|
العدالة الانتقالية وآليات تطبيقها
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4348 - 2014 / 1 / 28 - 22:10
المحور:
الادب والفن
نظّمت مؤسسة الحوار بلندن أمسية ثقافية للأستاذ غانم جواد انضوت تحت عنوان "العدالة الانتقالية" وقد ساهم في تقديمه الكاتب صلاح التكمجي. استهل غانم محاضرته بالقول إن العدالة الانتقالية هي مفهوم حديث ومركّب من عدة علوم قانونية وسياسية واجتماعية متداخلة مع بعضها البعض. والانتقال هو تعبير عن عامل الوقت الذي يقترن غالباً بمدة زمنية قصيرة كي تُطبّق فيها العدالة الانتقالية. أشار غانم إلى أن أهم مرتكزات هذا المفهوم هو تثبيت أركان العدالة في مختلف أنحاء العالم وفي مجتمعات متباينة وظروف سياسية مختلفة. وتجارب الشعوب هي التي أحيت هذا المفهوم وجعلته واحداً من أهم الوصفات العلاجية لمرحلة الانتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية وغالبا ما تسعى الأمم المتحدة إلى تقديم هذه الآليات حال سقوط أنظمة دكتاتورية، وأول مشروع يقدمة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة أو البرنامج الإنمائي أو مفوضية حقوق الإنسان هو مفهوم العدالة الانتقالية وآليات تطبيقها. قدّم غانم عدداً من الصور التوضيحية المُعبّرة التي يعرفها الجمهور من كثب من قبيل امرأة معصوبة العينين تحمل ميزاناً. والميزان هو شعار العدالة، أما العينان المعصوبتان فتدلان على أن العدالة يجب أن تتحقق من دون محاباة. أما الصور الأربع الأخرى فهي من دول شهدت جرائم مروّعة في أثناء التحول وهي على التوالي تحطيم جدار برلين، قانون الطوارئ في مصر، ومقابر جماعية في العراق، والصورة الأخير ملتقطة من جنوب أفريقيا التي حدثت فيها تجربة مهمة جداً في العدالة الانتقالية. ذكرَ غانم أن العدالة الانتقالية تحصل عادة في المجتمعات الشمولية أو الاستبدادية التي يحصل فيها تحوّل ديمقراطي، غير أن هذا التحوّل يحتاج إلى مجموعة عناصر وآليات عمل كي ترسّخ القيم الديمقراطية الجديدة على هذا البلد المتحوِّل أو ذاك وقد أوجزها المحاضر بخمس نقاط أساسية وهي: "تشريعات دستورية وقوانين جديدة"، "هيكلة مؤسسات الدولة والسلطة"، "إصلاحات اقتصادية"، "إطلاق الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان" و "ثقافة سياسية ومجتمعية جديدة". توسّع المحاضر في شره هذه النقاط الخمس وقال فيما يتعلق بالتشريعات الدستورية أن الدستور يصبح أساس عمل الدولة الديمقراطية بعد أن تتم الإطاحة بالنظام الدكتاتوري, حيث يجب سنّ القوانين كي تطبق العدالة الانتقالية في مجتمع يمتلك إرثاً ضخماً من انتهاكات حقوق الإنسان. أشار المحاضر إلى ضرورة هيكلة مؤسسات الدولة والسلطة وليس حلّها أو إسقاطها كلياً كما حدث في العراق، وإجراء بعض التغييرات الضرورية التي تتناسب مع المناخ الديمقراطي الجديد. نوّه المحاضر إلى أن المرحلة الانتقالية لا تنجح من دون إصلاحات اقتصادية لأن عملية الانتقال تبقى عرجاء وغير مكتملة من دون هذه الإصلاحات الجوهرية. أما الحريات الخاصة والعامة فقد كانت مكبّلة خلال الحقبة الاستبدادية وقد انفتح أمامها الباب كلياً وصارت بمتناول الجميع خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي وبعده. وفيما يتعلق بالثقافة السياسية والمجتمعية الجديدة فقد توقف المحاضر طويلاً عندها ذلك لأن الدكتاتورية تميل دائماً إلى ثقافة محددة تمجّد بالدكتاتور سواء أكانت الدكتاتورية عسكرية أم مدنية، كما تعزز آيديولوجيته بطريقة أو بأخرى. وعندما يحصل التحول الديمقراطي لابد أن يكون مقروناً بثقافة جديدة تتضمن مصطلحات وتعابير غير مألوفة لأنها كانت غائبة عن المجتمع الدكتاتوري فكيف يتعامل الناس في المجتمع الذي يعصف به الانتقال الديمقراطي مع هذه المصطلحات الجديدة؟ فلقد ظهرت التعددية في العراق ما إن سقط الدكتاتور الذي رسخ ثقافة القائد الأوحد، والحزب الواحد وما إلى ذلك. الدستور الذي لم يكن متداولاً صار من المهمات الأولى لرئيس الدولة الذي يجب أن يحافظ على الدستور، وليس على الوطن لأن هذا الأخير له مؤسسات عسكرية محددة تدافع عنه وتحميه من الاعتداءات الخارجية. كما أن مفهوم المجتمع المدني لم يكن معروفاً لكنه أصبح مفهوماً متداولاً ورائجاً خلال مرحلة التحول الديمقراطي وترسخ بعدها كمعْلم جديد من معالم الحياة السياسية والثقافية في ظل النظام الديمقراطي الذي بدأ يتخلص من إرث المؤسسات الدكتاتورية.
تعريف العدالة الانتقالية توقف الأستاذ غانم جواد عند أربعة تعريفات لمفهومي العدالة والانتقال. فالعدالة هي مفهوم فضفاض، وهي حلم الشعراء والكُتاب والمثقفين والمفكرين والعلماء وكل أبناء المجتمع وأطيافه منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا وسوف يمتد هذا الحلم إلى المستقبل بكل تأكيد. فالعدالة هي رمز ومفهوم أساسي جاءت به كل التشريعات الدينية والدنيوية على حد سواء، بل أن الأنظمة الشمولية التي سقطت كانت تتحدث عن العدالة أيضاً من خلال اعتباراتها وتصوراتها الخاصة، والكل يدعي أنه يريد أن يحققها لشعبه ومواطنيه. ونظراً لأهمية هذه التعريفات الأربعة نوردها جميعا. حيث يشدد التعريف الأول على أنها "هي المنهج العملي لتحوِّل المجتمع بأكمله من حكم النظم التسلطية إلى البناء الديمقراطي". أما تعريف الأمم المتحدة فيقول: "هي برنامج للتحول السلمي من مجتمع تعرض للاستبداد السياسي والاجتماعي والاقتصادي وإلى الانقسام العرقي والطائفي وانتهاكات صارخة لحقوق الانسان الى مجتمع تسوده الديمقراطية وقبول الرأي الآخر والتعددية واحترام حقوق الانسان شرط إزالة أثار حقبة الاستبداد وإعادة التوازن داخل المجتمع، وضرورة هذا الشرط تكمن باعتباره الدافع لتلاحم الجميع من أجل تحقيق القيم الجديدة". فيما يؤكد التعريف الثالث على أنها "حقل من النشاط يهدف إلى بناء مجتمع أكثر ديمقراطية ومستقبل آمن ويركز على المجتمعات التي تمتلك إرثاً كبيراً من خروقات حقوق الانسان، والإبادة الجماعية، أو أشكال أخرى من الانتهاكات التي تشمل الجرائم ضد الإنسانية، أو الحرب الأهلية". أما التعريف الرباع والأخير فيقول إن العدالة الانتقالية: "هي مصطلح لم يأتِ من فراغ وإنما له تطبيقات في عدة دول في العالم كتمهيد لدولة القانون".
تحقيق العدالة الانتقالية بغية تحقيق العدالة الانتقالية لابد من توفر جملة من الاشتراطات الأساسية تبدأ بإعادة البناء الاجتماعي وإصلاح المؤسسات القضائية، وتمرّ بقانون العفو والتعويضات، وتنتهي بالسلم الأهلي والمصالحة الوطنية. هذا إضافة إلى ستة اشتراطات أخرى سنتوقف عندها جميعا. تتطلب مرحلة إعادة البناء الاجتماعي إحلال قيم جديدة بدلاً عن القيم السابقة من قبيل "الحزب الواحد، القائد الضرورة، القائد المُلهَم، الزعيم الأوحد" وما إلى ذلك وإحلال التعددية، والرأي الآخر، والمجتمع المدني التي تساهم في بناء المجتمع من جديد وتأسيس علاقة جديدة ومغايرة مع الدولة إضافة إلى التركيز على بناء الطبقة الوسطى باعتبارها صانعة لهذه القيم الديمقراطية الجديدة. ركّز المحاضر على ضرورة إصلاح المؤسسات القضائية لأنها كانت مرتبطة بالسلطة التنفيذية للنظام الدكتاتوري ولا تتمتع بالاستقلالية حيث ينفّذ القاضي ما يقوله الحاكم. ولفتَ النظر إلى أن عملية الإصلاحات القضائية هي عملية شاقة ومتعبة والذين يعملون في هذا الحقل يعرفون طبيعة هذه المعضلة وما تسببه لهم من مكابدة وعناء. اعتبر المحاضر المحاكمات بنداً أساسياً من بنود العدالة الانتقالية مبيناً أنواع هذه المحاكمات المدنية والعسكرية، الداخلية والخارجية وذكر أمثلة على ذلك من بينها المحاكمات التي تجري بلاهاي لمجرمي الحرب في يوغسلافيا، ومحاكمة رموز النظام العراقي السابق ببغداد، إضافة إلى محاكمات دولية أخرى. كما توقف المحاضر عند ضرورة إصلاح المنظومة الأمنية مُذكِّراً الحاضرين بالشرطة المصرية التي قمعت المتظاهرين في ثورة 25 يناير 2011 في ميدان التحرير ثم قدموا الاعتذار واضعين اللوم على السلطات الرسمية. لتحقيق العدالة الانتقالية لابد من قيام لجان الحقيقة بدورها، وهذه لجان خاصة وليست قضائية ولها تسميات متعددة مثل "الحقيقة والإصلاح"، و "المساءلة والعدالة" و "الحقيقة والإنصاف" وقد أصبحت هذه اللجان منبراً للضحايا أو الناجين من الموت الذين يريدون أن يعبِّروا عمّا كابدوه. وأشهر هذه اللجان هي لجنة "الحقيقة والمصالحة" التي تأسست في جنوب أفريقيا بعد سقوط النظام العنصري وقد حققت هذه اللجنة انتصارات قانونية ومدنية واجتماعية عديدة كما أرست قواعد الصلح بين البيض والسود. نوّه المحاضر إلى أهمية "الذاكرة الجماعية" وكيفية تنشيطها والاحتفاظ بها خاصة وأننا نمتلك إرثاً كبيراً من الضحايا الذين ذهبوا ظلماً وعدواناً. والذاكرة الجماعية هي عمل قانوني واجتماعي وإنساني يبين كيفية التعامل مع الضحايا والناجين من بطش الأنظمة الاستبدادية. وأشار إلى بعض الوسائل التي يمكن بواسطتها الحفاظ على هذه الذاكرة مثل النُصب التذكارية، أو تسمية الشوارع بأسماء الضحايا، أو تخصيص يوم للاحتفال بهم أو إقامة المتاحف لهم كما هو الحال في متحف الهولوكست الذي أقامه اليهود في واشنطن وأورشليم القدس. كما شدّد المحاضر على ضرورة تأهيل الناجين من الاستبداد وتعويضهم وجبر الضرر الذي لحق بهم. ينظر المُحاضر إلى قانون العفو بوصفه أحد دعائم العدالة الانتقالية لكن الشعوب تعاملت معه تعاملاً مختلفاً بحسب وجهات نظرهم الخاصة. فالزعيم عبد الكريم قاسم سنّ قانون "عفا الله عمّا سلف" لكن بعض الدول التي تحققت فيها العدالة الانتقالية قالت بوجوب المحاسبة لأن الإفلات من العقاب لا يبني الديمقراطية، كما أكدّت على إنصاف الضحايا ومحاسبة الجلادين. أما مجالات العفو فهي محددة كما حصل في المغرب العربي عندما اعترف أحد الجلادين بالجرائم التي ارتكبها طالباً العفو والمعذرة. وأشار إلى أن وطبان إبراهيم الحسن قد قدّم اعتذاراً أيضاً وقال "بأنه لا يعرف بهذه الجرائم التي أرتكبت ضد الشعب العراقي" ولا ندري إن كان وطبان صادقاً أم كاذباً ولكنه اعتذر في المحكمة على أية حال، علماً بأن الذي يعتذر في المحاكم سيتم التخفيف عنه وهناك صيغة محددة للتعامل معه كما ورد في القانون الدولي لحقوق الإنسان. ثمة حالات خاصة حددتها العدالة الانتقالية لدول لا تتشابه فيها الظروف مثل ضحايا الأسلحة الكيمياوية التي حُرّمت بعد الحرب العالمية الثانية حيث دمرت أغلب الدول مخزونها الكيمياوي باستثناء العراق وبعض الدول الأخرى. كما يدخل العنف الاجتماعي ضمن هذه الحالات الخاصة لأن المرأة لا تستطيع أن تتحدث عمّا جرى لها في السجون والمعتقلات وخاصة فيما يتعلق بالعفة والشرف في المجتمعات العربية والإسلامية. كما اعتبر المُحاضر التعويضات بنداً من بنود العدالة الانتقالية التي تنصف الضحايا والمظلومين. ركّز المحاضر على أهمية الاندماج ونزع السلاح وتساءل عن الكيفية التي يحدث فيها هذا الاندماج، وما هي الآليات المتبعة لتحقيقه؟ وضرب مثالاً عن جوقة النظام السابق، والمطبلين له، والمروجين لسياساته وهل هناك إمكانية لاندماجهم في المجتمع أم لا؟ وذكر بأن تجربة رواندا كانت ناجحة جداً، بينما لم تنجح فكرة الاندماج في المجتمع العراقي لحد الآن. يرى المحاضر أن السلم الأهلي والتعايش مرتبطان ولا يمكن تحقيقهما إلاّ بالإنصاف وأرضاء المجتمع ومن دون هذا الإرضاء تظل الأحقاد تعتمل في دواخل أهالي الضحايا وقد تظهر لاحقاً في سلوك عنفي أو مظاهرات أو احتجاجات. فالتعايش هو تعبير عن السلم الأهلي بين الأديان والأعراف والطوائف ولا يمكن تحقيقه إلا بالمصالحة الوطنية وهي البند الثاني عشر والأخير الذي يضع حداً للنزاعات والأحقاد وقد نجح بعض الدول في تحقيقها بينما لم ينجح البعض الآخر.
لماذا العدالة الانتقالية؟ أجاب الباحث غانم جواد بثماني نقاط عن سؤال جوهري مفاده: " لماذا العدالة الانتقالية"؟ وقال إنّ السبب الأول هو تعزيز التحول الديمقراطي، وإرساء الحكم الرشيد الذي يمنع إدماج الحزب في الدولة ولا يقبل في التماهي معها. كما يشدّد على ضرورة المحاسبة القانونية البعيدة عن الاتهام والدوافع الضيقة، فالهدف هو عدم الإفلات من العقاب وليس الثأر والانتقام كما حصل في مصر. ثمة أسباب أخرى من بينها سطوة الأنظمة الدكتاتورية وتطور وسائل قمعها وسيطرتها على مرافق الحياة اليومية للمواطن، لذلك يجب تخليص المجتمع الجديد من إرث الماضي الثقيل. إن إعادة الإحساس بالظلم والإهانة ناجم عن عدم تذكّر الناجين وتأهيلهم فلابد من محو هذا الشعور بواسطة إنصاف الضحايا وتحقيق العدالة لهم. ركّز المحاضر على منع غليان الغضب وتفجّره من خلال تمردات فردية أو جماعية قد تفضي إلى الانفلات الأمني نتيجة عدم الرضا وفقدان العدالة واستمرار القهر بسبب سوء الأوضاع المتردية. حذر المحاضر من مغبة تعاظم النزاعات وصراعات الهويات العرقية والمذهبية داخل الدول المفضي الى تقوية مشاعر التقسيم والانفصال. فتشيكسلوفاكيا انفصلت انفصالاً سلمياً، بينما انفصلت يوغسلافيا انفصالاً دموياً. كما اشار المحاضر إلى وجود مشاعر الانفصال والتقسيم عند البعض في العراق. لفت المحاضر عناية المتلقين إلى شمول الأفراد كأشخاص في القانون الدولي لحقوق الإنسان بعد أن كان مقتصراً على الدول، أي أن الفرد معرّض للمساءلة الدولية إذا انتهك حقوق الإنسان وليس الدولة وحدها. كما أشار المحاضر إلى أهمية التوسع الهائل في وسائل الإتصال الناجمة عن ثورة الاتصالات والمعلومات. وتزايد تأثير مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان والعدالة والسلم.
تجارب الشعوب اختار المحاضر ست عشرة دولة طبقت العدالة الانتقالية بشكل أو بآخر من بينها اليونان، الأرجنتين، تشيلي، المغرب، جنوب أفريقيا، رواندا، غواتيمالا وغيرها. وقد توقف الباحث عند اليونان بوصفها البلد الأول الذي طُبقت فيه العدالة الانتقالية في أواسط سبعينات القرن الماضي (1975-1977) حيث تم مساءلة الحكام عن خروقات حقوق الإنسان. كما أدّت جهود لجنة تقصي الحقيقة في الأرجنتين إلى محاكمة الطغمة العسكرية عام 1983 بعد ثلاث سنوات من إزاحتهم عن السلطة. وفي السياق ذاته قضت لجنة تقصي الحقيقة في تشيلي عام 1990 بمحاكمة الدكتاتور بينوشيه وتسليمه بتهمة ارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان وكان من نتائجها توفير تعويضات لصالح الضحايا أو لذويهم. وأفضت تجربة المغرب إلى بعض اجراءات التحول وتسليم الحكم إلى المعارضة عام 1995 حيث تم إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة لتقصي الحقائق التي قضت بدفع تعويضات عام 2005. ثمة اجراءات أخرى من بينها منع منتهكي حقوق الإنسان السابقين في ألمانيا الشرقية من الوصول إلى مناصب في السلطة بعد سقوط جدار برلين. وفي الإطار ذاته حدثت في تشيكوسلوفكيا عمليات التطهير الحكومي عام 1989 مقتدين بتجربة ألمانيا. ربما تكون لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا التي رأَسَها الأسقف توتو هي الأهم من نوعها في التعامل مع ضحايا ومنتهكي حقوق الإنسان. ثم تلتها محاكمة مجرمي الحرب الأهلية في يوغسلافيا سابقا، ثم قادة جمهورية الصرب على جرائم في البوسنة منذ أواخر التسعينات حتى عام 2005. كما تمت محاكمة مجرمي الحرب الأهلية التي اندلعت بين قبائل الهوتو والتوتسي عام (1995-1998) في رواندا. ثم تلتها متابعات جنائية لمنتهكي حقوق الإنسان في غواتيمالا وتشيلي. ثم حدوث تجربة الإصلاح الدستوري / السياسي في مملكة البحرين عام 2001 التي أتاحت هامشاً للحريات وعودة المعارضين ومشاركتهم في العمل السياسي. أما رأي المحاضر في تجربة العراق التي قال عنها أنها لم تكتمل، وما تزال نتائجها غائمة، وفيها ثغرات كثيرة في الدستور والانتخابات ومحاكمة قادة النظام السابق، والاجتثاث، والمحاصصة على حساب القانون وإصلاح المؤسسات القضائية. خلص الباحث غانم جواد إلى أربع نتائج أساسية مفادها أن لكل بلد حالته الخاصة، وليس هناك وصفة جاهزة لكل البلدان، بل أن ما يعزز تحقيقها هو الحاجة إلى السلم الأهلي، والديمقراطية، وسيادة القانون وما إلى ذلك. كما توصل إلى أن سياقات العدالة الانتقالية تتطلب مراعاة قيود عملية كثيرة من بينها قصور الاجراءات القضائية، نقص في الموارد البشرية والمادية، ضعف بنية النظام القضائي، نقص في الأدلة الجنائية، صخامة عدد القضايا وكثرة الجناة. ومما يزيد الأمور تعقيداً هو غموض في النصوص الدستورية أو عدم تشريع قوانين خاصة بالمحاسبة أو تقيدات إجرائية مثل العفو. يرى الباحث في خاتمة المطاف أن السلطات يجب أن تسعى لإصلاح المظالم، وتخفيف أو رفع القيود التي تحول دون شيوع العدالة والإنصاف.
*ما نزال مستمرين في تغطية محاضرات مؤسسة الحوار الإنساني بلندن لعامي 2011 و 2012 ومحاضرة العدالة الانتقالية وآليات تطبيقها للأستاذ الباحث غانم جواد هي واحدة من المحاضرات المهمة التي تشيع ثقافة التحول الديمقراطي حقوق الإنسان ولهذا اقتضى التنوية.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سطوة الواقع وسحر الخيال العلمي المجنّح
-
معرض استعادي في -بيت السلام- للفنان شاكر حسن آل سعيد
-
د. علي علاوي يستقرئ العلاقة بين مفهومي الأخلاق والسياسة
-
السيد مضر الحلو وقراءته الجديدة للتراث
-
سماحة السيد حسين إسماعيل الصدر ومفهوم المساواة بين الناس (2)
-
سماحة السيد حسين إسماعيل الصدر ومفهوم الحوار مع الآخر (1)
-
مهرجان الظفرة السابع يحظى باهتمام إعلامي عالمي
-
مهرجان الظفرة. . توثيق الماضي بعيون معاصرة
-
كنوز العراق الخفية
-
السخرية السوداء في فيلم -111 فتاة- لناهد قبادي وبيجان زمانبي
...
-
غربة المثقف العراقي في المنفى البريطاني في فيلم وثائقي ثقافي
-
السينما الرقمية بين الصدمة والإبهار
-
المهاجرون في مجتمع متعدد الثقافات
-
الملتقى الأول للرواية العراقية المغتربة بلندن
-
الصناعي والناشر عبد الصاحب الشاكري:أصدرتُ مجلة -الحذاء- التي
...
-
اللغة العربية بين هاجسَيّ البقاء الفناء
-
جودي الكناني: حلمي الكبير أن أحقق فيلماً عن المتنبي
-
جودي الكناي:أهتم كثيراً بالبورتريت الذي يتناول دواخل الشخصية
...
-
السينما فن تعبيري أكثر تعقيداً من الفنون الإبداعية الأخرى
-
الواقعية التعبيرية في لوحات الفنان إبراهيم العبدلي
المزيد.....
-
قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل
...
-
ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية
...
-
حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
-
عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار
...
-
قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح
...
-
الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه
...
-
تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
-
مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة
...
-
دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
-
وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|