبل أن يزيلها التجديد
وقد سئل عطاء بن رباح: "هل رأيت صورة مريم وعيسى؟ قال: "نعم، أدركت تمثال مريم مزوقاً، في حجرها عيسى قاعد, وكان فى الكعبة ستة أعمدة, وكان تمثال عيسى ومريم فى العمود الذى يلى الباب" "
أ.د. أحمد الطيّب - مقال بعنوان: "الإسلام والأديان" - جريدة الأهرام بتاريخ الإثنين 1 يناير 2007


ولا ندهش بعد ذلك من كلام المؤرخ "كروزيل" وهو يقول أن بناء الكعبة على الطراز الحبشي في سنة 608م وعن وجود الصور النصرانية في باطنها، وقيام معماري حبشي ببنائها:

"بحسب السيرة النبوية كان من روم الشام، وقد أمروه: ابنها لنا ببناء أهل الشام"
"وقد كانت الكعبة على عهد محمد ودعوته كنيسة مسيحية للنصارى من بني اسرائيل، فيها الحجر الاسود رمز المسيح إلى جوار صورة مريم العذراء تحتضن السيد المسيح على عادة المسيحين الشرقيين في كنائسهم"
عباس محمود العقاد – العبقريات الإسلامية – دار الأدب، بيروت ص50، وهو ينقل عن "المجلة التاريخية المصرية"، عدد أكتوبر 1949 والتي تنقل بدورها كلام المؤرخ "كروزيل"

"جاء رجل من الروم أو من الاقباط، اسمه باقوم أو باخوميوس، وراح يعمل فيها ويسقفها وينجر ابواب لها"
لامنس، النصارى في مكّة ، طبعة 1937، ج 34 ص 267

ويتكلم ابو موسى الحريري - بكل خبثٍ - عن "آثارات الكعبة" وعن تشابهها مع "بيوت العماد" فيقول:


" آثارات الكعبة:

تشبه الاثارات التي وجدت في الكعبة عن ابراهيم الخليل، والملائكة، والمسيح في حضن امه مريم الاثارات
النصرانية الكثيرة الموجودة في "بيوت العماد" في الناصرة وبيت لحم واورشليم وبللاّ وبترا، ويشهد Arculfe الذي زار الاراضي المقدسة سنة 670 على ان هذه الأمكنة جميعها كانت تشبه بعضها بعضاً، معظمها على اسماء أحد الانبياء الذين لهم علاقة بـ"العبور"، عبور الاردن، او الصحراء، أو البحر. مثل إيليا، وموسى، وابراهيم. وهل كعبة مكة، مع ما فيها من الركن الابراهيمي والاثارات النصرانية، على علاقة ببيوت العماد؟!"
أبو موسى الحريري - قس ونبي - ص 147

أخيراً فقد ذكر اليعقوبي في تاريخه دخول قومٍ من قريش للنصرانية، وخص بها بني أسد، وهي شهادة غالية على إجتياح النصرانية لقبيلة نبيّ الإسلام.

"وأما من تنصر من أحياء العرب فقوم من قريش من بنى أسد بن عبد العزى"
تاريخ اليعقوبي 1: 298 - 257

وبالطبع فكتب السيرة تمتلئ بذكر القساوسة والرهبان الذين قابلوا الرسول أمثال القس ابن ساعدة، والراهب بحيرة والراهب عدّاس النينوي والراهب عيصا وراهب عكاظ الذي ذهب إليه الجد "عبد المطّلب" للشفاء من الرمد. مما يعطينا صورة جيّدة عن مدى إنتشار النصارى والنصرانية في بلاد العرب في أواخر العصر الجاهلي وبداية ظهور الإسلام.


البدعة الأبيونية والتعريف بها في تاريخ البدع المسيحية



الأبيونيين هم جماعة من أصول يهودية خرجت من أورشليم قبل هجوم تيطس القائد الرومانى الذى دمر الهيكل سنة 70م، وعرفوا وقتها باليهود المتنصرين Judea-christian، وهي فرقة حاولت تطبيق المادية اليهودية الجافة على الديانة المسيحية ذات الطابع الفلسفي، فأحدثت نوعاً خليطاً في معتقد لا هو باليهودي لإيمانهم بقدوم المسيح، ولا هو بالمسيحي لإختلافه الحاد والجذري على أيه عقيدة مسيحية (سنتعرض لهذا بالتفصيل في توضيح إختلافهم مع المعتقد المسيحي وتطابقهم مع المعتقد الإسلامي)

وقد قال القديس أيرنموس في رسالة له إلى القديس أوغسطينوس (112 : 13):
"ماذا أقول عن الأبيونيين الذين يدعون أنهم مسيحيون؟ إنهم أرادوا ان يكونوا يهوداً ومسيحيين فى وقت واحد وما إستطاعوا أن يكونوا يهوداً أو مسيحيين"
يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة - الجزء الثالث - الفصل 27

ولأبيفانيوس أسقف قبرص (310م- 403م) عبارة مماثلة يتحدث فيها عن الأبيونيين فيقول:
"إنهم ليسوا مسيحيين ولا يهود ولا وثنيين، إنهم يقفون فى منتصف الطريق فليسوا هم شيئاً"
Sceberg (r.) History of doctrines, vol.I

كان الإعتقاد السائد بين الباحثين أن اسم الأبيونيين قد جاء كإشتقاق من المؤسس: "أبيون" (عاش في القرن المسيحي الأوّل ونادى بتعاليم هرطوقية)، لكن العودة لتعامل المعاصرين لهم تشير بأن الإشتقاق كان من الصفة العبرية: "أبيون" وتعني "فقير" / "مسكين"، وليس الاسم العبري للمؤسس.

وإختلفت الأقوال في أوّل من أطلق عليهم هذا الاسم، فهناك من يقول أن الأبيونيين أنفسهم هم الذين إشتقوا التسمية من قول المسيح: "طوبى للمساكين بالروح" (متى 5 : 3)،
بينما التاريخ المدوّن يشير أنّ المسيحيين في الكنيسة الأولى هم الذين أطلقوا عليهم هذا الاسم كنوع من التحقير لهم على أنهم: "فقراء الفكر" / "مساكين الإيمان"

فها نحن نرى العلامة "أوريجانوس" يقول عنهم صراحة:
"أنهم مساكين، وقد إشتق إسمهم من فقر أفكارهم لأن أبيون تطلق فى اللغة العبرانية على الفقير"

ويؤكد كلامه "يوسابيوس القيصري" في كتابه "تاريخ الكنيسة" في عدّة فقرات:

"أن المسيحيين الأولين أطلقوا على الأبيونيين هذا الإسم المناسب لأنهم كانوا يعتقدون فى المسيح معتقدات فقيرة وحقيرة ووضعية "
"ولهذا أطلق عليهم إسم أبيونيين الذي يعبر عن فقرهم في التفكير, لأن هذا هو الاسم الذى يطلق على الرجل الفقير بين العبرانيين"
يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة - الجزء الثالث - الفصل 27 - صفحات 155، 156.


والأبيونية كهرطقة وإن ظهرت في القرن المسيحي الأوّل، إلا أنها لم تصبح مذهباً له أتباع ومراسيم دينية إلا فى أيام حكم الإمبراطور "تراجان" (52 - 117م)
Lightfoot ( j.b.) Bissertations on apostolic Age London, 1822. P78

"وأصبح الأبيونيين جماعة كبيرة العدد إنتشروا أصلاً فى منطقة بيلا بل وفى فلسطين والأقطار المجاورة وإمتدوا أيضاً إلى روما وإلى جميع مراكز الشتات"
اللاهوت المقارن - الأنبا إغريغوريوس - طبعة الكلية الإكليريكية ص 33

وقد نسب المؤرخ الشهير اليعقوبى اليهودية إلى غسان فى الوقت الذى أكد جميع المؤرخين أن غسان أصبحت
نصرانية تماماً، لذا فأقرب الإستنتاجات لحقيقة الأمر أنها كانت على معتقد هؤلاء الـ Judea-christian (الأبيونيين)

وقد تكلّم عنهم القديس أيرنيموس (342م – 420م) بإعتبارهم: "شيعة أو فئة قائمة فى أيامه"،
Fisher ( G.P.), History of Christian Doctrine, 1949

"ودخل فى شيعتهم رهبان قمران بعد خراب هيكل أورشليم، فهاجروا إلى الحجاز وإنتمى بعضهم إلى القبائل العربية"
أبو موسى الحريري - قس ونبي - ص 21

المعتقدات الأبيونية ومدى إختلافها عن المسيحية وتطابقها مع الإسلام


أقدم مرجع على الإطلاق عن الشيعة الأبيونية والتعريف بمعتقداتها هو ما كتابات القديس يوستينوس الشهيد 110م – 165م الذى ذكرهم وتكلم عن مبادئهم وفروضهم وقال:

"أنهم مدارس فكرية ظهرت فى الكنيسة, وانهم جماعات مختلفة, منهم من كان أكثر تشدداً من غيره، والمتزمتون منهم يحفظون السبت اليهودى والناموس الموسوى حفظاً حرفياً, وينادون بأن الختان ضرورى للخلاص, وأن الناموس القديم فرض على جميع المسيحيين ويجب عليهم أن يتبعونه إتباعاً تاماً. لذلك نظروا إلى المؤمنين من الأمم الذين رفضوا الخضوع للناموس القديم على أنهم نجسون"

"الأبيونيين هم فئة يهودية تنصرت، أى آمنوا بالمسيح ولكن عقيدتهم فى المسيح عقيدة هزيلة, فرأوا فى المسيح نبياً عظيماً من الأنبياء لا يعترفون ببنوته أو ألوهيته بل يقولون أنه رجل كسائر الرجال جاءه الوحى بعد معموديته على يد يوحنا المعمدان. أو بالحرى أن المسيح المبدأ الأزلى دخل يسوع وقت عماده وفارقه وقت إستشهاده. تقوم رسالته على التعليم والتبشير دون الفداء والخلاص"
J. Danielou, Theologie du Judeo-christianisme, Pg. 76


ويتحدث يوسابيوس القيصري في تاريخ الكنيسة عن الجماعة الأبيونية الأولى، ورفضهم إعتبار المسيح: "كلمة الله"، وإنكارهم لميلاد المسيح العذري.

"أنكروا لاهوت السيد المسيح ولم يعترفوا بوجوده الإلهى قبل التجسد , ورفضوا أن يعتبروه اللوغوس أو كلمة
الإله وحكمته. والأدهى من ذلك أنهم أنكروا ميلاده من عذراء, وإعتبروه إنساناً عادياً كسائر البشر ولد من أب هو يوسف ومن أم هى مريم"
يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة - الجزء الثالث - فصل 27 - ص 155


ويستمر موضحاً كيف حاولوا ترجمة نسخة عبرانية من الإنجيل ورد بها نبوءة أشعياء عن العذراء، ويتهمهم بالتحريف وأنهم ترجموها: "هوّذا الفتاة تحبل" لتتوافق مع معتقدهم أن المسيح انسان عادى ولد من أب وأم عاديين:

" أن الأبيونيين تبعوا ثيودسيوس الأفسسى واكويلا البنطى وهما يهوديان الأصل آمنا بالمسيح, وكعادة الأبيونيين فى التحريف فعندما قاموا بترجمة كلمات أشعياء النبى: "هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعوا إسمه عمانوئيل" (أشعياء 7 : 14) غيروا كلمة العذراء إلى كلمة الفتاة، وكلمة عذراء فى الترجمة السبعينية للكلمة باللغة العبرانية، زاعمين أن السيد المسيح ولد من يوسف ومريم"
يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة - الجزء الثالث - فصل 27 - ص 155

ثم يستمر يوسابيوس القيصري شارحاً أنهم ينظرون للمسيح كنبي ورسول مع تزمّتهم بالنص اليهودي ومحاولتهم لتطبيق الشرائع والنظم اليهودية:

"إعتبروا السيد المسيح إنساناً عاديا قد تبرر وكان ثمرة لإجتماع رجل معين مع مريم وأن الإحتفاظ بالناموس الموسوى ضرورى جداً , على أساس أنهم لا يستطيعون أن يخلصوا بالإيمان بالمسيح فقط وبحياة مماثلة إلا إذا حافظوا على السبت وسائر نظم اليهود"
يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة - الجزء الثالث - فصل 27 - ص 156


أما العلامة "أوريجانوس" فكان أكثر دقّة،
فنراه يتكلم عن طائفتين من الأبيونيين ويوضح أن إحدى الطائفتين تنكر الحمل العذراوي بالمسيح, بينما تؤيد ذلك الطائفة الأخرى، وإتخذت تلك الطائفة الأخيرة لقب: "الناصريون" لأنهم ناصروا المسيح ونصروه في ميلاده العذري، (أعتقد من هنا جاء الأصل في مسمى "النصارى" الذي استخدمه القرآن، وتدعم ذلك كتب التفسير)،
وذكر أنهم يتحدثون الآرامية, وأن لهم كان لهم إنجيلهم الخاص بهم الذي يدّعون أنه النسخة الحقيقية لإنجيل متى بينما الموجود مع المسيحيين أناجيل محرّفة.
موسوعة آباء الكنيسة - المجلد الأول - الهرطقات النابعة من اليهودية - أولاً: الأبيونيون والناصريون

كما ذكرهم مرّة أخرى في كتابه الأشهر: "الرد على كلسس" ووضّح أن منهم من يؤمن بولادة المسيح من عذراء:

"هناك قوم يؤمنون بيسوع ويفتخرون لذلك بكونهم مسيحيين، لكنهم يشائون أن يسلكوا فى حياتهم طبقاً للناموس القديم كما يفعل اليهود, هؤلاء طائفة الأبيونين بقسميها, وهم إما يقرون معنا بأن يسوع ولد من عذراء, أو ينكرون هذا ويعتقدون أنه ولد كما يولد أى كائن بشرى آخر "

ويخبرنا إيريانوس عن أشياء مثيرة،
فهم يرفضون أن المسيح خضع للموت والألم (قضيّة الصلب)، ولطالما لم يخضع للموت فأين هو الآن؟ لا محالة أنهم يؤمنون بأنه: "رفع". هم يرفضون أيضاً قضيّة الفداء بمجملها. لكنهم يؤمنون بمعجزات المسيح، كما أنهم يؤمنون بعودته آخر الأيام ليحكم لمدة ألف عام:

"ورفض الأبيونيين الإعتقاد بأن المسيح خضع للموت أو للألم، ورفضوا قضية الفداء وإكتفوا بتعاليمه ومبادئة ومعجزاته. وإعتقدوا فى مجيئة الثانى فى مجد ملكي، وأنه يعد لنفسه ولأتباعه، ولا سيما من أتقياء اليهود، ملكاً ألفياً فيه المجد والسعادة, وهذا التعليم بالملك الألفى فيما يقولون مستقى من كتب العهد القديم"
إيريناوس - الرد على الهرطقات - كتاب 1، فصل 26، فقرة 2

ويكرر يوسابيوس ما قاله العلامة أوريجانوس عن إيمانهم بإنجيل واحد فقط:
" ثم أنهم إستعملوا إنجيلاً واحداً فقط، ما يدعى أنجيل العبرانيين, ولم يبالوا كثيراً بالأسفار الأخرى "
يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة – الجزء الثالث - فصل 27، ص 156

والصياغة التي إستخدمها ابو موسى الحريري تعيدنا للتحريف الذي اتهمهم به يوسابيوس القيصري، لكنه وثّق هذا الرأي بشهادة أبيفانوس على تزييفه بالكامل:

" يقبل الأبيونيين إنجيل متى وحده ويسمونه: "الإنجيل بحسب العبرانيين"، وهو نفسه إنجيل متى الآرامى ولكنه ناقص ومحرف ومزيف كما يشهد أبيفانوس"
Epiphane, Panarion XXIX, 3 et 13

ويعدد أبو موسى الحريرى فروضهم فيقول:
"تتركز على الإغتسال الدائم بالماء للوضوء والتطهير, وعلى تحريم الذبائح، ويشددون على أعمال البر والإهتمام باليتامى والعناية بالفقراء والمساكين وأبناء السبيل ويوصون بإعالة المحتاجين وإطعام الجياع وإضافة الغرباء. وإسمهم يدل على ذلك فهو يشتق من قول المسيح "طوبى للفقراء" وبلغتهم الأبيونية: طوبى للأبيونيين"
أبو موسى الحريري - قس ونبي - ص21

والتصوّر العام لطائفة تؤمن بالتزمّت الحرفي، يجعلنا نعود لذلك الصراع القديم بين الحرف وفلسفة الروح (الصراع بين عبدة النصوص والفلاسفة)، ونستنتج حدوث تصادم مع الرسول بولس فيلسوف المسيحية خاصة أن العهد الجديد في الكتاب المقدّس يذكر أنه قاوم بدعة "التهوّد" التي تعتبر ركيزة أساسية في المعتقد الأبيوني.

ويؤكد يوسابيوس القيصري ذلك، مشدداً على تكفيرهم للرسول بولس وإعلانهم أنه: "مرتد":
"أنهم ظنوا من الضرورى رفض كل رسائل بولس الرسول الذى قالوا عنه
يتكلم العلامة أوريجانوس عن ذلك فيقول لافتاً نظرنا لعدم إيمانهم بصلب المسيح:
هناك من الفرق الهرطقية من لا يقبلون رسائل بولس الرسول مثل فرقتى الأبيونيين. ولا يعدون الرسول قديساً أو حكيماً, ولا يقرون عباراته القائلة : العالم صلب لى, وأنا للعالم "
العلامة أوريجانوس - الرد على كلسس - كتاب 5، فصل 65

بأنه مرتد عن الناموس"
يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة – الجزء الثالث - فصل 27، ص 156

"إتهموه بإتهامات مرة وقاسية, ووصفوه بأنه متمرد ومارق عن الناموس, وأنكروا سلطانه ورفضوا رسائله, وإكتفوا بإستعمال النص العبرانى إنجيل متى (محرفاً) ولا يعيروا الأناجيل الأخرى أهمية تذكر"
علم اللاهوت المقارن - الأنبا إغريغوريوس أسقف الدراسات اللاهوتية والبحث العلمي - طبعة الكلية الإكليريكية - ص34



خلاصة المعتقد الأبيوني:


التزمت النصّي والحفظ الحرفي بأكثر من الفهم لروح النص (عبادة النصوص)، والتمسّك بالشريعة القديمة والعودة للجذور والتاريخ الذي مضى (الأصولية)، والنظر لمن لا يقيم الشريعة على أنهم نجسون (التكفير الديني للآخر)، ويرفضون لاهوت المسيح. فالمسيح عندهم رجل صالح ذو مبادئ وتعاليم (نبيّ ورسول) ، ويؤمنون بالمعجزات التي تمت على يديه (بإذن من الله بالطبع، فهو بشر لا يملك من نفسه شيئاً إلا بإذن الله)، ويرفضون تعرّض المسيح للموت والألم (يرفضون الصلب ويعتقدون بأنه رفع) بل ويرفضون قضيّة الفداء بمجملها. كما أنهم يؤمنون أن المسيح سيعود آخر الأيام ليحكم لمدة ألف عام (ولم يقولوا أنه سيكسر الصليب والخنزير!) يعتقدون بإنجيل واحد مختلف عن أناجيل المسيحية المرفوضة لديهم (لا ريب إنهم يرون الأناجيل المسيحية محرّفة إذن!) طقوسهم بها التطهير بالماء (الوضوء) ويشددون على أعمال البر والصدقات وإطعام الجياع واليتامى والفقراء وأبناء السبيل وإضافة الغرباء. يجمعهم عداء شديد مع "بولس الرسول" وينظرون له على أنه: مرتد.

ذلك كان بعض ما وصل إلينا عن عقيدة الأبيونيين، والمختلفة عن العقيدة المسيحية، والمتطابقة مع الإسلام. ونرى هذه الجزء وإلى هذا الحد، كافياً للرد على ما ورد في "كتّاب إيلاف"

والسؤال الذي نطرحه الآن على القارئ، هل يمكن يصدّق عاقل أن كل هذا الكم من المتطابقات هو محض مصادفات معقدة متكررة؟
أم أنّك لست من الذين يؤمنون بكثرة المتصادفات حتى هذا الحد دون إستقراء الفحوى؟

لا تحكم الآن عزيزي القارئ فلم ننته بعد، بل تواً بدأنا..
سنأخذ إستراحة قصيرة ومن بعدها سنعود لننقب في أكفان السيرة عن أموات الثرى ونوقظ الكلمات الميّتة المختنقة في الحناجر لعلها تعود من القبر صارخة قائلة أن مع إحكام الدفن لم تمت الحقائق



#سامي_المنصوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن يسوع الناصري
- المسيح في الكتب
- المسجد الأقصى
- عندما سرق الحجر الأسود
- كورش في تراث ألاديان
- التراث اليهوديّ
- الصعاليك في شبه جزيرة العرب
- قصة الخليقة والبعث والقيامه
- أسطورة خلق أدم و الجنه
- أسطورة شعب الله المختار - أصل التوحيد الإبراهيمي
- الاساطير في الاديان
- تأثيرات زرادشتية ( فارسية) في - الاديان – 4
- تأثيرات زرادشتية ( فارسية) في - الاديان - 3
- تأثيرات زرادشتيه في الا ديان – 2 -
- تأثيرات زرادشتية ( فارسية) في - الاديان - 1 -
- أساطير صينية ايضاً موجودة في القرآن
- اساطير سرجون السومري و موسى 2
- ألتناقض بين بولس و المسيح - 3 -
- ألتناقض بين بولس و المسيح - 2 -
- ألتناقض بين بولس و المسيح - 1 -


المزيد.....




- استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
- 82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المنصوري - النصرانية في أرض العرب