|
رؤية نقدية في المشهد الثقافي السياسي في عالمنا العربي
سعاد جبر
الحوار المتمدن-العدد: 1237 - 2005 / 6 / 23 - 12:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يلف عالمنا العربي ضبابية ثقافية ، وتلقائية تدور في أزقة الفوضى الفكرية ، والأنسحابات عن الإطار الفكري الذي يؤطر الثقافة العربية وما ينبثق عنها من ثقافة سياسية تتشكل في برامج التنمية والتوعية السياسية في البعد التربوي والإعلامي على وجه التحديد ، فمنظومة المعارف والقيم والرؤى والأفكار والاتجاهات التي تتشكل من أطياف ثقافتنا العربية في لغة النظم السياسية فيما يتعارف عليه بالثقافة السياسية في فردية منسحبة وسلطوية مستبدة وممارسات سياسية عشوائية منسحبة عن أبجديات التأطير السياسي الواعي الذي تشكله منجزات الديمقراطية الحقيقية وحرية التعبير والمشاركة الفاعلة للمواطن العربي في لغة اتخاذ القرار السياسي بوعي وخلق وكفاية ومسؤولية من خلال تفاعل نظريتي التدخل والإرسال في النهج السياسي الواعي لا المتخبط في ظلمات التبعية للغالب في كافة ما يخطر بالبال من أشكال التبعية وما لايخطر ، ونحن في ظل تلك الأزقة بحاجة إلى خلفية فكرية واعية تتشكل من تكاتف النخبة المثقفة المخلصة لتحديد أبعاد القرار السياسي والرأي العام في إطار جدية القرارات واستقلالية النهج واحترام الآخر والتفاعل مع التجربة الإنسانية السياسية ولكن في ضوء الوعي وعدم التذوت حتى الانسلاخ ، ولكن ما يترأى للمتتبع في المشهد السياسي العربي هو لغة التذوت حتى الفناء في الآخر بحيث لاتجد حتى مجرد أطلال الذات الحقيقية في رسم ذلك المشهد الهستيري بالمتضادات ، فلا نجد رسم متطلبات الهوية العربية الإسلامية في بعد ثوابتها وانفتاحها الواعي ، بل تتشكل لغة التجزئة والتبعية المطلقة المنفلتة من بعد ثقافتها ، والواقع النقدي يقدم مؤشرات حادة مفادها عدم بلوغنا ونحن على مساحات القرن الواحد والعشرين حقيقة المأسسة الجادة لثقافتنا العربية ، فضلا عن ضبابية الثقافة السياسية وعشوائية قراراتها التي تئن في آتون التبعية والصدمة من الأخر وبلوغ أزمة عقدة المغلوب فيها اوجها حتى فاقت ما سطره ابن خلدون في نظرية الغالب والمغلوب في بعدها الفردي و الجمعي المطلق ، بحيث يبرز فيها ظاهرة بيع المبادئ بالمزاد العلني على سيمفونيات الدولارات ، فلا يخفى ما يتشكل لنا من لوحات سريانية متضادة عبر المشهد السياسي العربي تنم عن غياب الوعي الثقافي وانحراف لغة السياسية عن خلفيتها الفكرية التي تضمن مساراتها في ضوء ثقافة الوعي والديمقراطية وحرية التعبير والمشاركة الفاعلة بين المواطن والسلطة ، وفي مقدمة ذلك الانتماء العربي للامة العربية والتاريخ والمستقبل الحر الأبي وهذا يشكل بعدا من التحديات الحضارية التي تقتضي تكاتف النخبة المثقفة والأعلام العربي والمؤسسة التربوية لتفعيل ميثاق عربي جاد يجمع تلك النخب المثقفة المخلصة في ظل مأسسة إعلامية وإلكترونية وتربوية تنتشل ثقافة الهزيمة من جذورها بالوعي الفكري ، وتعلي قيم تقدير الذات واستقلالية قرارها أمام الأخر المستبد المستلب فتذوى معها منابر تلك الثقافة المتقزمة ، فتنتشر في أجوائنا الثقافية لغة النهوض الحضاري وقداسة الأرض وعمق الولاء في ثلاثية ( الإسلام ، العروبة ، الوطن ) معا بلا تضادات ، واستقلالية النهج وعدم الاستلاب أمام امركة السياسة ، بحيث تغذيها ثقافة الوعي السياسي والتنمية السياسية عبر المؤسسات التربوية التي يقع على عاتقها تنمية الولاء للهوية العربية الإسلامية ونبذ التبعية وتبني الديمقراطية والإثراء من التجارب الإنسانية واحترام الأخر في لغة قرارات تتسم بالإيجابية والمسؤولية والكفاية الفاعلة . وتباعا لما سبق ؛ فإن مترتبات الفوضى الثقافية والعشوائية السياسية أسهمت في إفراز خطوط تدعي العقلانية الباردة في انحراف عن الخط القومي العربي وسياسة تقدير الذات في ضوء التذوت المنسلخ مع الأخر وفقدان إمكانيات الذات في الممكن والمتاح والحقيقة ، تحت لغة الانزواء في أحادية انهزامية تتطلب الخروج عن سرب الهوية القومية وسيادة الذات في كافة أبعادها الفردية والجمعية والمؤسسية وأشكال القرار السياسي والعام ، وبلغت حدتها في المشهد الإعلامي العربي ، ولكن في الوقت ذاته امتدت ثقافة الصمت التي تلف عالمنا العربي في مزيد من الصمت الكهفي المكفهر ، في غيبوبة عن الوعي والمشاركة وبذل اقل متطلبات المناعة والمواجهة ، أمام تلك الثقافات المدجنة المنظمة ، عبر مساحات إعلامية تتسارع في التمادي ومزيدا من البحبحة الإعلامية وفضاءات بوح رمادي لمبشراتها المستقبلية في غد جميل هادئ مستقر رومانسي شاعري ، بعيدا عن لغة الواقعية ومصداقية الحقيقة ، والمواطن العربي في ظل تلك الأجواء يمارس عليه القهر ومستجدات منتجات غسل الأدمغة الفكرية ، وماهيات لاتنتهي من لغات التفكير عنه ، في حالة وأد مطلقة لايعي معها أبجديات ثقافته العربية وماهية المستقبل الذي ينتظره وضبابية العلاقة بين أجياله ومترتبات نظمه السياسية في فوضوية القرارات ومسافات التسيب عن متطلبات النهوض الحضاري في منجزات الفكر والرقمية في كل مترتباتها الإلكترونية من قبيل تفعيل الاقتراع الإلكتروني في منجزات الديمقراطية الإلكترونية القادمة وغيرها من أبعاد إلكترونية الثقافة والرأي العام والفن والأدب وابعاد ميكانيكا المادة في المنجزات فضلا عن حالات التميع غير المستساغة في نبذ الولاء للهوية العربية الإسلامية في المؤسسة الإعلامية والحراك الاجتماعي . أما ما يخص الثقافة السياسية وابعادها التوعوية فهي في رحم حروف لم ترتسم بعد في ذاكرة المواطن العربي في المشهد النقدي لواقعه، وما زالت في رؤى حالمة تنتظر الميلاد الجميل . وكل ما سبق هو خلاصة رواسب الممنوعات التي تزج بعيدا عن برمجتها فكريا في عقول أجيالنا ، تحت تؤاطؤ النظم السياسية العربية وتخاذل النخب المثقفة في مساحات التوعية الجادة المسؤولة بكفاية وخلق وإيجابية ، وان وجد بعض رمق منها فهو شتات لايسمن ولايغني من جوع ، ولايتناسب البتة مع مساحات الهوة في التحديات بين الواقع والمطلوب من جهة ، وخارج عن سرب مأسسة منظمة من جهة أخرى . تستهدف بناء الثقافة السياسية الواعية لا الانشغال بمهاترات وازعاجات مع النظم السياسية من جهة وتكثيف الرؤى في الظهور الشكلي الخارجي على الساحة بعيدا عن البناء الفكري الثقافي الفاعل وبرمجة أدواته الفكرية في البث والنشر في المواطن العربي والأجيال القادمة عبر تنمية سياسية واعية في افقها التربوي والأعلامي الفاعل . . وانطلاقا مما سبق ؛ فلا عجب أن تجتاحنا بين الحين والآخر هستريا فوضى سياسية في أتون ثقافات مدجنة من لغات متنوعة عبر طرفي الاستسلام والانسلاخ ، تستهدف تحريكنا في سمت دمية متهاوية في يد الأخر السادي ، حيث يعطل الجسد والقرار ويغدو السراب حقيقة على شاشات الوهم ، ويغدو الخريف ربيعا على صفحات الأعلام المتراقص على طبول التطبيع والأنا المستلبة في أعماقها في ذاكرة منفصمة عن جوهر ذاتها في ذاتها ، فتبدو لنا ثنائية ( الوهم ، انفصام الذاكرة ) مترامية مبتذلة على مسرح السياسة العربية ، وتعكس لنا رمادية ستائرها المستلبة في المشهد الثقافي القاتم وثلاثية متأكلة في ( الآن ، الأنا ، هوية الجغرافيا ) ، تقتضي حالة استنهاض عارمة مؤسسية في عالمنا العربي ، لأننا إن لم نصنع يومنا وغدنا ، فلابد أن نجد أنفسنا في آن وغد مصطنع من الأخر السادي الذي يرمقنا من بعيد ، ويسجننا في سجن أنفسنا من ذاتنا . ويطبع ألسنتنا بصبغته بمحض إرادتنا في _محرك إلكتروني ـ عن بعد ، فندفن حلمنا بعشق واهم منا ، ونتبجح برغباته المستعرة على مملكة أجسادنا حتى الفناء الأخير ، وحتى تغدو اللوحة برسم أقلام ثقافتنا الحرة الأبية فلتصبح أوراق آننا وحبرها الطاهر على صباح حرية جميل .
#سعاد_جبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فنيات القص في ادب رابلية / اضاءات على روائع الأدب الفرنسي
-
المرأة والأبداعية الأدبية
-
تماهيات الأدب في لغة السياسة
المزيد.....
-
الأكثر ازدحاما..ماذا يعرقل حركة الطيران خلال عطلة عيد الشكر
...
-
لن تصدق ما حدث للسائق.. شاهد شجرة عملاقة تسقط على سيارة وتسح
...
-
مسؤول إسرائيلي يكشف عن آخر تطورات محادثات وقف إطلاق النار مع
...
-
-حامل- منذ 15 شهراً، ما هي تفاصيل عمليات احتيال -معجزة- للحم
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية مسؤولين في -حماس- شاركا في هجوم
...
-
هل سمحت مصر لشركة مراهنات كبرى بالعمل في البلاد؟
-
فيضانات تضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية ورجال الإنقاذ ينتشلون
...
-
ليتوانيا تبحث في فرضية -العمل الإرهابي- بعد تحطم طائرة الشحن
...
-
محللة استخبارات عسكرية أمريكية: نحن على سلم التصعيد نحو حرب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|