|
سوريا ساحة صراع الكل مع الكل
علاء الدين الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 4349 - 2014 / 1 / 29 - 17:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحولت أمنية الغالبية السورية بدولة ديمقراطية حرة مستقلة مستقرة إلى ساحة صراع هو الأبشع بين كل من هب ودب في هذا السوق العالمي المتحلل من أي قانون أو مبدأ أخلاقي. صراع قائم على التجارة بمصير وطن كامل وضعه حظه العاثر من خلال نظام ديكتاتوري مخابراتي دموي وقيادات معارضة تائهة على طاولة البازار العالمي ليكون المادة الأنسب للمقايضات الكبرى في الصراع الدولي. انتشر خبران خلال الأيام الماضية شكلا كالعادة وبسبب الإعلام مادة إعلامية جذابة وشعبوية بما طرحاه من إثارة ومن أوهام. الأول كان "الحوار الساخن" الذي سماه البعض "الصدامي" بين وزيري خارجية تركيا وإيران على الموضوع السوري، عندما قال الإيراني أنه في سوريا لحماية المقدسات الشيعية ورد التركي بأن السنة أيضا سيحمون المقدسات. وطبعا اجتاحت الساحة السورية التهليلات بفتح الله على يدي أو بالأصح كلمات الوزير التركي. الحقيقة الأساسية في العلاقات الدولية أن ظاهر التصريحات السياسية لا يشير ولا يدل دائما على حقيقة العلاقات بين الدول. بل الأرقام هي الفيصل في معرفة طبيعة هذا العلاقات وامكانيات تطورها أو تدهورها. إيران خلال السنوات الماضية كانت الشريك التجاري السادس أو السابع لتركيا. وتراوحت قيمة التبادلات التجارية بين البلدين خلال السنوات الأربعة الماضية بين 7 و8 بلايين دولار. والأهم بالنسبة لتركيا كبلد يخلو تقريبا من مصادر الطاقة الأحفورية، وبالنسبة لإيران التي تعاني من حصار اقتصادي، أن 50% مما تستورده تركيا من النفط وحوالي 30% من الغاز الطبيعي يأتي من إيران. مع وجود عدة مشاريع موقعة بين البلدين لبناء خطوط نقل غاز طبيعي جديدة. إذا فنحن هنا أمام شراكة تجارية استراتيجية تتزايد باطراد بين بلدين لا يسوقهما مراهقو سياسة مزاجيون، هذه الشراكة والمصالح المقدرة ببلايين الدولارات لن تسمح لهذه المسرحيات الإعلامية في دافوس أن تهدد جريان الأموال بين البلدين كرمى لمقدس شيعي أو سني. الخبر الثاني، كان ما تناقلته وسائل الإعلام عن "أن الكونغرس الأمريكي قرر تسليح المقاتلين السوريين المعارضين للنظام في جنوب سوريا إن كانوا غير متشددين إسلامويا". وأيضا هنا تعالت صيحات التهليل والتكبير الساذجة. مصدر الخبر هو وكالة رويترز التي علقت الخبر على رسميين أمنيين من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية دون أسماء، بينما رفضت كل المصادر الرسمية الأمريكية بالإدارة والكونغرس التعليق على صحة الخبر. وحتى بفرض صحته، فالتسريب الغير موثّق يقول ما يشبه النكتة "للمقاتلين الغير متشددين اسلامويا بجنوب سوريا وبأسلحة خفيفة لا تشمل صواريخ محمولة على الكتف". الأهم في الدلالة على عبثية هذا الخبر والتهليل الغريب له، هو أن الرئيس الأمريكي في خطابه الأهم السنوي State of the -union- ركز بتسعين بالمئة بكلامه على السياسة الداخلية الأمريكية ومشاكله المستمرة مع الأغلبية الجمهورية المتعلقة بقوانين الضمان الإجتماعي والضرائب والعدالة الإقتصادية. وبهذا المجال كان خطابه واضحا وحازما بأنه سيستخدم كامل سلطاته الدستورية لتمرير كل القوانين اللازمة لتحسين -حسب رأيه- حالة المجتمع الأمريكي بدون الرجوع للكونغرس الأمريكي. وهنا أتى الرد الغير عادي عبر ثلاث متكلمين من معارضيه -فتقليديا يقوم ممثل واحد لمعارضي الرئيس الأمريكي بالكونغرس بالرد على خطاب الرئيس- الذين أصروا على منع أوباما من المضيّ بسياساته الاقتصادية والاجتماعية في أمريكا. بالنسبة للسياسة الخارجية، فالموضوع الأهم كان بالنسبة لأوباما هو الملف الإيراني حيث أيضا قال باختصار وحزم، أنه سيستخدم حقه بالفيتو على أي قرار أو تحرك للكونغرس ضد إيران خارج منهجه الديبلوماسي والسياسي مع إيران لأنه مقتنع بضرورة منح الديبلوماسية نصيبها مع شرط التحقق من الفعل الإيراني الملتزم بالنتائج. أما بالنسبة لسوريا، فقد كانت الإشارة سريعة وضبابية في معسول الكلام السياسي حول الاستقرار وخطورة السلاح الكيماوي السوري وضرورة المضي بخطة تجريد سوريا من السلاح الكيماوي. ولم يشر لا من قريب ولا بعيد لإشاعات "التسليح الأمريكي" ولا لصدامه مع بعض السيناتورات الأمريكيين حول سوريا. بل بنى موقفه على غالبية أمريكية -وفق استطلاعات الرأي- التي تريد تجنب التورط العسكري بسوريا وتؤيد سياسته في استيعاب السلاح الكيميائي في سوريا. هذا الرأي العام الأمريكي مبنيّ على ما قدمه الإعلام الغربي والعربي حول سوريا خلال السنة الأخيرة بأنها مجرد مساحة جغرافية يتقاتل فيها ديكتاتور متسلط مع مليشيات قاعدية إرهابية بشكل وحشي وفوضوي. صورة ساهم بها حتى بعض المعارضة السورية وكل الإعلام العربي المؤيد أو المعارض للنظام السوري. سوريا الآن هي ورقة لعب بيد كل المتصارعين على موائد القمار الدولية والإقليمية. كل اللاعبين يعلنون عشقهم وحزنهم على سوريا وتضامنهم مع الشعب السوري، وكلهم يتكلمون ويتكلمون لكن أفعالهم وأموالهم تسير مباشرة على خط مصالحهم التي لا ترى بسوريا سوى مادة مناسبة لهزيمة الأعداء وتمرير الصفقات. 29/01/2014
المراجع: بيانات البنك الدولي الاتحاد الأوروبي - المكتب التجاري http://atlas.media.mit.edu/country/tur/ http://www.bbc.co.uk/news/world-us-canada-25917009
#علاء_الدين_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا الأقليات؟
-
البيان النهائي لجنيف 2
-
سوريا الضحية الأولى للحرب العالمية الرابعة
-
بيان مؤتمر الشعب السوري الذي لم ينعقد
-
يجب أن تحضر إيران جنيف2
-
ماذا قرر السوق الدولي حول سورية؟
-
تساقط النخبة العربية، من العظم إلى الفيس بوك
-
عقد الغاز السوري الروسي بين الحقيقة والخيال
-
شمشون الجبار لا يريد هدم المعبد، فقط هدم حلب
-
التهدئة في وسط آسيا مقابل إشعال سورية
-
سوريا، بضاعة طوائف وممانعة وثورة
-
نصف الحقيقة هو كذب يا سيد نصر الله
-
من الفرات للنيل، من الشريان للوريد
-
إيران وأمريكا والسعودية، الكوميديا السوداء
-
نصر الله بعاشوراء- باع الحسين واشترى خامنئي
-
النظام السوري إلى أين؟
-
جنيف2 للوصول لحل أم لتطبيع الواقع؟
-
الكلمة الممنوعة في جنيف2
-
الخليفة والمهدي المنتظر، ما الفرق؟
-
سورية على طاولة القمار الدولية، إلى أين؟
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|